في 18 فيفري 2018، نظّمت التنسيقية الجهوية لتجريم التطبيع مع الكيان الصهيوني مسيرة وطنية كبرى دعماً لمشروع قانون بهذا الشأن، شملت معظم ولايات الجمهورية. هذا التنسيق هو إئتلاف مدني شكّل في ديسمبر 2017، في إثر قرار الرئيس الأميركي ترامب بنقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس، وهو يضم أحزابا وجمعيات تعنى بالقضية الفلسطينية منها حركة الشعب وحركة النضال الوطني والرابطة التونسية للتسامح وجمعية البناء الثقافي، إلخ. كان من المزمع التصويت على مشروع قانون تجريم التطبيع مع الكيان الصهيوني في 20 فيفري 2018 في الجلسة العامة لمجلس نواب الشعب. ولكن المماطة والعراقيل التى ما انفكت رئاسة مجلس نواب الشعب ولجنة الحقوق والحريات التابعة لها والمكلفة بالنظر في هذا القانون تمارسها، حال دون ذلك. وكان نواب الجبهة الشعبية قد تقدموا بالمشروع المذكور منذ 2015 ولم يتمّ إبرازه إلا مؤخرافي إثر المسيرات الشعبية التي عمّت الأراضي التونسية رفضاً للقرار الأميركي. فتبعا لهذه المسيرات، تمّت إحالة القانون إلى لجنة الحقوق والحريات للنظر فيه.
إلا أنه وبالرغم من المطالبات الشعبية الجادة والواسعة في البلاد، فإن المماطلة ما زالت سيدة الموقف حتى اللحظة. وهذا ما يؤكده للمفكرة أ. صلاح المصري، رئيس الرابطة التونسية للتسامح المنضوية تحت راية التنسيق الجهوي. وهو يستدل على ذلك من تقدّم نواب من كتلة النداء بمقترح قانون آخر بهدف التشويش على مقترح الجبهة الشعبية. زيادة على ذلك، تتضّح نية رئاسة مجلس النواب بتأجيل جلسة 20 فيفري 2018، حيث أنه لم يتم دعوة رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة من قبل لجنة الحقوق والحريات لحضور مناقشة القانون تحضيرا للتصويت عليه في جلسة 20 فيفري.
المطالبات من أجل تجريم التطبيع ليست بالجديدة في تونس. ففي أوكتوبر 2012، تلاحمت العديد من الجمعيات تحت حملة شعارها "التمسك بفصل 27". كانت تهدف هذه الحملة إلى إدراج فصل في الدستور يجرّم التطبيع مع الكيان الصهيوني. ولكن المماطلة من قبل المنظومة الحاكمة (حكومة الترويكا وقتها) أدت إلى اقتصار واضعي الدستور الجديد على التلويح بالتضامن مع حركة التحرّر الفلسطينية في توطئته. فقد نصت هذه التوطئة على أنه "بناء على منزلة الإنسان كائنا مكرّما، وتوثيقا لانتمائنا الثقافي والحضاري للأمّة العربية والإسلامية، وانطلاقا من الوحدة الوطنية القائمة على المواطنة والأخوّة والتكافل والعدالة الاجتماعية، ودعما للوحدة المغاربية باعتبارها خطوةً نحو تحقيق الوحدة العربية، والتكامل مع الشعوب الإسلامية والشعوب الإفريقية، والتعاون مع شعوب العالم، وانتصارا للمظلومين في كلّ مكان، ولحقّ الشعوب في تقرير مصيرها، ولحركات التحرر العادلة وفي مقدمتها حركة التحرّر الفلسطيني، ومناهضة لكلّ أشكال الاحتلال والعنصرية…"
في الواقع، وكما أوضح "المصري" في حواره مع المفكرة القانونية، مقاربة الدولة التونسية تنسجم مع المقاربة الثانية. فقد عبرت كتلتا النهضة والنداء، وهما الكتلتان الأكبر حجماً وتأثيراً في البرلمان التونسي اليوم، عن رفضهما للقانون بحجة ضرورة مناقشة فصوله لأنها تسبب إشكاليات، كما أكد "المصري". في الواقع، مبدأ حل الدولتين بالنسبة للقضية الفلسطينية هي مقاربة المجتمع الدولي والمنظمات الدولية، وقبول الدولة التونسية بمبدأ "تجريم التطبيع" قد يجعلها بخصام مع المنظومة الدولية ويؤدي إلى الأتأثير على القروض والمساعدات الدولية.
يؤمن التنسيق الجهوي لتجريم التطبيع مع الكيان الصهيوني بخطر هذا الكيان ليس فقط على فلسطين والفلسطينيين بل يتعدى الحدود الجغرافية ليشمل كل الوطن العربي، وضمنا تونس والتونسيين. لذلك عمل التنسيق على إدخال مفهوم "تجريم التطبيع" على الوعي الجمعي للمجتمع التونسي من خلال ليس فقط المسيرات، التي أعطاها بعدا سياسيا وطنيا من خلال مطالبتها بقانون يجرم التطبيع، بل أيضاً من خلال العريضة الوطنية التى أطلقها في ديسمبر لجمع مليون توقيع دعما لمشروع القانون. جمعت هذه العريضة حتى اليوم 300 ألف توقيع، حسب "المصري". نشير إلى أن منظمات حقوقية تونسية عديدة تساند التنسيق مثل الإتحاد العام التونسي للشغل وعمادة المحامين. بالإضافة إلى أن هناك أصواتا عديدة تتعالى داخل المجلس التشريعي التونسي مطالبة بإسراع إقرار هذا القانون. أخرها النائب عن الجبهة الشعبية، عمار عمروسية، الذي قام بتمزيق علم إسرائيل خلال الجلسة العامة لمجلس النواب، في 13 فيفري 2018، احتجاجا على التأجيل المتكرر من لجنة الحقوق والحريات للنظر في القانون. بالإضافة إلى أن عريضة النواب المؤيدين لهذا القانون تحتوي حتى الآن على ما يقارب ال100 توقيع.
This website uses cookies so that we can provide you with the best user experience possible. Cookie information is stored in your browser and performs functions such as recognising you when you return to our website and helping our team to understand which sections of the website you find most interesting and useful.
Strictly Necessary Cookies
Strictly Necessary Cookie should be enabled at all times so that we can save your preferences for cookie settings.
If you disable this cookie, we will not be able to save your preferences. This means that every time you visit this website you will need to enable or disable cookies again.