يعتبر الاغتصاب الزوجي من صور العنف الجنسي الذي تتعرض له النساء والفتيات في جميع أنحاء العالم، حيث ظل وإلى القضاء طلبا للانتصاف.
ماذا يقول القانون المغربي عن اغتصاب الزوجة؟
يعرف الفصل 486 من القانون الجنائي الاغتصاب بأنه “مواقعة رجل لامرأة بدون رضاها”. للوهلة الأولى يبدو أن هذا التعريف لم يستثن المتزوجين من نطاق تطبيقه، على خلاف عدد من التشريعات المقارنة. لكن بالرجوع إلى فلسفة القانون الجنائي، يُلاحظ أن منطق التجريم والعقاب يتأثر بوجود علاقة الزوجية التي قد تصبح سببا إما لتشديد العقوبة، كما هي الحال في جرائم العنف ضد الزوجة[1]، أو إلى اعفاء أحد الزوجين من العقاب كما هي الحال في جرائم السرقة بين الأزواج[2]،، ويؤدي في أحوال أخرى إلى تأخير تنفيذ العقوبة في حالة قيام العلاقة الزوجية ووجود أبناء[3].
من جهة ثانية، يلاحظ أن المشرع المغربي يميز في الاعتداءات الجنسية التي تطال النساء بين جريمة الاغتصاب والتي تعني الإيلاج في المهبل بدون رضا الضحية[4]، وهي جريمة تخص النساء فقط؛
وجريمة هتك العرض[5] والتي تعني الإيلاج في مكان آخر غير المهبل، ويشترط في هذا السياق أن تكون مصحوبة باستعمال العنف إذا تعلق الأمر بأشخاص راشدين، ويمكن أن تكون الضحية امرأة أو رجلا، ويصنف الجريمتين معا ضمن باب جرائم الاعتداء على نظام الأسرة والأخلاق[6]، ويعاقب أيضا على كل أشكال الإيذاء التي تطال أحد الزوجين طبقا للفصل 404 من القانون الجنائي.
ورغم صدور قانون محاربة العنف ضد النساء بعد انتظار طويل، إلا أنه لم يتطرق إلى تجريم الاغتصاب الزوجي بنص خاص، وإنما اكتفى بتعريف العنف الجنسي.
فكيف تعاملت المحاكم المغربية أمام سكوت النص القانوني في قضايا الاغتصاب الزوجي؟
توجّهات المحاكم المغربية في تجريم الاغتصاب الزوجي
من خلال تتبع الأحكام القضائية الصادرة في المغرب بتجريم الاغتصاب الزوجي، يمكن ملاحظة وجود تدرّج في الاجتهاد القضائي بهذا الخصوص، وهو ما يبدو من خلال هذه الأمثلة:
في تاريخ 09 سبتمبر 2009 قضت المحكمة الابتدائية بقلعة سراغنة[7] بإدانة زوج من أجل العنف في حق زوجته، وذلك بعدما تقدمت بشكاية في مواجهته تعرض فيه بأنه قام ليلة الدخلة بفض غشاء بكارتها بشكل عنيف، واستمر في إعطائها المواد المخدرة، مما تسبب في فقدان وعيها، ليقوم بعد ذلك بإيلاج عضوه في شرجها، بشكل عنيف.
في تاريخ 06 يونيو 2013 قضت غرفة الجنايات بمحكمة الاستئناف بالجديدة[8] بإدانة زوج من أجل هتك عرض زوجته باستعمال العنف، وذلك بعدما تقدمت الزوجة بشكاية الى النيابة العامة تعرض فيها بأن زوجها يسيء معاملتها، ويعتدي عليها بدنيا، مستخدما عصا وحزاما جلديا، وأنه بتاريخ 26/12/2012 وبعد أن أقدم على الاعتداء عليها جسديا أمام أطفالهما، قام بايلاج عضوه في شرجها وفمها دون رضاها، مما جعلها تغادر بيت الزوجية. قامت النيابة العامة بعرض الضحية على طبيب شرعي فأثبت تعرضها للاعتداء الجنسي، وقررت متابعة المتهم في حالة اعتقال، وأثناء المحاكمة أنكر المتهم المنسوب اليه، لكن المحكمة قررت الاستماع إلى الأطفال على سبيل الاستئناس، فأكدوا تعرض أمهم للاعتداء الجنسي من طرف الأب بحضورهم، حيث أفادت الطفلة بأن أباها أجبر والدتها على مصّ عضوه التناسلي. واقتنعت المحكمة بثبوت الأفعال المنسوبة الى المتهم وقضت بعد تمتيعه بظروف التخفيف بمعاقبته بسنتين حبسا نافذا وغرامة قدرها 15 ألف درهم.
في تاريخ 30 يونيو 2018 أشعرت شرطة العرائش بالانتقال إلى مستشفى المدينة بعدما نقلت إليه فتاة وهي تنزف دما من فرجها. وعند الاستماع إليها في محضر قانوني، أكّدت أنها دخلت في خلاف مع زوجها، بعدما أخبرته بنيتها في فسخ الزواج قبل البناء، الشيء الذي لم يتقبله، وثار في وجهها، وأسقطها أرضا، وقام بمواقعتها رغما عنها، وأدخل ذكره بقوة في فرجها، رغم توسلها اليه للكفّ عن ذلك، وتمكن من افتضاض بكارتها، وتركها تنزف دما. وقد تم نقلها الى المستشفى، وأدلت بشواهد طبية تفيد تعرضها لعنف جنسي. وعند استماع الشرطة للمشتكى به أكد أن المشتكية زوجته، وأنه نظرا لمروره بضائقة مالية تأخر في إقامة حفل الزفاف، وبأنه كان يتردد باستمرار على منزل والدها، ويمارس معها الجنس بشكل سطحي، وأضاف بأنه دخل معها في خلاف، وفي يوم وقوع الحادث، مارس معها الجنس بشكل سطحي، لكنه في لحظة لم يضبط نفسه وقام بإدخال ذكره في فرجها وافتضّ بكارتها وواصل ممارسة الجنس عليها دون أن ينتبه الى كونها تنزف دما، ثم غادر المكان بناء على طلبها. وعند إحالة المتهم على أنظار الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف بطنجة قرر اجراء تحقيق في حقه من أجل جناية الاغتصاب الناتج عنه افتضاض طبقا للفصلين 486 و488 من القانون الجنائي؛ وقد أكد المتهم نفس التصريحات التي أدلى بها في محضر الشرطة، وقرر قاضي التحقيق متابعته من أجل نفس الأفعال وإحالته على غرفة الجنايات في حالة اعتقال. لكن أثناء المحاكمة، قررت غرفة الجنايات الابتدائية إعادة تكييف الفعل إلى جنحة العنف ضد الزوجة وإدانة المتهم ومعاقبته بالسجن النافذ لمدة سنتين[9].
وبعد استئناف الحكم، قضت غرفة الجنايات الاستئنافية بإلغائه في الشق المتعلق بإعادة التكييف، وإدانة المتهم من جديد من أجل الاغتصاب الناتج عنه افتضاض، وتمتيعه بظروف التخفيف نظرا لتنازل المشتكية عن شكايتها، وجعل العقوبة الصادرة في حقه موقوفة التنفيذ[10].
في تاريخ 08 يونيو 2022، أصدرت محكمة الاستئناف بتطوان حكما[11] قضى بإدانة زوج من أجل اغتصاب زوجته وهتك عرضها باستعمال العنف، طبقا للفصل 485 و486 من القانون الجنائي، وذلك بعد تقديم المشتكية التي تعاني من الصم والبكم بشكاية تعرض فيها بأن المتهم اغتصبها، ومن أجل دفعها على التراجع عن شكايتها عمل على الزواج منها، وحينما تنازلت عن شكايتها، رفض اصطحابها إلى بيت الزوجية، فاضطرت إلى تقديم شكاية جديدة في مواجهته تتعلق بإهمال الأسرة، فوافق مضطرا إلى اصطحابها له إلى منزل العائلة، وبعد تناولهما وجبة العشاء دخلا لغرفة منفردة وأغلق الباب، وطلب منها ممارسة الجنس الشرجي معه، لكنها رفضت، واستفسرته عن السبب في ذلك، فأخبرها بأنه لا يريدها أن تحمل منه، وزاد إصراره على طلبه، حيث أمسك يديها وأغلق فمها، ونزع ملابسها بالقوة، ومارس عليها الجنس الشرجي دون رضاها رغم توسلاتها، ثم تركها في حالة نفسية مزرية وغادر المكان بعد أن هددها بالقتل إن هي أخبرت أحدا. قررت المحكمة إدانة المتهم من أجل اغتصاب زوجته وهتكه لعرضها باستعمال العنف، ومعاقبته على ذلك بثلاث سنوات حبسا نافذا وبأدائه للمشتكية تعويضا قدره 30 ألف درهم.
قراءة في توجهات المحاكم المغربية في تجريم الاغتصاب الزوجي
من خلال قراءة الاجتهادات القضائية السابقة، يلاحظ أنه في حالة جرائم هتك العرض[12] والتي يقوم فيها الأزواج بممارسة الجنس الفموي أو الجنس من الدبر على الزوجات دون رضاهن، فإن القضاء يميل الى التشدد مع هذه الأفعال، التي تكيف على أنها هتك عرض للزوجة مع استعمال العنف[13].
أما في حالة ممارسة الجنس المهبلي مع الزوجة ومن دون رضاها، فإن القضاء كان خلال المرحة الأولى يكيف هذا الفعل كعنف زوجي وهي جنحة يعاقب عليها الفصل 404 من القانون الجنائي.
لكن أصبح القضاء في الآونة الأخيرة يكيف هذا الفعل كاغتصاب زوجي وهي جناية تسري عليها مقتضيات الفصل 486 من القانون الجنائي وذلك تزامنا مع تزايد الاهتمام بقضايا حقوق المرأة وارتفاع وتيرة التكوينات المخصصة للقضاة العاملين في المحاكم الزجرية وهو ما كرسه قرار غرفة الجنايات الاستئنافية بطنجة بشكل صريح حينما اعتبر وجود عقد زواج لا يحول دون إمكانية متابعة الزوج من أجل اغتصاب زوجته. وبالرغم من هذا التحول التدريجي في الاجتهاد القضائي، يلاحظ أنه يتم في غالب الأحيان تمتيع الزوج المغتصب وبشكل تلقائي بظروف التخفيف، حيث يوصف الفعل كجناية وتكون العقوبة المقررة له عقوبة جنحية مخففة أو موقوفة التنفيذ خاصة في حالة تنازل الزوجة عن الشكاية.
من خلال جميع الأمثلة التي أمكن الوقوف عليها، يلاحظ أن غالبية الأحكام القضائية المتعلقة بالإدانة في جرائم الاغتصاب الزوجي وهتك العرض لا تأمر فيها المحاكم بإعمال تدابير الحماية[14] الواردة في قانون محاربة العنف ضد النساء من قبيل الإيداع في مؤسسة للعلاج النفسي أو إصدار أمر بالمنع من الاقتراب أو الاتصال بالضحية أو الإنذار بعدم تكرار الاعتداء، حيث تبقى هذه التدابير غير مفعلة على أرض الواقع.
وبخصوص التعويضات المحكوم بها، يلحظ أن المحاكم تميل إلى الحكم بمبالغ مالية مخففة تارة أو أن الضحايا أنفسهن يتنازلن عن تتبع مآل قضاياهن بعد الخضوع للوساطة التي تقوم بها العائلات في حالات أخرى، خاصة وأن القانون الجنائي المغربي ما يزال يصنف جرائم الاغتصاب ضمن باب الجرائم الواقعة على نظام الأسرة. وهو ما يفسر توسيع مجال أعمال التنازل في إطار الحفاظ على الاعتبارات العائلية.
من أجل تجريم الاغتصاب الزوجي ووضع حد لاختلاف المحاكم في سلطة التأويل
مع قرب فتح ورش مراجعة القانون الجنائي مرة أخرى بعد تعثر دام زهاء ثمان سنوات من المأمول أن يتم حسم الجدل حول هذا الموضوع من خلال تجريم الاغتصاب الزوجي بنص واضح ودقيق يضع حدا لاختلاف سلطة التأويل بين المحاكم، وهو ما يفرض على المشرع ضرورة إعادة النظر في تعريف جريمة الاغتصاب وإلغاء التمييز بينها وبين جريمة هتك العرض، بما يكفل شمول التجريم لجميع أشكال الاعتداء الجنسي بالإكراه على أي جزء من جسد الضحية، بما في ذلك الإيلاج باستخدام أدوات، بغض النظر عن جنس الضحية وجنس المعتدي ليشمل نطاق التجريم أيضا جرائم اغتصاب الذكور مع إعادة النظر في تصنيف جريمة الاغتصاب واعتبارها جريمة ضد الحق في الأمن الشخصي والسلامة البدنية والجنسية والنفسية للأفراد، وليس كاعتداء على نظام الأسرة والأخلاق[15].
مواضيع ذات صلة
الحبس لمغتصب زوجته في المغرب: سابقة قضائية ذات مفاعيل إقليمية
محكمة استئناف طنجة تجرّم صراحة الاغتصاب الزوجي
محكمة بالمغرب ترفض دعوى لإجبار زوجة على معاشرة زوجها
إلغاء الفقرة الثانية من الفصل 475 من القانون الجنائي: هل ينهي افلات المغتصب من العقاب؟
قانون محاربة العنف ضد النساء بالمغرب يدخل حيز التنفيذ
اغتصاب الذكور، أو الرؤية الجديدة لجريمة الاغتصاب
مدونون بالمغرب يطلقون حملة: “القانون الجنائي لن يمر”
[1] الفصل 404 من القانون الجنائي.
[2] الفصل 534 من القانون الجنائي.
[3] الفصل 33 من القانون الجنائي.
[4]– الفصل 486 من القانون الجنائي.
[5] -الفصول 484 و485 و487 وما بعدها من القانون الجنائي.
[6]– الباب الثامن من القانون الجنائي يتعلق بالجنايات والجنح ضد نظام الأسرة والأخلاق العامة.
[7]-حكم المحكمة الابتدائية بقلعة السراغنة، ملف جنحي رقم 358/09 بتاريخ 09/09/2009، منشور في دراسة معيقات ولوج النساء والفتيات الى العدالة في قضايا العنف المبني على النوع الاجتماعي في المغرب اللجنة الدولية للحقوقيين ICJ 2019، ص 30.
[8]– قرار محكمة الاستئناف بالجديدة رقم 36/2644/2013، صادر بتاريخ 6 يونيو 2013، منشور في كتاب: حماية حقوق المرأة من خلال الاجتهاد القضائي المغربي دراسة توثيقية تحليلية من الاستقلال الى سنة 2013، دراسة أنجزت بشراكة بين وزارة العدل بالمغرب وهيئة الأمم المتحدة للمساواة بين الجنسين وتمكين المرأة، مطبعة المعارف الجديدة بالرباط، الطبعة الأولى 2014، ص 624.
[9]-قرار غرفة الجنايات بمحكمة الاستئناف بطنجة في ملف جنائي ابتدائي عدد 924 بتاريخ 2/10/2018.
[10]-قرار غرفة الجنايات بمحكمة الاستئناف بطنجة عدد 232 في الملف جنائي استئنافي عدد 2612/2019/203 بتاريخ 9/4/2019.
[11]-قرار غرفة الجنايات بمحكمة الاستئناف بتطوان رقم 185، في ملف رقم 269/2640/2021 صادر بتاريخ 22/03/2022.
[12]– ينص الفصل 485 من القانون الجنائي على أنه: يعاقب بالسجن من خمس الى عشر سنوات من هتك أو حاول هتك عرض أي شخص ذكرا كان أو أنثى، مع استعمال العنف.
[13]– يمكن تفسير تشدد القضاء مع حالات جرائم هتك العرض التي يرتكبها بعض الأزواج ضد زوجاتهم من خلال ارغامهن على ممارسة الجنس الفموي أو الجنس الشرجي الى ان هذه الممارسات الجنسية تعتبر محرمة من منظور ديني بغض النظر عن رضا الزوجة، حتى وان كانت غير مجرمة من طرف المشرع ما لم تكون مصحوبة باستعمال العنف.
أنظر لمزيد من التفاصيل:
-أنس سعدون: وضعية المرأة المغربية على ضوء منهاج عمل بيجين، أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون الخاص، جامعة عبد المالك السعدي، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بطنجة، 2017-2018.
[14] – أنس سعدون: اعمال تدابير الحماية في قانون محاربة العنف ضد النساء، مقال منشور بجريدة الأخبار، 2389، بتاريخ 14 سبتمبر 2020، ص 08.
[15]-أنظر لمزيد من التفاصيل مذكرة المجلس الوطني لحقوق الانسان حول مشروع تعديل القانون الجنائي (مذكرة تكميلية)، ديسمبر 2019، ص 71.