أسدل الستار مؤخرا على الجمع العام لنادي قضاة المغرب، والذي توج بانتخاب عبد الرزاق الجباري رئيسا جديدا لنادي القضاة خلفا للقاضي عبد اللطيف الشنتوف، كما عرف الجمع العام انتخاب أجهزة جديدة للنادي لولاية يحددها القانون الأساسي للجمعية في ثلاث سنوات.
أهمية هذه الاستحقاقات الانتخابية تكمن في كونها تتوج مسار جمعية نادي القضاة كإحدى أهمّ التجارب الناجحة للحراك القضائيّ في بلدان المنطقة. كما أنها ترسّخ عمل الجمعية وفق آليات التسيير الديمقراطي، وتؤطّر عمل أجهزتها خلال مرحلة تشهد الانتقال من محطة الترافع من أجل تعديل القوانين ووضع المؤسسات إلى محطة السهر على تنزيلها وتقييم حصيلة العمل بها.
تعديلات القانون الأساسي للنادي والقضاة يتمسّكون بالتجديد
عرف الجمع العام للنادي تقديم مقترحات لتعديل القانون الأساسي للجمعية، والتي ولدت في ظروف صعبة غداة المصادقة على دستور 2011، بعدما تعرض جمعها العام التأسيسي للمنع، وأصر المئات من القضاة حينئذ على تأسيس ناديهم في الهواء الطلق، وهو ما لم يسمح بمناقشة القانون الأساسي في ابانه.
وهكذا تضمنت مقترحات التعديلات عدة مواضع تنظيمية همت بالأساس تخفيض النصاب المقترح لصحة انعقاد الجمع العام بتخفيضه من الثلث إلى الربع، إلى جانب مقترح بإلغاء قيد ولايتين غير قابلتين للتجديد بالنسبة لأعضاء أجهزة الجمعية للرغبة في الاستفادة من تجارب المسيرين القدامى. أمّا المقترح الثالث، فقد همّ رفع القيد الوارد بالنسبة للمسؤولين القضائيين لعضوية أجهزة الجمعية.
وبعد نقاش مستفيض بين المؤتمرات والمؤتمرين، تم التصويت بالأغلبية على المقترح الأول بتقليص النصاب المشترط لصحة الجمع العام من الثلث إلى الربع، بينما تم رفض رفع قيد ولايتين بالنسبة لأجهزة الجمعية على الصعيد المركزي، حيث تشبّث القضاة بضرورة التجديد والانفتاح على كفاءات قضائية جديدة. أما بالنسبة للمقترح الثالث فقد تم التصويت على رفع حظر دخول المسؤولين القضائيين إلى الأجهزة المركزية للنادي، وإبقائه بالنسبة للأجهزة الجهوية.
وتجدر الإشارة إلى أن مسألة حظر دخول المسؤولين القضائيين إلى أجهزة النادي كانت محلّ تجاذبات كثيرة طيلة الفترة السابقة، بين تيارين داخل نادي القضاة: الأول يرى ضرورة إبعاد المسؤولين القضائيين عن أجهزة الجمعية، حتى لا يهيمنوا عليها، على غرار ما وقع في تجارب جمعوية سابقة، حيث تحولت بعض الجمعيات ‘لى جمعيات مسؤولين قضائيين. وتيار ثانٍ يرى بأنّه آن الأوان لرفع هذا القيد، كوسيلة لتصحيح الصورة النمطية عن المسؤول القضائي في ظلّ الإصلاحات القضائية التي شهدها المغرب والتي كرست مبدأ التباري عن منصب المسؤولية وهو ما أفرز جيلا جديدا من المسؤولين القضائيين القادرين على تدبير العمل داخل المحاكم دون استحضار لحساسيات جمعوية، علما بأن عددا من قيادات النادي أصبحوا مسؤولين بعدد من المحاكم، وحافظوا على حضور كافة المحطات النضالية للنادي. ويعول أصحاب هذا الاتجاه على طبيعة القانون الأساسي للجمعية والذي يكرس تعددية الاجهزة التقريرية، ولا يركز السلطات في يد جهاز واحد، بما يكفل التحصين من أي محاولة للاختراق أو الهيمنة او التغول.
وأثناء المناقشة انتصر الرأي القائل بالسماح للمسؤولين القضائيين بالترشح لعضوية الاجهزة الوطنية واستمرار الحظر بالنسبة للأجهزة الجهوية، لكون العلاقات داخل هذه السياقات تكون مباشرة وإمكانية التأثير داخل النفوذ المحلي أو الجهوي تبقى أكبر من مثيلاتها على الصعيد الوطني.. وبالرغم من هذا التعديل لم يتم انتخاب اي مسؤول قضائي في أجهزة النادي خلال هذه الولاية.
تأجيل البت في مقترح منع أعضاء أجهزة الجمعية للترشيح لانتخابات المجلس الأعلى للسلطة القضائية
صوت الجمع العام للنادي على تأجيل مناقشة مقترح يقضي بمنع أجهزة الجمعية بالترشح لانتخابات المجلس الأعلى للسلطة القضائية خلال فترة ولايتها. وقد أثار طرح هذه النقطة وجود تيارين، الأول يعتبرها تقييدا لحق دستوري وهو الحق في الترشيح، والثاني يعتبرها شرطا تنظيميا، هدفه بالأساس تجاوز حالة الشغور التي يخلقها هذا الترشيح وتأثيره على عمل الجمعية خلال فترة الاستحقاقات الانتخابية. وفي تعليقه على هذا المقترح اعتبر الرئيس المؤسس لنادي قضاة المغرب ياسين مخلي أن الصيغة المقترحة للتعديل ينبغي ألا تتأسس على المنع القانوني، وإنما ينبغي أن تصاغ في شكل التزام أخلاقي يتحمله أعضاء أجهزة الجمعية، للقيام بأدوارهم طيلة فترة ولاية الأجهزة، وعدم خلق حالة فراغ أو شغور يؤثر سلبا على عملها.
حضور قوي للقضاة الشباب وغياب مقاربة النوع الاجتماعي
عرف الجمع العام لنادي قضاة المغرب حضورا قويا للقضاة العاملين بالمحاكم في مختلف أنحاء المغرب إلى جانب قضاة ملحقين بالمؤسسات الدستورية وهيئات الحكامة، إلى جانب أعضاء من المجلس الأعلى للسلطة القضائية في الولاية الحالية والسابقة، فضلا عن عدد من المسؤولين القضائيين. وكان بارزا حضور عدد كبير من القضاة الشباب في تكريس للطابع الشبابي الذي ميز هذه الجمعية مند تأسيسها. كما كان حضور النساء القاضيات كعضوات في الجمع العام لافتا. إلا أنه وكغالب الاستحقاقات الانتخابية المهنية للقضاة والمحامين، لم تقبل القاضيات على الترشح، بحيث لم تتقدم أي مرشحة للتنافس على منصب رئاسة النادي، وتقدم عدد محدود من القاضيات للترشيح للمكتب التنفيذي. وهو ما أفرز انتخاب قاضية واحدة فقط من بين عشر قضاة، أما المجلس الوطني فقد عرف انتخاب 7 قاضيات من بين 43 مرشحا انتخبوا جميعا لعضوية المجلس.
وفيما لم يتضمن مشروع التعديلات الواردة على القانوني الأساسي للنادي أي مقترح بإدراج نظام الحصص أو الكوتا بما يضمن تمثيلية أوسع للقاضيات ضمن أجهزة نادي قضاة المغرب، على غرار ما هو مكرس في القانون التنظيمي للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، يبقى الأمل معقودا على تجاوز هذه الإشكالية في الاستحقاقات المقبلة بخصوص انتخاب المكاتب الجهوية، إذ أن رؤساءها يعتبرون أعضاء بقوة القانون في المجلس الوطني.
تنافس كبير على منصب الرئيس
عرفت استحقاقات نادي قضاة المغرب لسنة 2022 تنافسا كبيرا على منصب الرئاسة بين الكاتب العام للنادي عبد الرزاق الجباري، وعضو المكتب التنفيذي المستشار المصطفى آيت عيسى. ولكون القانون الأساسي للجمعية لا يسمح بإعلان الترشيحات قبل موعد انعقاد الجمع العام، كما لا يسمح للمرشحين بتوجيه كلمة للتعريف بأنفسهم، فقد غابت البرامج من أجندا هذه الاستحقاقات، التي أفرزت انتخاب عبد الرزاق جباري، رئيسا جديدا لنادي قضاة المغرب حيث حصل على 244 صوتا، مقابل 158 صوتا لمنافسه الوحيد.
من هو الرئيس الجديد لنادي قضاة المغرب
الرئيس الجديد لنادي قضاة المغرب عبد الرزاق الجباري سبق أن تقلد منصب رئيس للمكتب الجهوي للنادي بالدائرة الاستئنافية بالقنيطرة، وشغل منصب الكاتب العام للنادي. وعلى الصعيد المهني شغل منصب قاض للتحقيق بالمحكمة الابتدائية بالقنيطرة، كما عرف بإصدار مجموعة من الأحكام القضائية المبدئية خاصة في المجال الجنحي والتي انتصر فيها لضمانات المحاكمة العادلة ولحقوق الدفاع ولحقوق بعض الفئات المهمشة. كما سبق احالته على مجلس التأديب بسبب تدوييناته على مواقع التواصل الاجتماعي، قبل أن يقرر مجلس القضاء تبرئته. وقد أصدر عددا من الدراسات القانونية، وهو عضو مؤسس أيضا للمرصد الوطني للدفاع عن استقلال السلطة القضائية .
ومباشرة بعد انتخابه أكد عبد الرزاق الجباري خلال كلمة، على أن مسؤولية تسيير جمعية قضائية من حجم “نادي قضاة المغرب” هي تكليف جسيم وعظيم قبل أن يكون تشريفا. مسترسلاً بالقول: “ومن هذا المنطلق، سنعمل، في إطار الأجهزة المسيرة الجديدة، ووفقا لآلية التسيير الديمقراطي في اتخاذ القرار كما دأبت عليه الأجهزة السابقة، على مواصلة تنزيل المشروع الإصلاحي لـ “نادي قضاة المغرب” من جهة، والحفاظ على ما تحقق من مكتسبات خلال المدة الفارطة من جهة ثانية، والدفاع عن استقلالية السلطة القضائية وحقوق القضاة والمتقاضين ومصالحهم المشروعة من جهة أخرى”. وختم كلمته بالتأكيد على أن تحقيق ما يصبو إليه النادي من أهداف وغايات، لن يتحقق إلا بالتعاون المستمر مع المؤسسات القضائية المركزية (المجلس الأعلى للسلطة القضائية – رئاسة النيابة العامة – وزارة العدل)، وتعميق مستوى التواصل والتشارك مع مختلف الجمعيات المهنية القضائية، وكذا الانفتاح على مكونات المجتمع المدني كحليف استراتيجي”.
مواضيع ذات صلة
اولى بواكير الدستور (الثورة) في المغرب: القضاة ينشؤون ناديا في الهواء الطلق..
الحراك القضائي بالمغرب من أجل سلطة قضائية مستقلة
ملاحظات على تعميم مجلس القضاء الأعلى بإنكار حرية قضاة لبنان بالتجمع: محاولة المنع لا تجهض حلم التأسيس
نادي قضاة المغرب يصدر مدونة سلوك لانتخابات ممثلي القضاة
نادي قضاة المغرب يعلن عن فتح باب الترشح للفوز بجائزة المرأة القاضية
قراءة في الدور التأسيسي لنادي قضاة المغرب في رسم معالم السلطة القضائية بالمغرب
على خطى نادي قضاة مصر، نادي قضاة المغرب يرفض “الهرمية” داخل القضاء: نرفض اختزال الجمعيات العمومية للمحاكم برؤسائها
إعادة انتخاب الشنتوف رئيسا لنادي قضاة المغرب وسط حضور عدد كبير من القضاة الشباب
حوار المفكرة القانونية مع رئيس نادي قضاة المغرب : الاستقلال المؤسساتي للسلطة القضائية
تغييب النساء القاضيات عن مناصب المسؤولية بالمغرب: إشكالية السقف الزجاجي
المحاماة تنتخب هياكلها في المغرب: تغييب النساء المحاميات من يعيد مطلب تقنين الكوتا إلى الواجهة
تحديات تواجه تجربة المرأة القاضية بالمغرب
تجربة المرأة القاضية بالمغرب