بدأت مصر في مارس الماضي عملية تلقيح المواطنين، في إطار مواجهة الدولة لفيروس كورونا (كوفيد 19). يأتي ذلك في ظلّ غياب باقي الإجراءات الاحترازية الموصى بها من منظمة الصحة العالمية، التي شدّدت على أنّ اللقاحات وحدها لن تقضي على الفيروس. رفعت مصر حالة حظر التجمّعات والإغلاق العام منذ أشهر، فيما يواصل كثيرون تداول صور وفيديوهات توثّق الزحام ويناشدون الدولة التدخّل لمنع ارتفاع الإصابات والوفيات. وكانت وزارة الصحّة أقرّت بأنّ الناس تتخلّى أكثر فأكثر عن الإجراءات الاحترازية وإن أرجعته إلى “عدم وعي المواطنين” بحسب تعبير وزيرة الصحة هالة زايد.
وتراجع تطبيق الإجراءات الاحترازية في الشهور الماضية انحسب على القرارات الأخيرة لرئاسة الوزراء بخصوص فترة عطلة العيد، جاءت بنودها منقوصة ومتضاربة. على سبيل المثال، ينص أحد القرارات على حظر التجمّع خلال العطلة، فيما سمح بند آخر بإقامة صلاة العيد. تكمن خطورة ذلك، في أنّه ينزع خطوة تلقيح المواطنين من سياقها وهدفها الأساسي، وهو الحدّ من انتشار الوباء، نتيجة غياب باقي الخطوات والإجراءات الاحترازية التي على الدولة مسؤولية مراقبة تطبيقها بالبلاد كما عليها مسؤولية توفير اللقاح لكافة المواطنين وفقاً لتصريح زايد.
يتناول هذا التقرير خطة الدولة لتوزيع اللقاحات التي أعلنت عنها الوزيرة في ديسمبر الماضي ويتابع خط سيرها للوقوف على فاعلية تنفيذها ومدى تحقيق الهدف منها.
من أين تحصل مصر على اللقاحات وكيف؟
يتوافر في مصر الآن لقاحان هما: سينوفارم وأسترازينيكا فيما تغيب بعض اللقاحات المعروفة مثل فايزر. وتعتمد مصر على عدد من المصادر لتغطية حاجتها من اللقاحات، ما بين مساعدات ومنح مجانية من الدول المُصنّعة. والبداية كانت مع وصول شحنة لقاح سينوفارم الصيني أواخر 2020، وكذلك حصّة مصر من مبادرة “كوفاكس“، كونها ضمن الدول المُستحقّة. يبلغ حجم اللقاحات المفترض أن تحصل مصر عليها من خلال “كوفاكس” والصين 40 مليون جرعة، تصل على مدار العام الحالي، في إطار تعاقد أكبر، قامت به مصر، يقدّر بـ 100 مليون جرعة، كما قالت زايد في أبريل الماضي.
إلى جانب التعاقدات، تحاول مصر توقيع اتفاقات والحصول على موافقة من الشركات المنتجة للقاحات، لتبدأ في إنتاجها بنفسها، وهو ما يحدث مع شركتي “سينوفاك” الصينية، و”سبوتنك V” الروسية.
من المعروف أنّ فايزر يتمتّع بفاعلية تناسب المصابين بأمراض مختلفة ترتبط بتزايد مخاطر الإصابة بأمراض وخيمة، منها فرط ضغط الدم والسكري والربو والأمراض الرئوية وأمراض الكبد والكلى، بالإضافة إلى الحالات المزمنة المستقرّة والخاضعة للمراقبة، بحسب منظمة الصحة العالمية. وهذه الأمراض هي من الأكثر انتشاراً بين المصريين، وعلى الرغم من ذلك لا توفّر مصر هذا اللقاح إلى الآن، وتتسم تصريحات وزارة الصحة حوله بالتضارب. ففي نوفمبر الماضي أعلنت وزيرة الصحة عن حجز 20% من احتياجات مصر من لقاح فايزر. وفي مطلع ديسمبر، أعربت الوزارة عن استعدادها لجلب الدفعة الأولى منه، وتقدّر بـ 20 مليون لقاح تكفي 10 ملايين شخص. ثم عادت لتكشف عن استبعاده في أواخر الشهر نفسه، لإجماع معظم أعضاء اللجنة العلمية على وجود العديد من الملاحظات حوله، بحسبهم. وفي يناير صرّح وزير المالية محمد معيط مرّة أخرى عن خوض مصر مفاوضات مع الشركة الأميركية المنتجة للقاح فايزر. بالتالي، لا يتوافق إسناد تراجع مصر عن استيراد فايزر إلى عدم فاعلية اللقاح، مع محاولاتها المستمرّة للحصول عليه. لكنّه يشير إلى أنّنا أمام نقص في المعلومات العاكسة لحقيقة موقف مصر من لقاح فايزر. بالنظر إلى الطريقة التي حصلت بها مصر على لقاحي سينوفارم وأسترازينيكا إلى الآن، ومحاولة القياس عليها لفهم ما ينقصنا من معلومات، يتبيّن أنّ المعايير الحاكمة للاختيار تعتمد على أسباب مالية أكثر منها صحية. ويعزز هذه الفرضية أيضاً أنّ المخصّصات المالية في الموازنة العامّة لملف الصحة ووباء كورونا ضعيفة بالفعل، ويجري الاعتماد على صندوق “تحيا مصر” بحسب تصريحات وزيرة الصحة، الذي تتّسم إدارته كليّاً بالسرّية، في توفير اللقاحات.
يتطرّق الباحث في ملف الدواء بالمبادرة المصرية للحقوق الشخصية أحمد عزب إلى اعتماد مبدأ الإتاحة في الحصول على اللقاحات. ويشرح أنّ “بعض الدول النامية قد تكون مجبرة على اللجوء للقاح الصيني من باب قلّة الحيلة، لأنّ الدول التي تملك القوّة الشرائية تعاقدت بالفعل قبل أشهر مع الشركات المنتجة للقاحات مثل فايزر- بيونتيك للحصول عليها بسرعة وبكمّيات تفي احتياجاتها وبالتالي الكميات التي لم تنتج بعد هي بالفعل محجوزة لتلك الدول”.
هيئة الدواء بين القدرة والرغبة
يفترض أن يُقرّ اللقاح بعد الانتهاء من مراحل اختبارات التجارب السريرية، التي تقوم بها الشركة المنتجة. تقوم كل دولة مستوردة للقاح بتقييمه من ناحيتها، بالعرض على هيئة الدواء المحلية فيها، لاعتماده أو رفضه. في مصر، تختصّ هيئة الدواء المصرية بالقيام بهذا الدور، إذ أنّها الجهة المسؤولة عن تسجيل الأدوية وتسعيرها والرقابة الكاملة على توزيعها وتصنيعها بما فيها المستلزمات الطبية لتأمين وصولها إلى الجمهور. في ديسمبر 2020 منحت مصر لقاح سينوفارم رخصة طارئة للاستخدام للمرّة الأولى. كان ذلك قبل نشر نتيجة المرحلة الثالثة للتجارب السريرية الخاصّة به.
وبعد توقيع مصر على التعاون بين الشركة القابضة للمستحضرات الحيوية واللقاحات (فاكسيرا) مع شركة سينوفاك الصينية للمستحضرات الحيوية، لتصنيع اللقاح في مصر، وفقاً لبيان مجلس الوزراء، وافقت هيئة الدواء في اليوم نفسه على منح ترخيص طارئ لتداول واستخدام لقاح سينوفاك الصيني في مصر. ويعني الاستخدام الطارئ “الموافقة على تداول اللقاح لفترة محدّدة لضمان سرعة توافرها بجمهورية مصر العربية في حالات الأزمات والطوارئ، كالتي نعيشها الآن” على حد قول محمود ياسين المتحدث الإعلامي باسم هيئة الدواء المصرية. أعطت الهيئة إلى الآن موافقة على أربعة لقاحات، بما فيها لقاحان لم يتوافرا بعد في مصر هما سبوتنيك v الروسي وكوفيشيلد/أسترازينيكا إنتاج معهد سيرم الهندي. وبالتالي هناك قابلية لاستخدام مصر لقاحات لتطعيم مواطنيها قبل الكشف عن آثارها الجانبية، وبالاعتماد على إقرارهما من قبل منتجيهما، من دون دور خاص بهيئة الدواء في هذه المرحلة.
يتّفق علاء غنّام مدير برنامج الحق في الصحة في المبادرة المصرية للحقوق الشخصية “آه صحيح كل اللي اتذكر، بس نص العمى، وعموما العالم كلّه كده، نص العمى”. ينطبق مبدأ “نص العمى” على تقييم الهيئة واختيار لقاح دون غيره أيضاً، لأنّ تلقيح المواطنين بدون تركيز على اختبار محلّي لصلاحية وفاعلية هذا التلقيح للوضع الصحّي للمصريين، أفضل من عدم حصولهم على أي تلقيح مطلقاً. يتابع غناّم “ممكن فايزر أفضل بس أغلى وحفظه وشراؤه أصعب أيضاً”. في إشارة إلى عدم قابلية فايزر للحفظ في ثلاجات عادية مثل سينوفارم، لأنّ فايزر يحتاج لدرجة حرارة منخفضة جداً تبلغ -70 درجة مئوية، وبالتالي إجراءات حفظه مُكلفة.
يردّ غنّام على سؤالنا عن دور هيئة الدواء وما إذا كانت تقوم بتجارب واختبارات تفيد بمعرفة استجابة وتفاعل المواطنين المصريين معه وفقاً لحالتهم الصحي، قائلاً “في فرق بين القدرة وبين الرغبة”. فليس لدى الهيئة بديل عن منح اللقاحات رخصة طارئة. ينهي غنام حديثه المقتضب “الموضوع معقّد جداً، ربّنا يستر”.
أي شيء أفضل من لا شيء
حتى وقت قريب، كانت التقارير والأخبار تشير إلى سيطرة اللقاح الصيني في مصر وتواجد لقاح أسترازينيكا بأعداد أقلّ. يُذكر أنّ مصر تحصل على لقاح أسترازينيكا/كوفيشيلد، وأسترازينيكا/AZD 1222، من شركات أدوية في الهند وكوريا الجنوبية التي تعاقدت على نقل تقنية تصنيعه من شركة أسترازينيكا البريطانية، أي أنّ لقاح أسترازينيكا الموجود في مصر لم يأت من الشركة المُصنّعة في بريطانيا. على الرغم من ذلك، تظهر التجارب الفعلية للمواطنين حالياً بغياب لقاح سينوفارم الصيني، حتى في الحالات المُوصى بها لبعضهم، مثل مرضى المناعة ومن لديهم فرص أكبر لتجلّط الدم وخلافه. وإن لم يتمّ التأكّد من وجود أفضلية لصالح سينوفارم في مقاومة الفيروس، فقد سجّلت العديد من الحالات قابلية لقاح أسترازينيكا لإحداث تجلّط في الدم. وتوصي وزارة الصحة المصرية نفسها بعدم حصول مرضى المناعة والسرطان وزارعي الكلى على أسترازينيكا.
تجدر الإشارة إلى أنّ وزارة الصحة تلزم المواطنين بالتوقيع على إقرار يفيد موافقتهم على التطعيم باللقاح أيّاً كان نوعه، تحت رخصة الاستخدام الطارئ. بموجب التوقيع يتحمّل المواطن المسؤولية القانونية عن تبعات التلقيح، ولا يحقّ له مقاضاة الدولة أو الشركة المنتجة له، في حال تضرّره من التطعيم.
عبر فيسبوك، نشرت مواطنة مصرية تدعى داليا اختبرت نظام التلقيح، عن تعرّض والدتها لخطأ طبي عن طريق تلقيحها بأسترازينيكا بدلاً من سينوفارم، ومحاولة المسؤولين في وحدة مركز الطالبية إجبارها على التوقيع بالموافقة على ذلك. تواصلنا مع داليا لفهم ما حدث. تقول داليا “والدتي مريضة روماتويد، وتبلغ من العمر 66 عاماً. تتناول عقاقير طبية مثبطة للمناعة، لذا نصحها طبيبها الخاص بعدم أخذ لقاح أسترازينيكا”. حينما وصلت داليا بصحبة والدتها، نقلت إلى موظّف الاستقبال هذه التوصية. بحسب الموظف الذي استقبلها، فإنّ وزارة الصحة لا يتوافر لديها سوى أسترازينيكا حالياً، بالتالي، أدخلها إلى الطبيبة المختصّة لتقرّر، قبل الوصول لمرحلة التلقيح. من خلال الكشف على الأم والاطّلاع على الشهادات الطبية المثبتة لوضعها، أقرّت طبيبة الوحدة أيضاً بضرورة حصول الأم على سينوفارم. شطبت الطبيبة على اسم أسترازينيكا وأبدلته بسينوفارم.
ما استوقفنا فيما حكته داليا هو وجود افتراض مُسبق بأنّ اللقاح المتوفّر لدى مركز التطعيم يناسب الجميع، بدون تقدير لاحتمالية وجود خطر صحي يستلزم حصول الشخص على لقاح آخر. وبالتالي يحتاج المواطن لإثبات احتماليّة تعرّضه للخطر كي يتغيّر اللقاح، وموافقة طبيب مركز التطعيم على أخذه إن كان موجوداً. تعلّق داليا “محدّش سألنا لو فيه ما يمنع لأخذ اللقاح المتوافر وهو أسترازينيكا، والوزارة عموماً مش بتخيّر حد، بس إحنا اللي طلبنا”.
نبّهت والدة داليا الممرضة بأنّها ستحصل على سينوفارم كما هو مدوّن في الإقرار، لكنّ الممرضة لم تسمعها، ولم تنظر في ورقة الإقرار المدوّن بها اسم اللقاح، لأنّها كانت مشغولة بالحديث في هاتفها المحمول، وأعطتها لقاح أسترازينيكا. اكتشفت الممرضة الخطأ في مرحلة تسجيل التطعيم بعد التلقيح على قاعدة بيانات التطعيمات، للتأكيد على أخذ المواطن للتلقيح، وإعطائه رقم وموعد استحقاق للجرعة الثانية.
توضح داليا أنّ أحداً لم يبلغها بالسبب الحقيقي للانتظار، إلّا بعد ساعتين “الناس بتيجي وتمشي وإحنا قاعدين”، وأعطى العاملون أسباباً وهمية لداليا كلّما سألت.
ثم جاءت مديرة الوحدة وأخبرتها “هو بصراحة حصلت غلطة من الممرضة، ومامتك أخدت الأسترازينيكا، مش سينوفارم، فكده إنتو لازم تغيّروا الإقرار”. تبدي داليا استياءها من طريقة تعاملهم معها بعد أن رفضت الإمضاء في البداية. صاغوا مبرّرات لإجبارها، مثل “إنتِ كده كده مش قدّامك حلّ غير إنّك تمضي، هتتخانقوا وهتمشوا، ساعتها أنا أصلاً مش هدخّل الإقرار الأوّل على سينوفارم اللي مضيتوه، ولا هتبقى أخدت التطعيم خالص على السيستم، وبكده لا هتعرف تاخذ الجرعة الثانية ولا هينفع تاخد التطعيم التاني”. وتابعت “يعني مفيش ما يثبت إنها اتطعمت أصلاً هنا”. أجرت داليا محاولات عدّة لتجنب توقيع الإقرار والإبلاغ عن الخطأ، ما بين سعي للتواصل مع أيّ مسؤول بوزارة الصحة، وكتابة منشور للشكوى والتحذير ممّا حدث معها، لكن من دون جدوى.
رفض الشرطي التابع لوزارة الداخلية والمسؤول عن متابعة سير حركة التطعيمات بالمركز اصطحاب داليا والممرضة ومديرة الوحدة إلى الشرطة لعمل بلاغ بالواقعة “هو كمان كان معاهم بيحاول يخلّيني أمضي، بنفس المبرّرات”. تركت مديرة الوحدة داليا حينما رفضت الإمضاء في البداية ودخلت مكتبها ولم تظهر ثانية، “قفلت الباب على نفسها وقالت لي أنا كده خلاص، إعملي اللي إنتِ عاوزاه”، في حين رفض كافة الموظفين الإدلاء باسم الممرضة.
وجدت داليا نفسها مضطرة سواء للتوقيع لأخذ جرعة من لقاح لا يناسب حالة والدتها الصحية، أو لا شيء على الإطلاق، وتركها عرضة للفيروس بلا أي درجة من الحماية. فقرّرت التوقيع على إقرار لقاح أسترازينيكا، على أن تحصل على الإقرار الأوّل الخاص بسينوفارم. لم يقبلوا إعطاءها الإقرار الأول للحصول على لقاح سينوفارم، “قالوا لي مش حقّك”. لكنها اشترطت الحصول عليه قبل أن توقّع على إقرار أسترازينيكا، وتوسّط الشرطي ليتسنّى لها أخذه.
فكّرت داليا أنّ حصولها على الإقرار الأوّل بسينوفارم، يمكن استخدامه كإثبات في حال تدهورت حالة والدتها، وبأنّها أُجبرت على توقيع الإقرار الثاني بعد أخذ اللقاح غير المناسب، كي تستطيع أخذ الجرعة الثانية.
تعلن وزارة الصحة عن توفير وسائل لمتابعة أعراض ما بعد التطعيم من خلال خطّ مخصّص لذلك، لكن في تجربة داليا لم تهتمّ الوحدة بمتابعة حالة الوالدة خلال الأيام التالية، تحسّباً لظهور أعراض جانبية، نتيجة الحصول على تطعيم لا يناسب حالتها الصحية. “مفيش حاجة ولا حد، همّ كلّ اللي كان هاممهم في الموقف الإمضاء، ومفيش غير حرام الممرضة هتتأذّى، أهمّ كلمة، ومامتك هتبقى كويّسة، مش هيحصل لها حاجة، ما أهي أخدته ومحصلّهاش حاجة”. اضطرت الأم إلى التوقف عن تناول أدوية الروماتويد مما ترتّب عليه بعض الآلام أكثر من المُعتاد، لكنّها تحمد الله على أنّ حالتها لم تتدهور نتيجة أيّ تفاعلات بعد أخذ اللقاح غير المناسب.
اختيار لقاحات غير محكوم بأولويّات
أولت الدولة في خطة توزيع اللقاح أعضاء الفرق الطبية وكبار السن، ومرضى الأمراض المزمنة، الأكثر عرضة للخطر منهم على وجه التحديد. واقعياً، لا تعكس تجارب الكثير من المواطنين توافقاً بين الأولوّيات المعلنة والاختيارات الفعلية للحصول على التطعيم، ومنهم علياء أبو شهبة وأشخاص عدّة في محيطها. شكت علياء من سوء تجربة تطعيم والدتها التي بدأت بعدم قدرة الأم على الوصول إلى التطعيم نفسه رغم أنّها في منتصف السبعين. قدّمت علياء طلب تطعيم لوالدتها ووالدها في بداية مارس. استقبل الأب الموافقة على تطعيمه بعد أيام، في حين لم تجد الأم رداً على طلبها. بعد ثلاثة أسابيع من الانتظار، اشتكت علياء لوزارة الصحّة عبر الخط الساخن، وأتى الرد خلال أيام بالحصول على التلقيح في مركز صحّي بالحي السادس. “كنت مبسوطة جداً”، لكن سعادة عليا لم تكتمل.
في موعد ذهابهم لتطعيم الأم بأواخر مارس، وجدوا الحال بمراكز التطعيم مخالف تماماً لتجربة الأب، التي تصفها بالـ”عظيمة” لما كانت عليه من تنظيم بتواجد حراسة من وزارة الداخلية، وحصول والدها على المعاملة اللائقة. شرحوا له كيفية عمل التطعيم، وأعراضه الجانبية المحتملة، تأكدوا من حصوله على أدوية للتجلّط، حرصوا على إبقائه في المركز لمدّة ربع ساعة ليتأكدوا من عدم حدوث مضاعفات بعد أخذ التطعيم مباشرة، وأخبروه عن وسائل للتواصل مع وزارة الصحة، حال ظهور أي أعراض.
أما في حالة الأم، فلم يكن هناك لا المعاملة ولا التنظيم نفسهما، إذ بلغ عدد المواطنين يومها 500 شخص. بحسب علياء، “ما كانش فيه كراسي حتى ولا مكان ضلّة (أي في الظل) يقعدوا فيه”. دوّنت الوالدة اسمها، وقرّرت العودة للانتظار بالمنزل، بعد الاتفاق مع سائق خاص ليعود في موعد دخولها بعد عدد من الساعات. توضح علياء أنّ ما فعلته والدتها لم يكن متاحاً لآخرين أتوا من مناطق بعيدة، “فِضلوا واقفين في الشمس، والمكان كان وسخ جداً”، استغرق تطعيم الأم حوالي خمس ساعات. في الجرعة الثانية بعد أسبوعين، تحسّن الحال بعض الشيء، وضعوا كراسي وخصّصوا أماكن للانتظار وزاد عدد الموظفين.
بالنسبة لعلياء نفسها، وهي ثلاثينية تعاني من حساسية صدر، فلم تحصل على موافقة منذ تقدّمها بطلب تطعيم في أوائل مارس، حاولت التواصل مع الوزارة وتقديم شكوى كما فعلت مع والدتها، لكن أحداً لم يردّ عليها. ولأنّها تستعد لإجراء عملية جراحية، تحاول الحصول على التطعيم قبل موعد العملية، خشية العدوى داخل المستشفى أثناء إجراء الجراحة. بحكم عمل علياء كصحافية، استطاعت التواصل مع مساعد وزيرة الصحة، طلبت منه مساعدتها لأخذ اللقاح، لتجد هاتفها يرن بعد نصف ساعة فقط، يبلغها موظف من الوزارة بمكان وموعد حصولها على اللقاح في منتصف أبريل، بمكتب صحّة في الحي السابع بمدينة نصر، والأوضاع كانت جيدة.
أما عن مسألة إتاحة ومناسبة اللقاح المتوفّر بمركز التطعيم في تجارب علياء، توضح أنّها ووالدها حصلا على أسترازينيكا، في حين لُقحت الوالدة بسينوفارم، بناء على ما هو متاح في مركز التطعيم، وساعد في ذلك عدم وجود توصيات طبية لهما بلقاح معيّن دون الآخر. على عكس قريبة علياء التي تنتظر إلى الآن توفير لقاح سينوفارم، نظراً لعدم توافره “عمّتي عندها قابلية شديد للتجلّط، برغم من إنّها مقدّمة من بدري وعملنا شكاوى كتير مجلهاش غير قريب، وحينما حصلت على موافقة في بداية رمضان، لم تجد سينوفارم، رغم أنّها تتجاوز الثمانين، وعمتي الأكبر فوق التسعين، وإلى الآن لم تحصل على موافقة، منذ حوالي شهرين”. وتتابع: “هو ده اللي هيجنّني إنّه مفيش معايير للحصول على اللقاح، دول ناس داخلين على التسعين، رغم تأكيدات الوزارة إنه في قاعدة بيانات بتصنّف الحالات”.
في مقابل المبدأ الحاكم لتلقيح المواطنين بالتطعيم المتاح، سُمح لنوّاب البرلمان المصري ولأسرهم اختيار أحد اللقاحين. أما صديقة علياء فلم تستطيع الحصول على سينوفارم لوالدتها، فاضطرّت الأخيرة إلى أخذ أسترازينيكا، ما نتج عنه “تخشّب، ونزلت رغاوي من بقّها، وفقدت الوعي، واستغرقت عودتها وقتاً” ولم تجد شكوى أهلها عبر خط متابعة الأعراض الجانبية للقاحات أي صدى، حينما جاء دور الصديقة نفسها لأخذ اللقاح، أخبرتهم في مركز التطعيم بما حدث مع والدها، نتيجة لقاح أسترازينيكا، فأعطوها سينوفارم “إظّاهر خافوا، فطلّعوا لها لقاح سينوفارم من اللي عندهم واللي بيتقال إنه مش موجود”.
يرتبط الحصول على اللقاح بالتسجيل لطلب التطعيم الذي ينحصر في طريقتين، إمّا عبر الموقع الإلكتروني للتطعيم، أو التسجيل من خلال الوحدات الصحية، يستلزم الأوّل معرفة واتصالاً بشبكة الإنترنت، والثاني قدرة على الوصول إلى الوحدات الصحية. وهذا لا يتوفّر بالضرورة لجميع المواطنين المصريين الساعين لأخذ اللقاح، ولا سيما من كبار السن، الذين تقول الدولة إنّها تضعهم في أولويّاتها، لذا تُلزم أولويّات الدولة بالحاجة إلى تفعيل اقتراح المبادرة المصرية للحقوق الشخصية بتنظيم الوزارة قوافل وحملات تطعيم للمجموعات الذين لا تتيح أوضاعهم سهولة الوصول إلى مراكز التطعيم كالتي للدولة.
في سياق متّصل، لا يُمكن إغفال الفئة المتخوّفة من التلقيح والتي لم تسع بدورها إلى الحصول عليه أصلاً، ممّا يعرّضها ويعرّض غيرها لخطر زيادة بؤر انتشار الوباء. تحتاج هذه الفئة على وجه الخصوص إلى حملات توعية تُعرّف المواطنين على طريقة عمل اللقاحات وتفاعلها مع الجسم، وتوفير معلومات شفافة حول التطعيم ومراكز وجود كلّ من اللقاحين، يناسب كلّ منهما الحالة الصحية لكل مواطن. في النهاية المخالفات والمفارقات بين المُعلن في خطة الدولة وبين ما يحدث على أرض الواقع، يُقوّض هدف التلقيح نفسه، ويهدر الجهود المبذولة لمواجهة الوباء.