قبل قليل، أصدر نادي قضاة لبنان بياناً استنكر فيه الاعتداء اللفظي والجسدي على المحامية العامّة المالية القاضية فاتن عيسى. وبالاتّصال بالنادي للاستعلام عن التفاصيل، أوضح لنا أنّ القاضية بادرت من تلقاء نفسها عند مشاهدتها عمليات مشبوهة (ملء غالونات يُشتبه أنّ ثمة رغبة لبيعها في السوق السوداء) في إحدى محطّات المحروقات في قضاء مرجعيون، إلى الاستفهام عنها. فما كان من أصحاب المحطّة إلّا أن توجّهوا إليها بالسباب والشتم، قبل أن يلجأوا إلى العنف الجسدي. وقد انتهى الأمر برمي القاضية أرضاً وإصابتها بجروح. بعد حصول القاضية على تقرير طبيب شرعي، تمّ توقيف صاحب المحطة ونجليه بإشارة من النائبة العامّة في النبطية غادة أبو علوان. 

هذا الاعتداء بما استتبعه يستدعي ملاحظات ثلاث: 

أوّلاً، يُسجّل إيجاباً مبادرة القاضية عيسى إلى القيام بعملها ضمن وظيفتها كمحامية عامّة مالية، عند اشتباهها بارتكاب مخالفات جسيمة بحق المواطنين كافّة وحقّهم في الاستفادة من المحروقات بأسعار مدعومة. وهذا الأمر إنّما يعكس إرادة متزايدة لدى العديد من القضاة في تعزيز فاعليّتهم في مكافحة الاحتكار ومساعي الاستيلاء على المواد المدعومة لبيعها في السوق السوداء. 

ثانياً، يُسجّل استسهال مواطنين الاعتداء لفظياً وجسدياً على القضاة وهم في إطار قيامهم بمهامهم. وهذا الأمر ما كان ليحصل لولا الخطاب المقيت الذي تشنّه بلا هوادة مجموعة من الشخصيّات والقوى السياسية ضدّ القضاة وبخاصّة ضدّ المحقّق العدلي طارق بيطار على خلفية تجرُّئه عليهم. فمن شأن استسهال القوى الحاكمة التحقير والتنمير والتجريح بحق القضاة أن يسهّل ويبرّر للمواطنين وبخاصّة المخالفين منهم القيام بتصرّفات عنفيّة ضد القضاة. ومن هذه الزاوية، يصحّ وصف الاعتداء بأنّه نتيجة شبه حتمية للتحريض الذي تقوده بصورة ممنهجة قوى سياسية مهيمنة ضد القضاء للتملّص من أي مسؤولية تقع عليها. 

ثالثاً، إنّ اعتداء صاحب المحطّة وأبناؤه على القاضية عيسى ليس اعتداءً خاصّاً إنّما هو مسّ بحقوق المجتمع برمّته، يستدعي ممارسة الحق العام بحقّ هؤلاء بعيداً عن منطق الصلح أو التسوية وذلك ردعاً لأيّ تصرّف مماثل. 

لعدم التهاون في قمع المحتكرين pic.twitter.com/p55B5ymZJ5

— Lebanese Judges Association نادي قضاة لبنان (@JudgesLebanese) August 27, 2021