في بيان صدر عنها بتاريخ 18-04-2022، نقلتْ جمعية القضاة الشبان التونسية لأول مرّة للعلن حديثا يتداوله الوسط القضائي التونسي حول ممارسات تنتهجها السلطة الحاكمة تستهدف النيابات العامة في تونس على خلفية مواقفها الاستقلالية الرافضة لاستخدام القضاء الجزائي في التنكيل بالمعارضين السياسيين. وقد أشار البيان تفصيليا إلى إخضاع كلا من وكيل الجمهورية لدى المحكمة الابتدائية بتونس والوكيل العام لدى محكمة استئناف العاصمة لتفقّد إداريّ مستمرّ على خلفية مواقفهما الاستقلالية في قضية ملاحقة نواب الشعب وذلك بهدف “إيجاد تبريرات ملفقة … لإزاحتهما عن منصبيهما”[1]. وقد حذرت الجمعية بأنّ “بوادر تنفيذ هذا المخطط انطلقت فعلا” بدليل ما تم من استبعاد لهما ومسؤولين قضائيين آخرين لا يوالون السلطة في توجهاتها من عضوية اللجنة التي تشرف “على مناظرة الدخول للمعهد الأعلى للقضاء -رغم استقرار العمل على مشاركتهما فيها- وتغييرهما بقضاة مختارين أقل رتبة وخبرة”.
وأكّدت الجمعية بذات المناسبة بوصفها هيكلا ممثلا للقضاة على أنّ “القضاة بمختلف تشكيلاتهم (نيابة وتحقيقا ومجلسا) هم درع للقضاء المهني المستقل ويقفون على نفس المسافة من كافة الخصوم مهما كانت مراكزهم الاجتماعية أو توجهاتهم الفكرية والسياسية وأن القضاء التونسي رمز لقضاء الدولة المستقلّ المحايد وأنه لن يكون قضاء للرئيس أو تابعا للسلطة التنفيذية. كما أكّدت أن القضاء التونسي يشكّل ضمانة لكافة المتنازعين على حد السواء وأنه “رغم رفع الضمانة الهيكليّة لاستقلاليّة السلطة القضائية بحلّ المجلس الأعلى للقضاء، فإنّ القضاة التونسيين كانوا وسيظلّون متمسكين باستقلالية قراراتهم إزاء السلطة السياسية القائمة الساعية دون جدوى إلى تطويعهم واستخدامهم لضرب خصومها السياسيين.” ورغم هذا التقييم المتفائل للوضع في القضاء، لم تنسَ الجمعية التنديد في المقابل “بعدد قليل من القضاة المحسوبين على السلطة والمتمعشين من الحكومات المتعاقبة قبل الثورة و بعدها والذين لا يتورعون عن الارتماء بين أحضان النظام القائم وخدمته وتمجيد الرئيس وتبييض قراراته عبر وسائل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي طمعا في الحصول على مناصب قضائية أو سياسية هامة و تشويه زملائهم عبر كشف معطياتهم الشخصية للصفحات المشبوهة المساندة لرئيس الجمهورية بما يشكل ترويجا لصورة مشوهة للقضاء التونسي، وتنبههم بالتخلي عن هذه الممارسات قبل فضحهم والتنديد بممارساتهم أمام الرأي العام الوطني والدولي.
ولم تكتفِ الجمعية بهذا الحدّ إنّما ذهبتْ إلى حدّ إبداء موقف من الشأن العامّ استنادا للفصل الرابع من قانون الجمعيات الذي ينص على أنه “لا يحجر على الجمعيات التعبير عن آرائها السياسية ومواقفها من قضايا الشأن العامّ”. وعليه، أدانت الجمعية حلّ الهيئة الوقتية للرقابة على دستورية مشاريع القوانين الذي اعتبرته تمهيدا للدخول في مرحلة العبث الدستوري، وصولا إلى إدانة تفرّد رئيس الجمهورية قيس سعيد بالحكم ومحاولته تطويع القضاء. كما ذهبت إلى حدّ دعوة القوى الحية في تونس إلى تكوين ائتلاف مدني معها للدفاع عن استقلالية القضاء وعن مقومات الديمقراطية في تونس.
ونظرا لما لهذا البيان من أهمية بالغة سواء فيما كشف عنه من تجاوزات تطال القضاء وباتت تهدّد استقلاليته أو فيما تضمنه من موقف قضائي ينتصر للديموقراطية ويدعو للتوحّد لمواجهة المخاطر التي تحدق بها في تجاوز واضح للتصورات التقليدية لواجب التحفّظ، تنشره المفكرة القانونية وهي تفتح صفحاتها لأي تعليق أو تفاعل علمي أو نقدي بشأنه (المحرّر).
نص البيان
إن الهيئة المديرة للجمعية التونسية للقضاة الشبان، المجتمعة اليوم بمقرها بقصر العدالة بتونس على ضوء التصريحات الأخيرة لرئيس الجمهورية عند اجتماعه بوزيرة العدل واتهامه القضاء بانعدام المهنية والزيغ عن طريق العدل لعدم إيقاف خصومه من نواب الشعب على خلفية الاتّهامات الموجهة لهم بالانقلاب على النظام القائم والإعتداء على أمن الدولة الداخلي، وتمسك قضاة النيابة العمومية باستقلاليتهم المكفولة بالدستور، يهمها أن تتوجه للرأي العام والقضاة بما يلي :
تندد (الجمعية) بانتهاج السلطة التنفيذية لأساليب التهديد والتشويه في مواجهة المسؤولين القضائيين بمحاكم العاصمة وخصوصا وكيل الجمهورية بالمحكمة الابتدائية بتونس والوكيل العام بمحكمة الاستئناف عبر حملات التفقّد المتواترة الرامية لاقتناص الأخطاء وتكوين ملف سلبيّ ملفّق لتبرير إزاحتهم عن خططهم الوظيفية وتغيير بقية الماسكين غير المنسجمين للخطط القضائية العليا. وقد بدت بوادر تلك الخطة مكشوفة منذ إقصاء القضاة السامين من الإشراف على مناظرة الدخول للمعهد الأعلى للقضاء، رغم استقرار العمل على مشاركتهم فيها، وتغييرهم بقضاة مختارين أقل رتبة وخبرة .
تؤكد (الجمعية) بأنّ القضاة بمختلف تشكيلاتهم (نيابة وتحقيقا ومجلسا) هم درع للقضاء المهني المستقلّ ويقفون على نفس المسافة من كافة الخصوم مهما كانت مراكزهم الاجتماعية أو توجّهاتهم الفكرية والسياسية وأن القضاء التونسي رمز لقضاء الدولة المستقل المحايد ولن يكون قضاء للرئيس أو قضاء تابعا للسلطة التنفيذية وهو ضمانة لكافة المتنازعين على حد السواء وأنه، رغم رفع الضمانة الهيكلية لاستقلالية السلطة القضائية بحل المجلس الأعلى للقضاء، فإن القضاة التونسيين كانوا وسيظلون متمسكين باستقلالية قراراتهم إزاء السلطة السياسية القائمة الساعية دون جدوى إلى تطويعهم واستخدامهم لضرب خصومها السياسيين.
تذكر (الجمعية) الرأي العام الوطني والدولي بأن قرار إلغاء مؤسسة الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية القوانين المتخذ في 25 جويلية الفارط شكّل أحد أهم القرارت المتسببة في اغتصاب مؤسسات الدولة والهيئات الدستورية. وتؤكد أن قرار حل الهيئة المذكورة شكّل جريمة في حقّ الدولة واعتداء على دستورها وقوانينها وأنّه اتخذ عن سوء نية لغاية دفع كل طعن في القرارات اللا دستورية والمراسيم اللاشرعية التي اتخذها رئيس الجمهورية لاحقا، ومنها قراريْ حلّ المجلس الأعلى للقضاء وحلّ مجلس نواب الشعب لغاية الاستحواذ على السلطتين القضائية والتشريعية.
تعتبر (الجمعية) أنّ الصراع القائم بين رئيس الجمهورية والبرلمان المنتخب هو صراع سياسي بين السلط محسوم بالدستور وأن محاولة الزجّ بالقضاء الجزائي واستغلاله في المعارك السياسية والخلافات الفردية إنما هو اعتداء صارخ على الشرعية واستقلال السلطة القضائية، وتعتبر أنّ إصدار التعليمات لوزيرة العدل لرفع قضايا جزائية ضد أعضاء مجلس نواب الشعب، والتنديد بالنيابة العمومية وتشويهها إعلاميا وإطلاق صفحات الفتنة والعار على ممثليها لرفضهم الانصياع لتنفيذ جملة من الإيقافات الجائرة والتعسفية خارج الأطر القانونية هو سعي ممنهج من رئيس الدولة لاغتصاب العدالة قصد استبعاد معارضيه والتفرّد بالحكم وإسقاط مشاريعه وتصوّراته الشخصية على الشعب التونسي، وتؤكد أنه كان من الأجدى أن تكون هذه الخلافات السياسية والدستورية معروضة أمام الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية القوانين المنحلّة أو غيرها من وسائل حل النزاعات القانونية المتاحة أو أن يتم حلها بالحوار البنّاء وليس أمام القضاء العدلي، وتطالب على ذلك الأساس كافة القضاة وخاصة أعضاء النيابة العمومية وقضاة التحقيق بكافة محاكم الجمهورية بالتمسك باستقلالهم وحيادهم وعدم الإنخراط في القضايا السياسية المفتعلة واتخاذ قرارات بالحفظ والتخلي عن تلك القضايا لعدم الاختصاص.
تنوّه (الجمعية) بكافة القضاة الذين لا يزالون على العهد ويشرّفون القضاء التونسي والوطني باستقلالية قراراتهم وجرأتهم في تطبيق القانون رغم الضغوطات والتهديدات بالنقلة والإعفاء من المسؤولية التي يتعرضون إليها بشكل يومي. ويندّدون في المقابل بعدد قليل من القضاة المحسوبين على السلطة والمتمعشين من الحكومات المتعاقبة قبل الثورة و بعدها والذين لا يتورعون عن الارتماء بين أحضان النظام القائم وخدمته وتمجيد الرئيس وتبييض قراراته عبر وسائل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي طمعا في الحصول على مناصب قضائية أو سياسية هامة و تشويه زملائهم عبر كشف معطياتهم الشخصية للصفحات المشبوهة المساندة لرئيس الجمهورية بما يشكل ترويجا لصورة مشوهة للقضاء التونسي، وتنبههم بالتخلي عن هذه الممارسات قبل فضحهم والتنديد بممارساتهم أمام الرأي العام الوطني والدولي.
تؤكد (الجمعية) تمسكها بأحكام القانون عدد1لسنة2022 الصادر عن السلطة المختصة بالتشريع وعزمها القيام بقضية في إيقاف تنفيذ كافة القرارات التي يمكن أن يتخذها المجلس المؤقت للقضاء في إطار تغيير الخارطة القضائية طبقا لإملاءات الرئيس كرفع قضية في الإلغاء أمام المحكمة الإدارية.
تدعو (الجمعية) كافة المنظمات الوطنية والقوى الحيّة بالبلاد إلى القيام بدور أكثر إيجابية في سبيل إنهاء حالة العبث الدستوري التي تعيشها الدولة وإرجاع الأمور إلى نصابها ومقاطعة “حوار الطرشان” الذي يدعو إليه رئيس الجمهورية متّبعيه ويستبعد منه معارضيه على أساس الاستشارة الفاشلة بما شوّه صورة تونس في العالم لتصبح نموذجا للتفرّد بالحكم والظلم وقمع السلطات بعد أن كانت نموذجا يُحتذى به في الديمقراطية والتحرر من الديكتاتورية والإستبداد. وتذكر (الجمعية) بأحكام الفصل الرابع من مرسوم الجمعيات الذي “لا يحجر على الجمعيات التعبير عن آرائها السياسية ومواقفها من قضايا الشأن العام” وتدعو كافة الجمعيات والمنظمات الوطنية إلى الاتّصال بجمعية القضاة الشبان قصد تكوين ائتلاف مدني قوي وواسع لمواجهة كل الأخطار المحدقة بوجود الدولة واستقلالية القضاء وحرية التنظم والحق في التعبير.
[1] أمر أكده امين عام حزب التيار الديموقراطي المحامي غازي الشواشي الذي نشر على صفحته للتواصل الاجتماعي تدوينة ورد فيها ” حركة قضائية جزئية بصدد الاعداد لها داخل الغرف المغلقة لإدخال تغييرات في عديد المواقع والمسؤوليات القضائية الحساسة الغاية منها وضع اليد على السلطة القضائية وإحكام توظيفها خدمة لمشروع الحاكم بأمره واستكمالا لسطوته على جميع السلطات.”
This website uses cookies so that we can provide you with the best user experience possible. Cookie information is stored in your browser and performs functions such as recognising you when you return to our website and helping our team to understand which sections of the website you find most interesting and useful.
Strictly Necessary Cookies
Strictly Necessary Cookie should be enabled at all times so that we can save your preferences for cookie settings.
If you disable this cookie, we will not be able to save your preferences. This means that every time you visit this website you will need to enable or disable cookies again.