ستنظر اللجان المشتركة اليوم الإثنين في مقترح قانون لوضع القيود والضوابط على الودائع أعدّه فريق رئيس الحكومة نجيب ميقاتي. ورغم أنّ كلّاً من لجنتي المال والموازنة والإدارة والعدل كانت وضعت صيغة مختلفة لاقتراح مماثل، بدا أنّ ثمة تفاهماً بين رئيسي مجلس النوّاب نبيه برّي والحكومة على تمرير مقترح هذا الأخير. كما تمّ الإعلان عن انعقاد جلسة تشريعية في تاريخ 7/12/2021 مع التّلويح بتوجّه لإدراج هذا الاقتراح على جدول أعمالها في حال النجاح في إنجازه. واستباقاً لإقرار هذا المقترح، يهمّنا إبداء الآتي:
1. كابيتال كونترول زائف
أنّه مقترح كابيتال كونترول زائف طالما أنّه يأتي مثل مجمل الاقتراحات السابقة متأخّراً ودائماً بمعزل عن أيّ خطّة أو رؤية إصلاحية ماليّة أو اقتصاديّة تشمل إعادة توازن ميزان المدفوعات وإعادة هيكلة الدين العام والقطاع المصرفي وإعادة الانتظام للحياة المالية في لبنان.
وعدا عن أنّه ليس مبنيّاً على قواعد ومعايير عادلة وشفافة، فإنّه لا يلحظ عمليات المصارف واستثماراتها ضمن القيود المفروضة وبالتالي لا يضع حدّاً لمزيد من تسرّب العملات الأجنبية إلى الخارج؛ لا بل على العكس قد يتسبّب على الأرجح باستنزاف متفاقم لما تبقى من عمولات أجنبية وتضخّم مفرط وتدهور حتمي ومتزايد للعملة الوطنية. كما أنّه لم يأخذ بعين الاعتبار ضرورة معالجة إشكاليات تنظيم الاستيراد والمدفوعات إلى الخارج وتنشيط الاقتصاد ونموّه بشكل يأخذ في الحسبان حجم الاحتياطي المتوفّر بالعملات الأجنبية من جهة، والحاجات الاقتصادية والاجتماعية الأساسية من جهة أخرى.
للتذكير، تمّ تخفيض سيولة النقد الأجنبي للمصرف المركزي بمقدار 10 مليارات دولار في غضون عامين، في حين أنّ الاقتصاد كان في تلك الفترة ولا يزال بأمسّ الحاجة إلى أفضل إدارة لموارد النقد الأجنبي المتبقية.
2. تشريع لممارسات مصرف لبنان والمصارف في اتجاه تحميل المودعين ومجمل اللبنانيين عبء الخسائر
أنّه يشرّع الممارسات الحاصلة في تقييد حقوق المودعين بمعزل عن أيّ مسوّغ قانوني وبمعزل عن أيّ دراسات مالية واقتصاديّة. وهي الممارسات التي تؤدي عملياً إلى تحميل المودعين القسم الأكبر من الخسارة بفعل عمليات “قصّ شعر” مقنّعة مقابل تحرير المصارف من أيّ مسؤولية خلافاً لمبادئ دستورية واضحة أهمها مبدأي العدالة الاجتماعية والمساواة وتقييد الحق في الملكية خلافاً لمبدأيْ التناسب والضرورة.
ومن أهمّ الممارسات التي يستعيدها المقترح:
– تجريد المودع من أيّ حق مكتسب بسحب مبالغ ماليّة أو بإجراء حوالات للخارج من حسابِه المصرفي “القديم” بالعملة الأجنبية، فضلاً عن حرمان أيّ مودع له حساب في الخارج أو حساب “جديد” من إمكانية إجراء الحوالة. ومؤدّى ذلك هو حرمان المودعين من أرصدتهم بالعملة الأجنبية المعتمدة (lilarification) أساساً من دون أيّة ضمانة لسعر صرفها بما يوازي قيمتها الفعلية وفي غياب أية ضمانات لجهة توحيد سعر الصرف أو الحدّ من تدهوره،
– منح مصرف لبنان سلطة شبه استنسابية بما يتصل بحدود وشروط سحب المبالغ من المصارف أو الموافقة على إجراء تحويلات إلى الخارج وذلك ضمن لائحة استثناءات اعتباطية ذكر المقترح أنّها وردت على سبيل المثال وليس الحصر وفي غياب تام لأي من آليات الشفافية والمحاسبة، مع ما يستتبعه ذلك من غبن وتمييز. هذا مع العلم بأنّ خيار إطلاق يد المصرف المركزي ومنحه أوسع وأشمل الصلاحيات لتنظيم هذه الضوابط وإقرار القيود واستصدار الأحكام كما وتحريره من أية رقابة، في ظل إدارته الحالية وحوكمته المتعثرة التي تسببت بالأزمة الحالية وتفاقم نتائجها السلبية، هو بمثابة تسليم السيف أو السوط للجلّاد للتحكم به. وبالتالي، كان يقتضي الشروع مقدّماً بإعادة تنظيم المصرف المركزي بجميع هيئاته وفصل السلطات ومعالجة تضارب المصالح قبل إقرار هذا القانون،
– تجريد الحكومة من أيّ صلاحية (ما عدا ما يتّصل بتمديد مدة العمل بالقانون أو تقصيرها) في حين أنّه يعود لها تحديد الاستثناءات من القيود المفروضة على تحرّكات رأس المال وفقاً للمصالح الاستراتيجية الوطنية بناءً على رؤية القطاعات الاقتصادية والفئات الاجتماعية التي يجب الحفاظ عليها.
– اعتماد الإبهام بما يترك العديد من النقاط الأساسية مشرّعة على التأويل مثل سقف السحوبات والاستثناءات وسواهما. والنتيجة الأكثر احتمالاً ستكون المزيد من التدفقات الخارجية للعملات الأجنبية، وتسارُع التضخم وانخفاض قيمة الليرة اللبنانية.
3. ضمان إفلات مصرف لبنان والمصارف من المساءلة
أنّ الهدف الأساسي منه هو تحصين حاكم مصرف لبنان والمصارف حيال أي مراقبة قضائية في الداخل كما في الخارج، بما يعكس توجّساً من القضاء الأجنبي وحتى القضاء الوطني الذي أصدر أحكاماً عدّة لصالح المودعين. ومن شأن ذلك أن يقوّض مبدأ فصل السلطات ويجرّد المودعين من حق اللجوء إلى محكمة مستقلة ومحايدة، بما يخالف الدستور والمواثيق الدولية التي تشكل جزءاً منه. وما يزيد من عدم دستورية هذه التغييرات في النظام القضائي أنّها تتمّ من دون استطلاع رأي مجلس القضاء الأعلى ممّا يشكّل مخالفة صيغة جوهرية ذات قوّة دستورية وفق قرار المجلس الدستوري رقم 23/2019 بشأن قانون موازنة عام 2019.
وقد تحقّق ذلك من خلال 3 توجّهات: (1) نقل صلاحية النظر في دعاوى إخلالات المصارف بتنفيذ القانون إلى الهيئة المصرفية العليا التي يرأسها حاكم مصرف لبنان، (2) إنشاء محاكم استثنائية (خارج أي نظام قضائي) للنظر في الاعتراضات المتّصلة بالتحويلات ولا تقبل قراراتها أي طريق من طرق المراجعة. وثمة خشية مشروعة أن يكون في صدد نقل هذه الصلاحية منها إلى محاكم وهمية قد لا تنوجِد أبداً أو على الأقل مضمونة الولاء. (3) إعطاء مفعول رجعي للأحكام المتّصلة بالتحويلات غير المنفّذة أو التي هي موضوع نزاع أمام المحاكم في الداخل أو الخارج بحجّة أنّها “أحكام … من النظام العام وتطغى على كلّ نصّ يتعارض معها”. ومؤدّى ذلك تكريس الصلاحية الحصرية للمحاكم الاستثنائية واستباق صدور الأحكام في الدعاوى التي لا تزال عالقة أو إبطال مفاعيل ما صدر منها من أحكام، وتالياً إبراء ذمة المسؤولين المصرفيين وتمكينهم من الإفلات من العقاب بعفو عام مالي يقطع الطريق على أيّة إمكانيّة لاسترداد الأموال المكتسبة بصورة غير مشروعة أو المتأتّية من جرائم ومخالفات مالية تعاقبها القوانين المرعية الإجراء.
لهذه الأسباب ولسواها نحتفظ بحق وتوقيت إظهارها ومناقشتها لاحقاً،
ومع كامل الدعم لرابطة المودعين العضو في ائتلاف استقلال القضاء في تحركاتها كافة،
نرفض هذا المقترح لكونه يهدف إلى حماية مصالح فئوية وخاصّة على حساب المصلحة العامّة، ويخالف أسساً ومبادئ دستورية عدة أهمها مبادئ العدالة الاجتماعية والمساواة أمام القانون ووجوب مراعاة مبدأيْ التناسب والضرورة في أي تقييد للحقوق والحريات المضمونة دستورياً فضلاً عن مبدأيْ الفصل بين السلطات واستقلال القضاء وحق كل فرد في اللجوء إلى محكمة محايدة ومستقلة.
وندعو في الوقت نفسه إلى أوسع تحالف اجتماعي لإسقاطه.
لقراءة البيان باللغة الانجليزية اضغطوا على الرابط
A Statement to Block Mikati’s Destructive, Unjust, and Unconstitutional Capital Control Bill