نظمت جمعية المفكرة القانونية مؤتمراً صحافياً أطلقت خلاله مشروع "استقلالية القضاء كأولوية اجتماعية في لبنان"، الذي تقوم بتنفيذه بالتعاون مع الهيئة الدولية للحقوقيين والمعهد العالي للعلوم الجنائية ايطاليا وبتمويل من الاتحاد الاوروبي وذلك نهار الاثنين الواقع فيه 20 نيسان 2015 في بيت المحامي- بيروت. وقد انعقد المؤتمر بحضوررئيس مجلس القضاء الاعلى القاضي جان فهد، رئيس مجلس شورى الدولة شكري صادر، والنائب العام التمييزي القاضي سمير حمود، ورئيس هيئة التفتيش القضائي أكرم بعاصيري بالاضافة الى عضوي مجلس القضاء الأعلى جوزف سماحة وميرنا بيضا. كما حضرت المديرة العامة لوزارة العدل القاضية ميسم النويري، ومفوض الحكومة لدى مجلس شورى الدولة عبد اللطيف الحسيني، ورئيسة معهد الدروس القضائية القاضية ندى دكروب ومدير المعهد القاضي سهيل عبود. كما حضر أمين سر نقابة المحامين المحامي توفيق النويري وعدد من أعضاء المجلس (ناضر كسبار وفادي حداد)، الى جانب الوزيرين السابقين شربل نحاس ومنى عفيش وعدد من القضاة والمحامين وممثلي الهيئات المدنية.
في البداية كانت هناك كلمة مصورة لنقيب المحامين في بيروت جورج جريج الذي تعذر حضوره بداعي السفر أجاب خلالها على مجموعة من أسئلة طرحتها عليه المفكرة القانونية في وقت سابق حول ما يهدد استقلالية القضاء في لبنان ودور المحامين عموما ونقابة المحامين خصوصاً في صون هذه الاستقلالية. وقد اعتبر جريج أن:" المحامي شريك في العدالة، ونقابة المحامين في حالة تواصل دائم مع مجلس القضاء الأعلى، وهدفنا مشترك وهو صون العدالة من خلال قضاء مستقل ونزيه" على ان اي حديث عن استقلالية القضاء يبقى "كلاماً نظريا ما لم يترافق مع ثقة الناس باستقلالية القضاء".
بدوره ألقى المدير التنفيذي للمفكرة القانونية المحامي نزار صاغية كلمة بإسم المفكرة القانونية وشركائها تحدث خلالها عن ثلاثة مسارات عملت "المفكرة" وشركاؤها على تطويرها ضمن المشروع، وهي على التوالي:
المسار الاعلامي والبحثي الذي يقوم على رصد اشكال التدخل في القضاء وفهمها وتحليلها. وتكمن أهمية هذا المسار "في الخروج من ثقافة التدخل وما يسببه من انتهاك لحقوق القضاة والمتقاضين يستدعي جهوزية ومثابرة في رصد أوجهه وأشكاله ومخاطره ويتطلب بالضرورة تخصصاً ومعرفة عميقة بالتنظيم والعمل القضائيين، والأهم قدرة على تطوير اشكاليات استقلالية القضاء ومبادئ المحاكمة العادلة". ومن مساعي المشروع في هذا السياق العمل على "صياغة تقرير شامل عن أوضاع القضاء وأبرز الاشكاليات المعيقة لاستقلاليته، وفق منهجية علمية تستند الى الوثائق والارشيفات المتاحة والى المقابلات مع شهود عايشوا أحداثاً هامة في قصور العدل". والسعي الى تأسيس "مركز إقليمي للدراسات والسياسات القضائية"، من المفروض أن يعمل بالتنسيق مع معهد الدروس القضائية وان يقدّم مادة بحث وإغناء للقضاة العاملين والمتدرجين ولمجمل المهتمين بالشأن القضائي، ومنهم الإعلاميين الراغبين في التخصص في الشؤون القضائية".
المسار الاجتماعي وتعزيز الحراك القضائي والحراك حول القضاء تعزيزا لمكانته الاجتماعية، وهذا المسار يعتمد على "دعم التوجهات الاصلاحية داخل القضاء وفي مقدمتها التوجه نحو انشاء تجمعات قضائية مهنية ديمقراطية على غرار تجربة حلقة الدراسات القضائية التي قام بها قضاة رواد في فترة 1969–1972وعلى نحو يؤدي الى تطوير التضامن بين القضاة وتعزيز ضمانتهم إزاء أي تدخل أو استفراد أو تطييف أو أيضاً التوجه نحو تفعيل التشاركية داخل الجمعيات العمومية للمحاكم، والذي من شأن إنشاء الهيئات الاستشارية المنشأة حديثاً من مجلس القضاء الأعلى أن يشكل بداية له". وفي هذا المسار نفسه يهدف المشروع الى ابراز "أهمية اللجوء الى القضاء في القضايا الاجتماعية الهامة، وخصوصاً في القضايا التي تصطدم بموانع المصالح لتوافقية السياسية". وأكد صاغية، ان"من شأن نجاح هذه المبادرات أن يؤدي الى تعزيز التواصل بين الحراكات الحقوقية الاجتماعية والقضاء فيتبدى القضاء مدخلاً رئيسيا لتطوير المنظومة الحقوقية وفي أحيان كثيرة دواء لعقم السلطتين التشريعية والتنفيذية ويزداد تالياً اهتمام المواطن في الدفاع عن استقلاله".
المسار التشريعي والمؤسساتي وقوامه "العمل على صياغة عناوين واضحة للإصلاح وتحديداً مشاريع قوانين أهمها قانون تنظيم القضاء العدلي وتنظيمات في مجالات عدة كالمعايير المعتمدة لتعيين القضاة أو نقلهم، وذلك بالتنسيق مع الجهود التي يقوم بها مجلس القضاء الاعلى وسائر الهيئات القضائية في هذا الإطار". أما أهم المبادئ المعتمدة في هذا المسار فهي أبرز المبادئ التي ستعتمد في هذا المسار هي:
أولاً، اعتماد مبدأ التشاركية في صياغة هذه المشاريع فالشان القضائي شأن عام بل أحد أهم الشؤون العامة، ويقتضي أن تشارك شرائح واسعة من المجتمع في التغيير فيه وإصلاحه
ثانياً، تحديد أولويات الاصلاح بدقة ومع اتخاذ أعلى تدابير الحيطة تجنباً لأي آثار سلبية
ثالثاً، الالتزام بالمعايير الدولية لاستقلال القضاء
ثم كانت كلمة لرئيس مجلس القضاء الاعلى القاضي جان فهد تحدث فيها عن اعداد المجلس لخطة خمسية في هذا الاطار، باشر في تنفيذها بدعم من جهات مانحة في طليعتها الاتحاد الاوروبي. مشدداً على أهمية المشروع الذي قامت المفكرة القانونية بإطلاقه والتعويل عليه في "تثقيف المجتمع على اهمية استقلال القضاء كحاجة اجتماعية تساهم في نموه أمنيا واقتصاديا ودعم كل الخطوات التي تقوم بها المنظومة القضائية في سبيل زيادة استقلالها سواء لجهة تطوير أساليب العمل أو لناحية بلورة استقلالها من خلال التعديلات التشريعية المطلوبة".
تلاه رئيس مجلس شورى الدولة القاضي شكري صادر وقد جاءت كلمته قوية وصادمة. ف"القانون والدستور ينصان على أن القضاء يصدر أحكامه باسم الشعب اللبناني، فهل نستطيع القول اليوم ان الشعب اللبناني متصالح مع قضائه؟ لا أتصور. من هنا أهمية إعادة مصالحة الشعب مع قضائه، وهذا لا يتم إلا عندما يثبت القضاء أهليته للثقة التي منحه إياها المواطن، لجهة نوعية الاحكام التي يصدرها باسمه والكفاءة والتجرد". وقد عزا صادر المشكلة الاساسيّة التي تعرقل أي مشروع اصلاح للقضاء في لبنان "بتدخل السياسيين بشكل وحشي، اضافة الى تدخل الطوائف في التعيينات وحصول كل منها على حصته". وأكد على أن"مناعة القضاء يجب أن يشارك فيها كل الشعب اللبناني بكل المؤسسات المدنية وهيئات المجتمع المدني وذلك لمنع هذا التدخل والتعدي الذي يعرقل سير العمل في القضاء"، معتبراً ان هذه المسألة يجب ان تشكل أولوية للقضاة في لبنان من أجل بناء دولة قانون ومجتمع أفضل.
وكانت كلمة للمديرة العامة لوزارة العدل القاضية ميسم النويري شددت فيها على الدور الكبير لوزارة العدل في حماية وتعزيز استقلالية القضاء. وقالت:"ان التفاعل بين السلطة القضائية ووزارة العدل والتنسيق فيما بينهما بما فيه مصلحة القضاة العليا لا بد ان يعطي نتائج ايجابية تسهم في تثبيت استقلالية القاضي ودعمها في كل جوانب حياته المهنية. وأكدت النويري ان الاستقلالية لا تبدأ واقعياً الا من خلال قصور العدل اي عند القضاة انفسهم والسلطة القيمة عليهم الا انها لا يمكن ان تتم بصورة فعالة الا بالتعاون مع وزارة العدل. وشددت على "ضرورة التعاون مع الهيئات كافة من رسمية وغير رسمية لاسيما نقابة المحامين كما وهيئات المجتمع المدني التي تشكل جمعية المفكرة القانونية أحد أركانها الأساسية من أجل تحقيق النتائج المرجوة من هذا المشروع بتعزيز استقلالية القضاء.
وأخيرا، أعرب ممثل مفوضية الاتحاد الاوروبي في لبنان الجهة الداعمة والممولة للمشروع، رئيس قسم السياسة في المفوضية "ماسيج غوبليفسكي MaciejGobuliewskiعن اهتمام الاتحاد الكامل بمسألة تحقيق استقلالية القضاء في لبنان وتحسين الأوضاع داخل السجون والمحاكم العسكرية.
وفي الختام أقيم حفل كوكتيل إحتفالاً بالمناسبة.