صدر بيان أمس تنديدا بالإجراءات المتخذة ضد المهاجرين والمهاجرات من جنوب الصحراء من قبل السلطة العامة في تونس، والخطاب العنصري الصادر عن رئيس الدولة في حقهّم، وقد حصلت هذه الإجراءات في موازاة تنامي خطاب عنصري غير مسبوق ضد أفارقة جنوب الصحراء، تبعته في ليلة 23 فيفري اعتداءات مادّية على منازلهم في عدد من أحياء العاصمة. ننشر هنا البيان الذي وقعته 31 منظمة مدنية وحقوقية (من بينها المفكرة القانونية- تونس) والعديد من الأفراد بالنظر إلى أهميته (المحرر).
على إثر البلاغ الصادر عن رئيس الدولة، بعد اجتماع مجلس الأمن القومي بتاريخ 21 فيفري 2023 المخصّص “لاتخاذ إجراءات عاجلة لمعالجة ظاهرة توافد أعداد كبيرة من المهاجرين/ات غير النظاميين/ات من إفريقيا جنوب الصحراء إلى تونس”؛
وحيث تضمّن هذا البلاغ خطابا فاشيّا عنصريّا غير مسبوق، إذ اعتبر هذه الهجرة “ترتيبا اجراميّا تمّ إعداده منذ مطلع هذا القرن لتغيير التركيبة الديمغرافيّة لتونس”، في إطار مخطّط مرتّب من جهات خارجيّة لـ “توطين” المهاجرين/ات وتهديد الانتماء العربي الإسلامي للبلاد، في تبنٍّ واضح لفكر مؤامراتيّ يستنسخ أبشع وأخطر ما أنتجته نظريات اليمين المتطرف في العالم. كما ربط بين الهجرة وتنامي العنف والجريمة، في تجريم جماعي ووصم على أساس اللون والعرق والهويّة؛
وقد تزامن هذا البلاغ مع حملة إيقافات عشوائيّة وتعسّفية واسعة النطاق ضدّ المهاجرين/ات من جنوب الصحراء، واحتجاز في مراكز غير قانونيّة لا تحترم أبسط معايير الكرامة البشريّة. وقد طال هذا العنف الممنهج والعنصري النساء والأطفال وحتى الرضع من عائلات المهاجرين/ات، كما تزامن مع حملة كراهية وتحريض من قبل مجموعات منظّمة وشخصيات سياسية مشبوهة بتواطؤ وانخراط من أجهزة الدولة البوليسيّة وذراعها الإعلامي؛
وتندرج هذه الهجمة الممنهجة ضمن سياق سياسي استبدادي سلكه قيس سعيّد تدريجيّا منذ 25 جويلية 2021، بلغ أوجَه في الآونة الأخيرة عبر استهداف كلّ الأصوات المعارضة له، سياسةً ونقابةً وإعلامًا، في ظلّ الفشل الذريع لسياساته الاقتصاديّة والاجتماعيّة، التي لم تكتفِ بالمواصلة في خيارات الحكومات السابقة على عكس الشعارات التي يرفعها، بل كانت أشدّ وطأة وخضوعًا للمؤسسات الماليّة العالميّة، وهو ما ينسجم مع رضوخه التامّ لسياسات الهجرة الأوروبيّة التي تستهدف المهاجرين/ات من مختلف دول الجنوب، بما فيها تونس، في تناقض صارخ مع خطابه السيادَوي الكاذب؛
وحيث أنّ هذا الخطاب اللاإنساني المجرّم لظاهرة طبيعية ملازمة للتاريخ البشري، ولحقّ إنساني كوني في حريّة التنقّل، حوّلته العولمة الرأسماليّة إلى امتياز، يتوّج سياسات تمييزيّة تقوم على تصدير الحدود الأوروبيّة وبَولَسة الهجرة، ويؤسّس لشرخ كبير داخل النسيج المجتمعي، ويعرّض أشخاصّا عزّلًا من مهاجرين/ات وتونسيّين/ات لخطر الاعتداءات العنصريّة، كما يعرّض التونسيّين/ات المهاجرين إلى نفس الممارسات، ويشوّه تاريخ البلاد وينسف القيم التي ناضلت من أجلها أجيال متعاقبة وعبّرت عنها شعارات ثورة 17 ديسمبر-14 جانفي؛
فإنّنا، نحن الممضين والممضيات أسفله من منظمات وأفراد:
– نطالب بالسحب الفوري لهذا البلاغ-الفضيحة ووقف كلّ التتبعات والملاحقات التي طالت وما زالت المهاجرين/ات على أساس الهوّية؛
– نعلن مساندتنا وتضامننا المطلق واللامشروط مع كلّ ضحايا هذه الهجمة كما نطالب بوضع معايير موضوعية لتسوية الوضعيات القانونية لجميع الأشخاص الراغبين في الإقامة في تونس؛
– ندعو القوى الديمقراطيّة والحركة النقابية والعماليّة والحقوقيّة وكافّة الهياكل المهنيّة إلى تحمّل مسؤوليّتها في التصدّي لهذه السياسة الفاشيّة، وحماية حقوق المهاجرين/ات، وبالأخصّ حقوق الصحّة والسكن والتعليم والنفاذ للعدالة، من الانتهاكات التمييزيّة والممارسات العنصرية؛
– نعلن عن تأسيس جبهة مناهضة للفاشيّة، مفتوحة لكلّ القوى المناضلة أفرادا ومجموعات وتنظيمات، لمقاومة السيّاسات والخطاب والممارسات العنصريّة والاستبداديّة بكلّ الوسائل والأشكال النضاليّة اللازمة لوضع حدّ لتناميها.
هذا وندعو كلّ نفس حرّ للمشاركة في مسيرة احتجاجيّة يوم السبت 25 فيفري 2023 على الساعة الثانية بعد الزوال، تنطلق من أمام مقرّ النقابة الوطنية للصحفيّين التونسيين في اتجاه شارع الحبيب بورقيبة.