عقد اجتماع تنسيقي بين مجموعات الحراك الشعبي لمناقشة قرارات مجلس الوزراء الصادرة في 9 أيلول 2015. وبعد الاستماع إلى رأي الناشطين والخبراء البيئيين، صدر عنها البيان التالي:
عقد مجلس الوزراء اللبناني جلسة استثنائيّة ليل الأربعاء في 9 أيلول 2015 لمناقشة خطّة معالجة أزمة النفايات التي تقدّم بها وزير الزراعة أكرم شهيّب مع لجنة من الخبراء. إنعقدت هذه الجلسة تحت ضغط الحراك الشعبي الرافض للمحاصصة والفساد في ملفّالنفايات. وهي تأتي على الرغم من تأخّرها لأكثر من عام وبسبب تقصير وزير البيئة محمد المشنوق واللجنة الوزارية التي أدارها لتؤكّد على أحقيّة مطالب الجمعيات البيئيّة وسلامة
المقاربة المعتمدة لجهة إعادة ملفّ النفايات إلى البلديات واعتماد مبادئ الفرز عند المصدر والتدوير والتسبيخ.
في البداية، توقف الحراك عند بعض الايجابيات الواردة في قرار مجلس الوزراء وأهمها الآتية (وقف عقود معالجة النفايات وطمرها مع الشركات المشغلة، تثبيت حق البلديات ولو مؤجلة، توزيع أموال الخليوي على البلديات ولو لفظيا، التأكيد على سقوط صفقة المحاصصة)، علما أن عدداً منها ما يزال بمثابة وعد بانتظار نفاذه في القانون وعلى أرض الواقع. وقد سجّل في هذا الخصوص أنّ قرار مجلس الوزراء لم يقرّ خطة اللجنة الفنية الا ببعض عناوينها متراجعا عن كمّ من الايجابيات الأخرى التي وردت في خطة اللجنة الفنية وتم تسويقها، وخصوصا فيما يتصل بالمرحلة المستدامة. ومن أهمّ الايجابيات التي تمّ التراجع عنها: الفرز عند المصدر والإسراع في إقرار مشروع القانون المتعلق بالإدارة المتكاملة للنفايات الصلبة وتحرير جميع أموال البلديات من دون إستثناء. وهذا الأمر يؤكد أن ايجابيات الخطة لم تكن الا خدعة وقناعاً أبيض لتضليل الرأي العام تمهيداً للتراجع عن الايجابيات ونسف بشكل شبه كامل.
بعد ذلك، سجل الحراك اعتراضاته على هذه المقررات، والتي تبين أنها استمرار لروح المراوغة والتحايل، وأنها بأية حال لا تقدم أي حلول مرضية لا للبيئة ولا للامركزية معالجة النفايات ولا لوقف الفساد وهدر المال العام (وكلها أمور في صلب مطالبنا). ولا يسعنا أمام هذه الإعتراضات إلا رفض هذه المقررات:
أولاً، أن الحكومة اعتمدت أسلوب المراوغة من خلال التمسّك بمدّة انتقاليّة تصل الى 18 شهراً. فبعد إعلان موافقتها على عناوين وتوجهات الخطة لجهة مبادئ اللامركزية في معالجة النفايات (وكلها أصلا مبادئ نص عليها قانون البلديات الساري المفعول منذ 1977)، منحت نفسها فترة سماح طولها 18 شهراً للإلتزام بها، بدل أن تعلن خطة طوارئ للمسارعة في تنفيذها. وما يزيد الأمر قابلية للانتقاد هو أن تدابير ما أسمته الفترة الانتقالية التي وافقت عليها جاءت مخالفة تماما في روحيتها وأبعادها عن الخطة المستدامة المعلن عنها، وخصوصا لجهة مبدأ الفرز عند المصدر، فضلا عن أنها خلت من أي تفصيل للتدابير التحضيرية لتمكين البلديات من تلبية شروطها. وهذا الأمر يمنع وصف هذه الفترة بالفترة الانتقالية طالما أنها تخلو من أي خطوات للوصول الى ما سمي بالحلّ المستدام. ومن شأن ذلك أن يجعل وعود الحكومة غير جديرة بالثقة. فمن وافق على الدستور ولم يطبقه خلال 25سنة بعد تعديله، ومن ارتضى أن يعرّض صحة مئات آلاف اللبنانيين وأبنائهم للخطر من جراء ترك النفايات في الشوارع بهدف التمهيد لصفقات مشبوهة، لا قيمة لوعوده.
ثانياً، أن المقررات لم تقم أي اعتبار للبيئة، وأضرت بها في جوانب عدة مما يعرض صحة اللبنانيين للخطر، ابرزها الآتية:
– أنها اعتمدت مجددا طريق المطامر من دون فرز وكأنها لم تتعلّم شيئاً من تجربة مطمر الناعمة القاسية. فعادت الى الحديث عن فتح هذا المطمر لسبعة أيام لاستيعاب جميع النفايات المتراكمة في بيروت وضواحيها من دون أي فرز (ونحن نرفض فتحه ولو لساعة). كما استنسبت فتح مطامر أخرى في عكار والبقاع.مع امكانية اعادة فتح مكب برج حمود واللافت أن مقررات المجلس لم تبين إطلاقا ما هي طريقة المعالجة المثلى التي ستنتهي اليها،
– أن أحد هذه المطامر المقترحة كائن في مرتفعات المصنع، وهو مكوّن من صخور كربوناتية كارستية (طبقتي سينومانيان C4وطورونيان C5) أي في منطقة ذات نفاذية عالية من الشقوق والكسور وفراغات التذويب بمياه الأمطار، من شأنه أن يؤدي الى كارثة بيئية وبؤرة تلوث تطال أقله المخزون المائي الجوفي على طول سلسلة الجبال الشرقية.
– أن اختيار اماكن المطامر يستهدف المناطق الأكثر إهمالا وفقرا. كأنما الدولة تقايض اعترافها بأبناء هذه المناطق بتنازلهم عن حقهم ببيئة سليمة، رافضين مبدأ الرشوة والإذلال في هذا الخصوص. فالانماء المتوازن حقّ دستوريّ كما هو الحق ببيئة سليمة ولا يجوز مقايضة الواحد بالآخر، وليس لأي منطقة لبنانيّة أن تتحمل نفايات مناطق أخرى إلا على أساس إرادتها الحرة، دون ضغط أو رشوة، ومن ضمن منطق التكامل،
– أن المقرّرات خلتْ من أي التزام بمبدأ الفرز عند المصدر أو بأيّ خارطة طريق لضمان تطبيق هذا المبدأ من الأفراد والبلديات وفي أي حل مستدام للنفايات، فبدت ما أسمته الفترة الانتقالية وكأنها فترة دائمة ليس لها أيّ أفق،
– من شأن نقل كميات كبيرة (آلاف الأطنان) من النفايات إلى مناطق بعيدة أن ينتج ضرراً وتلوثاً على طول الطرق المعنية، ولا سيما في ظل الازدحام الهائل على الطرق.
– أن الحكومة امتنعت عن أي إشارة الى مشروع القانون المتعلق بالادارة المتكاملة للنفايات الصلبة والعالق في لجان المجلس النيابي منذ 2012،
ثالثاً، أن المقررات أبقت حقوق البلديات وصلاحياتها هشة خلافا للقوانين الضامنة لها:
ويتأتى هذا الأمر عن مسائل عدة:
-
لم يتم تحرير أموال الصندوق البلدي المستقل بشكل واضح وصريح كما وعدت به الخطة البيئية. بل اكتفت الحكومة بالموافقة على المراسيم المقترحة تتصل بتوزيع أموال الخليوي على البلديات، من دون ايضاح مضمون هذه المراسيم. كما تغاضت الحكومة عن مطلب فتح حساب خاص بالصندوق البلدي المستقل. كما أنها أحالت مسألة شطب ديون البلديات المتراكمة بطريقة غير شرعية الى المجلس النيابي،
-
تمّ ابهام دور البلديات في الخطة مع الاكتفاء بالحديث عن مبدأ اللامركزية في معالجة النفايات من دون زيادة. كما تمّ اعادة تفويض مجلس الانماء والاعمار بإدارة ملف النفايات خلال الفترة الانتقالية وفيما بعدها بناء على مراسيم غير شرعية. ونحن نطلب باقصاء هذا المجلس الذي كان في قلب كل الصفقات المشبوهة في هذا الشأن واعادة الملف لوزارة البيئة وحدها بعد استقالة الوزير محمد المشنوق عنها،
رابعا: أن المقررات أبقت مجالا واسعا للاحتكار وهدر المال العام:
تضمنت المقررات اعادة التعاقد مع الشركات المشغلة حاليا لكناسة النفايات ولمها وجمعها، رغم كل الصففقات المشبوهة التي كانت هذه الشركات قد ارتبطت بها سابقا، وكأنها بذلك تجدد العمل بعقود الهدر والفساد،
كما أنها أبقت إبهاما كبيرا بشأن المبالغ المالية التي ستسدد لهذه الشركة للمّ النفايات المتراكمة منذ 17 تموز، وأيضا بشأن المصالحات التي ستجري معها على الفترة الممتدة من 17 تموز حتى العمل بالعقد الجديد. وكلها فرص جديدة لاقتناص المال العام وهدره.
كما نسألها: ماذا بشأن المعدات المملوكة من هذه الشركة؟ وهل تم تمويل شرائها وتجديدها من المال العام؟ وفي حال الايجاب، فما مصير معدات هذه الشركة بعد انتهاء العقود معها؟
خامسا: أن مقرراتها عكست استهتارا بشأن العاملين في الشركات المشغلة، الذين يبلغ عديدهم الآلاف.
فما هو مصير هؤلاء بعد الغاء العقود مع هذه الشركات؟ وهذا التصرف انما يعكس مجددا استهتارا بحقوق المواطنين ومصائرهم.
نحن كحراك شعبي المعنيون برفع النفايات المتراكمة من الشوارع ومن الأماكن التي عمدت السلطة الى الرمي العشوائي فيها من ضمن ابتزاز أطرافها لبعضهم البعض، واذ نرفض مقررات مجلس الوزراء، نؤكد أن الحل يمر بالخطوات المباشرة التالية:
-
إلغاء صريح للقرار رقم 1 تاريخ /1/2015 12 مع جميع القرارات المتصلة به،
-
إعلان حال طوارئ بيئية لنقل النفايات المتراكمة في الشوارع فوراً إلى مواقع على مستوى القضاء تفرز فيها النفايات وتعالج قبل موسم الشتاء،
-
التشغيل الفوري لكل معامل الفرز المنتشرة على الأراضي اللبنانيّة وبكامل طاقاتها لفرز النفايات المنتجة يومياً والمخزون المتراكم منها،
-
ترميم المقالع والكسارات لاستقبال العوادم (فقط) الناتجة عن عمليّة الفرز والمعالجة وضمان عدم الإضرار بالمياه الجوفيّة،
-
الاعتماد على تخفيف انتاج النفايات واعادة الاستعمال والفرز من المصدر والتدوير، مع المسارعة في إقرار مشروع القانون المتعلق بالادارة المتكاملة للنفايات الصلبة،
وختاما، نسجل أنه حتى عند تراجع الحكومة أمام الضغط الشعبي، ما تزال السلطة تناور وتراوغ، وهدفها الأوحد تطويق التحرك الشعبي العارم. وردا عليها، نوجه اليها انذارا بوجوب المبادرة الى تحقيق مطالبنا اعلاه وفي مقدمتها اعلان طوارئ بيئية على نحو يؤدي الى ازالة جميع النفايات من الطرقات العامة والشوارع، حتى موعد انعقاد طاولة الحوار يوم الأربعاء الواقع في 16 أيلول.
الضغط ينفع. المطلوب استمرار الحراك ومزيد من الضغط وصولا الى إقرار خطة تستجيب لهذه المطالب ولا تلتفّ عليها، مؤكدين على استمرار المطالبة باستقالة وزير البيئة محمد المشنوق. بقي أن نوجّه تحيّة خالصة إلى كل من يعمل على إسقاط المخططات والأضاليل لهذه الحكومة الفاشلة.