أمس، تمّ توقيف حاكم مصرف لبنان السابق رياض سلامة بقرار من النائب العام التمييزي جمال الحجّار. لم يعلن رسميّا عن السبب والقضية. وقد تردّد اليوم أنّ النائب العامّ التمييزيّ أحال الملفّ إلى النيابة العامة المالية، التي ادعت عليه أمام قضاء التحقيق. وبمعزل عن تفاصيل القضية والتحقيق وظروف التوقيف والتي لم تنجلِ بعد بصورة كاملة، يهم الائتلاف التنبيه إلى الأمور الآتية:
أولًا، لم يرتبط اسمٌ بالانهيار ونهب أموال اللبنانيين مثلما ارتبط اسم رياض سلامة. وإذ ثارت الأسئلة في البداية حول دوره المركزي في الهندسات المالية التي كبّدت مصرف لبنان 74 مليار د.أ وفق تقرير التدقيق الجنائي، فإن سرعان ما ارتبط اسمه بعمولاتٍ فوري التي استفاد وعائلته منها، وفي وقت لاحق بقضية عمولات أوبتيوم التي وصلت قيمتها إلى 8 مليارات د.أ. هذا دون الحديث عن دور سلامة التدميري في فترة ما بعد الأزمة. فبدل أن تستخدم الأموال المتبقية في إيجاد حلول للأزمة، تم إزهاق القسم الأكبر منها بطرق عدة: أبرزها (1) تهريب أموال إلى الخارج لمصلحة مصارف وأصحاب نفوذ لم تكشف هويّاتهم بعد، (2) تمكين كبار المقترضين من إيفاء قروضهم بمبالغ رمزية على أساس سعر صرف وصل إلى نسبة 1% من سعر الصرف الحقيقي، و(3) وضع سياسات دعم انتهت إلى إثراء كبار التجار والمهربين في موازاة إذلال اللبنانيين في طوابير البنزين وقتل العاجزين منهم عن الحصول على الدواء، و(4) إطلاق منصة صيرفة التي أتاحت للمصارف وكبار الرساميل حصد مزيد من الأرباح على حساب الشعب برمته. كل من هذه العناوين أزهق مليارات كان اللبنانيون بأمس الحاجة إليها من أجل الخروج من الانهيار وإعادة بناء مؤسساتهم واقتصادهم. وقد حصل كل ذلك على مرأى من البرلمان والحكومة والقضاء برمته. وفي الحالات القليلة التي تحرك فيها قضاة لمحاسبة سلامة أو التحقيق معه، تكفلت وزارة الداخلية ومعها الأجهزة الأمنية من أجل تحصينه ضدّ أيّ تبليغ أو مذكرة جلب. وبذلك، بات الرجل رمزا لنظام ينهب ثروات مواطنيه ويذلّهم ويقتلهم من دون أيّ حساب.
ثانيًا، أهمّ القضايا القضائية العالقة حاليا ضدّ رياض سلامة هي القضية المتصلة بعمولات فوري والتي تقدر قيمتها بأكثر من 330 مليون د.أ. للتذكير: هذه القضيّة انطلقت التحقيقات فيها بناء على طلب النيابة العامة السويسرية. استغرق التحقيق فيها لدى النيابة العامة التمييزية سنتين (2020-2022). وحين طلب النائب العام التمييزي السابق غسان عويدات من النائبين العامين المالي علي إبراهيم والاستئنافي في بيروت زياد بو حيدر التحرك، رفض كلاهما ذلك كما عمد سلامة إلى مخاصمتِهما أمام الهيئة العامة لمحكمة التمييز بهدف كفّ يديْهما على أساس المادة 751 من قانون أصول المحاكمات المدنية. استمر الأمر قرابة 6 أشهر ولم يدع على سلامة إلا بعد ستة أشهر تحت ضغط وفد التحقيق الأوروبي ومن قبل محامٍ عامٍ في بيروت يعمل تحت إشراف بو حيدر. وما أن بدأت التحقيقات حتى عادت لتتوقف أمام الهيئة الاتهامية في بيروت بعد تقديم رياض سلامة دعاوى مخاصمة ضد جميع أعضائها الدائمين والمحتملين بهدف كفّ أياديهم جميعا على أساس المادة 751 نفسها.
ثالثًا، رغم كلّ الضّجيج حول التدقيق الجنائي وبهدف إنجازه، فإن النائب العام التمييزي السابق غسان عويدات أحال مُخرجاته إلى النائبين العامين المالي إبراهيم وفي بيروت بوحيدر (نفسهما) للتحقيق بشأنها، من دون أن يبدر أي نتيجة من أي نوع كان بنتيجة ذلك،
انطلاقا من هذه المعطيات،
وإذ يتابع الائتلاف بانتباه شديد توقيف سلامة بانتظار توضيح صورة أسبابه وأبعاده ومدى جديته في ظل تراجع الثقة بالتزام النيابة العامة التمييزية الدفاع عن حقوق المجتمع،
يهمنا إبداء المواقف الآتية:
1- إن تحقيق العدالة في مسؤولية سلامة عن الانهيار وما لحقه من نهب وإزهاق لما تبقّى من ثروات اللبنانيين، هو شرط لاسترداد شعب بات في غالبيته الكبرى ضحايا لنظام سياسي مصرفي مجرم لم يحاسب أيّ من أعيانه. 2- إن التحقيق مع سلامة في هذه القضية يخشى أن تتعطل على غرار ما حصل في قضية فوري تبعا لمخاصمة قضاة الهيئة الاتهامية من قبل سلامة على أساس المادة 751.. علمًا أن سجلات محكمة التمييز تظهر تسجيل سلامة رقما قياسيا في اللجوء إلى مخاصمة القضاة على أساس المادة المذكورة. 3- إن العدالة التي يستحقّها شعبٌ عانى ما عاناه من مظالم لا تتحقق بإجراء يقوم به هذا المسؤول او القاضي أو ذاك أيا تكن أهميته، إنما تفترض مسارا يضمن استكمال التحقيقات من جوانبها كافة في موازاة العمل استباقيا على إزالة أي عوائق إجرائية قد تعترضه. ومن هنا نعود لنسأل تبعا لتعطيل قضية فوري ومعها عشرات القضايا المصرفية بالغة الأهمية وقضيّة المرفأ على أساس هذا الاعتبار أو ذاك وبالأخص المادة 751: “ما هي الإجراءات التي تعتزم النيابة العامة التمييزية ووزارة العدل والمجلس النيابي اتخاذها من أجل ضمان استكمال التحقيق في مسؤوليات سلامة وشركائه فلا يلقى ما لقته قضية فوري من عوائق عطلتها بصورة فورية وشبه دائمة؟” الجواب على هذا السؤال حاسم لقياس مدى جدية الإجراء المتخذ بحقّ سلامة، ومبدؤه الاجتهاد القضائي لوقف التعسف في تعطيل القضاء فضلا عن إقرار اقتراحيْ القانون اللذين تقدم بها ائتلاف استقلال القضاء بالتعاون مع عدد من النواب الديمقراطيين. 4- أخيرا، يبقي الائتلاف اجتماعاتِه مفتوحة لمتابعة هذه القضية أولا بأول انتصارا للعدالة في هذه القضية.
This website uses cookies so that we can provide you with the best user experience possible. Cookie information is stored in your browser and performs functions such as recognising you when you return to our website and helping our team to understand which sections of the website you find most interesting and useful.
Strictly Necessary Cookies
Strictly Necessary Cookie should be enabled at all times so that we can save your preferences for cookie settings.
If you disable this cookie, we will not be able to save your preferences. This means that every time you visit this website you will need to enable or disable cookies again.