
في الأيام الأخيرة، سجّل تطوّران سلبيّان في الملف القضائي:
الأوّل، الضغوط التي لم تعد خافية التي يمارسها رئيس مجلس النوّاب نبيه بري لفرض تعيين قاضٍ موالٍ له في النيابة العامة المالية، محلّ القاضي علي إبراهيم، وذلك عملًا بمنطق المحاصصة الطائفية،
الثاني، التحوّل الحاصل في موقف رئيس لجنة الإدارة والعدل جورج عدوان وتحديدًا إعلانه خلال جلسة اللجنة المنعقدة أمس رفض مناقشة مشروع قانون تنظيم القضاء العدلي الذي وضعته الحكومة، وتمسّكه باقتراح القانون الذي صدّقته لجنة الإدارة والعدل في 2023 وبُنيَ مشروع الحكومة عليه. وقد أتى هذا التحوّل بعدما كان النائب عدوان أعلن في 2 أيار ترحيبه بمشروع قانون الحكومة والتزامه بضمان إنجاز مناقشته ضمن مهل قصيرة، والأهم بعدما كان وضعه رسميًا على جدول أعمال اللجنة أمس.
وعليه، نسجّل الملاحظات الآتية:
أوّلًا، الاستمرار في مخالفة مبدأ المداورة هو استمرارٌ في انتهاك الدستور
نصّت المادة 95 من الدستور على أنّه يحظر تخصيص أيّ مركز لأيّ طائفة. وعليه، فإنّ الاستمرار في التعاطي مع المراكز القضائية الهامّة على أنّها حكر لهذه الطائفة أو تلك، إنّما يشكل إمعانًا في انتهاك الدستور وخروجًا عن خطاب القسم والبيان الوزاري اللذين شدّدا على اعتماد مبدأ المداورة، علاوة على كون هذا التخصيص الأداة الأكثر فعالية لتحويل المؤسسات العامّة إلى ما يشبه الإقطاعات السياسية خلافًا لمبدأي الحيادية والكفاءة. وبالطبع، هذه الملاحظة تنطبق على مجمل التعيينات الحاصلة أو التي تحصل حاليًا.
ثانيًا، وضع اليد على النيابة العامّة المالية يعني تحصين الجرائم المالية واستمرار هدر المال العام
إنّ النّيابة العامّة الماليّة تختصّ في ملاحقة مجمل جرائم الفساد والاعتداء على المال العام. وعليه، من شأن التمسّك بتعيين قاض موال للسلطة السياسية أو للوبي المصارف فيها يؤدّي إلى تحصين هذه الجرائم وتاليًا هدر المال العام، في نهج يُخشى أن يشكّل استمرارًا للنهج المعتمد طوال العقود السابقة، والذي انتهى إلى إفلاس الدولة وتفقير المجتمع، في إحدى أكبر عمليات النهب المسجّلة عالميًا.
ثالثًا، وجوب تغليب التعاون بين السلطات على ممارسات التعطيل والتنافس والتسييس
إنّ التّراجع عن وضع مشروع قانون تنظيم القضاء العدلي على جدول أعمال اللجنة يشكّل إخلالًا بمبدأ دستوريّ هو مبدأ التّعاون والتّوازن بين السّلطات. وما يزيد من خطورة هذا الإخلال، هو أنّ مؤدّاه تعطيل إصلاح محوري في خطاب القسم والبيان الوزاري الذي أعطيت الحكومة الثقة على أساسه وإعادة ملفّ الإصلاح القضائي إلى الوراء. فكأنّما لجنة الإدارة والعدل تعمل على إحباط جهود الحكومة في تنفيذ بيانها الوزاري بعدما منحت الثقة على أساسه.
فضلًا عن ذلك، يسجّل أنّ هذا الإخلال يشكّل مخالفة صريحة وواضحة للمادة 35 من النظام الداخلي للمجلس النيابي التي تفرض على اللجان مناقشة مشاريع واقتراحات القوانين المحالة إليها، وفق تاريخ ورودها.
وعليه، يدعو ائتلاف استقلال القضاء إلى الالتزام بالمطالب الآتية:
- نطالب وزارة العدل بالتّنسيق التامّ مع مجلس القضاء الأعلى بإرساء آليّة للترشّح لمنصب النّيابة العامّة الماليّة من دون أيّ تمييز على أساس مذهبي أو جندري، على أن يتم اختيار المرشح الأكفأ والأكثر التزامًا بالحيادية والاستقلالية من دون أيّ اعتبار آخر،
- نطالب مجلس القضاء الأعلى بإرساء آليّة للترشّح لمجمل المراكز القضائية الهامة وفق المعايير نفسها،
- ندعو رئيس لجنة الإدارة والعدل الالتزام بمناقشة مشروع الحكومة ضمن آلية تضمن إنجازه ضمن مهلة الشهر المنصوص عليها في المادة 38 من النظام الداخلي لمجلس النوّاب، وكلّ ذلك وفق المبدأ الدستوري للتكامل والتعاون مع الحكومة ومجلس القضاء الأعلى، وعلى ضوء ملاحظات ائتلاف استقلال القضاء والتي سبق نشرها.
متوفر من خلال: