انطلقت الحملة الوطنية للحفاظ على مرج بسري” في العام 2018 بهدف توعية الرأي العام حول مخاطر إنشاء سد بين أقضية الشوف وجزين والإقليم وأثره البيئي المدمر، فضلا عن عدم جدواه مقارنة مع المرتجى منه وكلفته والمخاطر الزلزالية الناتجة عنه، وقضاءه على التنوع البيولوجي والزراعي في المنطقة والإضرار بالقرى المحيطة وناسها. ومنذ انطلاقتها، تواجه الحملة شتى أنواع محاولات القمع، بدءاً من التخوين، والتهديد، والترويج لشائعات وبروباغندا، وصولاً إلى حد الاعتداء بالضرب على منسق الحملة رولان نصور، إضافة إلى استدعاء نحو 17 شخصاً للتحقيق لدى مكتب مكافحة الجرائم المعلوماتية على خلفية تعليقات تنتقد تصريح مدير مشروع السد إيلي موصللي حول إزالة الآثار من مرج بسري.
سلوكيات السلطات العامة تأتي من هذه الجهة مناقضة تماما لروحية المادة 3 من قانون البيئة التي لا تكتفي بمنح الحق لكل المواطن بالدفاع عن البيئة، بل تحوّله إلى جندي مسخّر للدفاع عنها، وفق ما أكد عليه المدير التنفيذي للمفكرة القانونية المحامي نزار صاغية في معرض تعقيبه على أداوت قمع الناشطين التي وثقها نصور في مؤتمر صحافي عقدته الحملة والمفكرة في مكاتب الأخيرة بتاريخ 25 تموز 2019.
يستعيد هذا المقال أهم وسائل التضييق المستخدمة ضد الناشطين، بهدف التضييق من هامش تحركهم وتأثيرهم (المحرر).
لم يكن استدعاء العديد من ناشطي الحملة الوطنية للحفاظ على مرج بسري لمكتب مكافحة جرائم المعلوماتية، على خلفية تعليقات تنتقد تصريح مدير مشروع السد إيلي موصللي حول إزالة الآثار من مرج بسري، الأمر الوحيد الذي تعرّضت له الحملة. فقد حظيت الحملة بتدبير استثنائي قوامه البروباغندا المعتمدة من القيمين على مشروع السد، فضلا عن تخوين الناشطين واتهامهم بالعمل وفق أجندة خارجية وحتى لصالح العدو الإسرائيلي. هذا التعرّض المستمر للناشطين دفع الحملة لتقف وتدافع عن حق ناشطيها في الاستمرار بالدفاع عن مرج بسري بمواجهة ما اعتبرته سداً آخر “لإسكات الأصوات المدافعة عن مرج بسري”، وفق ما جاء في عنوان المؤتمر الصحفي الذي عقدته الحملة مع المفكرة القانونية بتاريخ 25 تموز 2019. خلال المؤتمر، لخص منسّق الحملة رولان نصور نوع محاولات القمع التي تتعرض لها الحملة وهي عشرة أنواع، كما عرض الرئيس التنفيذي للمفكرة القانونية المحامي نزار صاغية في كلمة باسم المفكرة التناقض بين ما يطلبه القانون من المواطنين لناحية السهر على حماية البيئة وبين سلوكيات السلطة العامة في كبح جهد كل من أراد القيام بواجبه تجاه البيئة.
وانطلاقاً من ذلك، اعتبر الداعون إلى المؤتمر أن الاستدعاءات (للتحقيق في مكتب مكافحة المعلوماتية) هي “تتمة لمجموعة من التصرفات العنيفة والتخويفية الهادفة إلى قمع أي صوت معارض ضدّ هذا المشروع التدميري بحق البيئة والآثار الموروثة وبشكل أعمّ الوطن”. وبشكل خاص، فإن الاعتداء بالضرب الذي تعرّض له نصور وأدى إلى قضم أذنه في حزيران خلال نشاط سلمي في بسري، عدا عن التهديد المستمر عبر رسائل من جهات معروفة وأخرى مجهولة يتلقاها المعارضون للسد، كلها ساهمت في تردد المواطنين في زيارة مرج بسري.
يشرح نصور بأن هدف الحملة هو حماية مرج بسري الذي يقع بين قضاءي جزين والشوف، والذي تصل مساحته إلى ستة ملايين متر مربع من أحراج الصنوبر والسنديان ويحتوي على أكثر من 50 موقعاً أثرياً. وإن الدافع لإطلاق الحملة بحسب نصور، هي الأخطار على البيئة الطبيعية التي سوف تنتج عن تنفيذ مشروع السد، حيث أن قسماً كبيراً من محمية أرز الباروك سيمحى، كما سيلحق ضرراً بالامتداد الحيوي الطبيعي للمرج الذي صنفته “الخطة الشاملة لترتيب الأراضي اللبنانية” كأحد أهم المواقع الطبيعية في لبنان. ويُضاف إلى ذلك، أن المنطقة هي ثاني محطة أساسية للطيور المهاجرة بعد مستنقعات عميق في البقاع، بالإضافة إلى أراض زراعية شاسعة وخصبة، وترسبات نهرية اتخذت مئات السنين لتتكون. أيضاً فإن السد سيدمر الآثار والتي تتشكل من معبد روماني وكنائس وأديرة وجسور أثرية. عدا عن ذلك، فإنه سوف يؤدي إلى جفاف النهر الذي يغذي منطقة صيدا تاريخياً. وجيولوجياً، وهذا جد خطير أيضاً، يمر بأرض المرج فالقان زلزاليان ناشطان سوف يهددان أمن وسلامة المواطنين والمنطقة.
ويلفت نصور إلى أن الحملة ومنذ انطلاقتها أنشأت صفحات على مواقع التواصل الإجتماعي، وعقدت العديد من الندوات العلمية البيئية، ونظمت تحركات سلمية ورحلات إستكشافية، وتمكنت من خلق مساحة مشتركة بين الخبراء والأهالي. وكانت قد أطلقت عريضة إلكترونية وقّع عليها أكثر من 35 ألف شخص يُعارض إنشاء السد. إذن، فإنّ ما تقوم به الحملة لا يخرج عن حديّن: تقديم المعلومات العلمية وتنفيذ التحركات السلمية، لكنها تُقابل بمحاولات قمع قاسية، وثقها منسق الحملة ضمن عشر نقاط تُلخص ما تواجهه على أصعدة عدة.
أولاً، تشويه سمعة الناشطين، والحال أن من يستخدم هذه الطريقة هو بشكل خاص مجلس الإنماء والإعمار، عبر اتهام معارضي السد بأنهم ينفذون “أجندات مشبوهة”. وورد ذلك في بيان للمجلس عزا فيه للناشطين أنهم “يستهدفون جميع المشاريع التي تقوم بها الدولة لأسباب شعبوية”. واستغرب نصور وتأسف أن تصدر هذه الكلمات عن مؤسسة تابعة للدولة اللبنانية. إلى ذلك، أعاب نصور على مدير المشروع الموصللي تهجمه على الأهالي الرافضين للسد وإنكاره حقهم بالاعتراض عليه بحجة أن”االذين تقاضوا الأموال لقاء استملاك أراضيهم لا حق لهم بمعارضة المشروع “. واعتبر نصور هذا التهجم بحدّ ذاته تعديا على الحريات لأن “هذه الاستملاكات حصلت بالقوة”.
ثانياً: تخوين الناشطين، ويتصدر مرتكبي هذه التصرفات وزير الطاقة والمياه السابق سيزار أبي خليل، الذي أدلى في تغريدة على تويتر أن المعارض لسد بسري منخرط بالمشاريع المناهضة للأمن القومي اللبناني أي إسرائيل، ثم وزيرة الطاقة الحالية ندى بستاني التي أرسلت كتباً إلى بعض رؤساء الجامعات في لبنان تدلي فيها أن الخبراء في هذه الجامعات الرافضين لمشروع السد يخدمون مصالح العدو الإسرائيلي. وشرح نصور بأن ذلك يعرّض الناشطين للخطر ويجردهم من أبسط حقوقهم، عدا عن تهديد الخبراء بمراكز عملهم.
ثالثاً، حملات ضغط على الأهالي لثنيهم عن المشاركة في النشاطات المعارضة للسد تحت طائلة طردهم من أعمالهم، وبخاصة الموظفين الحكوميين من بينهم. وعرض نصور حالة شخص موظف في إحدى الوزارات تم الضغط عليه على هذا الوجه، لعدم المشاركة في الاحتجاج.
رابعاً، التضييق على وسائل الإعلام التي تغطي القضية، حيث تم منع بعض الإعلاميين من تصوير المعارضين للسد، وتم تحديد المناطق المسموح بتصويرها، كما منع التصوير في منطقة المرج مرات، علماً أن أعمال بناء السد لم تبدأ بعد.
خامساً، تعرضت الحملة لمحاولات قرصنة لصفحاتها على وسائل التواصل الإجتماعي، إلى جانب إنشاء صفحات رديفة. واتضح أنها محاولات لتشتيت الرأي العام، هذا فضلا عن ورود العشرات من رسائل التهديد على صفحة الحملة من جهات مجهولة.
سادساً، التهديد والاعتداء بالضرب، حيث وصل رواد مرج بسري المعارضين من بينهم، رسائل تهديد شخصية من أشخاص يستقوون بانتمائهم لأحزاب معينة وبخاصة التيار الوطني الحر والحزب التقدمي الاشتراكي، فلم يجدوا حرجا في التهديد باسمها. وقد شرح نصور أن الحملة لم تتأكد بعد إذا كان هؤلاء فعلاً ينتمون لهذه الأحزاب أو يتصرفون فعلا باسمها، إلا أن هذا الأمر يلقي على عاتق الأحزاب واجب التوضيح. من جهة أخرى، حصل اعتداء بالضرب المبرح على نصور وناشطتين أخريين خلال نشاط سلمي نُظم بتاريخ 9 حزيران، حيث أقدم أحد المعتدين على قضم أذن نصور أيضاً. وهذه القضية هي موضوع دعوى قضائية بادعاء “محاولة القتل وتهديد وقدح وذم” رفعها نصور ضد المعتدين. وتشرح وكيلة نصور المحامية فداء عبد الفتاح بأن الدعوى أصبحت لدى المحامية العامة الاستئنافية نازك الخطيب التي تشرف على التحقيقات بالتعاون مع قوى الأمن الداخلي.
سابعاً، ، تم منع دخول المواطنين إلى المرج، رغم أن أعمال الإنشاءات لم تبدأ بعد. ويسري المنع حتى على الأشخاص الذين يهوون المشي في المرج، وأيضا المزارعين الذين يريدون حصد محاصيلهم الزراعية، وخاصة المعارضين من بينهم.
ثامناً، التطويق الأمني الشديد غير المبرر، خاصة وأن كافة التحركات سلمية. مثلاً قد يشارك في التظاهرة 25 شخصاً فقط، فيأتي بالمقابل مئات العناصر الأمنية من فرقة مكافحة الشغب والشرطة الأمنية الخاصة. غير ذلك فإن القوى الأمنية أحياناً تستخدم التهديد بالسلاح لمنع الناشطين من التصوير. عدا عن ذلك، تنتشر الكلاب البوليسية عند عدة نقاط تابعة للمشروع، مثلاً في الدامور وتحديداً عند النفق المزعم إنشاؤه لتسيير المياه إلى بيروت، فيتم منع الإعلام والناس من الإقتراب من هذه المنطقة.
تاسعاً، جاءت مؤخراً الإستدعاءات أمام مكتب مكافحة الجرائم المعلوماتية. وهذا ما حصل لمجرد تعليق هؤلاء على منشور نشرته الحملة على صفحتها تعقيباً على تصريح لمدير المشروع موصللي عن إزالة آثار المرج. وعليه، ادعى موصللي على حوالي 17 شخص لدى مكتب مكافحة الجرائم المعلوماتية معتبرا أن هؤلاء ارتكبوا قدحا وذما بحقه، وتم التحقيق حتى الآن مع اثنين أو ثلاثة منهم. وتبين من خلال الإستجوابات التي حصلت أنها تركز بشكل كبير على الحملة ومَن ورائها، ما يرجح استهداف الحملة وتحركاتها.
عاشراً، إنتهاج مجلس الإنماء والإعمار أشكالا عدة من البروباغندا. فهي المرة الوحيدة التي تلجأ فيها مؤسسة عامة إلى إنشاء صفحة على فايسبوك لأحد مشاريعها. وتقوم هذه الصفحة بالترويج بأن “الناشطين يروجون لأخبار مزيفة وشائعات”. واتضح وجود صفحات أخرى أنشئت حديثاً هدفها الترويج لبيانات مجلس الإنماء والإعمار وتقوم بدفع المال لبث هذه المنشورات عبر طريقة الـ Sponsored. ومن هنا، سأل نصور إذا كان مجلس الانماء والاعمار وراء هذه المواقع أم لا، خاصة بأنها روجت لشائعات حول الاعتداء الذي حصل على نصور ولرواية غير صحيحة عما حصل. ويُضاف إلى ذلك استخدام وسائل أخرى لتكذيب الناشطين، عبر نشر فيديو يخوّن الناشطين ويكذبهم، بطريقة تخرج عن مهنية مؤسسة من مؤسسات الدولة.
والحال أن الحق الأول لقيام الناشطين بهذه النشاطات كرسها قانون حماية البيئة في المادة الثالثة منه. والتي تقول بأنه “على كلّ مواطن السهر على حماية البيئة وتأمين حاجات الأجيال الحالية من دون المساس بحقوق الأجيال المقبلة”. وهي المادة التي انطلق منها صاغية قائلاً: “هذه العبارة ليست مأخوذة من قصيدة شعرية، إنما هي تشكل المحتوى الحرفي للمادة 3 من قانون حماية البيئة 444/2002”. والتدقيق في هذه المادة، وفق صاغية، يعني “ليس فقط أن للمواطن حق بالدفاع عن البيئة، ليس فقط أن عليه واجب القيام بذلك، بل أن عليه السهر على حماية البيئة، أي بذل جهد كبير لهذه الغاية”. وأضاف، “نفهم من هذه المادة أن المشرّع (القانون) أعطى البيئة أهمية كبرى إلى درجة تحوّل معها كل مواطن، حتى ولو لم يكن له أي صفة رسمية، إلى جندي مسخّر للدفاع عنها. ولا نبالغ إذا قلنا إن القانون أولى بذلك البيئة حماية استثنائية لا تتشاركها مع أي مصلحة اجتماعية أخرى”.
ويعتبر صاغية أن كثيرين صدقوا هذه المادة، وعملوا بموجبها. كثيرون الذين هتفوا لوضع حد للتعديات التي لم تعد توفّر اليوم لا البحر حيث المخالفات البحرية الكبرى على طول الساحل اللبناني، (آخرها قضية الإيدن باي الشهيرة وقضية الميناء حيث تم سلب 30000 من الأملاك العامة بتواطؤ من وزارة الأشغال العامة، من دون أن ننسى شفط الرمول البحرية القائم على قدم وساق في أكثر من منطقة) ولا النهر (حيث وصل التلوّث إلى درجة بات معها قادراً على قتل الماء) ولا الجبل (حيث تتعدد الجماعات المناهضة للكسارات والمقالع) ولا المرج. وبحسب صاغية، فإنه “لم يطل الوقت طويلا حتى اكتشف هؤلاء أن السلطات العامة اللبنانية تذهب في هذا الخصوص وبشكل منتظم، في اتجاه معاكس تماما أي في اتجاه ردع المواطن وثنيه عن الدفاع عن البيئة ونكران حقه بالقيام بذلك”.
وإذ دعا صاغية “جميع الناشطين في القضايا البيئية إلى التكاتف والتضامن معا حول القضايا البيئية، وذلك إثباتا لواجبنا ودورنا في حماية البيئة وبخاصة في ظلّ اختلال المؤسسات العامة وانغماس العديد منها في حماية مصالح خاصة في مواجهة مصالح الدولة، عاد ودعا “القضاة الذين طلبوا في جمعيتهم العمومية في أيار 2019 من الشعب دعمهم في معركتي استقلاليته ومكافحة الفساد، أن يكونوا على الوعد في القضايا البيئية في أي هيئة قضائية كانوا”.
وخص صاغية الذكر، “قضاة مجلس شورى الدولة الذي ما زلنا ننتظر منه أن يقر صفة الجمعيات البيئية والمواطنين في الدفاع عن البيئة والملك العام سندا للمادة المذكورة”. وأيضاً النيابات العامة التي برأيه “يتعين عليها أن تتحرك ضد كل من يخالف البيئة وينتهكها ويعتدي على المدافعين عنها لا ضد هؤلاء، كما يحصل حاليا في قضية ناشطي مرج بسري”.
لمشاهدة المؤتمر الصحافي حول: سدّ لإسكات الأصوات المدافعة عن مرج بسري
لقراءة كلمة المفكرة القانونية كاملة
“جرائم المعلوماتية” يستدعي نحو 17 مواطنا معارضا لسد بسري