كاميرا عصام الدامية ثُبتت في مدخل المؤتمر الصحافي لإعلان نتائج التحقيقات في جريمة استهداف الفرق الإعلامية في علما الشعب
حين وقف عصام عبد الله في 13 تشرين الأوّل على تلّة في علما الشعب شاهرًا كاميرته في وجه العدوان الإسرائيلي، كان يعتقد أنّه تحت مظلّة شارة الصحافة محميّ من الاستهداف لأنّه صحافي يقوم بواجبه في نقل الحقيقة، محميّ بالقوانين الدولية، محميّ بالإنسانية كونه ناقل مسالم للخبر، وظنّ أنّه بالتدريب الذي خضع له على تغطية الحروب مع “رويترز” سيتمكّن من حماية نفسه أيضًا، خصوصًا وأنه ذو باع طويل في تغطية حروب عدة. وهذا أيضًا كان حال فرح عمر وربيع معماري من فريق “الميادين” اللذيّن استهدفتهما إسرائيل وهما يقفان في مكان متعارف أنّه تجمّع للصحافيين. ولكن كلّ ذلك ينتفي أمام عدوّ ارتأى في حربه ذات الشقّين: العسكري والإعلامي، أن يُسكت الصحافيين ويلغيهم بالقتل العمد، للتعتيم على جرائمه، فقتل أكثر من 70 في غزة وثلاثة في جنوب لبنان، هذا فضلًا عن استهدافات أخرى نجا منها صحافيون بأعجوبة في جنوب لبنان.
ولكن بعيدًا عن الاستهداف الإسرائيلي الذي أصبح واضحًا أنّه متعمّد للصحافيين والذي أكدته 4 تحقيقاتلمنظماتحقوقيةوإعلامية، هل العناصر الأساسية لتحقيق أمن المراسلين والمراسلات والمصوّرين والصحافيات العاملين في التغطية في الجنوب محققة؟ أي هل يتحرّكون وفق معايير السلامة المناسبة في تغطية الحروب؟ هل تتخذ مؤسساتهم إجراءات الحماية اللازمة من حيث مواقع تمركزهم وهل تجري التنسيق الأمني اللازم، وتقييم الخطورة بشكل مستمرّ؟ هل خضعوا لتدريبات عملية على تغطية الحروب؟ هل لديهم تأمين على الحياة؟ تأمين طوارئ أو تأمين صحّي؟ هل يتمّ التأكّد من أوضاعهم النفسية وقدرتهم على التعامل مع الصدمات؟
“المفكرة القانونيّة” تواصلت مع مراسلين ومصوّرين ومساعدين محلّيين يغطّون الأحداث جنوبًا، ومع معنيّين في عددٍ من المحطّات التلفزيونيّة المحليّة فتبيّن أنّ معظم المراسلين والمصوّرين الذين يغطّون أحداث الجنوب لم يخضعوا للتدريب اللازم على تغطية الحروب، ومع ذلك يُسمح لهم بالتغطية جنوبًا، ومن خضع منهم إلى تدريب فهو نظري ولا يرتقي إلى مستوى التدريب المطلوب. كما تبيّن أنّه فيما عمدت بعض المؤسّسات إلى التأمين على حياة الفريق المعرّض للخطر والتأكّد من سلامة السيّارات التي يستخدمها أو تبديل بعضها تمامًا كما الدروع والخوذ، لا تزال بعض المؤسّسات لم تؤمن على حياة مراسليها ومصوّريها الذين يغطون الحرب، كما أنّ بعضها تتعاطى مع فريق عملها ولاسيّما الصحافي الحرّ (فريلانسر) باستهتار من حيث كل إجراءات الحماية ويضطّر بعضهم إلى استعمال سيّارته الخاصة التي قد تكون غير مناسبة لمثل هذه التغطيات أو حتّى استخدام نقل مشترك فضلًا عن شراء درعه وخوذته على حسابه الشخصي، أمّا الجانب النفسي فيبدو مغيّبًا عند كلّ الصحافيين “نحن بلبنان، يعني السؤال عن صحتنا النفسيّة يبدو غريبًا” تقول إحدى المراسلات.
العناصر الأساسية لحماية الصحافيين في الميدان
ترى المحامية والباحثة الحقوقية رنا صاغية التي عملت لسنوات في قضايا ترتبط بحقوق الصحافيين، أنّ حماية الصحافيين في الأماكن الخطرة لا ترتبط بالجانب الأمني فقط بل بمجموعة من العناصر التي يجب أن تكون مؤمّنة وعلى رأسها التدريب المسبق “إذ لم يعد مقبولًا في بلد مليء بالأزمات أن نقول إنّنا فوجئنا ولم نكن مستعدّين، والتدريبات تختلف حسب الأزمة سواء كانت حربًا أم نزاعًا مسلّحًا أم كارثة طبيعية، وبالتالي فالتدريب المستمر يجب أن يكون مبدأ ثابتًا في المؤسسات، إضافة أيضًا إلى المعدات والملابس وكيف يجب أن يتصرّف الصحافي لكي يحمي نفسه معلوماتيًا ومن الاختراق ومن معرفة موقعه، وكيف يجب أن يتصرّف في حال تعرّض للأسر وغير ذلك. وطبعًا مع مراعاة خصوصية المراسلات الصحافيات”.
وتتابع أنّه “يجب أن يكون هناك سياسة واضحة في كل مؤسسة تتعلّق بموجباتها القانونية تجاه الصحافيين في حال التوقيف أو احتجاز أو غير ذلك، كذلك يجب أن يكون لديها سياسة واضحة لجهة التأمين الذي تؤمّنه للصحافيين وأن يكون هؤلاء على علم بها وعائلاتهم أيضًا”.
ويشمل التأمين، التأمين على الحياة، وعلى الحوادث، وعلى المعدّات، والتأمين الصحي للعلاج يشمل أيضًا إمكانية إجلاء الصحافي من المنطقة التي أصيب فيها وعلاجه خارج البلاد إذا احتاج الأمر. وتشدد على ضرورة أن يكون كلّ ذلك مؤمّن بشكل دائم للصحافيين وليس فقط في أثناء الحروب أو المعارك أو التوترات.
ومن المهم جدًا إيلاء الصحة النفسية للصحافيين اهتمامًا من جانب المؤسسات وإعطائها حيّزًا في سياساتها تجاه الموظفين لاسيّما الذين يغطّون ميدانيًا وقد يتعرّضون لصدمات أو لمواقف تحفّز لديهم.
وتلفت صاغية بشكل خاص إلى الغبن اللاحق بالصحافي الحر أو الفريلانسر الذي يؤدّي دورًا أساسيًا في جمع الأخبار، إذ تتعامل معظم المؤسسات الإعلامية مع الفريلانسر بشكل مختلف عن الصحافي الموظف لديها، فلا تهتم بأمنه باعتبار أنّها غير مسؤولة وظيفيًا عن. ووصفت ذلك بالخطأ الكبير الذي يؤثر على نوعية نقل الخبر وحق الناس في معرفة الخبر “لأن الفريلانسرز هم أكثر من يتواجدون على الأرض ويجمعون الأخبار. ومن المهم جدًا عند تحديد البدل لهم أخذ كل المخاطر التي يتعرّضون لها بعين الاعتبار وأن يستفيدوا من كلّ الخطط التي تضعها المؤسّسات لموظفيها فيما خص بدلات النقل والتأمين والصحة والتواصل”.
التدريب على تغطية الحروب شبه غائب
جولة صغيرة على عدد من المراسلين والمصوّرين الذين ينقلون لنا عبر المحطّات اللبنانيّة المشهد من الجنوب تؤكّد أنّ الغالبية العظمى لم تخضع لتدريب جيّد على تغطية الحروب وأنّهم يعتمدون بشكل أساسي على خبرة راكمها بعض الزملاء إمّا من تغطيات لاشتباكات أو معارك مثل معارك عين الحلوة الأخيرة أو أحداثالطيونة عام 2021 أو حتى من حرب تموز أو معارك أخرى داخل لبنان وحروب خارجه وذلك تحديدًا عند الأكبر سنًّا وليس عند الجيل الجديد. ويبدو أنّ “أهم” ما تفعله بعض المؤسسات الإعلامية هو ترك الخيار للإعلاميين والصحافيات في اختيار التغطية في الجنوب من عدمها، مع التأكيد بأنّ سلامتهم في الصدارة، وكأنّها بذلك تترك هامشًا من المسؤولية على الصحافي نفسه، بينما المطلوب هو اتخاذ كلّ الإجراءات الكفيلة بحمايته وتأمين سلامته، خصوصًا وأنّ غالبية المراسلين والمراسلات مدفوعون بحماسهم المهني وبضرورة تأدية واجبهم في فضح ممارسات العدوان، ونقل الخبر من الميدان. والأخطر هو عدم مبالاة مؤسسات إعلامية بالمخاطر أحيانًا، برغم تأكيدها المستمر أنّ سلامة العاملين معها أولوية، حيث يركّز مسؤولوها على تأمين التغطية، وخصوصًا بعدما يعاد إرسال فريق إعلامي إلى أمكنة تمّ استهدافها سابقًا، وفق شهادات أدلى بها بعض المراسلين لـ “المفكرة” ووفق ما لفت إليه مدير في إحدى المؤسسات الإعلامية في معرض تأكيده على استهداف مؤسستهم بالذات في إطلالة إعلامية.
بعض العاملين في المؤسّسات المحليّة تحدّثوا عن تقصير من قبل المؤسسات لجهة تأمين الإجراءات التي تجعلهم آمنين قدر الإمكان وإن أشاروا إلى أنّ المؤسّسات لم تجبرهم على تغطيّة الأحداث جنوبًا وأنّها متعاونة جدًّا لجهة طبيعة المواد “القرار لنا نحن من على الأرض، ولم نُجبر يومًا على إنتاج مادة، التعليق الأوّل عندما نقترح أيّ مادة يكون عن مدى المخاطر”.
أحدّ المصوّرين الذي تمنّى علينا عدم ذكر اسمه أشار إلى أنّه لا يمكن الحديث عن مصوّر أو صحافي مدرّب على تغطيّة الحروب في لبنان إذ إنّ عددًا قليلًا جدًّا تنطبق عليهم هذه الصّفة، لأنّ الاعتماد غالبًا ما يكون على خبرة راكمها المصوّر أو الصحافي نفسه في تغطيات سابقة لحروب أو اشتباكات وتبقى غير كافية برأيه.
أمّا في ما خصّ الاستعانة بمرشد أو خبير أمني أو مساعد ميداني فهي منعدمة إذ يعتبر معظم المراسلين والمصوّرين الذين تواصلنا معهم أنّهم لا يحتاجون لهم “نحن ولاد الأرض ونعرفها، وعنّا مصادرنا في الجيش اللبناني والقوى الحزبيّة واليونيفيل في بعض الأحيان، لا حاجة لمنسّق أمني”، بحسب أحد هؤلاء. مع العلم أن اثنين من المساعدين الميدانيين استشهدوا خلال مرافقتهم صحافيين ومنهم حسين عقيل الذي استشهد مع فرح وعمر وعبدالله البقاعي وكان برفقة صحافيين إيرانيين، من دون أن نعرف مدى تمتع هؤلاء بالخبرة اللازمة لمرافقة مماثلة في مناطق الحرب.
وبرأي بترا أبو حيدر من المؤسسة اللبنانية للإرسال “إل بي سي” عندما يكون المراسل ابن البلد ويعرف المنطقة التي يُحضّر أيضًا ملفّه عنها مسبقًا، لن يحتاج إلى منسّق أمني “أنا على الأرض، وأنسّق بطبيعة الحال مع الجهات الأمنيّة المعنيّة” تقول.
وتؤكد بترا في الوقت نفسه بأنّها غير مدرّبة على تغطية الحروب وتعتمد على خبرة الفريق: “نحن أقلّه الجيل الجديد غير مدرّبين على تغطية الحروب، هذا أمر مؤكّد وحقيقي، وأنا مثلًا أعتمد بشكل أساسي على خبرة فريق البث والمصوّرين المرافقين، فهم يملكون خبرة كبيرة إذ إنّ معظمهم غطّى حروبًا عدّة”. وتشير في الوقت نفسه إلى أنّ المؤسّسة لا تجبر أيّ مراسل على تغطية أحداث الجنوب وأنّها تكرّر دائمًا بأنّ سلامة الفريق أهمّ من الخبر، وتُعطينا التوجيهات للحفاظ على سلامتنا، والأهم لا تطلب منّا المادة، تترك لنا التقدير”.
تتحدث ريما حمدان مراسلة قناة “الجديد” بدورها عن حماسة للتغطية ورغبة في القيام بواجبها وعن ثقة في مؤسّستها أيضًا “في مرات تأتينا التعليمات من المحطّة بضرورة عدم ترك أماكن إقامتنا، القناة تتابعنا بشكل مستمر” تقول. وتُشير إلى أنّها شاركت في ورشات عمل متعلّقة بتغطية الحروب ولكنّها تبقى نظريّة. لذلك تعوّل على خبرتها ومسيرتها الصحافية “الممتدّة على 12 عامًا غطّيت خلالها اشتباكات ومعارك منها معركة القصير في سوريا”، كما تقول، ولو أنّها تعرف أنّ آليات التغطيّة والحفاظ على السلامة تختلف من أرض إلى أخرى ومن طبيعة توتر إلى آخر. ولكن برأيها كلّ التجارب تُراكم خبرة ومعرفة ولاسيّما أنّها “بنت الأرض” كما تقول و”بنت لبنان الذي يشهد توترات بشكل مستمر وإنْ اختلف شكلها”.
مراسل “الجديد” محمد فرحات يُشير إلى أنّ مؤسّسته بدّلت الخوذ والدروع مؤخرًا لتأمين حماية أكبر لفريق عملها. ويبدو محمد محظوظًا إذ إنّه خضع لدورة تدريب تطبيقيّة كما يقول مع منظمات دوليّة فضلًا عن دورة تتعلّق بالصحة النفسيّة في تغطية الحروب. فصحيح أنّ محمد لم يُغطّ حروبًا من قبل ولكنّه غطّى معارك عين الحلوة ويعتبر أنّ التدريب ساعده كثيرًا. “استفدّت كثيرًا من التدريب، أعرف أين أقف، وكيف أتنقّل، وكيف أؤمّن طريق العودة من مكان التغطية”. وتمامًا كما مُعظم من تحدّثنا معهم يحرص محمد على الإشارة إلى أنّ القناة تتابع فريقها وتقدّر المخاطر وتضع سلامته في سُلّم الأولويات.
رامي ضاهر مراسل تلفزيون لبنان يشير بدوره إلى أنّ حسّه الصحافي واقتناعه أنّ ما يحصل جنوبًا يمثّل قضيّته، كانا دافعًا أساسيًّا لتغطيّته جنوبًا، فهو يعتبر ما يقوم به واجبًا مهنيًا ووطنيًّا ولا سيّما أنّه خاضع لتدريبات عمليّة على تغطيات الحرب، حسبما يقول وسبق له أنّ غطّى اشتباكات وحروب منها أحداث نهر البارد.
عندما نسأل رامي عن البدلات يُجيب أنّه لم يسأل عن أيّ شيء تمامًا كمعظم زملائه الذين اختاروا وطلبوا أن يتواجدوا في الميدان.
لم تغطّ زينب ياسين مراسلة تلفزيون لبنان من جانبها أيّ حرب في السابق وتجربتها الحاليّة في تغطية الحروب هي الأولى، إلّا أنّها وكما تقول في اتصال مع “المفكرة” سبق وخضعت لتدريبات مع وكالة الأناضول على تغطية الحروب الأمر الذي ساعدها خلال تغطيتها الأخيرة، طبعًا إضافة إلى شغفها ورغبتها في القيام بواجبها، إذ هي من طلبت أن تكون في الفريق جنوبًا.
مصوّر قناة “الجديد” سمير العقدة (الملقّب أبو شاكر) الذي غطّى عشرات الحروب وهو من المصوّرين الذين نجدهم دائمًا في الصفوف الأماميّة على الجبهات وفي مناطق الاشتباك، يعتبر أنّ التدريب ليس كافيًا، فهو الذي تدرّب في لندن على تغطية الحروب يرى أنّ الأهم هو الخبرة لأنّ لكلّ أرض طبيعتها تمامًا كما المعارك.
ويُشير أبو شاكر إلى أنّ مقوّمات السلامة كلّها موجودة فضلًا عن عدم إجبار أحد على التواجد في الجنوب. إلّا أنّ كلّ هذه الأمور لا يمكن أن تضمن السلامة في الحرب ولاسيّما مع إسرائيل التي تستهدف الصحافيين.
مراسل قناة “الميادين” محمد الساحلي يُكرّر فكرة أنّ التدريبات مهمّة طبعًا ولكن استهدافات إسرائيل مباشرة للصحافيين لا ينفع معها أيّ شيء “أنا خضعت لتدريبات عدّة وغطّيت حروبًا منها سوريا، ولديّ أكثر من 10 سنوات خبرة، ولكنّ خبرتي ما كانت لتنفعني لو كنت واقفًا مكان فرح عمر تمامًا كما لم تنفعها أو تنفع ربيع المخضرم في التغطيات وتحديدًا الحروب، فمكان وقوفهما يفترض أنّه آمن، وهو نقطة متعارف أنّها نقطة تجمّع للصحافيين، وبعيدة عن أي نقطة عسكريّة”.
وفي حين يُشير الساحلي أيضًا إلى أنّ “الميادين” لم تطلب من أحد أن يُغطي جنوبًا وأنّه تمامًا كزملائه الذين يتواجدون في الجنوب هم من اختاروا أن يكونوا في الميدان، ويضيف: “هذا جزء من دوري في المعركة، وأنا أقوم بواجبي، فأنا اخترت أن أكون هنا، ولا أسأل عن أي بدل ولكنّه موجود ” يقول.
وخلال مقابلاتنا كان واضحًا أنّ المصوّرين يشعرون بأنّهم مهمّشون ففي حين أنّهم من ينقلون الصورة وهم مثلهم مثل المراسلين من حيث التواجد في أماكن خطرة، تميّز بعض المؤسّسات بينهم وبين المراسلين الذين غالبًا ما يتقاضون راتبًا أعلى “حتّى المصروف اليومي يُميّز بين الصحافي والمصوّر” يقول أحد المصوّرين.
وفي حين يُشير نقيب المصوّرين الصحافيين علي علّوش إلى أنّ الأكيد أنّ إسرائيل تستهدف الصحافيين مباشرة، يلفت في حديث مع “المفكّرة” إلى أنّ هذا الأمر يجب ألّا يُقلّل من أهميّة التدريب الذي يجب أن تؤمّنه المؤسّسة لموظفيها “معظم المصورين يعتمدون على خبرات راكموها، قليل جدًّا من خضع لتدريبات حقيقيّة” يقول. ويؤكّد وجود نقص في تأمين مستلزمات السلامة للمصوّرين في بعض المؤسسات.
وتُشير بعض المصادر المُتابعة لـ “المفكرة” إلى أنّ الإجراءات التي تتّخذها المؤسّسات أتت متأخّرة وأنّ استشهاد الصحافي عصامعبداللهكان دافعًا أساسيًا لذلك إذ أعاد الحديث عن سلامة الصحافيين. وفي هذا الإطار تتحدّث إحدى المراسلات عن تغيير المؤسّسة الإعلاميّة لسيّاراتها مؤخرًا، راويةً أنّه في تغطيتها لإحدى الاشتباكات (قبل سنوات) توقّفت السيارة بها وبالفريق المرافق وسط الطريق “تعطّلت السيّارة والاشتباكات دائرة، والجيش يطلب منّا الخروج. المؤسّسات لم تلتفت إلى سلامة الصحافيين لولا استشهاد صحافيين وإعلاء الصوت من بعضنا” تقول لـ “المفكرة”.
تتحدث منسّقة تجمّع نقابة الصحافة البديلة إلسي مفرّج بدورها عن فروق واضحة بين ما تؤمّنه المؤسّسات العالمية لحماية طواقمها وبين ما تؤمّنه المؤسّسات المحلية غير المحضّرة لتواكب حروب، مشيرة إلى أنّ معظم من يغطّي جنوبًا غير خاضع للتدريب المطلوب ومن هو مدرّب مدرّب بجهود شخصيّة.
كما تتحدّث مفرّج عن عدم صلاحيّة بعض الدروع والخوذ التي توفّرها بعض المؤسّسات وإن كان بعض هؤلاء المؤسّسات بدّلها. وشدّدت على ضرورة أن يعرف الصحافيون والمصوّرون وكامل فريق العمل حقوقهم، وعلى ضرورة أن تقوم المؤسسات الأمنيّة وتحديدًا الجيش بواجبها، كاشتراط إعطاء الإذن باتخاذ المؤسسات إجراءات معيّنة ترتبط بالسلامة كالتأكّد من وجود تأمين وفعاليّة الدروع والخوذ وخضوع الصحافي للتدريبات اللازمة مع إمكانيّة تنسيق هذا الأمر مع وزارة الإعلام.
وإذ تشير مفرّج إلى أنّ إسرائيل تستهدف الصحافيين مباشرة كما حصل 7 مرّات حتى اليوم، تؤكّد أنّ هذا الأمر يجب أن يدفع المؤسّسات إلى اتخاذ إجراءات إضافيّة لحماية الصحافيين قدر الإمكان.
“أخطاء في أساليب التغطيات”
يتأسّف الرئيس السابق لقسم التصوير في وكالة “رويترز” في لبنان وسوريا جمال السعيدي الذي بدأ مسيرته المهنية في الحرب اللبنانية، لسقوط هذا العدد من الشهداء في حرب لم تتوسّع بعد، معتبرًا أنّه لا يمكن استبعاد فكرة أنّ إسرائيل تستهدف الصحافيين مباشرة ولكن هذا لا ينفي وجود أخطاء بارزة في أساليب التغطيات يمكن ملاحظتها على المحطّات التلفزيونيّة، قد تكون نتيجة ضعف خبرة المراسل وعدم خضوعه لدورات تدريب أو حتّى قد تكون بسبب استهتار بعض المؤسّسات وبحثها عن استثمار معيّن أو سبق صحافي. يتحدّث السعيدي مع “المفكرة” عن مفاهيم خاطئة يعتمد عليها بعض المراسلين أو المؤسّسات الإعلاميّة ومنها أنّ المراسل الذي خضع لدورة نظريّة حول تغطية الحروب هو جاهز لتغطيّة حرب في حين أنّ الدورات يجب أن تكون تطبيقيّة يسمع خلالها المتدرّب صوت القصف، يتعلّم كيفيّة التمييز بين القذائف وطريقة التعامل معها وأمور أخرى كثيرة تساعده على تأمين الحماية قدر المستطاع. ومن الأمور الأخرى التي يلفت إليها، هو الخلط بين الخبرة في تغطية الاشتباكات التي تشبه مثلًا معارك عين الحلوة مؤخرًا أو معارك عبرا بين الجيش اللبناني وجماعة أحمد الأسير عام 2013 أو غيرها، وبين حرب كحرب إسرائيل يُستخدم فيها الطيران.
ومن خلال مراقبته للتغطيات يتبيّن له أنّ عددًا كبيرًا من المراسلين غير مدرّب “هذا يبدو واضحًا مثلًا من مكان وقوف المراسل. فالمراسل لا يقف بين نارين، لا يقف قبالة موقع تطلق منه النار، يقف في مكان آمن بعيد نسبيًّا يمكن التقاط الصورة منه، القاعدة تقول نقف وراء النار إذا أمكن، في حرب تمّوز كان الصحافيون يصوّرون من تلّة في بعبدا مثلًا”.
وهنا برأي السعيدي لا بدّ أيضًا أن يكون هناك دور أساسيّ للمحطّات في التوجيه إذ لا يكفي تأمين الدروع والخوذ والإسعافات الأوليّة، فمعظم المسؤولين في المحطّات اللبنانيّة يملكون خبرة واسعة في تغطية الحروب لا بدّ أن يكون لهم دور واضح في التوجيه والإرشاد حول مكان وقوف المراسل والفريق والمدّة وغيرها من الأمور المتعلّقة بالتوجيه على الأرض. كما يُشير إلى ضرورة التنسيق مع القوى الأمنيّة مثل الجيش ومع اليونيفيل.
وعلى عكس ما يرى معظم المراسلين والمصوّرين، يعتبر السعيدي أنّ وجود مسؤول أمني (قائد فريق) مع الفريق مهمّ جدًا ولو كان الفريق لبنانيًّا ويعرف الأرض، فالمسؤول الأمني لديه القدرة على تقدير الخطر واستشعاره وهو يتابع على الأرض بشكل دائم.
ويُشدّد السعيدي على أنّ البث المباشر من الحدود هو نوع من الانتحار إذ إنّ لا إضافة حقيقيّة لهذا الأمر مقارنة بالمخاطر، فتبيان جرائم إسرائيل ممكن من خلال تقارير أخرى تتحدّث عن المواسم التي ضُربت، عن الناس والنازحين قسرًا، وغيرها من الأمور “الحرب ليست فقط مشاهد الصواريخ، الوكالات تطلب صورة أو صورتين للنار، وعشرات الصور للواقع الإنساني” يقول.
بالإضافة إلى الدور الذي يجب أن تقوم به المؤسّسات من تدريب جيّد ومُحدّد وتأمين الإرشاد على الأرض وكلّ مستلزمات الحماية، يُشير السعيدي إلى حماسة الصحافيين التي يمكن ضبطها عبر قواعد ومحاذير ثابتة تضعها المؤسّسات، مُذكّرًا الصحافيين بضرورة التنبّه دائمًا بأنّ ما يقومون به هو جزء من مسيرتهم وأنّ الأهم هو حماية المسيرة لأنّ الصحافي هو مسيرة وليس سبقًا صحافيًا يحوّله إلى خبر.
ومن الأخطاء الذي يُشير إليها السعيدي التقاط صور مباشرة من مواقع التغطية ونشرها على وسائل التواصل الاجتماعي “كأنّنا ندلّ العدو على مكان وجودنا، نعرّض حياتنا وحياة زملائنا للخطر، الصور توضع بعد انتهاء الحرب”.
وكمصوّر محترف غطّى عشرات الحروب منها الحرب اللبنانية وحروب العراق (1991-2004) يتوجّه السعيدي إلى الصحافيين بالقول: “الخطوة الأولى تأمين طريق العودة قبل طريق الوصول، وتحديد المدّة التي يجب أن أبقى فيها في مكان خطر، وأحدّد الهدف المطلوب من الدخول، ونحاول قدر الإمكان ضبط حماستنا، لأنّ أمامنا مسيرة طويلة يجب الحفاظ عليها”.
التأمين الصحي أو على الحياة غير واضح
وقد أظهرت جولتنا على عدد من المراسلين والمصوّرين والمعنيين أنّ موضوع التأمين على الحياة أو الطوارئ غير واضح بالنسبة لبعضهم، وأنّه حتّى اللحظة لا تزال بعض المؤسّسات لم تقم بالتأمين على حياة أفراد طواقمها المتواجدة جنوبًا. كذلك علمنا أنّه في بعض المؤسسات التي تتبجّح بأنّها توفّر تأمينًا صحيًا لموظفيها وتأمينًا على الحياة، ليس لدى المراسلين تأمين على الحياة ولا تأمين صحّي ومن لديه ذلك فعلى نفقته الشخصية.
وفي سؤال حول ما إذا كان لديها تأمين على حياتها أو في حال الإصابة مخصّصًا للطوارئ والحروب تُجيب بترا أبو حيدر مراسلة “أل بي سي”: “لا أعرف، ولم أسأل كنت متحمّسة لأغطي وأقوم بواجبي، وأعرف أنّ المحطّة التي أعمل فيها تهتمّ لأمري، فلم أسأل”. وتمامًا كما بترا لا تعرف ريما حمدان مراسلة قناة “الجديد” نوع التأمين الذي توفّره المؤسّسة لها.
أمّا التلفزيون الرسمي أي تلفزيون لبنان فيعمل منذ بداية الحرب على التأمين على حياة مراسليه الذين توقّقوا حاليًا عن التغطية جنوبًا ريثما تنتهي الإجراءات المطلوبة المتعلقة بسريان التأمين ما يُشير مراسل التلفزيون رامي ضاهر “نحن من أوّل يوم طلبنا تأمينا على حياتنا، وبالفعل استجابوا مع طلبنا” يقول، مضيفًا: “أنا لا مشكلة لديّ أن أغطي بلا تأمين على الحياة ولكن التلفزيون ارتأى عكس ذلك، بالنسبة لي هذا دوري في المعركة، ولا أنتظر أي بدل”. يقول.
مراسل “الجديد” محمد فرحات ومصوّرها “أبو شاكر” أكّدا أنّ القناة وفّرت لهما تأمينًا على الحياة وتأمينًا ضدّ طوارئ الحروب، ولفت مراسل الميادين محمد الساحلي إلى أنّ جميع الموظفين في المؤسسة لديهم تأمين صحي ولدى كل من يغطّي “مهمّات حربيّة” تأمين خاص يشمل تأمينًا على الحياة، وهو ما أكده أيضًا المدير الإداري في القناة طوني عون.
ولكن في المقابل، يقول أحد العاملين في إحدى المؤسّسات المحليّة رفض ذكر اسمه إنّه وزملاؤه في المؤسّسة سألوا عن نوع التأمين ولم يحصلوا على إجابة “نحن عنّا تأمين عادي ما بيغطّي إصابات الحرب ولا تعويض لإعاقة يمكن أن نصاب بها أو تعويض لعائلتنا في حال استشهادنا” يقول.
نقيب المصوّرين الصحافيين علي علّوش يُشير أيضًا إلى عدم قيام المؤسّسات بالتأمين على حياة هؤلاء، داعيًا المصوّرين الصحافيين إلى التأكّد من نوع التأمين الذي يمنحون إيّاه لأنّ هناك تأمين خاص للحروب وحتّى هذا التأمين قد يشترط عدم التعرّض المباشر للخطر فلا يُغطي في بعض الأحيان.
“على الزملاء أن يعرفوا حقوقهم، وأن يتأكدوا من تفاصيل التأمين الذي يخضعون له، وعليهم أن يقفوا صفًّا واحدًا ليضغطوا جماعةً ويطالبوا بحقوقهن، أصحاب القنوات التلفزيونيّة إمّا أصحاب مال أو سلطّة ولا حجّة لعدم توفير حقوق الموظّفين” يقول.
ويلفت علّوش إلى أنّ 10% فقط من المصوّرين الصحافيين يملكون تأمينًا صحيًّا عاديًّا ومعظمهم لا يتجاوز راتبه 400 دولار مشكّكًا في أن تكون المؤسّسات المحليّة عملت على توفير تأمين خاص بالحروب والطوارئ لمن يغطّون جنوبًا اليوم.
وفي هذا السياق، يتحدّث مصوّر عن إصابة تعرّض لها سابقًا في إحدى التغطيات سبّبت له مشكلة دائمة وإن لم تمنعه من مواصلة العمل “تعرّضت للإصابة، ولا زلت أعاني حتّى اليوم. كلّ ما فعلته المؤسّسة هو أنّها تكفّلت بتغطيّة كلفة الصّوَر، وأكملت العلاج وحدي” يقول.
ويُشير مصدر متابع أيضًا إلى أنّ تأخّر بعض المؤسّسات بالتأمين على مراسليها كلّفها مبالغ مضاعفة إذ إنّه وبعد استشهاد عصام عبدالله رفعت بعض شركات التأمين كلفة التأمين على حياة الصحافيين بأضعاف المرّات، كما أنّها حدّدت شروطًا إضافيّة كضمان عدم تواجد الصحافي في مكان خطر مؤكّد.
ويشير أحد المصوّرين الذين تحدثنا إليهم إلى أنّ التأمين ضروري جدًا “المصوّر يحتاج إلى كلّ أعضائه إذا أًصيب إصبعه لن يعود قادرًا على العمل، من يعوّض علينا وعلى عائلاتنا في حال إصابتنا”.
البدل اليومي
تتراوح قيمة البدل اليومي عن التغطية الميدانية جنوبًا في جميع المؤسسات المحلية بين 40 و80 دولارًا، علمًا أنّ بعضها حدد في البداية بدلًا منخفضًا جدًا قبل أن يرفعه بعد اعتراض الموظفين. يقول أحد هؤلاء: “بداية أعطونا مليون ليرة كمصروف يومي، وبعد اعتراضنا رفعوه إلى ما يساوي أربعين دولارًا”، مضيفًا: “أنا راتبي كلّه لا يتجاوز 400 دولار، ولا نحصل لا على إجازات إضافيّة بدل عملنا، ولا بدلات غير مصروفنا وإقامتنا المؤمّنة”.
وعلمت “المفكرة” أنّ إحدى المؤسسات التي لديها فريق إعلامي في الجنوب ونتحفّظ عن ذكر اسمها، ارتأت عدم تخصيص بدل يومي يتناسب مع العمل في ظروف الحرب لمن يغطّون جنوبًا باعتبار الأوضاع الأمنية غير خطرة كثيرًا “بعدنا بحالة التحضير للحرب” كما برّر مسؤولو المؤسسة، وحدّدت بدلًا لكلّ يوم عمل ميداني في الجنوب كأيّ يوم عمل ميداني عادي، مع العلم أنّها تدفع ثلاثة أضعافه خلال الحرب. وقد أثار الأمر موجة اعتراض في المؤسسة أدت إلى عمل بعض الإعلاميين لنحو 25 يومًا من دون قبض مستحقاتهم، إذ رفضوا استلامها احتجاجًا على ضآلتها نسبة لما يقومون به.
يُقارن بعض الصحافيين والمصوّرين والفرق العاملة بالمؤسّسات المحليّة وضعهم مع أوضاع زملائهم في مؤسّسات عالميّة أو عربيّة “مستلزمات كاملة إضافيّة من وقود وبدلات ماديّة وطعام عند زملائي في محطّة عربيّة، نحن حتّى بدل الوقود على القد تمامًا كما مصروفنا” يقول أحدهم.
وقد علمت “المفكرة” أنّ البدل اليومي الذي تعطيه بعض القنوات أو المؤسسات الإعلامية العربية والأجنبية للتغطية الميدانية في الجنوب يتراوح بين 350 دولارًا وتتجاوز ألف دولار حسب درجة الخطر.
ماذا يقول المعنيّون في المؤسّسات؟
لا تنكر مديرة عمليّات الأخبار في “إل بي سي” لارا زلعوم أنّ هناك مراسلين ولاسيّما الجيل الجديد لم يخضع لدورات تدريب ولكنّها تُشير إلى أنّ القناة لم تُجبر أحدًا على التغطية وأنّها سألت بداية المراسلين والمصوّرين ممن لديهم خبرة عن رغبتهم بالتغطية، وأنّها وافقت على إرسال مراسلين من الجيل الجديد بعدما تأكّدت بأنّ لديهم الحد الأدنى من المعرفة ولم ترسلهم مباشرة إلى الميدان بل خضعوا لتدريب ميداني لعدد من الأيام مع المراسلين المدرّبين مثل المراسل إدمون ساسين.
وفي ما خصّ التأمين على الحياة أو ضدّ إصابات الحرب تلفت زلعوم في حديث مع “المفكرة” إلى أنّ هناك تأمينًا ضدّ إصابات العمل. وتؤكّد زلعوم أنّ القناة تتابع مراسليها وطاقمها بشكل مستمر لتحديد وتقدير المخاطر وأنّها ترفض أن يأخذ أي مراسل أو مصوّر أيّ مخاطرة من أجل سبق صحافي، وأنّ المؤسّسة لا تقترح أي موضوع فالاقتراحات تأتي من الأرض حيث يُقدّر المراسل إمكانيّة إنتاج مادة صحافيّة حول موضوع معيّن من دون التعرّض إلى الخطر.
وفي ما خصّ التجهيزات تؤكّد زلعوم أنّ هناك شخصًا متخصّصًا تأكّد من صلاحيّة الدروع وتجهيز السيّارات وصلاحيّة السيّارات نفسها ومن حقيبة الإسعافات الأوليّة.
من جانبه يقول المدير الإداري في قناة “الجديد” إبراهيم الحلبي إنّ القناة اعتمدت منذ فترة طويلة تأمين طوارئ عمل لكلّ العاملين في المؤسّسة وأنّها تُغطّي الإصابات الناجمة عن الشغب والحروب واعتمدت تأمينًا على الحياة لأفراد الفرق التي تُغطي أحداثًا يمكن أن تعرّض حياتهم للخطر. ويُشير الحلبي في اتصال مع “المفكرة” إلى أنّ القناة تُرسل من لديه خبرة ولاسيّما من المصوّرين الذين غطّوا حروبًا أمّا من الجيل الجديد ولاسيّما من المراسلين فبعضهم لديه خبرة تؤهله للميدان وبعضهم خضع لدورتين على الأقل مرة داخل المؤسّسة ومرة خارجها. ويلفت الحلبي إلى أنّه تمّ التأكّد من صلاحيّة الدروع والخوذ والسيّارات وتجهيزاتها.
الـ “فريلانسرز” الحلقة الأضعف
يبدو وضع المراسلين الذين يتعاونون مع بعض المواقع التي تنقل رسائل أو أخبارًا من الجنوب أسوأ، فمن تحدّثنا معه من هؤلاء تحدّث عن افتقارهم إلى الحد الأدنى من حقّهم في الحماية حتى إنّ بعضهم يضطّر إلى استخدام سيّارته غير المجهّزة والتي “يمكن تقطعنا بنص الطريق” حسب تعبير أحد المراسلين الذي فضّل عدم ذكر اسمه. وهنا لا بدّ من الإشارة إلى أنّنا نتحدث عن متعاونين ثابتين أي أنّهم يتقاضون بدلًا مقطوعًا ثابتًا، أيّ أنّهم عمليًا بمثابة موظفين ثابتين ولكن ما يتقاضونه شهريًا عادة ما يكون أقلّ من الموظف كما يفتقرون إلى الحقوق التي حدّدها القانون للموظفين.
وفي حين تعمل بعض المؤسّسات الدوليّة على التأمين على حياة المتعاونين معها مؤقتًا أي لمدّة بقائهم في مناطق الخطر وقد تكون ليوم أو يومين، يبدو هذا الأمر شبه غائب في المؤسّسات اللبنانيّة.
يتحدّث أحد المراسلين المتعاونين مع موقع لبناني أنّ المؤسّسة لم تفكّر في أي نوع من التأمين فهي تعتبر نفسها وكونه متعاونًا معفيّة من مسؤولياتها، مشيرًا إلى أنّه في حين تُكرّر المؤسّسة التي يعمل فيها طلبها بالحفاظ على السلامة تطلب منه مواد صحافيّة مصوّرة يعرّضه الحصول عليها إلى المخاطر.
يتقاضى هذا المراسل بدلًا شهريًا ثابتًا يُقدّر بحوالي 650 دولارًا، وعندما بدأت الحرب وطُلب منه تغطيتها لم تؤمّن له المؤسّسة حتى درعًا وخوذة مناسبين، “كانت المؤسّسة أمّنت سابقًا درعًا وخوذة كانا ينفعان في الحماية من ضربة عصا أو رصاص مطّاطي خلال تغطيتي انتفاضة 17 تشرين، ولمّا لم تبدلهما المؤسّسة اضطررت إلى تحسين جودتهما لأحمي نفسي فدفعت 200 دولار”.
ويُشير هذا المراسل إلى أنّه غير خاضع لأيّ تدريبات ولا حتّى لدورة إسعافات أوليّة وأنّه يعتمد على خبرته الشخصيّة كونه ابن الجنوب ويعرف المنطقة جيّدًا وأنّه سبق وغطّى عددًا من المعارك منها معارك عين الحلوة.
يلفت هذا المراسل إلى أنّه بالطبع يقوم بواجبه انطلاقًا من حماسه للمهنة التي اختار وأنّه يعرف المخاطر ولكنّه كان يتمنّى لو أنّ هذه الحماسة والرغبة منه في القيام بواجبه تترافق مع مبادرة من مؤسّسته لتأمين ما يلزم للحفاظ قدر الإمكان على سلامته “المؤسّسة لم تؤمّن لنا المنامة، أمّنت لنا بدل نقل وأنا أذهب إلى مناطق التغطيّة بسيارتي الخاصة، أذهب وأعود كلّ يوم إلى منزلي البعيد نسبيًا عن مكان التغطية، ما يعرّض حياتي للخطر”.
مراسل متعاون آخر يخبرنا بأنّ المؤسّسة والتي تكتفي بإعطائه بدلًا ماديًا لتأمين منامته وبدل تنقّله من دون أن تتأكّد بأنّه كافٍ لتأمين سيّارة صالحة للتغطيات أو مكان إقامة آمن، تتخلّى حتّى عن دورها بمتابعته أو التواصل للتنسيق مع جهات أمنية لتقدير الخطر “يُترك الأمر لي، وأنا وعبر علاقاتي الشخصيّة أتواصل مع الجيش أو القوى الحزبيّة للتنسيق، حتّى أنّني أشعر في بعض الأحيان أنّ السؤال عن المادة الصحافيّة يأتي قبل السؤال عن الأخطار المحدقة بي، أنا طبعًا لم أُجبر على التغطية، أقوم بواجبي ولكنّ هذا لا ينفي المسؤوليّة التي يجب أن تتحمّلها المؤسّسة تجاهي” يقول.
وضع هؤلاء لا يختلف كثيرًا عن وضع المساعدين الميدانيين (fixers) والذي استشهد منهم حسين عقيل مع فريق “الميادين” ومحمد البقاعي الذي استشهد مع فريق إعلامي في 19 تشرين الأول، فهؤلاء والذين غالبًا ما تستعين بهم وسائل إعلام عربية أو عالميّة لا يحصلون على أيّ تأمين على الحياة أو تأمين طوارئ لإصابات الحرب، وغالبًا ما يؤمّنون هم أنفسهم الدرع والخوذة. يشرح أحد هؤلاء المساعدين لـ “المفكّرة” بأنّ البدل المادي الذي يحصل عليه المساعدون يتراوح بين 150 دولار ويرتفع ليصل إلى 600 دولار وذلك حسب الوكالة التي تستعين بهم وحسب أيضًا خبرة الشخص وعلاقاته وما يطلب منه. فإذ كان مصوّرًا مثلًا أو صحافيًا ويُطلب منه تنسيق مقابلات وإرشاد للقرى ومساعدة في الطرقات يكون البدل مرتفعًا أما إذا كان دوره يقتصر على الإرشاد في ما خصّ الطرقات فيصبح أقلّ. وهنا يكون الحلقة الأضعف بعض سكّان القرى الذين يُعطون بدلًا ماديًا قليلًا مقارنة بالمخاطر ولكنّه يُشكّل دخلًا إضافيًا لهؤلاء “أنا موجود في الجنوب أصلًا، وأعرف الطرقات، وإعطائي بدلًا ماديًا يوميًا بحدود 100 و150 دولار يُعتبر إضافة جيّدة، ولا أفكّر بالأخطار” يقول أحد المواطنين الذي يعمل كمساعد ميداني.
كلّ هذه الأمور وصلت على شكل شكاوى إلى وزارة الإعلام كما يوضح الوزير زياد مكاري حول عدم تأكّد بعض المؤسّسات من حصولهم على كلّ ما يضمن سلامتهم ولا سيّما استخدام دروع غير فعّالة. وأشار وزير الإعلام في اتصال مع “المفكرة” إلى أنّ الوزارة تعمل حاليًا على توجيه كتب لوسائل الإعلام لتوثّق الإجراءات التي تقول الأخيرة إنّها اتخذتها لحماية فريقها الذي يغطّي جنوبًا وتحديدًا تأمين الدروع والخوذات الواقية المناسبة وتجهيز السيّارات بالإسعافات الأوليّة وخضوع الفريق للتدريبات اللازمة، وأنّ الوزارة راسلت وزارة الدفاع لتحديد مواصفات الخوذ والدروع، إذ إنّ هناك مواصفات محدّدة للدروع والخوذ القادرة على تأمين الحماية من الشظايا والرصاص.
وتبحث الوزارة بحسب مكاري، فكرة تخصيص نقاط تجمّع ثابتة للصحافيين ولكن الأمر لا يزال قيد الدرس لجهة جدواه وإمكانيّته، كما طلبت الوزارة من جهات دوليّة تأمين عدد من الدروع الجديدة لتوزيعها على الصحافيين، بالتوازي مع العمل مع الصليب الأحمر والجهات المتخصّصة لتدريب الصحافيين على تغطيّة الحروب.
ويؤكّد مكاري أنّ الوزارة تولي اهتمامًا خاصًا بالصحافي والمصوّر الحرّ كونه الحلقة الأضعف وأنّه سبق لها وأن راسلت الوكالات العالمية التي تعتمد بشكل أكبر في لبنان على هؤلاء وطلبت منها اتخاذ كل الإجراءات التي تؤمّن الحماية لهؤلاء جنوبًا.
This website uses cookies so that we can provide you with the best user experience possible. Cookie information is stored in your browser and performs functions such as recognising you when you return to our website and helping our team to understand which sections of the website you find most interesting and useful.
Strictly Necessary Cookies
Strictly Necessary Cookie should be enabled at all times so that we can save your preferences for cookie settings.
If you disable this cookie, we will not be able to save your preferences. This means that every time you visit this website you will need to enable or disable cookies again.