بعد محاكمة ماراتونية محكمة الرباط تبرئ الطلبة الأطباء من جنح العصيان والتظاهر غير المشروع


2025-01-25    |   

بعد محاكمة ماراتونية محكمة الرباط تبرئ الطلبة الأطباء من جنح العصيان والتظاهر غير المشروع

بتاريخ 22 يناير 2025 أصدرت المحكمة الابتدائية بالرباط حكمها في ملف احتجاجات الطلبة الأطباء والصيادلة، حيث قضت بتبرئتهم من جنحة العصيان وعدم الامتثال لأوامر السلطة، والتجمهر غير المسلح.

الحكم المبدئي الذي تنشره المفكرة القانونية يعيد إلى الواجهة حراك الطلبة الأطباء مند ما يناهز السنة رفضا لقرار وزارة التعليم العالي بتنزيل مشروع إصلاح جديد لنظام التكوين، بموجبه سيتم خفض مدة التكوين من سبع إلى ست سنوات.

ملخص القضية

تعود فصول القضية إلى تاريخ  سبتمبر 2024 حينما أوقفت عناصر الشرطة مجموعة من الطلبة الأطباء والصيادلة المحتجيّن، بعدما نفّذوا وقفة احتجاجية قرب المستشفى الجامعي ابن سينا بالرباط.

وعند الاستماع إليهم في محضر قانوني، أفادوا أنهم استجابوا لنداء تنسيقية الطلبة الأطباء والصيادلة عبر مواقع التواصل الاجتماعي لتنظيم وقفة احتجاجية من أجل المطالبة بتسوية وضعيتهم، رفضا لمشروع إصلاح نظام التكوين والذي بموجبه سيتمّ تخفيض مدّة الدراسة مما سينعكس على الجودة، وأضافوا أنّ القوات العموميّة تدخّلت لمنع الوقفة الاحتجاجية، إلا أنهم ظلوا متشبثين بمطالبهم السلمية نافين ابداءهم لأي مقاومة أو عصيان. كما أكد عدد من الطلبة الموقوفين بأنهم تدخلوا لتخليص بعض زملائهم من قبضة القوات العمومية، في حين أكد آخرون أنهم كانوا في صدد الدخول إلى المستشفى الجامعي قبل أن تقوم عناصر القوة العمومية بمداهمة المكان لفض التجمهر وإلقاء القبض عليهم.

إجراءات المحاكمة

قررت النيابة العامة متابعة 27 من الطالبات والطلاب المتظاهرين من أجل جنح “العصيان والمشاركة في تجمهر غير مسلح وعدم الانسحاب منه بعد توجيه الإنذارات القانونية “.[1]

وأثناء المحاكمة جدّد الطلبة المحتجون تأكيدهم على مطالبهم المشروعة وعلى احتجاجهم السلمي نافين إبداءهم أيّ مقاومة للقوات العمومية، حيث أوضحوا أنهم اجتمعوا تلبية لنداء تنسيقية الطلبة الأطباء وأن الوقفات الاحتجاجية كان من المقرر أن تكون داخل المستشفى الجامعي ولكن السلطات قامت بإغلاق باب المستشفى، الأمر الذي جعل الطلبة يبقون خارج أسواره وأصبحوا مطوّقين من طرف القوات العمومية، كما أن عددا من المتهمين كانوا بصدد التوجه إلى داخل المستشفى للقيام بعملهم قبل أن يتم توقيفهم أيضا.

كما أكد المتهمون أنهم لم يسمعوا أي إنذارات بفض التجمهر.

ورافع دفاع الطلبة الأطباء مؤكّدا أن القضية تتعلق بحرية التعبير والتجمهر السلمي المكفولة دستوريا، وأن الملف خال مما يفيد وقوع أي أعمال شغب، وأن حراك الطلبة الأطباء هو حراك مشروع من أجل الحقّ في الصحة، ومن أجل جودة التكوين، وأن هذا الحراك لا يمكن تجريمه طالما كان بوسائل سلمية.

من جهتها أكدت النيابة العامة فصول المتابعة، لكنها التمست مراعاة ظروف القضية وتمتيع الطلبة الأطباء بظروف التخفيف.

موقف المحكمة

قضت المحكمة بتبرئة المتظاهرين من جنحة العصيان والتجمهر غير المسلح وغير المشروع اعتمادا على العلل التالية.

بالنسبة لجنحة العصيان أكدت المحكمة أن جنحة العصيان لا تقوم إلا إذا تعلق الأمر بـ “هجوم أو مقاومة، بواسطة العنف أو الإيذاء ضد موظفي أو ممثلي السلطة العامة القائمين بتنفيذ الأوامر أو القرارات الصادرة من تلك السلطة أو القائمين بتنفيذ القوانين أو النظم أو أحكام القضاء أو قراراته أو الأوامر القضائية (..). والتهديد بالعنف يعتبر مماثلا للعنف نفسه”.

وأضافت أنه و”لئن صرح بعض المتهمين عند استجوابهم في محاضر الشرطة بأنهم قاموا بتخليص بعض زملائهم من قبضة القوات العمومية، الا أن محضر الشرطة القضائية لم يبيّن الوسيلة التي استعملت من قبل المتّهمين لتخليص زملائهم من قبضة القوة العمومية، كما أنه لم يثبت للمحكمة أن المتّهمين استعملوا في ذلك العنف أو الإيذاء أو التهديد بالعنف والتي تعتبر العناصر المادية المكوّنة لجريمة العصيان، وإنما فقط كانت مجرد مقاومة سلمية لا تشكل جنحة العصيان.

بالنسبة لجنحة المشاركة في تجمهر غير مسلح وعدم الانسحاب منه بعد توجيه الإنذارات القانونية، لاحظت المحكمة أن ضابط الشرطة القضائية محرر المحضر، و”لئن كان قد ارتدى الزي النظامي وحمل الشارة النظامية ووجه للمتجمهرين ثلاثة إنذارات لأجل فضّ التجمهر، إلا أنه لم يعمل على تلاوة العقوبات المنصوص عليها في الفقرة الثانية من الفصل 21 من قانون التجمعات”، والتي تعدّ عنصرًا من العناصر التكوينيّة لجنحة المشاركة في تجمهر غير مسلّح طبقا للقانون[2].

وأضافت أنّ غاية المشرّع من تلاوة العقوبات على المتجمهرين هي توعيتهم بالمسؤوليّات القانونية التي قد يتحمّلونها إذا لم يمتثلُوا للأوامر، وبالتالي فهي تعتبر من الضّمانات الأساسية لتحقيق الشرعيّة وحماية الحريات.

وخلصت تبعا لذلك الى أن “عدم تلاوة السلطات للعقوبات المنصوص عليها قانونًا يؤدّي إلى انعدام الأركان التكوينيّة لجنحة التجمهر غير المسلّح، الأمر الذي يقتضي معه التصريح بعدم مؤاخذة المتّهمين من أجلها”.  

وعليه، أكّدت المحكمة بعد دراستها لوثائق الملف وانطلاقا من الظروف والملابسات المحيطة بالقضية أنه حصل لديها اقتناع بوجوب عدم مؤاخذة المتهمين من كافة الأفعال المنسوبة إليهم تكريسا لقرينة البراءة، باعتبارها قرينة “إجرائية جنائية ودستورية”.

تعليق على الحكم

يعيد هذا الحكم الذي تنشره المفكرة القانونية إلى الواجهة حراك الطلبة الأطباء والصيادلة ضدّ مشروع إصلاح نظام التكوين والذين خاضوا من أجله أشكالًا تعبيرية عدة مثل تنظيم الوقفات والإضرابات والاعتصامات، وهي الاحتجاجات التي شارك فيها ذوو الطلبة. قبل أن تتدخل القوة العمومية لفضّ أحد هذه التجمهرات بالمستشفى الجامعي بالرباط بتاريخ 26/09/2024، حيث تم توقيف عددٍ من الطلبة المحتجّين وتقديمهم إلى النيابة العامة، قبل أن يتمّ إطلاق سراحهم.

تمّت متابعة الطلبة المحتجّين بجنح “العصيان وعدم الامتثال لأوامر السلطة”، و”التجمهر غير المسلح” طبقا لقانون التجمعات العمومية، وهي التهم التي توجه عادة إلى المتظاهرين في الحراكات الاجتماعية بالمغرب.

كان لافتًا أن المحكمة عملتْ على تحليل محضر الشرطة القضائية المتعلق بفضّ التجمهر، حيث لاحظت أنه لم يتضمن ما يفيد تلاوة ضابط الشرطة للعقوبات المنصوص عليها قانونا لمرتكبي جنحة التجمهر غير المسلح، معتبرة أنّ اختلال هذا الشرط يجعل الأركان التكوينية للجريمة غير قائمة، وهو ما يكرس الرقابة القضائية على أعمال القوة العمومية حينما تتدخّل لفضّ التظاهرات.

من جهة أخرى، يلحظ أن المحكمة انتصرت لمبدأ قرينة البراءة حيث اعتبرت أنّ اعتراف بعض المتهمين بقيامهم بتخليص زملائهم من قبضة القوات العمومية لا يشكل جريمة عصيان، طالما أن محضر الشرطة القضائية المتعلق بالمعاينة لم يتضمن تحديد الوسائل المستعملة من قبل المتهمين لتخليص زملائهم من قبضة القوة العمومية، كما أنه لم يثبت للمحكمة استعمال المتّهمين لأيّ عنف أو ايذاء أو تهديد بالعنف، مما يجعل العناصر التكوينية للجنحة غير قائمة.

مواضيع ذات صلة

حراك طلبة الطب بالمغرب يتواصل : جهود للوساطة من أجل مواجهة شبح السنة البيضاء

النقض المصرية تعد التجمهر جريمة مخلة بالشرف: أو حين تقترن عقوبة التجمهر بالصرف من العمل

مشروع إلغاء الإفراج الشرطي في جرائم التجمهر في مصر: خطوة جديدة في اتجاه تأميم الحياة السياسية

حبس 3 سنوات لقادة شبابيين في ثورة يناير، والجرم: التجمهر وخرق قانون التظاهر

قضية الاعابة والتجمهر في عمان: تعليق اضراب المعتقلين عن الطعام والمحكمة العليا ترد الطعون

القضاء الإداري ينصف الجمعيّة المغربية لحقوق الإنسان في مواجهة الداخلية

الخطاب السياسي الاحتجاجي” حرية مضمونة: قرار قضائي بتبرئة إهانة هيئات منظّمة في المغرب


[1] المنصوص عليها وعلى عقوبتها في الفصلين 300 و302 من مجموعة القانون الجنائي والفصل 21 من ظهير رقم 1.58.377 الصادر بتاريخ 15 نونبر 1958 بشأن التجمعات العمومية.

[2] ينص الفصل 21 من قانون التجمعات العمومية على ما يلي” : كل تجمهر غير مسلح يقع تفريقه وفق نفس الكيفية المنصوص عليها فـي الفصل 19 مع تلاوة العقوبات المنصوص عليها في الفقرة الثانية من هذا الفصل”.

انشر المقال



متوفر من خلال:

قضاء ، عمل ونقابات ، قرارات قضائية ، حرية التجمّع والتنظيم ، مقالات ، المغرب



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني