"يتولى مجلس النواب سلطة التشريع، وإقرار السياسة العامة للدولة، والخطة العامة للتنمية الاقتصادية، والاجتماعية، والموازنة العامة للدولة، ويمارس الرقابة على أعمال السلطة التنفيذية، وذلك كله على النحو المبين في الدستور". هكذا نصت المادة 101 من الدستور المصري، راسمة دور مجلس النواب في النظام المصري. واليوم، بعد 3 أشهر من انتخاب البرلمان[1]، يجدر التساؤل عن الدور الذي يمارسه هذا المجلس، وخصوصاً أنه تولى السلطة التشريعية بعد ثلاث سنوات من بقائها في يد السلطة التنفيذية ممثلة في رئيس الجمهورية[2].
شهران من الجلسات والحصيلة لا شيء
يمكن تلخيص أعمال مجلس النواب منذ أولى جلساته في يناير 2016 في عدة أسطر. فقد قام المجلس بتشكيل 19 لجنة نوعية لمناقشة القوانين التي صدرت في عهدي الرئيس السابق عدلي منصور، والرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي، وذلك وفقاً للمادة 156 من الدستور[3]. ورغم أن المادة المذكورة تعطي لمجلس النواب 15 يوماً لمناقشة هذه القوانين، فان اللجان أتمت مراجعة ما يفوق ال360 قانوناً خلال ثلاثة أيام فقط. ووافقت اللجان على جميع القوانين التي صدرت في هذه الفترة ماعدا قانون واحد هو قانون الخدمة المدنية. وهو ما يعني أن المجلس لم يعط هذه القوانين حقها في المراجعة والتدقيق خصوصاً أن اصدار ما يفوق ال360 قانوناً في أقل من ثلاث سنوات هو أمر غير مسبوق. كما أن بعض هذه القوانين لاقت انتقادات من الشارع المصري أو من منظمات المجتمع المدني مثل قانون التظاهر، قانون عدم جواز الطعن على قوانين الاستثمار، قانون الارهاب وغيرها، وهو ما كان يستدعي اعطاء فرصة للحوار المجتمعي حولها.
منذ موافقة المجلس على هذه القوانين، لم يُناقش المجلس أي قانون آخر، واقتصرت أعماله حتى الآن على مناقشة اللائحة الداخلية للمجلس دون أي استجابة للمتطلبات والمشاكل التي تمر بها الدولة المصرية.
الالتزامات الدستورية لمجلس النواب
نص الدستور في المادة 146 منه على ضرورة أن يقدم رئيس الحكومة المعين من رئيس الجمهورية برنامج الحكومة على مجلس النواب، وأن يحوز على ثقة المجلس حتى تستمر الحكومة في عملها. ولكن حتى اللحظة يتم تأجيل عرض برنامج الحكومة على البرلمان لحين الإنتهاء من اللائحة الداخلية للمجلس، في تقصير صريح من مجلس النواب في القيام بدورة الرقابي. كما أن المادة المذكورة تنص أنه في حالة عدم حصول الحكومة على ثقة المجلس، فعلى رئيس الجمهورية أن يغير رئيس الحكومة بناء على ترشيح من الحزب أو الائتلاف الحائز على أكثرية مقاعد المجلس، على أن يشكل الحكومة وتعرض برنامجها على المجلس لتحوز على ثقته.
وهذا التأجيل المستمر غير المبرر من المجلس يدفعنا للتفكير أن المجلس ينتظر التعديل الوزاري الذي يتردد إجراؤه قريباً من قبل رئيس الجمهورية.
بالإضافة إلى ذلك، نصت المادتان 235 و241 من الدستور المصري على ضرورة إصدار مجلس النواب لقانوني تنظيم بناء وترميم الكنائس، وقانون العدالة الإنتقالية في أول دور انعقاد له، أي خلال 9 أشهر من انعقاده[4]. وحتى اللحظة لم يتم تقديم اقتراح قوانين لهذا الغرض ولا فتح باب المناقشة. فكيف سيفي مجلس النواب بالتزاماته الدستورية خلال الستة أشهر القادمين في حين انه لم يستطع اصدار لائحته الداخلية خلال شهرين؟
تفاعل البرلمان مع الوضع المصري
أصدر الرئيس السيسي في 15-6-2014 أول قراراته بتشكيل لجنة الاصلاح التشريعي والتي كان من مهامها اعداد مشاريع القوانين التي يجب اصدارها أو تعديلها لتنفيذ مواد الدستور. وقد أعدت هذه اللجنة العديد من مشارع القوانين التي كان من المفترض عرضها على مجلس النواب، ومنها بعض القوانين التي تمت مناقشتها في المجتمع المصري وتحتاج الى تعديل فعلاً مثل قانون العمل، قانون النقابات، قانون المحاماة وغيرها من القوانين[5]. كما طالبت منظمات المجتمع المدني في أكثر من مناسبة بقانون ينظم الحق في الحصول على المعلومات المنصوص عليه في المادة 68 من الدستور. وتبقى غير واضحة حتى الآن، الخطوات التي سيتم اتخاذها بخصوص مشاريع القوانين التي تم إعدادها من هذه اللجان ومتى ستتم مناقشة القوانين الضرورية للمجتمع في الفترة الحالية. بالاضافة الى الغاء البرلمان لقانون الخدمة المدنية، كما أشرنا، دون أي خطة زمنية معلنة لمناقشة قانون جديد.
بالاضافة الى ذلك، مرت الدولة المصرية في الأشهر الماضية بأزمات متعددة تستدعي تدخل البرلمان ومراقبته للسلطة التنفيذية. فعلى سبيل المثال، نذكر القرار الرئاسي المسرب بخصوص قرض البنك الدولي[6]. فرغم إخفاء الحكومة لتفاصيل هذا القرض، وما أُثير حوله من مشروطية للحصول عليه تؤدي الى زيادة الأسعار ورفع الدعم وخفض الأجور وخصخصة بعض الشركات وغيرها من المترتبات عليه، فان مجلس النواب لم يطلب مناقشة الأمر مع الحكومة لاستيضاح شروط القرض، ولم يقدم أي نائب طلب احاطة حول الموضوع، في تخاذل واضح في القيام بدور المجلس الرقابي ودوره في اقرار السياسة العامة للدولة والميزانية. ذلك، على الرغم من نص المادة 127 التي تمنع السلطة التنفيذية من الحصول على قرض أو تمويل إلا بعد موافقة مجلس النواب، أي أن السلطة التنفيذية انتهكت الدستور وتعدت على دور مجلس النواب، ولم يقم المجلس باتخاذ أي إجراء حيال ذلك.
كما أن الوضع الاقتصادي المصري يمر حالياً بمرحلة تدهور وارتفاع في الأسعار، وتخبط في قرارات البنك المركزي بخصوص السحب والايداع بعملة الدولار، وإرشاداته بهذا الخصوص للبنوك. ولكن المجلس أيضا يبقى متفرجاً على الوضع الراهن وعلى القرارات التي تتخذها الحكومة دون أي تدخل منه.
ذلك الى جانب الحوادث التي تمت الفترة الماضية من بعض أعضاء وزارة الداخلية والتي أدت الى تظاهر مواطنين أمام مديرية أمن القاهرة بعد مقتل مواطن على يد أمين شرطة. وغيرها من الحوادث التي شغلت الشارع المصري الفترة الماضية وأثارت تساؤلاته حول أداء وزارة الداخلية ومحاسبة امناء الشرطة والضباط المخطئين، ولكن مر ذلك أيضاً دون أي تدخل من البرلمان.
وتبقى هذه فقط بعض الأمثلة على الأحداث التي حدثت في المجتمع المصري خلال الفترة الماضية دون أي تدخل من البرلمان.
الخلاصة
يدفعنا كل ما سبق عرضه الى التساؤل جدياً حول نية البرلمان في أداء دوره المنوط به دستورياً. واذا كان أعضاء المجلس يتناقشون خلال شهرين حول اللائحة الداخلية للمجلس التي تنظم أمورهم المالية والاجراءات المتبعة داخل المجلس، فمتى سيبدأون فعلياً بالاهتمام بهموم الشعب والقيام بدورهم الدستوري كسلطة تشريعية ورقابية ممثلة عن الشعب؟
[1]تم اعلان نتائج الانتخابات التشريعية في ديسمبر 2015.
[2] تم حل مجلس الشعب المصري في فبراير 2012 بناء على حكم من المحكمة الدستورية، ثم تم حل مجلس الشورى الذي استلم السلطة التشريعية بعد حل الأول في يونيو 2013 بناء على حكم من المحكمة الدستورية كذلك.
[3] تنص المادة 156 من الدستور على: "اذا حدث في غير دور انعقاد مجلس النواب ما يوجب الاسراع في اتخاذ تدابير لا تحتمل التأخير، يدعو رئيس الجمهورية المجلس لانعقاد طاؤيء لعرض الأمر عليه. وإذا كان مجلس النواب غير قائم، يجوز لرئيس الجمهورية اصدار قرارات بقوانين، على أن يتم عرضها ومناقشتها والموافقة عليها خلال خمسة عشر يوماً من انعقاد المجلس الجديد، فاذا لم تعرض وتناقش أو اذا عرضت ولم يقرها المجلس، زال بأثر رجعي ما كان لها من قوة القانون، دون حاجة الى اصدار قرار بذلك، إلا اذا رأى المجلس اعتماد نفاذها في الفترة السابقة، أو تسوية ما ترتب عليها من آثار".
[4] تنص المادة 115 من الدستور أن دور انعقاد البرلمان هو 9 أشهر على الأقل.
[6] راجع "خمسة اعتراضات: ما هي المشكلة مع قرض البنك الدولي"، نشر على موقع المبادرة المصرية للحقوق الشخصية بتاريخ 14-2-2016.