قدّم حزب الاستقلال-أحد مكونات أحزاب الأغلبية الحكومية بالمغرب-مقترحا لتعديل واسع يخص قانون محاربة العنف ضد النساء، بعد مرور خمس سنوات على دخوله حيّز التنفيذ.
يتكون المقترح من ديباجة و 30 مادة، موزعة على 10 أبواب، تخص أحكاما عامة، تعاريف، الوقاية من العنف ضد النساء، أحكاما زجرية، المس بنظم المعالجة المعلوماتية، أحكاما مسطرية، آليات التكفل بالنساء ضحايا العنف، آليات الحكامة والتمويل، التدابير والمبادرات للوقاية من العنف، إجراءات انتقالية.
مبادئ جديدة لقانون محاربة العنف ضد النساء
استجابة لمطالب الجمعيات النسائية تضمن مقترح القانون الجديد ديباجة تركّز على الفلسفة العامة لقانون العنف ضد النساء، والتي تقوم على مجموعة من المبادئ الأساسية، أبرزها:
- المساواة بين النساء والرجال في الحقوق ومنع التمييز بينهم؛
- حظر كافة أشكال العنف ضد المرأة وفقا للاتفاقيات الدولية المصادق عليها؛
- اعتبار العنف ضد المرأة شكلا من أشكال التمييز وانتهاكا لحقوق الإنسان للمرأة؛
- التعهد بالوقاية من العنف ضد المرأة ومحاربته؛
- اعتبار العنف ضد ّالمرأة مسّا بأمن المجتمع وازدهاره؛
- العمل على مواجهة العنف الرقمي المتزايد ضد المرأة باعتباره أحد المخاطر الجديدة على وضعية المرأة واستقرارها.
ونصت المادة الثانية من المقترح على أن قانون محاربة العنف ضد النساء يحدد المبادئ والأهداف الأساسية التي تحكم عمل الدولة والجمعيات والقطاع الخاص والأفراد لمحاربة العنف ضدّ النساء، ويضع القواعد المعيارية والآليات الكفيلة بذلك، وينص على آليات التكفل والحكامة والتمويل من أجل الوقاية من العنف ضد النساء ومكافحته.
مقترح لتعزيز الوقاية من العنف قبل زجره
كان لافتا في مقترح القانون أنه أفرد عدة مقتضيات منه للجانب الوقائي من العنف، أكثر من تركيزه على الجانب الزجري، وقد نصّت المادة الخامسة منه على أن محاربة العنف ضد النساء مسؤولية مشتركة بين الدولة وباقي أشخاص القانون العام، وكل القوى المجتمعية والفاعلين والأفراد، وأكدت المادة 6 على اتخاذ السلطات العمومية كل التدابير والإجراءات اللازمة للوقاية من العنف وبالأخص:
- اعداد وتنفيذ سياسات للتوعية بمخاطر العنف ضد النساء وإذكاء الوعي الجماعي بحقوق المرأة،
- وضع إطار للشراكة بين السلطات العمومية من جهة والمؤسسات الوطنية لحقوق الانسان والمنظمات الحقوقية للقيام بالإجراءات القبلية للوقاية من العنف من جهة أخرى؛
- العمل على نشر ثقافة حقوق المرأة خاصة في المناهج التعليمية؛
وقد أكّدت المادة 7 على ضرورة انخراط وسائل الاعلام في الوقاية من العنف من خلال منع أيّ محتوى يمسّ بصورة المرأة أو يحطّ من كرامتها أو يحثّ على العنف ضدها.
ونصت المادة 9 على واجب السلطات والمشغلين في الوقاية من العنف في مجال العمل وتوفير الظروف الملائمة لمنع كل أشكال العنف الاقتصادي ضدّ المرأة بالتنصيص على المساواة الأجرية بين النساء والرجال ومنع استغلال النساء في العمل.
كما نصت المادة 8 على أن الأفراد أيضا مسؤولون عن الوقاية من العنف وهم ملزمون بأداء شهادتهم والتبليغ عن أي حالة للعنف ضد المرأة تصل إلى علمهم، وأن أيّ امتناع عن ذلك يعتبر بمثابة جريمة لعدم التبليغ معاقب عليها.
في نفس السياق، يلاحظ أنّ المقترح أكّد واجب السلطات العمومية في اشراك الجمعيات الحقوقية في إعداد وتنفيذ السياسات والبرامج المتعلقة بمحاربة العنف ضد النساء.
العنف الرقمي شكل مستجد من أشكال العنف ضد النساء
خصص مقترح القانون جانبا مهما من مقتضياته للعنف الرقمي، حيث عرفه بأنه: كل فعل ضد المرأة يستخدم في ارتكابه أو تساعد عليه أو تزيد من حدته تكنولوجيا المعلومات والاتصالات والذي يستهدف المرأة ويؤثر عليها، ويرتب عليها ضررا جسديا أو نفسيا أو جنسيا أو اقتصاديا.
ونصت المادة 11 من المقترح على واجب السلطات في اتخاذ تدابير فعالة لمواجهة العنف الرقمي ضد المرأة، وجعل هذا الفضاء آمنا لها، ومن المقترحات الواردة في هذا النص:
- وضع خطة وطنية للوقاية من العنف الرقمي؛
- إحداث منصة رقمية للوقاية من العنف الرقمي؛
- تبسيط إجراءات التبليغ عن العنف الرقمي.
كما نصت المادة 12 على واجب شركات الاتصال ومقدمي خدمات الإنترنت في اتخاذ تدابير فعالة للوقاية من العنف الرقمي ومنعه.
وخصص مقترح القانون بابا يجرم المسّ بنظم المعالجة الآلية للمعطيات، كما تضمّن تجريم أفعال جديدة من قبيل: فتح أو إتلاف أو إخفاء المراسلات الخاصّة الواردة عبر الإنترنت وغيره من وسائل الاتصال الحديثة، بسوء نية دون موافقة أصحابها، في نفس السياق، عمل المقترح على تشديد عقوبة جرائم تحريض القاصرين على الدعارة أو البغاء عبر الوسائل الإلكترونية.
تعليق على مقترح تعديل قانون محاربة العنف ضد النساء
يتعلّق الأمر بأول مقترح قانون يقدم لتعديل قانون محاربة العنف ضد النساء، بعد مرور خمس سنوات على دخوله حيّز التنفيذ.، ويلحظ أنه حاول تبني أغلب ملاحظات الجمعيات النسائية في انتقادهم لقانون 103.13 المتعلق بمحاربة العنف ضد النساء ، مستندا على ما تضمنه دليل الأمم المتحدة لتشريعات العنف ضد النساء.
اشتمل مقترح القانون الجديد على ديباجة تشرح فلسفة النص وتؤكد على تبنيه لمرجعية حقوق الانسان للنساء وخاصة ما تضمنته اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، واذا كان القانون الحالي لم يرق إلى مطلب القانون المستقل، بحيث أدمجت مقتضياته في صلب القانون الجنائي وقانون المسطرة الجنائية ما عدا المقتضيات المتعلقة بالتعريف وبخلايا التكفل بالنساء المعنفات[1]، فإن مقترح القانون الجديد يراهن على تدعيم قانون العنف برفع عدد مواده إلى 30 مادة، و10 أبواب.
إذا كان قانون 103.13 أغفل جانب الوقاية من العنف وخصص لها مادة فريدة، فإن مقترح القانون الجديد يأتي ليدعم جهود الوقاية من العنف في مجالات التعليم والإعلام، وفي الحياة العامة، وفي فضاء العمل، ويحدد مسؤولية كل المتدخلين. بل وقد نص على ضرورة إيجاد ميزانية خاصة لتنزيل جهود الوقاية من العنف حيث أوردت المادة 27 منه على أن: الحكومة تسهر على رفع المخصّصات المرصدة للوقاية من العنف ضد النساء ومحاربته في الموازنة العامة، وأكدت المادة 28 على أنه: يحدث في قانون المالية حساب مرصد لأمور خصوصية تحت مسمى صندوق التكفل بالنساء في وضعية هشاشة ضحايا العنف.
من جهة أخرى، يلاحظ أن مقترح القانون الجديد وبالرغم من اهتمامه بالجانب المفاهيمي بتعريفه للعنف الرقمي، إلا أنه أغفل مراجعة عدد من التعاريف التي تتّصف بعدم الدقة الواردة في القانون الجنائي الحالي، مثل تعريف الاغتصاب وهتك العرض والتحرّش الجنسي. وقد سبق لتقرير المجلس الوطني لحقوق الانسان حول التبليغ عن العنف ومناهضة الإفلات من العقاب أن أكّد أن عدم دقة بعض التعاريف يؤثر على تكييف المحاكم لعدد من الأفعال مما يؤدي إلى إفلات الجناة من العقاب.
رغم أن مقترح القانون الجديد شجع على التبليغ عن العنف واعتبر عدم تبليغ الأغيار جريمة، إلا أنه لم يتعرّض لإحدى المعضلات التي تواجه التبليغ عن هذه الجرائم والتي تتمثل في إمكانية تجريم المبلغات، ويلاحظ في هذا الخصوص أن المقترح أغفل تدعيم تدابير الحماية التي تبقى غير مفعلة على أرض الواقع بالشكل الأمثل[2]؛
نص المقترح أيضا على توسيع نطاق خلايا التكفل بالنساء ضحايا العنف لتشمل قطاع التشغيل إلى جانب قطاعات العدل والصحة والشباب والمرأة، لكنه أغفل في المقابل التنصيص على ضمان التفرغ والتخصص بالنسبة للقائمين على هذه الخلايا؛
اهتم مقترح القانون بتجريم أفعال جديدة كالعنف الرقمي وبعض أشكال الدعارة والبغاء في الفضاء الرقمي[3]، متبنيا في ذلك منظورا محافظا، يركز على حماية نظام الأخلاق أكثر من تركيزه على حماية حقوق الضحايا، خاصة وأن عددا من الجرائم المتعلقة بالدعارة والبغاء قد تشكل صورا لجرائم الإتجار بالبشر، ويؤدي الاستمرار في تجريم هذه الأفعال أحيانا إلى تجريم الضحايا ومعاقبتهن.
في نفس السياق أغفل مقترح القانون الجديد تجريم مجموعة من الأفعال بنص خاص من قبيل الاغتصاب الزوجي والزواج القسري في ارتباطه بظاهرة تزويج الأطفال بشكل غير قانوني، وتشديد العقوبة على جرائم الاعتداءات العقارية التي تطال النساء باعتبارها شكلا من أشكال العنف القائم على أساس النوع.
مواضيع ذات صلة
قانون محاربة العنف ضد النساء بالمغرب يدخل حيز التنفيذ
نشر قانون مكافحة العنف ضد النساء بالمغرب في الجريدة الرسمية
تحالف ربيع الكرامة يقدم ملاحظاته حول مشروع قانون مكافحة العنف ضد النساء
قراءة نقدية في مشروع قانون مكافحة العنف ضد النساء في المغرب
قراءة ثانية في مشروع قانون محاربة العنف ضد النساء في المغرب
الإعلان عن صيغة جديدة لمشروع قانون مكافحة العنف ضد النساء بالمغرب
سابقة حكم قضائي يعتبر زواج التعدد “العرفي” عنفا نفسيا ضد المرأة
أول حكم قضائي لمنع الاتصال بالضحية إعمالا لقانون العنف ضد النساء في المغرب
أول تطبيقات تدابير الحماية في قانون العنف ضد النساء بالمغرب: العلاج النفسي كبديل عن العقاب
تقرير حول واقع التبليغ عن العنف ومناهضة الإفلات من العقاب بالمغرب
ملاحظات حول التقرير الأول للجنة التكفّل بالنساء ضحايا العنف بالمغرب: ماذا عن صعوبات وصول الناجيات من العنف إلى المساعدة القضائية؟
[1] أنظر لمزيد من التفاصيل:
-فريدة بناني: قانون محاربة العنف ضج النساء، التفاف وتحايل على الالتزام والملتزم به، المطبعة والوراقة الوطنية بمراكش، الطبعة الأولى 2019-2020.
[2] أنس سعدون، قانون محاربة العنف ضد النساء بعد سنة من التطبيق، المجلة المغاربية للرصد القانوني والقضائي، العدد الرابع السنة 2020 ص 217.
[3] يلاحظ أن مقترح القانون يخلط أحيانا بين جرائم العنف ضد المرأة وجرائم العنف ضد القاصرين، بحيث تعتبر التعديلات التي يقترحها في مجال تشديد العقوبة على جرائم التحريض على الدعارة والبغاء ضد القاصرين مقتضيات لا تتعلق بجرائم العنف ضد النساء، لكونها جرائم تتعلق بالاستغلال الجنسي للأطفال.