بعد تونس هل يصادق المغرب على مقترح قانون ضد الميز العنصري وكراهية الأجانب بالمغرب؟


2018-12-26    |   

بعد تونس هل يصادق المغرب على مقترح قانون ضد الميز العنصري وكراهية الأجانب بالمغرب؟

 في لحظة وصفت بالتاريخية، وبعد انتظار طويل صادق البرلمان التونسي مؤخرا على مشروع قانون للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري، لتصبح بذلك تونس أول بلد عربي يسنّ قانونا مستقلا لتجريم التمييز. في موازاة ذلك، ما برح اقتراح قانون مشابه لتجريم التمييز العنصري وكراهية الأجانب، قدمه الفريق النيابي للوحدة والتعادلية (حزب الاستقلال)، في أواخر 2017، ينتظر مناقشته أمام لجنة العدل والتشريع في مجلس النواب. يذكر هذا المقال بسياق هذا القانون وبالجوانب الأساسية منه، على ضوء القانون التونسي الجديد.

تنميط عنصري وحملات على مواقع التواصل في مواجهة المهاجرين

“يمنع تأجير الشقق للطلبة والمهاجرين الأفارقة”، لافتة أصبح من المألوف رفعها على أبواب بعض المحلات المخصصة للكراء في عدد من المدن التي تعرف تواجدا متناميا للمهاجرين من أفريقيا بلدان الصحراء. وتشكل هذه اللافتة أحد مظاهر اللاتسامح التي تطفو على السطح في اتجاه بعض المهاجرين أحيانا أو حتى ضد بعض الأقليات أحيانا أخرى، حيث تسجل بعض الأحداث التي تكتسي صبغة عنصرية[1].  في نفس السياق دقت عدة منظمات ناقوس الخطر ضدّ تصاعد التنميط العنصري، الذي يستهدف بشكل مباشر المهاجرين بالمغرب، وهو ما يبدو من خلال”اعتماد بعض السلطات المعنية بالأمن الداخلي والخارجي، على العرق أو اللون أو النسب أو الأصل القومي والعرقي، كأساس لإخضاع الأشخاص للبحث المفصل، والتحقق من الهوية والتحقيقات، أو لتحديد ما إذا كانوا  يشاركون في أنشطة مشبوهة“.، أو في حملات الترحيل[2].

وقد برزت مؤخرا بعض الممارسات العنصرية في العالم الافتراضي، حيث شهدت مواقع التواصل الاجتماعي في السنوات الأخيرة تناميا للنزعات العنصرية، كانت أبرزها الحملة الشرسة التي دعت تحت وسم #زيرو_أفارقة إلى ترحيل جميع المهاجرين المنحدرين من دول إفريقيا جنوب الصحراء، في إثر حادث مقتل حارس ليلي بأحد المجمعات التجارية الكبرى بمدينة فاس على يد مهاجرين. وحملت عدة تدوينات الدولة مسؤولية فتح المجال أمام هذه الفئة للحصول على عدد من الحقوق الأساسية، وعلى رأسها حق الإقامة والعمل بالمغرب، متضمنة عبارات جارحة تلصق فعل الإجرام بالمهاجرين المقيمين بالمغرب.

وتحت عنوان “معا ضد حملة الزنجنة بالمغرب” تضمنت صفحة أخرى على موقع الفايسبوك، منشورات عنصرية مطالبة بتقليص أعداد المهاجرين بالمغرب الذي أصبحوا يزاحمون العمالة الوطنية في الشغل وفي الخدمات الأساسية، قبل أن تنجح إشعارات متعددة لإدارة الفايسبوك في إغلاقها.

دعوات حقوقية لتشريعات لمكافحة العنصرية

منذ 2016، أطلقت مجموعة من الجمعيات حملات لمكافحة العنصرية ضد المهاجرين المنحدرين من الدول المذكورة في الدول المغاربية، والمطالبة بـ “المصادقة على قوانين وطنية تجرم جميع أشكال التمييز العنصري”. وهكذا وتحت شعار مثير “أنا ماشي عزي” وتعني باللهجة العامية المغربية (أنا لست أسود)، أطلقت جمعية الأيدي المتضامنة حملة ضد تفشي العنصرية تستهدف أساسا محاربة الأوصاف الاجتماعية التي تنتقص من ذوي البشرة السوداء، خاصة المهاجرين القادمين من البلدان المذكورة.

كما سبق للمجلس الوطني لحقوق الإنسان أن نشر رأيا استشاريا تعليقا على مقترح إصلاح القانون الجنائي، أكد فيه على ضرورة تبني إجراءات جديدة من أجل “مواجهة العنصرية والكراهية والتمييز” تنسجم مع الالتزامات الدولية للمغرب.

مقترح قانون لمنع التمييز العنصري

في هذا السياق، أتى مقترح القانون المشار إليه أعلاه. وقد عرفه في أنه يعني “أي ميز أو إقصاء أو تقييد أو تفضيل أو فعل أو امتناع عن فعل يقوم على الأساس العنصري بسبب العرق أو الأصل الوطني أو الجنس أو الملامح المظهرية، الذي يكون هدفها رفض الاعتراف بالتمتع أو ممارسة حقوق الانسان للأفراد أو الجماعات”.

ويبدو من خلال هذا التعريف أن المقترح استعمل عبارات واسعة لتجريم وحظر كل أشكال الميز العنصري مهما كانت أسبابها، ومهما كان نوع ضحيتها، حيث لم يكتفِ النص بتجريم التمييز القائم على الأسباب التقليدية والمعروفة كالعرق أو الجنس أو الأصل الوطني، وإنما امتدّ ليشمل أيضا التمييز القائم على أساس الملامح الجسدية الخارجية[3].

وفي هذا الصدد أدخل مقترح القانون الجديد عبارة “المجموعات الضعيفة” إلى المنظومة التشريعية المغربية وهم “الأشخاص أو المجموعات الضعيفة التي توجد بسبب أصلها الإثني أو الوطني أو الملامح الجسدية المظهرية في ظروف صعبة، وتسعى إلى ممارسة حقوقها الإنسانية”؛ ولا شك أن هذا المصطلح تمت صياغته بشكل عام يقبل تأويلا أوسع يستوعب كافة المجموعات المهمشة.

واقترح النص الجديد، تدريس التلاميذ مقررات تدعوهم إلى التحلي بالتسامح والحوار مع الغير، ومحاربة أشكال التمييز العنصري حيال المجموعات الضعيفة، وتشجيع الإعلام لثقافة التسامح والتضامن والقيم الإنسانية، واتخاذ الحكومات إجراءات تدخل ضمن إطار التمييز الإيجابي الذي لا يحظره هذا القانون [4].

ونصت المادة 13 من المقترح على أنه: “يجب على السلطات العمومية المكلفة بالأمن أن تحدث في أجهزتها الوطنية والإقليمية خلايا تهتم بمحاربة ومنع أي تصرف أو سلوك عنصري أو تحريضي على كراهية الأجانب”.

أما بالنسبة للعقوبات الزجرية الواردة في المقترح الجديد فتتراوح بين غرامات مالية وعقوبات سجنية[5]؛ فضلا عن اعتبار التمييز الصادر عن موظفين عموميين أو سلطات مكلفة بانفاذ القانون، أو مسؤولين في أحزاب أو نقابات أو منظمات غير حكومية ظرفا لتشديد العقوبة[6].

يلحظ أن المقترح لم يلحظ آلية مختصة لمواجهة التمييز عكس القانون التونسي، وإنما اقتصر على تقديم توجيهات عامة للحكومة لحثّها على اتخاذ التدابير اللازمة في وضع السياسات العمومية تتضمن مبادئ إقرار التعاون والمسؤولية للقضاء على الميز العنصري ومحاربة كراهية الأجانب، خاصة في القطاعات الأكثر حيوية كالصحة والتعليم والإعلام والأمن والعدل والإدارة العمومية. كما تضمن توصية للحكومة بإفراد بند خاص للمجموعات الضعيفة في الموازنة العامة، والقيام بإحصاء دوري لهم بهدف إدماجهم في المجتمع.

تشريع شامل أم معالجات موضعية تجنبا للتضخم التشريعي؟

تبعا لتقديم الاقتراح، أبدى وزير العدل محمد أوجار في يناير 2018 عدم وجود فراغ تشريعي لأن منع التمييز موجود في عدة نصوص متفرقة بين القانون الجنائي وقانون الصحافة ومدونة الشغل وقانون الجنسية، والمساعدة القضائية. وعليه، اقترح إدماج أي تعديل جديد في صلب القانون الجنائي لأسباب تقنية، هدفها مواجهة التضخم التشريعي والاضطراب الذي قد يحدثه إصدار نص مستقل على مستوى الممارسة القضائية.

وفي انتظار الحسم في طبيعة التدخل التشريعي القادم، يبقى الميز العنصري واقعا متزايدا لا يمكن أبدا تجاهله.

 


[1] – أنظر على سبيل المثال:

-المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان: تقرير خاص بتقصي الحقائق حول أحداث الهجرة غير القانونية، أحداث سبتة ومليلية خريف 2005.

-المجلس الوطني لحقوق الإنسان: خلاصات وتوصيات تقرير الأجانب وحقوق الانسان بالمغرب من أجل سياسة جديدة في مجال الهجرة، 2013.

[2] -من بين هذه التقارير:

-تقرير مجموعة مناهضة العنصرية والدفاع ومواكبة الأجانب حول عمليات ترحيل المهاجرين من المغرب، أكتوبر/ تشرين الأول 2018.

-تقرير منظمة هيومن رايتس ووتش حول انتهاك الحقوق والطرد والمعاملة السيئة للمهاجرين من أفريقيا جنوب الصحراء بالمغرب، فبراير شباط 2014.

-تقرير الشبكة الأورومتوسطية حول الهجرة واللجوء في بلدان المغرب العربي، سنة 2010.

  1. – وضع مقترح القانون الجديد اطارا مفاهيميا واضحا لمناهضة الميز العنصري من خلال عدة تعاريف :
  2. الأصل الاثني: ويقصد به الأصل العرقي لشخص أو مجموعة من الأشخاص المميزة بعوامل تاريخية أو نسبية أو ثقافية أو اقليمية؛

-الأصل الوطني القائم على رابطة الجنسية الأصلية أو المكتسبة في ظروف خاصة؛

-الملامح الجسدية الخارجية لشخص أو مجموعة من الأشخاص الناتجة عن علاقات التكوين الوراثي أو البيئي أو التي تأثرت بالعوامل الطبيعية أو الاجتماعية.

-التعدد الثقافي المتمثل في كل الطرق التي يتم التعبير بها عن الثقافات للمجموعات أو المجتمعات وطنيا ومحليا؛

-أي نظرية أو ممارسة تنطوي على التفوق أو الدونية لافراد أو جماعات من الناس، أو تقوم على الأساس العرقي أو الثقافي أو نشر ايديولوجيا عنصرية أو التعصب الديني أو آليات للهيمنة الاجتماعية أو التعصب العنصري أو الاستغلال الاقتصادي أو السلوك التمييزي أو أي عمل يهدف الى ابطال أو اضعاف أو عرقلة الاعتراف بالتمتع بالحقوق أو ممارستها على قدم المساواة.

-المواقف الشخصية برفض الملامح المميزة على الأساس العرقي أو اعتماد التفوق العرقي؛

-كره أو نشر الكراهية أو الرفض أو نصب العداء لأشخاص أو مجموعة بسبب أصلهم الوطني.

[4]– حدد المقترح مجموعة من الاستثناءات التي لا تدخل ضمن مفهوم الميز العنصري، وتتمثل فيما يلي:

-التدابير الايجابية أو التصحيحية أو التعويضية في سواء تلك المتخذة على مستوى التشريعات او السياسات العمومية لضمان المساواة الحقيقية في الفرص والظروف بين الأشخاص أو المجوعات الضعيفة؛

-التدابر الخاصة التي تهدف الى ضمان التقدم الملائم للأشخاص والمجموعات الضعيفة؛

-التمييز القائم على أساس الكفاءات أو المعارف المتخصصة أو المهارات من أجل تولي منصب أو وظيفة عمومية أو نشاط أو حرفة أو مهنة خاصة؛ وكذا الشروط الأكاديمية أو التربوية.

-المعاملات الخاصة المقررة للأشخاص في وضعية اعاقة أو الشيوخ أو النساء الحوامل أو بعض المرضى؛

-المعاملات الرسمية المقررة مع الأشخاص أو هيئات ديبلوماسية أو قنصلية أو منظمات دولية أو اقليمية.

[5]– تضمن المقترح الجديد مادتين للتجريم، حيث نصت المادة 16 على عقوبة سجنية تتراوح بين شهر وثلاث سنوات وغرامة مالية تقدر بين 1000 و50000 درهم، لمرتكب فعل التمييز أو الكراهية.

[6]– ضاعفت المادة 17 من المقترح عقوبة التمييز بمقدار الثلث في الحالات التالية:

-اذا صدر الفعل عن مسؤول أو موظف عمومي أثناء قيامه بعمله؛

-اذا قام به رجل أمن أو أي موظف يحمل السلاح أثناء عمله؛

-اذا قام به شخصان أو أكثر؛

-اذا قام به عضو قيادي أو مسؤول وطني أو محلي في حزب سياسي أو نقابة مهنية أو جمعية للمجتمع المدني؛

-اذا ارتكب ضد أطفال أو قاصرين أو نساء أو شيوخ أو مرضى أو ذوي الاحتياجات الخاصة.

انشر المقال

متوفر من خلال:

المرصد البرلماني ، مقالات ، تونس ، لا مساواة وتمييز وتهميش ، المغرب



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني