“
نشرت بتاريخ 08-10-2019 “لجنة شهداء وجرحى الثورة” القائمة النهائية لشهداء الثورة ووجرحاها بالموقع الرسمي للهيئة العليا لحقوق الإنسان. توج هذا النشر الذي طال انتظاره فصلا أولا من مسار مضطرب حال بشكل كبير دون تحقيق استحقاق عُدّ عند فجر الثورة التونسية أحد أهم استحقاقاتها. ويطرح نشر القائمة قبل يوم واحد من إعلان النتائج الأولية للانتخابات التشريعية السؤال عن خطوات يجب أن تعقبه وتتحمل السلطة السياسية في تشكيلتها الجديدة مسؤولية تحقيقها.
ضبط قائمة الشهداء والجرحى: المسار المتعثر
استحدث المرسوم عدد 97 لسنة 2011 لجنة شهداء وجرحى الثورة[1] وعهد لها مسؤولية ضبط قوائم “شهداء الثورة ومصابيها” الذين عرفهم “في فصله السادس “بكونهم الأشخاص الذين خاطروا بحياتهم من أجل تحقيق الثورة ونجاحها واستشهدوا أو أصيبوا بسقوط بدني من جراء ذلك ابتداء من 17 ديسمبر 2010 إلى 19 فيفري 2011.” صدر الأمر الترتيبي المتعلق بضبط طرق سير عمل اللجنة الثانية بتاريخ 13-05-2013[2] وانطلقت في المباشرة الفعلية لعملها بتاريخ 23-07-2013[3].
كان يفترض أن تكون مدة عملها قصيرة لإعتبارين:
أولهما، أنه توفرت لها قاعدة معطيات من خلال عمل لجنة تقصي الحقائق عن أحداث الثورة وما كشفت عنه المحاكمات التي باشرتها المحاكم العسكرية.
ثانيهما، أن الأمر المنظم لعملها فرض على أعضائها أن يجتمعوا بصفة “منتظمة مرة على الأقلّ كلّ أسبوع وكلّما دعت الحاجة إلى ذلك”[4] وأن السلطة السياسية حينها ممثلة في المجلس الوطني التأسيسي وفي رئاسة الجمهورية استحدثت هيئات ومؤسسات عهدت لها بمتابعة الملف.
تولت اللجنة نهاية سنة 2015 توجيه ما ذكرت أنه قائمة “شهداء الثورة لرئاسة الحكومة وطلبت منها الإذن بنشرها بالرائد الرسمي للجمهورية التونسية. تمسكت الحكومة حينها بضرورة أن تشمل القائمة كما يفرض ذلك القانون “مصابي الثورة وطلبت من اللجنة إتمام عملها وضمان أن تكون القائمة التي تصدر عنها نهائية وغير منازع فيها قبل توجيهها للنشر ورفضت بالتالي الطلب.
عاودت اللجنة العمل لتعلن بتاريخ 02-04-2018 اختتام عملها وتقدم تقريرها النهائي للرؤساء الثلاثة أي رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة ورئيس مجلس نواب الشعب. ووجه رئيسها ابراهيم بودربالة لرئاسة الحكومة القائمة التي أعدتها لشهداء ومصابي الثورة طلبا لنشرها بالجريدة الرسمية. رفضت رئاسة الحكومة طلب النشر وبررت موقفها بكون “اللجنة” لم تطلع المعنيين أي آل الشهداء ومن قدموا ملفاتهم كجرحى ثورة والرأي العام بنتائج عملها في أي مرحلة منه ولم تحترم بالتالي حق هؤلاء في الاعتراض على القائمة التي تطلب نشرها، وبما تكون معه محصلة عملها قائمة غير نهائية تقبل الاعتراض والمراجعة. ولا يجوز تبعا لذلك نشرها بالجريدة الرسمية[5].
كانت رئاسة هيئة حقوق الإنسان الجهة التي تمسك وثائق اللجنة ومن تمثلها وتمسكت بصفتها تلك برفض الطلب الحكومي. برّر رئيس الهيئة والذي هو في ذات الوقت بحكم القانون رئيس اللجنة موقف الهيئة بأن اللجنة قد أتمت أعمالها وقدمت تقريرها النهائي بما لا يمكن معه مطالبتها باجراءات تكميلية. وتمسك هذا الأخير برفض نشر القائمة النهائية بموقع الهيئة الرسمي وفق ما ينص عليه الفصل السادس من الأمر المنظم لعمل اللجنة[6] رغم مطالبته بذلك من أسر شهداء الثورة وجرحاها. وقد فسر هذا الموقف بقوله أن “النصّ القانوني واضح وهو يفرض أن تنشر اللجنة القائمة بالرائد الرسمي ثمّ بالموقع، فيما أنه ليس للجنة التي عملت على الملف موقع رسمي، فضلا عن أن موقع الهيئة ليس رسميا وعملية النشر ستكون محفوفة بالمخاطر كالاختراق مثلا. أما الرائد الرسمي، فالأمور فيه مضمونة”[7] وهنا آل الأمر إلى جمود هدد مسار ضبط القائمة بالدخول في مطب لا مخرج منه.
حملة سيب القائمة تغير المشهد:
دفع تعنت هيئة حقوق الإنسان والحكومة الضحايا لتنظيم مجموعة من التحركات تحت شعار “سيب القائمة” حمّلوا خلالها طرفي الأزمة مسؤوليتها[8]. وقد اعتمد منسق هذه المجموعة “علي المكي” وهو شقيق أحد الشهداء الحق في النفاذ للمعلومة كمخرج من المأزق القائم، فتقدم بتاريخ 10-04-2018 بطلب نفاذ للمعلومة للهيئة العليا لحقوق الإنسان موضوعه تمكينه من نسخة ورقية من قائمة شهداء ومصابي الثورة.
وفيما لم ترد الهيئة على طلبه، رفع الأمر إلى الهيئة الوطنية للنفاذ للمعلومة التي قضت بموجب قراراها عدد 137 بتاريخ 26-07-2018 لفائدة طلبه بعد أن بينت أن التقاعس في نشر القائمة بالرائد الرسمي للبلاد التونسية لا يصلح أن يكون مبررا لحجب حق الطالب في الحصول على نسخة ورقية منها. هنا رفض مجلس هيئة حقوق الإنسان الإذعان للقرار الصادر وطعن فيه استئنافيا أمام المحكمة الإدارية ولكنه لم يلتزم في طعنه إجراءات قانونية سليمة فصدر بتاريخ 21-06-2019 حكم نهائي برفض طعنه شكلا.
نشر القائمة: ثمرة نضال وبداية جهاد لفرض الحقوق
كان التقاضي سبيل ذوي الشهداء والجرحى لفرض نشر قوائم الشهداء والجرحى وقد نجحوا بفضله فيما فشلت في تحقيقه لجنة شهداء وجرحى الثورة بمجلس نواب الشعب وقبلها اللجنة التي كانت تحمل ذات اسمها بالمجلس الوطني التأسيسي. و يظهر بالتالي نشر القوائم بعد ثماني سنوات من الثورة مكسبا لمن ناضلوا من أجل تحقيقه رغم أنه يمثل بالكاد الخطوة الأولى في سبيل فرض تفعيل حقوق شهداء وجرحى الثورة المادية والمعنوية. كما أنه مجرد مدخل لطرح السؤال حول آليات تحقيق ما يستحقون من المجموعة الوطنية من تكريم يليق بحجم التضحيات التي بذلوها في سبيل بناء المجتمع الديمقراطي الذي نعيش في ظله اليوم.
[1] تتركب اللجنة من رئيس وثمانية أعضاء يعينون بقرار من الوزير الأول كالآتي:ـ رئيس الهيئة العليا لحقوق الإنسان والحريات الأساسية : رئيس.ـ ممثل عن الوزارة الأولى: عضو.ـ ممثل عن وزارة الدفاع الوطني : عضو.
ممثل عن وزارة الداخلية : عضو.ـ ممثلان عن وزارة الشؤون الاجتماعية : عضوان.ـ ممثل عن وزارة المالية : عضو.ـ ممثل عن وزارة الصحة العمومية : عضو.ـ ممثل عن الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان : عضو.
[2] أمر عــدد 1515 لسنة 2013 مؤرخ في 14 ماي 2013 يتعلـق بضبط طرق سير أعمال لجنة شهداء الثورة و مصابيها.
[3] تصريح توفيق بودربالة رئيس لجنة شهداء الثورة ومصابيها، التابعة للهيئة العليا لحقوق الإنسان والحريات الأساسية أمام لجنة شهداء وجرحى الثورة وتفعيل العام بمجلس نواب الشعب بتاريخ 16-01-2017.
[4] ينص الفصل الثاني من الأمر عــدد 1515 “تجتمع اللجنة بصفة دورية ومنتظمة مرة على الأقلّ كلّ أسبوع وكلّما دعت الحاجة إلى ذلك بمقرّ الهيئة العليا لحقوق الإنسان والحريات الأساسية بدعوة من رئيسها أو بطلب من سبعة من أعضائها على الأقل.
لا يمكن للجنة أن تجتمع إلاّ بحضور أغلبية أعضائها. وفي صورة عدم توفّر النصاب، تجتمع اللجنة مرة ثانية بعد يومين، مهما كان عدد الأعضاء الحاضرين. ….”
[5] بتاريخ 20-01-2019 وفي تصريح لإذاعة شمس أف أم قالت آمنة المستوري المكلفة بملف المقاومين والشهداء وجرحى الثورة والعمليات الإرهابية برئاسة الحكومة ” أن الفصل 6 من المرسوم عدد 97 لسنة 2011 المؤرخ في 24 أكتوبر 2011 المتعلق بالتعويض لشهداء ثورة الحرية والكرامة ضبط مشمولات لجنة شهداء الثورة و مصابيها، وبذلك لا يمكن أن تكون هناك قائمة نهائية إلا بعد نشر قائمة أولية والبت في الطعون وفي الاعتراضات” وأضافت “القائمة النهائية لشهداء وجرحى الثورة تمثل جزء من تاريخ تونس لذلك لا يمكن نشرها بالرائد الرسمي ثم إضافة تغييرات عليها، لذلك يجب أن تكون نهائية والأحكام باتة فيها، مؤكدة أن هناك جدل حول موعد تسليم القائمة وهو غير معلوم إلى حد الآن” موقع شمس أف أم – 20-01-2019 – آمنة المستوري: قائمة شهداء وجرحى الثورة ليست نهائية وموعد تسليمها غير معلوم
[6] ينص الفصل 6 من الامر 1515 6″ ـ تتولى اللجنة نشر القائمة النهائية لشهداء الثورة ومصابيها بالرائد الرسمي للجمهورية التونسية وعلى موقعها الإلكتروني وضمن تقريرها النهائي الذي يرفع إلى رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة ورئيس المجلس المكلف بالسلطة التشريعية ”
[7] يراجع نورة الهدار – قضية الطعن في قرار هيئة النفاذ إلى المعلومة المتعلق بقائمة شهداء الثورة: تعيين جلسة بتاريخ 24 ماي الجاري والتصريح بالحكم أواخر الشهر المقبل- صحيفة المغرب -21-05-2019
[8] عدم نشر قائمة شهداء وجرحى الثورة.. الدولة تعطّل تنفيذ القوانين – 23-04-2019 موقع الشاهد.
“