فتح إجراء مقابلة مع طفل تعرّض لاعتداء جنسي في سحمر البقاعية النقاش حول سياسة حماية الطفل في الإعلام. وقد أجرت المقابلة الزميلة زهراء فردون وبُثّت عبر حساب الإعلامي طوني خليفة على إنستغرام في إطار تجربة لنقل برنامجه التلفزيوني إلى عالم السوشل ميديا. يبلغ الطفل حالياً 13 عاماً، وقد تعرّض لحادثة الاعتداء قبل سنتين على يد سبعة شبّان، صوّر أحدهم فيديو يوثّقُ الحادثة ونشره مؤخراً إثر خلافاتٍ بينهم.
ما وضع القضية في الواجهة كان تغريدة للإعلامي طوني خليفة عبر تويتر يُعلن فيها عن “حصرية الظهور الأوّل” للطفل عبر مقابلة ستُبث من خلال إنستغرام. أرفق خليفة التغريدة بالدعوة إلى الاشتراك بقناته على يوتيوب. طريقة الإعلان بحد ذاتها شكّلت موضع انتقاد كبير وقد رأى فيه ناشطون استغلالاً لقضية إنسانية من أجل رفع نسب المشاهدة.
مقدّم البرنامج يردّ
ينفي خليفة عبر “المفكرة القانونية” أن يكون هو من نشر التغريدة، ويقول إنها شركة التسويق التي تدير حسابه على تويتر، مؤكّداً أنه “اعترض على مضمون التغريدة وطلب حذفها على الفور وهذا ما حصل”. وانتقد خليفة منتقديه لأنهم برأيه “استخدموا الأسلوب نفسه الذي اعترضوا عليه عندما أدرجوا اسمي في عناوين مقالاتهم بأني اغتصبت الطفل مرة ثانية ويُرفقون الإعلان بـ’إضغط على الرابط’”.
أمّا في ما خصّ المقابلة فيقول خليفة إنها أتت نتيجة مطالبات من قبل محيطين بالطفل اتهموه (خليفة) بالعنصرية لعدم تناوله حادثة الاعتداء كون الطفل سوري الجنسية: “ذهبت زهراء لإجراء المقابلة مع الوالدة فتفاجأت بوجود الطفل في المنزل وهو ما لم نكن نتوقّعه”، ويضيف خليفة: “اعتبرنا أن بقاءه في البيئة التي ما زالت تشكّل خطراً عليه جرمٌ جديد وأردنا تسليط الضوء على بقائه بدون حماية ولحثّ المعنيين على التحرّك للقيام بواجبهم”.
وهنا يطرح خليفة سؤالاً عن دور الناشطين الذي اتّهموه بتعريض الطفل للخطر: “لماذا لم يقوموا بحملة من أجل التأكد أن الطفل يحظى بالحماية اللازمة والعلاج النفسي بدل أن يوجهوا حملتهم ضدي”، لافتاً إلى “وجود متاجرة بقضية الطفل وأن الحملة مبرمجة للنيل منه شخصياً ويقف خلفها أشخاص معروفون بالنسبة له”.
ويؤكّد خليفة لـ”المفكرة” أنّ “غالبية الذين انتقدوه لم يشاهدوا فقرة استضافته لمسؤولة مندوبي الأحداث أميرة سكّر والتي طالب فيها بضرورة إنزال أشد العقوبات بالمعتدين على الطفل وتناول مسألة تفكك الأسرة كون الأب غائب عن الأم والطفل”. ويشير خليفة أيضاً إلى أنه “فوجئ عبر تويتر بعدد من الشتامين الذي تبيّن أنهم لم يشاهدوا الحلقة التي بُثّت عبر إنستغرام وقال أحدهم له أنّه “أطفأ قناة الجديد وذهب للنوم علماً أنّ الحلقة بُثّت مباشرة فقط عبر إنستغرام وشاهدها 122 شخصاً”.
سياسة حماية الطفل
ولكن الخبيرة في السياسات الرعائية زينة علّوش ومؤسِّسة جمعية “بدائل” توضح لـ”المفكرة” إنّ منتقدي ظهور الطفل في مقابلة مع الإعلام لا يأتي من معارضة “لتناول الإعلام قضايا تُعنى بمناصرة حقوق الطفل خاصة مناصرة ضحايا الاعتداءات الجنسية والانتهاكات”. ولكن هذا التناول “يجب أن ينطلق من مصلحة الطفل الفضلى وما هو متعارف عليه في سياسة حماية الطفل بالإعلام وهو مشروع لا بد أنّه قادم”. وتشدد على أهمية “التمييز بين الطفل الناجي والطفل الضحية. فالطفل الضحية هو الذي ما زالت حادثة الاعتداء عليه حديثةً نسبياً. هذا أولاً، أما ثانياً وبصرف النظر عن المسافة الزمنية بين المقابلة والحادثة فإنّ الطفل إن لم يكن قد خضع لنظام حماية ومتابعة نفسية واجتماعية يشمله مع عائلته، لا يمكن اعتباره ناجياً. وبما أنّ الأم لم تخضع للحماية ومسار المتابعة نفسه فهي أيضاً ضحية وبالتالي لا يمكن الاعتداد بموافقتها. مع الإشارة إلى أنّ غالبية حالات الأطفال الذين تعرّضوا لاعتداءات مماثلة من الصعب أن يشفوا بشكل كامل وخلال وقت قصير ومن الضروري أن تتحوّل المقابلات معهم لقضايا رأي عام”. وتضيف أنه “بالمطلق أي طفل ما دون الثامنة عشر كان ضحية اعتداء أو انتهاك لا يجب استعماله كمادّة للبحث في مواضيع حسّاسة للغاية كالانتهاكات الجنسية والاعتداءات الجنسية”.
وترى علّوش أنّ “المطلوب هنا ليس فقط رقابة ذاتية من قبل الإعلاميين بما يتوافق مع مصلحة الطفل بل إنني أؤيّد وجود عقاب لكل وسيلة إعلامية تنتهك حقوق الطفل، أنا لا أوجّه حديثي فقط ضد طوني خليفة أو ضد مقدّم برامج ما بل أتوجّه إلى أي وسيلة إعلامية ترتضي على نفسها أن يكون هناك انتهاك لحقوق الطفل عبرها”. مع الإشارة إلى وجود تقارير استخدمت الاسم الأوّل للطفل بشكل واضح.
وتشرح علّوش أنّ الاتجاهات الدولية في سياسة حماية الطفل في الإعلام تدعو إلى عدم زجّ الأطفال الضحايا أو الناجين بالظهور المباشر على الإعلام بخاصة عندما تكون القصة لا تزال حديثة ولم تنشأ بعد المسافة اللازمة إضافة إلى وجود نوع من الاستخدام السياسي لقضية الانتهاك.
وتنتقد أيضاً بشدّة “الطريقة التي جرى فيها الإعلان عن الحلقة من قبل طوني خليفة واستخدامه تعابير مثل الظهور الإعلامي لأول مرة مع الطفل المغتصب”، وتشير إلى أنّ “الإعلان هذا قد يلامس البورنوغرافيك لأنه يستغلّ قضية طفل للحصول على نسبة مشاهدة عالية وهو كان الهم الأساسي”.
كذلك تؤكّد أنّه “من الناحية القانونية هكذا إعلان يُعد استغلالاً للطفل ويرتّبُ مسؤولية قانونية على خليفة وأنا على قناعة أنه في حال وجود مجتهدين في هذا الموضوع لكان هناك إمكانية لرفع دعوى مباشرة ضد برنامج طوني خليفة لأنه يسيء لطفل عبر استغلاله”.
وتعطي علّوش مثالاً في المقاربات العالمية وتحديداً في القانون الكندي الذي يمنع مطلقاً إجراء أيّ مقابلة مع الطفل أو مع أهله قبل اتخاذ الإجراءات القانونية وصدور الحكم النهائي وانتهاء مدة تنفيذ الحكم حتى أنّ كل الأهل والمقرّبين من الطفل الذي تعرّض للعنف يكونون موضوع حماية”.
وتنطلق علّوش من هذه القضية لتسلّط الضوء على وجود إشكالية في لبنان في طريقة التعاطي ليس فقط مع هذه القضية بل مع كل قضايا الانتهاكات بحق الأطفال: “في كلّ مرّة يحصل انتهاك مباشر للأطفال في لبنان تكون كأنّها المرّة الأولى فلا نعرف من سيأخذ حق الادّعاء الشخصي، فحالياً مثلاً هناك إعلامي هو سفير جمعية “الاتحاد لحماية الأحداث في لبنان”، يتوكّل حق الادّعاء الشخصي” ويُطرح هنا سؤال أساسي حول دور وزارة الشؤون الاجتماعية والمجلس الأعلى للطفولة وهما أعلى سلطة مرجعية حكومية مولجة حماية الأطفال. لماذا لا يتّخذان صفة الإدعاء الشخصي؟ لماذا لا يوجد مسارات واضحة عند كل حادثة؟ لماذا لا يوجد جهة قانونية لديها مسؤولية إجتماعية حكومية تُخاطب الناس وتُعلن عن الإجراءات التي اتُخذت؟
أمّا عن الجمعيات المدنية فتتوجّه علّوش إليها قائلة: “ثمة سؤال كبير لهذه الجمعيات الكبرى المموّلة والمتعاقدة مع وزارة الشؤون الاجتماعية، أين هي من كل ما يحصل؟ وأين المواقف العلنية وأين الإجراءات على الأرض التي تضمن الحماية المباشرة للأطفال؟”
وعن التقنيات التي تستخدمها وسائل الإعلام لدى استضافتها طفلاً ضحية أو ناجياً تؤكد أنه “لا يهم إذا تمت تغطية الوجه أو لم تتم تغطية الوجه المهم كيف تم التعاطي مع المادة الإعلامية ولماذا تعريضه للإعلام ومن أي مقاربة؟ هل هو أخصائي نفسي؟ هل استشار أخصائياً نفسياً أو أخصائياً إجتماعياً؟”، وتضيف “نحن لسنا بحاجة لأن يظهر طفل على الإعلام بهذه الطريقة الشعبوية والتي لا تحترم كرامة الطفل. فطرق المناصرة عديدة. على سبيل المثال في موضوع الطفل الذي تعرّض للاغتصاب في سحمر تحديداً لو جرى تخصيص حلقات برايم تايم لأخصائيين إجتماعيين ومناصرة وحقوقيين يتحدّثون عن القضية وعن أهمية حماية الأم والعائلة كلّها وتأمين الرعاية وتحريك المجتمع لحماية هذه المرأة ودعم الطفل. هذا دور الإعلام، خلق الوعي العام ولكن خلق الوعي هذا لا يمرّ بالضرورة عبر تعرية الطفل وجعله عرضة لمخاطر كبيرة”.
وتختم علّوش عبر تأكيدها على ضرورة مقاربة الموضوع من منطلق حقوقي أكتر ما هو من منطلق فضائحي، ولكن للأسف هذه المقاربات “ما بتجيب رايتينغ وليست شعبوية، وللأسف حتى عندما يُكتب بطريقة موضوعية علمية مناصرة لحماية الطفل يستخدمها الشعبويّ بتحويل نفسه إلى ضحية هجوم الناس عليه لأنه انتصر للطفل”.
ماذا يقول علم النفس؟
الأخصائية في علم النفس هلا كرباج تؤكد لـ”المفكرة” أنّه “ليس محبّذاً البتّة أن يعود الطفل الذي تعرّض لتجربة مؤلمة ويستعيد أيّ أمرٍ يتعلّق بالحادثة ويخاصة في الإعلام فهذا يزيد عنده الإحساس بالإستغلال”. وتشير إلى أنّ “الطفل الذي تعرّض للاغتصاب تتشكّل عنده مشكلة بالثقة لأنه استُعمل واستُغلّ، وعندما نعود ونستضيفه إعلامياً نحرّكُ لديه مجدداً هذا الشعور”.
“أما في حال طلب الظهور على الإعلام في إطار مساره العلاجي فهذا أمرٌ آخر كلياً. وهنا من الضروري التأكد من قبل الإعلامي أنه تتم متابعته ومعالجته كما والتأكد أنّ هناك من سيسانده علمياً في حال انهار إثر استعادة تفاصيل ما حصل معه أو وُضع في جو يذكّره بالحادثة”.
وتدعو كرباج إلى “ضرورة أن يكون هناك أخصائي نفسي يحاور الطفل قبل ظهوره الإعلامي (في حال إصرار الطفل وأهله) ليتأكد إذا كان بالفعل مستعداً لهذا الظهور ويشرح له العقبات هذا الظهور”.
وتقول كرباج أنّ أحد عوارض اضطراب ما بعد الصدمة يأتي بعد استعادة الحادثة أو أن يوضع الضحية في حالة مرتبطة بحادثة الاعتداء، ما يؤدي إلى أزمة نفسية حادة قد تصل أحياناً إلى حد الانتحار نتيجة الشعور بالذنب أو الشعور بالخجل وهذا كلّه يجب أن يؤخذ بعين الاعتبار من قبل الإعلامي والوسيلة الإعلامية”.
قانون حماية الأحداث يحتاج حماية!
المحامية لمى كرامة رئيسة قسم التقاضي الاستراتيجي، في “المفكّرة القانونية” تعتبر المسألة تتعلق بأخلاقيات الإعلام بالدرجة الأولى، ومن هنا تدعو المجلس الأعلى للإعلام المرئي والمسموع إلى التحرّك عندما يقوم الإعلام بفعل يضرُّ بالفئات المهمّشة ولا سيما الأطفال.
وتلفت كرامة إلى “عدم وجود مادة قانونية تمنع استقبال طفل تعرّض للاعتداء في الإعلام، بل إنّ القانون اللبناني يمنع نشر وقائع دعوى وتحقيقات. ولكن، يمكن لقاضي الأحداث التحرّك عفواً أو بناءً على إخبار في حال وجد أنّ ظهور الطفل في الإعلام سيشكل خطراً عليه. في هذه الحالة، يصدر قرار حماية للطفل يتخذ بموجبه الإجراء المناسب لمصلحة الطفل، كمنع بثّ الحلقة أو سحب الفيديو المتداول”.
ويضيف المحامي خالد مرعب على هذه النقطة أنّ هناك ما يمنع طوني خليفة من استقبال الطفل وأخذ أقواله وهي المواد المختصّة بحماية القاصر المعرّض للخطر: “نحن أمام حالة قاصر معرّض للخطر وأيّ عنف معنوي أو مادي سيؤثر عليه. وهو قد تعرّض بالفعل للاغتصاب. وحالياً أيّ جهة ليست مختصّة تتعامل معه قد تؤثر حتماً على حالته النفسية والمعنوية. المفروض على قاضي الأحداث أن يمنع ظهوره في الإعلام وأن تتواصل معه أي جهة بطريقة قد تؤثّر سلباً عليه”.
وبالاطّلاع على القانون 422 المختص بحماية الأحداث تتبيّن الحاجة المُلحّة إلى تطويره. ومع هذا فإنّ روحية القانون واضحة لا لبس فيها وهي وضع مصلحة الحدث الُعليا كأولوية ومراعاته نفسياً وجسدياً إلى أبعد الحدود حتى عند ارتكابه جرماً.
فأوّل قاعدة ينص عليها القانون هي “حاجة الحدث إلى مساعدة خاصّة تؤهّله ليلعب دوره في المجتمع”، وتُستتبعُ بقاعدة ثانية “في كل الأحوال يجب مراعاة صالح الحدث لحمايته من الإنحراف” .
وفي الباب الثالث يحدّد القانون من هو الحدث المعرّض للخطر، فيعتبر أنه “إذا وُجد في بيئة تعرّضه للإستغلال او تهدد صحته أو سلامته أو أخلاقه أو ظروف تربيته”، و”إذا تعرّض لاعتداء جنسي أو عنف جسدي يتجاوز حدود ما يبيحه العرف من ضروب التأديب غير المؤذي”.
ويعطي القانون في المادة 26 للقاضي في أي من هذه الأحوال صلاحية أن يتخذ لصالح الحدث تدابير الحماية أو الحرية المراقبة أو الإصلاح عند الاقتضاء فيتدخل “بناء على شكوى الحدث أو أحد والديه أو أوليائه أو أوصيائه أو الأشخاص المسؤولين عنه أو المندوب الاجتماعي أو النيابة العامة أو بناء على إخبار”. كما على القاضي “التدخل تلقائياً في الحالات التي تستدعي العجلة”.
أمّا المادة 48 فتحظّر نشر صورة الحدث ونشر وقائع التحقيق والمحاكمة أو ملخصها في الكتب والصحف والسينما، وأية وسيلة إعلامية أخرى. ويمكن نشر الحكم النهائي على ألّا يذكر من اسم المدعى عليه وآنيته ولقبه إلا الأحرف الأولى. وفي حال مخالفة هذه الأحكام تعرّض المخالف لعقوبة السجن من ثلاثة أشهر الى سنة وللغرامة من مليون الى خمسة ملايين ليرة او لإحدى هاتين العقوبتين”.
فيديو الاعتداء: الاستغلال المزدوج
لأكثر من أسبوعين وحتى تاريخ نشر هذه المقالة لا يزال فيديو الاعتداء منتشراً على مختلف منصّات مواقع التواصل الاجتماعي. لاقت الحادثة استنكاراً واسعاً لما فيها من وحشية وانتهاك لحقوق الإنسان بشكل عام والطفل بشكل خاص.
لكنّ عدداً كبيراً من المستنكرين أنفسهم كانوا يطالبون بالعقاب للمعتدين مُرفقين الفيديو بمنشوراتهم، علماً أنّ تبعات إعادة نشر هذه المشاهد تعرّضُ الطفل لخطر جديد يُضافُ إلى ما يعانيه من صدمة نفسية نتيجة الاعتداء. وإن كان عدم الثقة في الإجراءات الفورية للمحاسبة من قبل القضاء في لبنان هو ما قد يدفع الناس إلى الضغط عبر مواقع التواصل ونشر الفيديو في محاولة لإنصافه وتحقيق العدالة، إلّا أنّ الانتباه الشديد إلى الأدوات المستخدمة في الضغط مطلوب لحماية ضحايا الاعتداءات المُماثلة.
تقول زينة علّوش إنّ “الدراسات العالمية تُثبت أنّ ظهور الطفل الضحية في الإعلام أو عبر مواقع التواصل الإجتماعي يعرّضه لمخاطر كبيرة منها أنّ من يتعرّضون للأطفال جنسياً يعرفون تماماً كيف يصطادون ضحاياهم ويعرفون تماماً كيف يستخدمون ضعف الطفل – الضحية لأنه قد جرى تجريحه أمام الناس”.
من هنا، تُحتّم المسؤولية والوعي على من يريدون حقاً مناصرة قضايا الأطفال الضحايا الأخذ بعين الاعتبار أنّ كل مصطلح يستخدمونه عبر تغريداتهم ومنشوراتهم قد يتمّ مواجهة الطفل به في محيطه. على سبيل المثال في هذه الحالة تكرار تعبير “الطفل المُغتَصَب” التي وَسَمَت الطفل بصورة سيصعب عليه الخروج منها خلال كل حياته ويعرقل مسار علاجه النفسي.
وهنا، يُطرح سؤال عن مسؤولية القضاء وسبب عدم تحرّكه حتى الآن لمنع تداول فيديو الاعتداء الذي يهدد مصلحة طفل فيما يأتي التحرك سريعاً جداً عندما يتعلّق الأمر بقمع حرية التعبير وتناول مسؤولين في السلطة.
وسحب فيديو من التداول ليس أمراً لم يحصل من قبل فيمكننا أن نستعيد هنا قرار قضاء الأحداث عام 2017 بمنع بث فيديو كليب للفنانة ميريم كلينك والفنان جاد خليفة وسحبه من التداول على جميع وسائل الإعلام وشبكات الإعلام الاجتماعي، تحت طائلة غرامة قدرها 50 مليون ليرة في حال المخالفة. والسبب هو أنّ الكليب فيه إيحاءات جنسية فاضحة وتظهر فيه طفلة.
وإن كانت هناك محاولات للشركات الكبرى مثل تويتر وفيسبوك تطوير أدواتها لحجب المحتوى المؤذي، يبقى أنّ المعنيين الحاليين هم سلطات الدول. مع الإشارة إلى أن التعامل مع القضايا المطروحة على وسائل التواصل تعكس ذهنية هذه السلطات واتجاهاتها. فإن كانت قمعية ركّزت جهودها على اعتقال المغرّدين المعترضين على أدائها وإن كانت تغييرية حقاً بادرت إلى حماية حقوق الأطفال بالدرجة الأولى من منشورات قد تعرقل مسار علاجهم النفسي من حوادث الاعتداءات التي يتعرّضون لها.