
جلست أنطوانيت وهي امرأة خمسينية، تذرف الدمع على مقربة من خيمة أهالي المفقودين في الحرب الأهلية اللبنانية الموجودة في حديقة جبران خليل جبران مقابل الاسكوا في بيروت. جاءت لتحضر المؤتمر الصحافي الذي عقدته اللجنة الدولية للصليب الاحمر نهار الجمعة 1/7/2016 للاعلان عن بدء جمع العينات البيولوجية من أهالي المفقودين كخطوة أولى للكشف عن مصيرهم ومطالبة الدولة اللبنانية بتشكيل هيئة وطنية تجمع المعلومات وتعمل عليها. بكت انطوانيت كثيراً وكأنها قد فقدت لتوها عزيزاً لها. الا ان حقيقة بكاءها كانت انها تذكرت شقيقها سمعان الزغبي الذي فقدته منذ كان ابن ستة عشر عاماً، وتذكرت وعداً قطعته على والدتها بأن تستمر في متابعة كل التحركات اللازمة في هذه القضية. وقالت: "أم الميت بتنام بس أم المفقود ما بتنام. المرة الاخيرة التي شاركت والدتي في التحركات كانت قد خسرت ارجلها بسبب مرض السكري وقد رآها يومها جبران التويني وأشفق عليها ووعدها بالمساعدة واعطاها موعدا الا انه استشهد قبل ذلك. لا يمكنني التغيّب عن ايّ تحرك وأقول دائماً ربما قد نعرف شيئاً هذه المرة. اخوتي الشباب نصحوني بكف التحرك الا انني لا يمكنني ان انسى دموع امي وعذاباتها. من هنا اشكر لجنة الصليب الاحمر الدولي التي شعرت بنا واهتمت بقضيتنا".
الى جانب أنطوانيت جلست ابنة صبحية عشو التي توفيت قبل عام وقد أمضت حياتها وهي تبحث عن شقيقها المختفي منذ نحو الاربعين عاماً دون كلل او ملل. اما وصيتها الاخيرة لابنتها قبل ان تلفظ انفاسها الاخيرة فكانت "ابحثي عنه على الارض وانا سأبحث عنه في السماء".
فابريزيو كاربونة
أما رئيس البعثة الدولية للصليب الاحمر فابريزيو كاربونة فقد تحدث الى الاهالي موجهاً التحية لنضالهم ولالتزامهم خلال السنوات المنصرمة دون ان يعدهم بالكثير وانما ليقدم اعترافاً صريحاً وواضحاً: "بدأنا هذا المشروع منذ العام 2012 وقد ظننا انها ستكون مهمة صعبة ولكن بعد مرور كل هذه السنوات لم نتخيل ابداً انها ستكون بهذه الصعوبة".
وشرح كاربونة ان الصليب الاحمر الدولي قام "بزيارة عائلات المفقودين لجمع المعلومات عن الاشخاص الذين فقدوا والظروف التي فقدوا فيها"، والتوصل الى خلاصة مفادها ان الحصول على اجابة واضحة يستوجب "العمل على جمع عينات الحمض النووي DNA".
وأضاف: "في العام 2014 قدمنا مشروعاً الى الحكومة اللبنانية بان تبدأ بجمع العينات البيولوجية وتحديداً اللعاب الذي من خلاله بامكاننا الحصول على الحمض النووي، لكن الى اليوم لم نحصل على اجابة".
وتابع:"ستخزن العينات واحدة لدى اللجنة الدولية للصليب الاحمر واخرى لدى قوى الامن الداخلي. من هنا نحتاج إلى الحصول على موافقة من مجلس الوزراء لجمع عينات اللعاب كي تستطيع القوى الامنية مساعدتنا بجمعهم".
وأكد كاربونة على ضرورة "ان تقوم السلطات اللبنانية بتشكيل هيئة للبحث او الكشف عن مصير الاشخاص المفقودين لأن هي ستقوم بالبحث في المقابر الجماعية والمقابلة ما بين البقايا البشرية وعينات الحامض النووي".
وداد حلواني
وجهت تحية الى الأمهات اللواتي فارقن الحياة قبل معرفة مصير ابناءهم واللواتي اقعدهن المرض فعجزوا عن المشاركة في هذه اللحظة التاريخية. وقالت:"على درب الجلجلة بهمة الصليب الاحمر الدولي وصلنا الى هذه اللحظة العلمية. ها هو الصليب الاحمر قد اطلق صفارة البدء بجمع عيناتنا البيولوجية. بالتأكيد ليس نيابة عن الدولة وحسب بل لمساعدتها وتمهيد الطريق امامها واختصار الاخذ والرد والمرض البيروقراطي المستعصي".
وتابعت: "اليوم سنأتمن الصليب الأحمر الدولي على عيناتنا البيولوجية بعد ان ائتمناه على صندوق التحقيقات الرسمية وبعد ان اودعناه كل ما نملك من معلومات تتعلق بنا وبمفقودينا. سنفعل ذلك امام الدولة اللبنانية التي نقول لها بالفم الملآن لا نريد منك ان تكتفي بالتفرج نريد منك ان تفعلي".
وللدولة اللبنانية توجهت بالقول: "ما حدا نطرك قد ما نحن نطرناك. ما حدا نطر قدنا لتعملي وما عملتي يا دولة. مع كل عاهاتك وسجلك الاسود والسيء معنا مجبورين نبقى متمسكين فيكي لانو ساقبت نحن اولادك. يا دولة ما بيحقلك تشطبي الحقيقة بشحطة قلم. ما بقى عندك اي مبرر للتردد ولا للرجعة الى الوراء ولا لأي دعسة ناقصة. نحن نرفض ان تبقى هويتنا قيد الدرس، وأن يبقى حقنا قيد الانتظار. طلعي مشروع الاتفاق من الجارور يا دولة وحطي ختمك عليه بركي الاهالي بيتذكروا طعم الفرح وانت خليكي متذكرة انو نحن عطول بالمرصاد. عامل الوقت قد ينهي الاعمار ولكنه لن ينهي القضية".
غازي عاد
أما رئيس لجنة سوليدغازي عاد فقد لفت الى ان المطالبة الأولى بانشاء بنك للDNAتمّت في العام 1996. " ذكر مدعي عام التمييز آنذاك عدنان عضوم ان الأبوان شرفان وابو خليل موجودين في مقبرة وزارة الدفاع". وقال: "مضى عشرون عاما على ذلك، ونحن ولجنة اهالي المفقودين والمخفيين قسراً في لبنان ومنظمات اخرى تعمل معنا نطالب بأمرين:
1- جمع البيانات،
2- وانشاء بنك الـDNA
وهاتين الخطوتين هما من مسؤولية الدولة اللبنانية وليس من مسؤولية الصليب الأحمر. ولكن نحن بعد عشرين سنة فقدنا الأمل بوجود اي ارادة سياسية لدى المسؤولين اللبنانيين ولدى الحكومات اللبنانية المتعاقبة والتي ببياناتها الوزارية ذكرت أهمية حل الموضوع".
واعتبر عاد ان "التذرع بالخلاف السياسي لا يعفهم من مسؤوليتهم. فاليوم الحكومات التي ذكرت في بيانها الوزاري اهمية معالجة قضية المفقودين والمخفيين قسرا اخدت الثقة من المجلس النيابي الذي يضم جميع الاطراف السياسية".
ولفت الى ان "الخطوة التي يقوم بها الصليب الاحمر غير كافية وتحتاج الى المتابعة. والمعلومات يجب ان تسلم الى لجنة وطنية تعنى بهذا الملف وتتسلم المعلومات وتقوم بمتابعتها لاعطاء أجوبة للأهالي".
وختم متوجها الى اهالي المفقودين بأن لا يتوهموا بأن الصليب الاحمر الدولي يقدم حل. وقال: "حلّ حتى هذه الساعة لا يوجد. كل القصة ان الصليب الاحمر يجمع العينات البيولوجية تمهيدا لانشاء الهيئة الوطنية والبدء بالحل. على الدولة انشاء الهيئة الوطنية التي من دونها لا يوجد حل وتبقى كل الخطوات غير كافية لتحريك المجرمين المشاركين بهذه الجريمة منذ اربعين عام".
متوفر من خلال: