في سابقة تعد الأولى من نوعها، وجهت زوجة مصرية إنذارا بالطاعة ضد زوجها، وذلك بعد أشهر قليلة من نشر المفكرة القانونية حكما قضى برجوع زوج الى بيت الزوجية وصدر عن محكمة الأسرة بمراكش، بعدما رفعت زوجته دعوى للمطالبة بإرجاعه الى “بيت الطاعة”.
الواقعة المثيرة للجدل سواء بمصر أو بالمغرب، تعيد الى النقاش العمومي من جديد دور التقاضي في تغيير الصور النمطية في مجال شديد الحساسية كقضايا الأحوال الشخصية والأسرة ببلدان المنطلقة.
ملخص القضية
بحسب ما تداولته عدد من المنابر الإعلامية، فقد أعلنت المحامية المصرية، إيمان محسن، أنها قامت بتوجيه أول “إنذار طاعة” ضد زوج في تاريخ القضاء المصري.
الإنذار المذكور قُيد “بدخول الزوج في طاعة زوجته” تحت رقم 61581 مُحضرين أسرة مدينة نصر، وجاري اتخاذ اللازم قانونا حيال إعلان الزوج بمضمون الإنذار.
وأكدت المحامية الشهيرة بـ”محامية الستات”، أن التقدم بهذا الإنذار جاء بعدما واجهت الزوجة من زوجها فتورا وفجورا، بجانب ضربها وإهانتها وطردها من منزل الزوجية”.
“الطاعة” و”النشوز” في تشريعات الأسرة العربية
إذا كانت مصر هي أول بلد عربي قام بتقنين قانون الأحوال الشخصية، فإن تونس كانت أول بلد عربي يلغي واجب طاعة الزوجة لزوجها، حيث استعاضت عنه بواجب التعاون بين الزوجين في صلب مجلة الأحوال الشخصية. تلتها بعد ذلك المغرب سنة 2004 حينما ألغت التمييز بين الزوجين في الواجبات والحقوق وأفردت مادة فريدة لتنظيم الحقوق والالتزامات المشتركة بين الزوجين[1]. كما أعادت تعريف عقد الزواج، واعتبرت الأسرة تحت الرعاية المشتركة للزوجين وهو ما احتاج إلى نقاش عميق داخل اللجنة التي أوكل اليها دراسة مشروع مدونة الأسرة[2].
وبالرغم من هذه التعديلات التي أدّت إلى الإلغاء القانوني لواجب الطاعة في عدد من تشريعات بلدان المنطقة، إلا أنها لم تؤدّ فعليا إلى إلغائها على أرض الواقع، بالنظر إلى استمرار اعتبار الزوج هو المكلف بالإنفاق على الأسرة، وتحميله لكافة الالتزامات المادية، بحيث لا يقع واجب الإنفاق على الزوجة إلا في حدود ضيقة، متى كانت موسرة، وكان الزوج معسرا، وأثمر الزواج بينهما عن أطفال.
هذا الواقع جعل الأزواج يستأثرون بمجموعة من الحقوق من قبيل اختيار مكان بيت الزوجية[3]، بحيث يؤدي رفض الزوجة الالتحاق به إلى اعتبارها “ناشزا”، وهو ما يعطي للزوج الحق في إيقاف النفقة.
هل يمكن اعتبار الزوج “الرجل” “ناشزا”؟
إذا كان مفهوم النشوز -كمفهوم ديني أصبح يرتب آثارا قانونية- ينصرف للدلالة على الزوجة التي ترفض طاعة زوجها أو بمعنى أدقّ تنفيذ الآثار التي يرتبها عقد الزواج، من قبيل الالتحاق ببيت الزوجية الذي هيّأه الزوج لها، فإن تطور تشريعات الأسرة في عدد من بلدان المنطقة أضحت تمكّن أيضا من اعتبار الأزواج الرجال الرافضين لتنفيذ التزاماتهم المترتبة عن هذا العقد ناشزين في نظر القانون، بخاصّة إذا استحضرنا وجود حقوق والتزامات متبادلة بين الزوجين يؤسّس لها عقد الزواج، وإن كان الواقع يؤكد في غالبية بلدان المنطقة ندرة لجوء الزوجات لإعمال المساطر المتعلقة بالنشوز أو الالتحاق ببيت الزوجية.
من أجل تشريعات للأسرة تكرس مبدأ المساواة بين الجنسين
قطعت عد من بلدان المنطقة أشواطا في إصلاح قوانين الأحوال الشخصية وتشريعات الأسرة، ويمكن التمييز بين مراحل ثلاث:
-الأولى: هي مرحلة التقنين، أي تجميع المقتضيات المنظمة للأسرة والأحوال الشخصية في قوانين، بما يكفل وضوح القاعدة القانونية وتوحيدها، بغض النظر عن مصدرها؛
-الثانية: مرحلة التعديل والملاءمة، وهي المرحلة التي عرفت تعديلات جزئية على تشريعات الأسرة لإدخال بعض مظاهر المساواة بين الزوجين، سواء ما يتعلق بجانب الرضى في الزواج، أو الجانب المتعلق بالطلاق والتطليق وحضانة الأطفال وذلك في إطار ملاءمة هذه التشريعات مع الاتفاقيات الدولية المصادق عليها وعلى رأسها اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة[4] واتفاقية حقوق الطفل.
-الثالثة، وهي المرحلة الحالية، التي أصبحت فكرة المساواة بين الجنسين أكثر وضوحا وإلحاحية، وأضحى المجتمع الحقوقي والمدني في جانب كبير منه يدافع عن أن التنمية الحقيقية لن تتحقق إلا بالمساواة بين الجنسين، وأن فكرة المساواة سيستفيد منها الرجال والنساء على حد سواء، خاصة وأن الرجال أنفسهم أضحوا يعانون في بعض الأحيان من آثار عدم المساواة في بعض تشريعات الأسرة خاصة بما يتعلق بقضايا النفقة.
ويلاحظ في هذا السياق تزايد اتجاه الجمعيات النسائية ببلدان المنطقة نحو التشبيك، ابتداء من فترة التسعينات بهدف تبادل التجارب الفضلى و الاستفادة من بعض التقدم التي أحرزته بلدان معينة، وكذا في الاستفادة من الحجج والبراهين التي تم اعتمادها من أجل دعم حملات الترافع لتغيير قوانين الأحوال الشخصية. ويمكن الإشارة في هذا السياق إلى تجربة مجموعة 95 المغاربية للمساواة[5]، والتي تكوّنت غداة انعقاد مؤتمر المرأة الرابع ببجين، تلتها محاولات أخرى من أجل صياغة مشروع قانون عربي موحد للأحوال الشخصية تقدّمه المنظمات النسائية كبديل عن مشروع سابق تقدمت به الحكومات العربية في إطار جامعة الدول العربية، إلى جانب حملات أخرى إقليمية لتعديل تشريعات الأسرة.
هل يسهم التقاضي في تغيير الصور النمطية؟
إن اللجوء إلى القضاء يشكّل عموما إحدى الأدوات الهامة التي يمكن اعتمادها من أجل تغيير الصور النمطية التي قد تنبني عنها بعض التشريعات والممارسات. ويعتبر التقاضي الاستراتيجي أداة فعّالة يعوّل عليها من أجل إحداث تغيير واسع النطاق على المستويين القانوني والاجتماعي، حيث يستهدف إحداث أثر مستدام يتجاوز القضية نفسها ويتخطى أطرافها وتستفيد منه فئات اجتماعية واسعة. ويمكن أن يشكل جزءا من استراتيجية أوسع تتضمن أيضا حملات المناصرة ورفع الوعي والتحسيس وذلك لإحداث تغيير في القوانين والإجراءات والسياسات والممارسات المتعلقة بقضية معينة. وتعد قضايا الأسرة والأحوال الشخصية فضاء خصبا للتقاضي الاستراتيجي يمكن أن يستخدم ليس فقط في تغيير القوانين وإنما أيضا في تغيير القوالب النمطية.
مواضيع ذات صلة
مشروع قانون مدني اختياري للاحوال الشخصية (شمل) حريات على هامش الزواج المدني
عن بيت الطاعة ونشوز الزوجة … معادلة طاعة الزوجة مقابل إنفاق الزوج معادلة غير متساوية
دعوى لإرجاع زوج ل “بيت الطاعة” في المغرب: خطوة لتغيير الصور النمطية؟
محكمة بالمغرب ترفض دعوى لإجبار زوجة على معاشرة زوجها
رفض دعوى تطليق بحجة حمل الزوجة في المغرب
المغرب يفتح ورش مراجعة مدونة الأسرة بعد 18 سنة من صدورها
مجلة الأحوال الشخصية: ورشة كبرى للإصلاح..نحتاج فقط قليلا من الجرأة لفتح أبوابها الموصدة
نساء يطرقن باب البرلمان: روايات عن مظالم “الأحوال الشخصية”التعقيب التونسية تطيح بالتشاركية في تحمّل أعباء العائلة: المفكرة تنشر النصّ الكامل للقرار
[1] – تنص المادة 51 من مدونة الأسرة على ما يلي: “الحقوق والواجبات المتبادلة بين الزوجين:
1 – المساكنة الشرعية بما تستوجبه من معاشرة زوجية وعدل وتسوية عند التعدد، وإحصان كل منهما وإخلاصه للآخر، بلزوم العفة وصيانة العرض والنسل؛
2 – المعاشرة بالمعروف، وتبادل الاحترام والمودة والرحمة والحفاظ على مصلحة الأسرة؛
3 – تحمل الزوجة مع الزوج مسؤولية تسيير ورعاية شؤون البيت والأطفال؛
4 – التشاور في اتخاذ القرارات المتعلقة بتسيير شؤون الأسرة والأطفال وتنظيم النسل؛
5 – حسن معاملة كل منهما لأبوي الآخر ومحارمه واحترامهم وزيارتهم واستزارتهم بالمعروف؛
6 – حق التوارث بينهما”.
[2] – كانت الصيغة الأولى المقترحة للفقرة الثالثة من المادة 51 من مشروع مدونة الأسرة تنص على ما يلي: “مساهمة الزوجة مع الزوج بصفته رئيس الأسرة في تسيير ورعاية شؤون البيت والأطفال”، كما قدمت معها صيغة أخرى تنص على أن: “حقوق الزوج على زوجته: طاعة الزوجة لزوجها بالمعروف..”، وقد تم تعريف المعروف وفق مضمون هذه الصيغة كما يلي: “التوسط والاعتدال في المعاملة وتجنب البغي والاذلال مع مراعاة الظروف الخاصة بالزوجين”.
أنظر لمزيد من التفاصيل:
-أحمد الخمليشي: من مدونة الأحوال الشخصية الى مدونة الأسرة، الجزء الأول الزواج، مطبعة المعارف الجديدة، الطبعة الأولى 2012، ص 43.
[3] – رغم رفع المغرب التحفظات على اتفاقية سيداو، ظل محتفظا ببيان تفسيري (اعلان) بخصوص الفقرة 4 من المادة 15، وجاء فيه: “تعلن حكومة المملكة المغربية أنها لا تستطيع الالتزام بأحكام هذه الفقرة، وخاصة تلك المتعلقة بحقوق المرأة في اختيار مكان الإقامة ومحل السكن، إلا بالقدر الذي لا تتعارض فيه مع المادتين 34 و 36 من المدونة المغربية للأحوال الشخصية “.
[4] – فريدة بناني: مدى شرعية وقانونية تحفظات البلدان العربية على اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، مقال منشور بمؤلف جماعي: ( حقوق المرأة: أعمال الندوة الإقليمية حول سبل تفعيل اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، المنعقدة ببيروت يومي 25 و26 يناير2004) ، منشورات المنظمة العربية لحقوق الإنسان، الطبعة الأولى 2004.
[5] –مجموعة 95 المغاربية من أجل المساواة: المغاربيات تحت التحفظ: كتاب أبيض حول الأدوات الدولية المتعلقة بحقوق المرأة، منشورات مؤسسة فريدريش ابرت، طبعة 1996