بعد إبادة عائلة كاملة في بلدة شبعا الجنوبية.. إسرائيل تنذر أهلها بـ “الإخلاء”


2024-09-28    |   

بعد إبادة عائلة كاملة في بلدة شبعا الجنوبية.. إسرائيل تنذر أهلها بـ “الإخلاء”

لم يأت التهديد الإسرائيلي لسكان منطقة  شبعا الحدودية، نحو الساعة 11:30 من قبل ظهر اليوم السبت، بالإخلاء، من عدم. فقد كان تفريغ البلدة، الرابضة في سفح تلالها المحتلة، هدفًا للعدوان الإسرائيلي المستمر على لبنان منذ 8 تشرين أول 2023، تزامنًا مع حرب الإبادة على قطاع غزة، حيث كان مدنيو شبعا من أوائل المستهدفين عندما كانت قواعد الإشتباك ما زالت سارية. إذ أغار العدوان في 14 تشرين أول 2023 على منزل المزارع السبعيني خليل عليّ مع زوجته اللذين استشهدا، ليدفع أبناء شبعا للنزوح عنها.

وتمهيدا لإفراغ شبعا التي ما زال يسكنها نحو 3 آلاف من أهلها بعد نحو عام على إجرام إسرائيل، استهدف العدوان عائلة مُزارعة أخرى مدمرا منزلها على رؤوس أفرادها التسعة الذين استشهدوا تحت الركام، ليتبع جريمته بتهديد السكان بإخلاء البلدة.

كانت الساعة تشير إلى نحو الثالثة من فجر الجمعة 27 أيلول، ساعة واحدة كانت تفصل عائلة حسين خليل زهرة عن بدء نهارها بالعناية بقطيع الماعز والأبقار الذي تعتاش منه. عادة، يبزغ الفجر وأيادي الأسرة تتعاون على حلب المواشي والبدء بتحضير تصنيع مشتقات الحليب، فيما يخرج الرعاة من بين أفرادها بالماعز إلى محيط المنزل الواقع في حي السنديانة، في خراج شبعا القريب، بعدما منعهم الاحتلال الإسرائيلي من التوسّع إلى التلال البعيدة الخصبة المراعي.

وما بين تفتيح أعينهم لبدء نهارهم الذي كان يفترض أن يمضي وفق أجندة عمل تحكم يوميات العائلات المزارعة، قرّر العدوان الإسرائيلي إنهاء حياة الأسرة مجتمعة، فاستهدف بغارة عنيفة منزلهم المؤلّف من ثلاثة طوابق ليدمّره على رؤوسهم، ليواصلوا نومهم القسريّ الغارق في دمائهم إلى ما لا نهاية.

وهناك، على بُعد أقل من ألف متر من الشريط الشائك وبركة النقّار اللذين يفصلان أهالي شبعا عن أراضيهم في مزارع البلدة (مزارع شبعا) المحتلة، قتلت إسرائيل الأفراد التسعة لعائلة زهرة، من حسين، رب العائلة إلى زوجته رتيبة حمدان، وأبنائهما: خضر مع زوجته وطفله عليّ (4 سنوات)، وحسن، والابنتين خضرة (وهي حامل بمولودها الأوّل) ودعاء، وحفيدها يوسف حمدان (11 عامًا) وهو ابن نداء الموجودة في سوريا.

ومع عصف الانفجار وقوّته، استفاقت شبعا على صدمة استهدافها وعلى حزن كبير لمصاب عائلة كاملة من أهلها. لم يصدّق سكان البلدة الحدودية أنّ عائلة زهرة التي لم تترك شبعا في أي من الحروب العدوانية التي سبق وشنّتها إسرائيل على لبنان، قد اختارها العدوان الوحشي ليهجّر عبرها شبعا ومن فيها، وهي النقطة الأساسية التي توقّف عندها مختار البلدة محمد هاشم في اتصال مع “المفكرة”. يرى المختار أنّ “هذا نهج إسرائيل في تدمير المنازل على رؤوس قاطنيها في الجنوب والبقاع وضاحية بيروت، وما مجزرة شبعا اليوم إلّا دليلًا على سعي الاحتلال لترهيب الأهالي وتهجيرهم من بيوتهم وأرضهم وأرزاقهم”. واختارت إسرائيل عائلة زهرة التي لم يترك أفرادها مواشيهم وأرضهم، هم الذين لا يملّ الأهالي من الحديث عن “شقائهم وتعبهم وعملهم المتواصل لتأمين لقمة عيش مغمّسة بعرق الجبين”. عائلة لم ير منها الجميع سوى الطيبة والاحترام في علاقات أفرادها مع الآخرين، والبسمة التي يستقبلون بها زبائنهم الذين يبتاعون منهم الحليب ومشتقاته. 

ويدعم المختار هاشم قوله إنّ الجريمة الإسرائيلية في حق عائلة زهرة تهدف إلى تهجير متعمّد لشبعا وسكانها بالتأكيد أنّ المنزل المستهدف لا يقطنه أي حزبيين، ولا يوجد بقربه أي منصة صواريخ أو إطلاق نيران. ويسأل “لماذا يتم استهداف هذه العائلة، إذا لم يكن الهدف تهجير العائلات المتعلقة بأرضها ورزقها ومنازلها، بالترهيب تارة والتهديد بالقتل تارة أخرى وصولًا إلى القتل المتعمّد الوحشي اليوم؟ ويشير الى أنّ كل من يعرف آل زهرة يعلم كم صمدت هذه العائلة رغم الاعتداءات والتحذيرات، كونها عائلة فلاحين، تعتاش من تربية المواشي، مصدر لقمة عيشها الوحيد، وهي عائلة طالما رفضت إبعادها أو إرغامها على النزوح من بلدتها وبيتها. وعليه، وفق المختار، “تريد إسرائيل تحويل القرى الحدودية وجَنوب الليطاني إلى أرض محروقة فارغة من السكان بشكل نهائي. ويتأكد ذلك من خلال استهداف المدنيين العزّل”.

ويعود بنا المختار هاشم إلى بدايات هذا العدوان، وتحديدا في 14 تشرين الأول 2023، حين دشنت “إسرائيل مجازرها بإطلاق قذائف هاون باتجاه المناطق المفتوحة في محيط بلدتي كفرشوبا ومزارع شبعا، فاستشهد خليل أسعد علي  وزوجته زباد حسين عاكوم جرّاء تعرّض منزلهما في شبعا للقصف المباشر”، وهو ما نتج عنه نزوح عدد من أبناء شبعا إلى بيروت والجية والدبيّة ووادي الزينة، بعضهم كان يملك منزلًا في تلك المناطق، وبعضهم الآخر اضطرّ إلى استئجار سكن، خوفًا من استهداف إضافي في البلدة. ومع الوقت، وسوء وضع العائلات النازحة الاقتصادي وتدهوره، عاد الأهالي إلى البلدة وقرروا الصمود فيها.
 وبقلق واضح، يعبّر المختار هاشم عن قلقه المشروع، كما يصفه، من أن تؤدي مجزرة اليوم إلى تهجير أهالي البلدة، حيث بدأت حركة نزوح عدد كبير من أبنائها بالفعل، “رغم أنّ عديد الصامدين في شبعا لا يقلّ عن 3 آلاف نسمة، طالما واجهوا الاعتداءات الإسرائيلية وسعيها الدؤوب لإفراغ شبعا بالصمود والصمود والصمود والتشبّث بالأرض”. 

ولحي السنديانة الذي اختارته عائلة زهرة لبناء منزلها فيه “حجرًا فوق حجر ولسنوات”، حكاية جميلة يرويها إبن شبعا، جميل ضاهر الذي اعتاد التزود بحاجاته من مشتقات الحليب من هذا البيت الذي وجده ركامًا صباح اليوم.

تنتصب في الحي “سنديانة شبعا” التي صار لها حيًا يحمل اسمها. السنديانة نفسها التي ثُبّتت على منعطفات البلدة لافتات تحمل اسمها وتأخذ الطريق إليها بعدما تحولت إلى معلم سياحي يقصده زوار شبعا القابعة في تلال جبل السماق وفي السفح الشمالي لقمة جبل روس، على المثلث الحدودي الفلسطيني اللبناني السوري.

تجاوز عمر سنديانة شبعا الـ 500 إلى 600 عام، ما منحها لقب الأضخم والأقدم في المنطقة. وهناك بالقرب من جذعها الذي يحتاج إلى أذرع أكثر من 15 شخصا ليلّتفوا حولها في محاولة لاحتضانها، قتلت إسرائيل عائلة زهرة، في المكان عينه الذي اختارته لبناء منزلها والصمود مستجيرين بفيئها وصلابتها وجمالها: “كلنا منعرف إنه هيدي العيلة بتفضل الشهادة على ترك شبعا” يقول ضاهر ليختم “وهكذا كان”.

واليوم استفاق أهالي شبعا على تحذيرات إسرائيلية لهم تطلب منهم إخلاء منازلهم، وفق ما ذكرت تقارير إعلامية. وقال المختار هاشم في تسجيل صوتي إنّه تلقّى اتصالًا من شخص يدّعي أنّه من قبل الجيش الإسرائيلي وطلب منه كونه المختار أن يبلّغ أهل شبعا بضرورة إخلاء شبعا باتّجاه الأوّلي، مشيرًا إلى أنّ الاتصال ليس جديدًا وأنّه تلقّى مثله يوم الإثنين حيث طُلب منه إخلاء شبعا خلال ساعتين. وقد وضع ذلك في إطار الحرب النفسية التي تخوضها إسرائيل ضدّ الشعب اللبناني، متوجّهًا إلى أهالي شبعا بالقول إنّ اتّخاذ قرار الإخلاء يعود كلّ شخص في البلدة وهو لن يتّخذ القرار عن الأهالي.

انشر المقال

متوفر من خلال:

لبنان ، مقالات ، جرائم الحرب والجرائم ضدّ الإنسانية



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني