بطاقات قضائية من دفاتر إحصائية لم تُقرأ


2021-01-07    |   

بطاقات قضائية من دفاتر إحصائية لم تُقرأ

ننشر هنا عددا من الإحصاءات ذات الدلالة عن توزيع القضاة وفق أجناسهم، وهي احصاءات لم تنشر من قبل. هذه البطاقات تتصل بالتوزيع الجندري للقضاة، وترقيتهم وإلحاقاتهم.

النساء يحققن المناصفة في القضاء العدلي في 2021

في سنة 1968، كانت آمنة شاويس أول تونسية تلتحق بمصاف العدلية بصفة قاضية. حينها لم يقبل زملاؤها أن تشاركهم منصة العدل، فاضطرت أن تنسحب في اتجاه العمل الدبلوماسي. أربع سنوات بعد ذلك، تعيد جويدة قيقة المحاولة وتعتلي منصّة القضاء بعدما وجدت دعما من الرئيس بورقيبة الذي قال لمن استنكروا حكم النساء واقترحوا أن تتفرغ للعمل الإداري “تعامل كما يعامل الرجال، لها ما لهم وعليها ما عليهم”. نصف قرن بعد ذلك، بات عدد القاضيات العدليات 1100 أي ما يمثل 46,20% من مجمل عدد قضاة تونس موزعات في مختلف محاكم الجمهورية ويمارسن كل الأعمال القضائية زيادة على حضورهن البارز في مشهد هياكل القضاة والذي أهلهن ليكنّ حاملات لواء الاستقلالية. وينتظر أن تصل القاضيات العدليات للتناصف في قضائهن بمجرد صدور أوامر التعيين للفوج 30 من المحلقين القضائيين أي بمناسبة الحركة القضائية لسنة 2021-2022. كما يبدو من شبه المؤكد باعتبار التغيير الجندري في تركيبة خريجي الجامعة التونسية أن يكون ذاك مجرد محطة في اتجاه قضاء بأغلبية نسائية معززة. إلا أنه يجدر التنبيه إلى أن القاضيات على أهمية دورهن في العمل القضائي مازالت نسبتهن في القضاء تتجاوز نصيبهن من الخطط القضائية والذي لم يتعد 39,55% من جملة الخطط القضائية المسندة.

النساء يشكلن 55% من قضاة محكمة المحاسبات

تباشر العمل القضائي الفعلي بمحكمة المحاسبات حاليا 96 قاضية يمثلن 55,17% من عموم القضاة المباشرين. قبل هذا بعشر سنوات فقط، كان عدد القاضيات بنفس المحكمة 33 فيما كان عدد القضاة من زملائهم من جنس الذكور الضعف تقريبا أي 62. بين هذين الزمنين، نجحت القاضيات في التحول من خانة الأقلية بالمحكمة إلى واقع أغلبية تتدعّم سنة بعد أخرى.

لم تصل بعد قاضيات محكمة المحاسبات لإحتلال المناصب القضائية الكبرى بمحكمتهن حيث ما زالت هيمنة الذكور قائمة وكاملة على المناصب القضائية الأربعة الكبرى[1]. ولم يؤل لهن إلا النصف من مندوبي الحكومة ورؤساء الغرف ورؤساء الأقسام. لكنهن كن في كل محطات تطور نشاط المحكمة من يدافعن عن إستحقاقاتها بوصفهن ناشطات في هياكل القضاة ومن يقدمن للرأي العام تقاريرها التي باتت تؤثر في المناخ السياسي التونسي وتساهم في نشر ثقافة الحوكمة.

جدول ديموغرافيا محكمة المحاسبات

النساء يشكلن 56% من القضاة الإداريين

ارتفع عدد القاضيات الإداريات من 34 في 2010 إلى 111 في 2019. وعليه ارتفعت نسبتهن من مجموع القضاة الإداريين من 36,6% إلى 56%. بدا تطور عددهن بذات وتيرة تطور زميلاتهن في محكمة المحاسبات وقد يكون مرد ذلك أن قضاة المحكمتين ينتدبون في النسبة الأكبر منهم من خريجي مرحلة الدراسات العليا بالمدرسة الوطنية للإدارة حيث سار قطار التأنيث بسرعة كبيرة[2].

الأطر الجامدة للخطط القضائية:

قيد في تنافر مع مجتمع تغير

على مستوى القضاء العدلي، يعود للأمر عدد 436 المؤرخ في 21-09-1973 تحديد الأقدمية الواجبة في العمل القضائي لإسناد كل خطة من الخطط القضائية. ويؤدي هذا لاعتباره من يحدد شكل الهيئات القضائية لجهة الخبرة المطلوبة في كل منها زيادة على كونه وثيقة أساسية في رسم المسار المهني للقضاة. ويبدو أن هذا النص الذي تتمسك السلطة التنفيذية بكونها صاحبة صلاحية تنقيحه ومراجعته بات اليوم عائقاً أساسياً في سبيل تحقيق استفادة القضاء من تطوّر جسده الذي نما بشكل خالف هندسته.

فبحسب هندسة الأمر الصادر في 1973، يتولى قضاة الرتبة الثالثة الخطط القضائية السامية (عددها 7) ومسؤوليات تسيير المحاكم (عددها 13) و11 خطة ذات طابع إداري، ومعها عدد محدود من الخطط القضائية في المحاكم منها قضاة التحقيق الأول ورؤساء الدوائر الجنائية والاستئنافية. أما قضاة الرتبة الثانية، فيتولون خطط تسيير الدوائر بالمحاكم الابتدائية والعقارية وقضاء التحقيق وقضاء الأسرة وتنفيذ العقوبات، على أن يتولى قضاة الرتبة الأولى الجانب الأكبر من خطط القضاء الفردي. وكان تصوره آنذاك لتوزيع الخطط يتلاءم لحد بعيد مع توزيع القضاة بين رتبهم، وهو أمر تغير لاحقا بفعل عاملين أولهما اعتماد مبدأ الترقية الآلية في القضاء منذ سنة 2012. وثانيهما سياسة انتداب مكثفة للقضاة انطلقت بذات التاريخ.

نتج عن هذه الحركية تطوّر في عدد قضاة الرتبة الثالثة مقابل انكماش في نسبة قضاة الرتبة الثانية من عموم القضاة وتوسع في قضاة الرتبة الأولى. فبنهاية السنة القضائية 2019-2020، بلغ عدد قضاة الرتبة الأولى أي من تقل أقدميتهم في العمل القضائي عن عشر سنوات 1037 أي ما نسبته 44,4% من عموم القضاة. وفيما بلغ عدد قضاة الرتبة الثانية أي الذين تتجاوز أقدميتهم العشر سنوات وتقل عن ستة عشر سنة 457 أي ما نسبته 19,55% من عموم القضاة، بلغ عدد قضاة الرتبة الثالثة حدود 843 أي ما يناهز 36% من عموم القضاة .

يؤدي تغير ديموغرافيا القضاة لنقص حاد في عدد قضاة الرتبة الثانية المؤهلين لتحصيل الخطط القضائية المخصصة لرتبتهم فيما يحرم القضاء على مستوى المحاكم من استفادة أكبر من صنف القضاة الرتبة الثالثة الذي بات عددهم يزيد عن حاجيات محكمة التعقيب و الخطط القضائية المخصوصة بهم. وقد يكون هنا التفكير في التخلص من ربط الخطة القضائية بالأقدمية القضائية السبيل الأمثل لتحقيق استفادة القضاء من رصيده البشري بما يؤدي لتجويد العمل القضائي وحوكمة إدارة مرفقه.

 

الإلحاق: حبل وصل القضاء بالسياسي

في الوقت الذي يتحدث فيه قضاة محكمة المحاسبات عن عجز هيكلهم القضائي عن الاضطلاع بالشكل والسرعة المطلوبين بمختلف أعماله القضائية الرقابية تكشف المعطيات الإحصائية أن 27 من قضاتها البالغ عددهم 201 في وضعية إلحاق يضطلعون بمسؤوليات حكومية وسياسية.

في نهاية سنة 2019، في ذات الإطار وفي حين تشكو المحكمة الإدارية من تكدس الملفات القضائية كان 27 من قضاتها 198 في وضعية إلحاق يباشرون مسؤوليات إدارية وحكومية في وقت كان فيه زملاء آخرون لهم قد أنهوا إلحاقات سابقة ويستغلون استراحتهم المؤقتة بمحكمتهم لربط علاقات جديدة تمنحهم فرصة مدة إلحاق إضافية.

من جهته ومنذ سنة 2018، نظر مجلس القضاء العدلي في 26 مطلب إلحاق إستجاب لها جميعا. كما نظر في 17 مطلب إنهاء إلحاق. وكان المعنيون بالرجوع للمحاكم كما الخارجون منها في أغلبهم ممن تقلدوا بفعل تعيينات مناصب سياسية.

يلحظ أنه على مستوى القضاء العدلي، كثيرا ما يتقلد المناصب الوزارية قضاة لم يعرف لهم سابقا اهتمام بالشأن العام أو العمل السياسي، بما يطرح السؤال حول مناسبة تفطن السياسي لكفاءتهم وبالتالي تبنيهم. ويتداول المتتبعون والمعلقون أخبارا حول خطط منحت لقضاة كجزاء على أحكام وقرارات قضائية سبقته وعن قضاة يلعبون في كواليس الحكم أدوارا من أهدافها تحقيق وصل خفي بين مشغليهم وزملائهم السؤال عن الطموح السياسي كمظهر من مظاهر الفساد القضائي.

بتاريخ 12-10-2020 وفي جلسة الحوار بين مجلس نواب الشعب ورؤساء المجالس القضائية، توجه نائب الشعب خير الدين الزاهي  لرئيس المجلس الأعلى للقضاء بالقول “السيد الرئيس أكيد لاحظتم كما لاحظنا العدد الكبير من القضاة الذين يترشحون بشكل لا نعلم كيف ونظن أنه ليس إلا مقابلا لخدمات لمناصب سياسية (ولاة، وزراء، ملحقون بدواووين، مديرين عامين) وأكيد أنكم تعلمون أيضا كما نعلم أن أغلب هؤلاء وبعد فترة من العمل السياسي بوجه مكشوف، يعودون للعمل القضائي مع ما يعنيه ذلك من شبكات علاقات تجمع السياسي بالقضائي”. وانتهى لسؤاله عن موقف المجلس من الموضوع ولأن دعاه مستقبلا لعدم قبول مطالب الإلحاق لأن على هؤلاء مغادرة القضاء ليتفرغوا للعمل السياسي، لا أن يستغلّوا القضاء في مطامحهم.

على مستوى القضاءين المالي والإداري، يتمسك طيف هام من قضاة المحكمتين بكون المهام القضائية التي يمارسونها تستدعي مرورهم في فترة ما من مسارهم القضائي بالعمل الإداري بوصفهم مسيرين. وهم يعتبرون أن مثل تلك التجربة تثري رصيد القاضي وتمكّنه من فهم حقيقة الإكراهات التي تواجه الإدارة بما يجود من قضائه بالنسبة للقاضي الإداري ومن فطنته الرقابية بالنسبة للقاضي المالي. وبعيدا عما تفرضه هذه الحجج من جدل، فإن سعي القضاة للإلحاق قد يمسّ في كثير من الحالات بما هو مفترض فيهم من حيادية زيادة على كون أهمية نسبة من يشملهم الإلحاق والذي يناهز خمس قضاة المحكمتين يطرح السؤال حول حوكمة التسيير بهما.

 

 

 

نشر هذا المقال  بالعدد 20 من مجلة المفكرة القانونية | تونس | لقراءة العدد اضغطوا على الرابط أدناه:

قضاء تونس في زمن الياسمين

 

[1]   الرئيس الأول – المقرر العام –مندوب الحكومة العام  -الكاتب العام .

[2]  خلال سنة الجامعية  2018-2019  بلغ عدد المتكونين بالمرحلة العليا بالمدرسة الوطنية للإدارة 136 منهم 96 من جنس الإناث .

انشر المقال

متوفر من خلال:

مجلة تونس ، قضاء ، المهن القانونية ، جندر ، عمل ونقابات ، مجلة ، مقالات ، جندر وحقوق المرأة والحقوق الجنسانية ، تونس ، حراكات اجتماعية ، حقوق العمال والنقابات



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني