“برنامج العودة الطوعية” للمهاجرين وطالبي اللّجوء: ترحيل قسري بتمويل أوروبي


2025-05-08    |   

“برنامج العودة الطوعية” للمهاجرين وطالبي اللّجوء: ترحيل قسري بتمويل أوروبي

على وقع ازدياد حالات انتشال جثث المهاجرين غير النظاميين من شواطئ المدن الساحلية في ليبيا، والاكتشاف المرعب لمقابر جماعيّة تضمّ جثث مفقودين من إفريقيا جنوب الصحراء في جنوب البلاد، وارتفاع حالات الاختفاء بينهم والتي بلغت أكثر من 20,800 شخص بين 2014 و2024، وتصاعد الحملات الإعلامية والأمنية ضدّ المنظّمات والأفراد المنخرطين في إسناد حقوق المهاجرين بحجة سعيهم الى توطين الأفارقة، كثُر الحديث في المدة الأخيرة عن “برنامج العودة الطوعيّة” في ليبيا. رافق ذلك تعدّد الإعلانات عن تكفّل المنظمة الدولية للهجرة بتنظيم رحلات العودة، وإعلان وزير الداخلية الليبيّ مؤخّرا نيّة حكومته ترحيل مليون مهاجر “طوعيّا”. فهل نحن حقّا أمام سيّاسات إنسانيّة تهدف إلى إنقاذ المهاجرين من براثن تجار البشر كما تدعي السردية الرسمية؟ أم أننا أمام حلقة جديدة من تعاون الحكومة الليبية مع الاتحاد الأوروبي وخصوصا إيطاليا يتم خلالها الدوس على حقوق الإنسان وهضم حقوق اللاجئين وتواصل فيها ليبيا أداء دور الحارس لحدود أوروبا؟

في ليبيا، وتبعًا للتّنافس الشّديد للحصول على التمويل بين المنظمة الدولية للهجرة [1] والمفوضيّة السامية لشؤون اللاجئين، أبدت الجهات المانحة تفضيلا واضحا للأولى على حساب الثانية، بما يشكل تراجعًا عن دعم الوكالة الأممية التي تتولّى تسجيل طالبي الحماية في ليبيا ونقلهم إلى بلد ثالث أمن وتقديم المساعدات المنقذة لحياتهم. وقد تعزّز ذلك بعد وصول إدارة الرئيس الأمريكي ترامب الى البيت الابيض وقراره بوقف العديد من التمويلات المخصّصة لوكالات ومنظّمات دولية من بينها المفوضية اللاجئين. مجمل هذه التطوّرات جعلت هذه الأخيرة تدقّ ناقوس الخطر باعتبار أن ضعف اعتماداتها سيكون له تأثير مدمر وخطير على طالبي اللجوء وخصوصًا النساء والأطفال منهم [2]. 

في موازاة ذلك، أمعن الاتحاد الأوروبي، على خلفية تصاعد أحزاب أقصى اليمين فيه، في أداء دورٍ غير إنساني عبر تكثيف دعمه للمنظّمة الدوليّة للهجرة ونشاطها فيما سمي ب “إعادة التوطين”. فتحوّلت هذه الأخيرة إلى الإبن المدلّل للمموّلين على خلفيّة دورها في ترحيل المهاجرين إلى بلدانهم الأصليّة طبقا للاستراتيجيّة التي تتطلّع إليها دول الاتحاد الأوروبي. تعمل المنظّمة الدوليّة للهجرة في ليبيا منذ عام 2006 وهي تحظى اليوم بوجود قوي في البلاد، إذ لها مكتب في طرابلس، وأخر فرعي في بنغازي، إلى جانب مكاتب ميدانيّة في القطرون ومدينة زوارة وبني وليد وسبها، بالإضافة إلى مشاريع تشرف عليها في جنوب وشرق وغرب ليبيا. وللمنظّمة مجموعةٌ واسعة من البرامج الهادفة إلى تلبية الاحتياجات الإنسانية العاجلة للسكان المتضررين جرّاء الكوارث على غرار المساعدات التي قدّمتها في بعض المدن الليبية خلال جائحة كورونا أو دعمها القوي للنازحين الليبيين في إثر فيضانات مدينة درنة في شرق البلاد. ومن ضمن برامجها تنظيم العودة الطوعية للمهاجرين إلى بلدانهم الأصلية [3] حيث تقوم بتسجيل الراغبين في العودة غالبيتهم من دول إفريقيا جنوب الصحراء، إضافةً إلى بنغلادش وعدد من دول آسيا، بما فيهم النساء والأطفال وتنظيم رحلات جويّة  تنطلق من مطارات طرابلس، بنغازي، وسبها. 

وقد نشطت المنظمة الدولية للهجرة في برنامج العودة الطوعية في ليبيا بعد عام 2015 حيث كانت تعتمد بشكل أساسيّ على تسجيل الرّاغبين في العودة من داخل مراكز الاحتجاز التابعة لجهاز الهجرة، وهو جهاز يتبع وزارة الداخلية في طرابلس. لم تكن معايير العودة واضحة، ورغم ذلك، تؤكّد المنظّمة على أنّها تحصل على موافقة مستنيرة من المهاجرين الراغبين في العودة من داخل وخارج مراكز الاحتجاز. ورغم أن هذا الترحيل يبدو في ظاهره في مصلحة المهاجرين، خصوصا المتواجدين منهم في مراكز الاحتجاز، إلا أن الأمر أصبح محلّ جدلٍ وشكوك، بخاصّة بعد التضييقات التي تعمّقت ضد مفوضيّة اللاجئين وشركائها والتي تقوم بمحاولة تسجيل طالبي اللجوء بغية إعادة توطينهم في بلد ثالث أمن. وهو ما لا يروق للاتحاد الأوروبي وأيضا للسلطات الليبية التي أصبحت لديها فوبيا مرضية من كلمة اللاجئين أو طالبي لجوء.  

 لماذا لم يعد مقبولا تسميتها “عودة طوعية”؟

يعاني المهاجرون في ليبيا من فوضى السياسات المزاجية للسلطة. أذ تغضّ الأجهزة الأمنية والسلطات المحلية الطرف عنهم في أحيان وتسمح لهم بالعمل والتحرّك لكسب قوت يومهم بشتى الطرق من دون أية ضوابط أو التزامات قانونية، لا بل أن الأجهزة الأمنية نفسها هي من تستعين بهم فتنتدبهم من ساحات العمل ومن مساكنهم العشوائية لتشغيلهم في الكثير من الأعمال مثل البناء وصيانة المقرات الأمنية بل حتى منازل ومشاريع خاصة لقادة تلك التشكيلات المسلحة. 

وعندما يتغير المزاج العام، تسعى الأجهزة الأمنية إلى التماهي مع السياسات والخطابات العنصرية التي يطلقها بعض الساسة والوزراء حول ملف الهجرة، فتطلق حملات اعتقال ضد المهاجرين بعضها يتمّ من داخل غرف نوم النساء والأطفال، ليتم نقلهم الى مراكز الاحتجاز المنتشرة في جميع أنحاء ليبيا والتي لا يمكن حصرها وعدّها إلا بجهد جهيد. ولا تقتصر حملات التفتيش والقبض على المهاجرين على جهاز الهجرة، وهو الجهاز المنشأ  بقرار رقم (386) لسنة 2014 بهدف مكافحة الهجرة غير الشرعية [4]، بل تشارك فيها اغلب التشكيلات المسلّحة التي جعلت من أهمّ مهامّها تنظيم حملات ضدّ العمال والمهاجرين والقبض عليهم ونقلهم إلى مقراتها حيث يواجهون ثلاثة مصائر. فإما يتمّ إطلاق سراحهم مقابل دفع المال. والأمر هنا يتوقّف على جنسية المهاجر، والمعروف أن السوريين هم الأكثر قدرة على الدفع مقارنة بـالأفارقة جنوب الصحراء.  أما المصير الثاني، خصوصا في حال كانت تلك الأجهزة الأمنية في حاجة الى ترميم مقراتها أو بناء أخرى جديدة أو زيادة عدد الزنازين وغرف التعذيب والأنفاق السرية التي تديرها، فهو التسخير للعمل لزمن غير محدد ومن بعد ذلك، يتمّ الإفراج عنهم أو تسليمهم إلى جهاز الهجرة. وإما يتمّ تسليمهم مباشرةً لموظّفي المنظمة الدولية للهجرة لتسجيلهم من أجل إعادتهم إلى بلدانهم الأصليّة، حيث يتم التحقق من عدم قدرتهم على الدفع، وهو في الغالب حال المهاجرين الوافدين من مصر والنيجر ونيجيريا وجنسيات أخرى من جنوب الصحراء الأفريقية، والذين بالمحصلة لا خيار أمامهم إلا الموافقة على العودة لديارهم.  

في أغلب الحالات يوقّع الكثير من المحتجزين من ضحايا الإتجار بالبشر على وثائق العودة الطوعية إلى بلدانهم بعد أن يتم تحريرهم من مخازن الإتجار في عدة مناطق ليبية مثل منطقة “بني وليد” أو “ورفلة”،  كما يطلق عليها، الواقعة في الشمال الغربي من ليبيا على بعد  180 كلم من طرابلس، و تازربو وهي واحة وبلدة تقع في الجنوب الشرقي لليبيا، وكذلك في مدينة الكفرة والتي تعتبر معقل الإتجار بالبشر في الجنوب الشرقي لليبيا، وفي منطقة الشويرف والتي شهدت عديد الحملات الأمنية التي تمخض عنها تحرير أكثر من 2000 مهاجر بينهم نساء وأطفال في عدة مخازن  [5].

تتمتّع كل هذه المناطق بدعم مالي ومعنوي من قبل جهات عسكرية نافذة، حيث يجد التّجار الضالعون في المتاجرة بالمهاجرين حاضنة اجتماعية لدى قبائلهم في حال تعرضوا لمحاولات تضييق من قبل الحكومات أو في حال تم القبض على  أحدهم أو مداهمة مخازنه ومقرات عمله. أما الضحايا فيتم في الكثير من الأحيان، بعد تحريرهم من مخازن الإتجار بالبشر، تسريع عودتهم إلى بلدانهم من دون أية إجراءات فعلية للتحقيق في ظروف خطفهم واحتجازهم أو تقديم الدعم الصحي والنفسي لهم. ولعلّ آخر مثال على ذلك ما حدث مع الصوماليين والإريتريين ممن تم تحريرهم من مخازن الإتجار بالبشر في مدينتي الكفرة والشوريف في أغسطس 2024 ثم في فبراير 2025، حيث تم العثور على مقابر جماعية وجد فيها أكثر من 50 جثة [6] وتم تحرير عدد من النساء والأطفال جلهم عرضت عليهم العودة الطوعية “وقبلوها” بحسب السردية الرسمية. وهو ما يطرح تساؤلات عديدة حول ظروف هذا القبول.

لماذا وافق الصوماليون و الإريتريون على العودة لديارهم؟ 

لم تكن رحلات عودة الصوماليين والإريتريين من طرابلس إلى بلدانهم متوقعة بالنظر إلى انتمائهم لجنسيّات كانت مشمولةً بالحماية الدولية من قبل مفوضية اللاجئين. فبعد كل ما عانوه أثناء رحلاتهم الشاقّة والمميتة للوصول إلى صحراء ليبيا، وما تعرّضوا له بعد ذلك من خطف وإتجار لسنوات، يعرض عليهم على إثر تحريرهم من قبل الجهات الأمنية وهم الضحايا “العودة الى ديارهم” بعد أن قبعوا لشهور في مراكز احتجاز في الجنوب الليبي، على غرار مركز احتجاز “براك الشاطي” أو تلك الواقعة في مدينة سبها جنوب ليبيا، التي لا تزورها مفوضية اللاجئين وينعدم فيها أي خيار عدا البقاء رهن الاعتقال أو العودة للصومال أو إريتريا. نظمت أول رحلة للصوماليين في عام 2018 حيث وافق 150 منهم على العودة بعد أن أصابهم اليأس بسبب البقاء في مراكز الاحتجاز وقبلها مخازن الإتجار بالبشر. توقفت الرحلات لفترة ثم نشطت من جديد، حيث تمّ تسجيل عودة حوالي 1000 صومالي إلى بلادهم بين سنتي 2018 و2025 حسب مصادر من السفارة الصومالية في طرابلس. وعلى الرغم من أن عدد الإريتريين المتواجدين في ليبيا كان أقل من الصوماليين إلا أن رحلات  العودة زادت في عام 2025 مما يؤكد تنامي الضغط عليهم خصوصا بعد نفاذ الخيارات أمامهم لعجزهم عن دفع المال مقابل إطلاق سراحهم أو مقابل محاولة جديدة لعبور المتوسط.  

أجهزة ليبية تعمل كحارس ولصّ

تتصرّف غالبية الأجهزة الأمنيّة في ليبيا بطريقة استغلالية ضد الليبيين والأجانب على حد سواء، بهدف وحيد هو زيادة دخلها من خلال النهب والخطف والإتجار وطلب الفدية. وبعد سنة 2011، وفي أعقاب اتّفاق ليبيّ أوروبيّ حول الهجرة، أصبح صدّ المُهاجرين وإرجاعهم من البحر موردًا إضافيّا وأساسيّا استغله أمراء الحرب والمليشيات. إذ تقوم وكالة فرونتاكس وهي وكالة الحدود وخفر السواحل التابعة للاتحاد الأوروبي بالتعاون الحثيث مع حرس السواحل الليبي ووزارة الداخلية، وتخبرهم عن مسارات قوارب المهاجرين والتي يكون بعضها خارج المياه الليبية، وهكذا يتم التنسيق بغرض إيقافها وإرجاعها للتراب الليبي من جديد. 

لم يعد هذا الأمر سرّاً أو مجرّد مزاعم واتّهامات صادرة عن المجتمع المدني خصوصًا على إثر تصريح المدير التنفيذي لوكالة فرونتاكس هانز ليجتنز [7] الذي أعرب فيه عن تمنّيه ألّا يتمّ إعادة المهاجرين الذين يصلون إلى أوروبا إلى ليبيا، حيث يواجهون في كثير من الأحيان انتهاكات لحقوقهم. وقد أردف أنّ وكالته “ليس لديها خيار” وهي مضطرة للتعامل مع خفر السواحل الليبي رغم علمها بالانتهاكات التي تنتظر المهاجرين في ليبيا، وذلك حرصًا منها على حياتهم أمام خطر الغرق… وطبعا غضّ ليجتنز الطرف عن بديل آخر متاح، ألا وهو السماح لسفن إنقاذ المنظمات الإنسانية بالتدخل لإنقاذهم والتي تمنع إيطاليا والاتحاد الأوربي عملها في المياه المقابلة لليبيا.

ومع ذلك، يجدر التذكير أنّ من يتدخّل من الجانب الليبي في سواحل طرابلس لإعادة المهاجرين غالبا ما لا يكون خفر السواحل بل جهات مسلحة مختلفة بعضها لا يتمتع بأية صفة قانونية. وخلافا لما تدعيه السلطات الليبية لجهة أن هذه المهمة موكلة حصريا لأجهزة حرس وأمن الحدود في البحر وجهاز مكافحة الهجرة في البرّ المعنيّ بتسليمهم لمراكز الاحتجاز، فإن الواقع مغاير تماما، حيث توجد أجهزة رسمية وغير رسمية عدّة تمتلك القوارب البحرية وتقوم بإرجاع المهاجرين وطالبي اللجوء من عرض  البحر، على غرار جهاز دعم الاستقرار التابع لوزارة الداخلية والذي استحدث إدارة جديدة في صلبه تحت مسمى “إدارة مكافحة التوطين والهجرة غير القانونية- جهاز دعم الاستقرار” وهي مجهّزة بزوارق تقوم بإرجاع المهاجرين في الغرب الليبي من دون أن يعرف بالتحديد مصيرهم بعد ذلك. كما تؤكّد إدارة جهاز الهجرة في طرابلس أنها لا تستلم أية معلومات من جهاز دعم الاستقرار ولا يوجد أي تعاون معه بحكم أنه غير معني بملف الهجرة. 

أما المثال الثاني فهي الميليشيا المسلحة التي تطلق على نفسها تسمية اللواء طارق بن زياد التابعة للجيش الليبي في الشرق، التي تملك بدورها قوارب وزوارق يتم استخدامها في عمليات ملاحقة وإرجاع المهاجرين لليبيا كثيرا ما يتخللها  النهب. إذ أكدت عشرات شهادات المهاجرين أن حرس السواحل والمسلحون  يقومون  بسلبهم أموالهم وهواتفهم  قبل إرجاعهم لليابسة، ثم يستمر ابتزازهم خلال احتجازهم وطلب الأموال منهم مقابل الإفراج عنهم. يحدث كل ذلك في ظل استمرار التنسيق والضغط الأوروبي على  ليبيا شرقاً وغربا من أجل مواصلتها لعب دور حارس حدود الاتحاد الأوروبي وكسب دعمها لتنظيم رحلات عودة المهاجرين إلى بلدانهم الأصلية.  

التوظيف السياسي لملف الهجرة

هيمن ملف الهجرة غير النظامية وسردية التوطين منذ شهر مارس الماضي على النقاش العام في ليبيا. وفي موازاة ذلك، ازداد منسوب خطاب الكراهيّة والمشاعر المعادية للمهاجرين على وسائل التواصل الاجتماعي، حيث حرّضت العديد من الصفحات على العنف ضدّ المهاجرين مطالبة قوات الأمن بالتدخل لاعتقالهم. وقد أدى هذا الوضع إلى تصاعدٍ حادّ في العنف الجسديّ والترهيب الممارس من قبل مدنيّين ضدّ المهاجرين في مدن الشمال الغربي ومهد الطريق لعمليات اعتقال واسعة النطاق فيها. ناهيك عن الاستغلال السياسي للأزمة من قبل حكومتي الشرق والغرب والتراشق بينهما. حكومة طرابلس تتهم السلطات في الشرق بكونها تقف وراء زيادة تدفق المهاجرين بوصفها المسؤولة على ضبط الحدود الجنوبية الشرقية لليبيا والتي تشكل المعبر الأساسي لدخول المهاجرين من تشاد والنيجر ومالي وحتى السودان. في حين ترد حكومة الشرق على هذه الاتهامات معتبرةً إيّاها مجرّد محاولة لذرّ الرماد على العيون على خلفيّة أنّ حكومة طرابلس ومن معها من مجموعات مسلّحة هم السبب الرئيسي في الأزمة بوصفهم المسؤولون عن إرجاع المهاجرين من البحر والمتاجرة بهم.    

استغلّ وزير داخلية طرابلس الوضع وحاول بدوره استثماره بأكبر قدر، خصوصا فيما تعلّق بالدعوات التي كانت تطلق عبر وسائل التواصل الاجتماعي وتطالب الجهات الأمنية بإخلاء مصراتة وطرابلس من المهاجرين. أسباب كثيرة جعلت خطاب الكراهيّة والتحريض يتصاعد خصوصاُ منذ شهر رمضان المنقضي في ليبيا لعلّ أهمها أن وزير الداخلية منذ عامّين انشغل بالتركيز على ملفّ الهجرة لكونه مرتبطًا بدعم الاتحاد الأوروبي وحاول سحب البساط من رئيس جهاز الهجرة محمد الخوجة على خلفية ما اعتبره سياسة إقصاء واستبعاد له. فعلى سبيل المثال لم يتمكّن الخوجة من المشاركة في  ملتقى الهجرة الذي عقد في يوليو  2024، الحدث المهم الذي شارك فيه ضيوف أفارقة وممثلون عن الاتّحاد الأوروبي، رغم أنه رئيس جهاز أمني معنيّ بملفّ الهجرة. إذ تصدّر وزير الداخلية المشهد وحاول إبراز عمل وزارته وفعالية جهاز حرس الحدود الذي يقوده أحد أبناء عمومه، العميد محمد المرحاني الذين ينحدر من مدينة الزنتان. كما كرر وزير الداخلية المكلف عماد الطرابلسي طلبه للاتحاد الأوروبي بتقديم الدعم الفني والمالي واللوجستي لحرس الحدود. لم يقدم الأوروبيين الدعم المطلوب من قبل وزير الداخلية، فقرر هذا الأخير القيام بمزيد من الضغط والسير على خطى القذافي عندما كان هذا الأخير يستخدم ملف الهجرة للضغط على إيطاليا وباقي دول الاتحاد الأوروبي. وقد لوّح وزير الداخلية مرات عدّة بتحريك الشارع وقال في أكثر من مناسبة أنّ شبابًا من العاصمة طرابلس حاولوا اقتحام مساكن إقامة العمّال المهاجرين وطردهم ولكنه  طلب منهم الصبر وأثناهم عن فعلهم.  

اقتحام منازل المهاجرين وعمليات الطرد العشوائي من بيوتهم في الآونة الاخيرة هو امتداد لسياسة واضحة يعمل عليها الطرابلسي، هدفها جلب الأضواء له والظهور بمظهر الرجل الأول في ليبيا القادر على العمل مع الاتحاد الأوروبي لدعم جهوده في صد تدفق المهاجرين عليه وبناء مراكز احتجاز للمهاجرين خارج العاصمة بعيدة عن البحر تحول دون محاولتهم عبوره. وقد ذهب الطرابلسي إلى حد تقديم قائمة بالاحتياجات التي على أوروبا وإيطاليا التكفّل بها من طعام، وشراب، وأغطية، وعلاج ورعاية لمراكز الاحتجاز المزمع تشييدها للمهاجرين في انتظار “عودتهم الى ديارهم” الذي يمكن أن تقوم به شركات الطيران المحلية الليبية الخاصة. عودة لا زال يصر هو وحلفائه من الاتحاد الأوروبي على اعتبارها “طوعية” رغم كل الشواهد التي تؤكد خطورتها وبؤسها على المصير المجهول وغير الآمن للمئات منهم. 

انشر المقال

متوفر من خلال:

الحق في الحياة ، لجوء وهجرة واتجار بالبشر ، مقالات ، ليبيا



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني