تعيد الأحزاب الرئيسية الحاكمة الوعود ذاتها التي تطلقها عند كلّ استحقاق انتخابي مع إضافة بعض الأفكار حيث تقتضي الحاجة. لا تشرح لنا لماذا لم تقرّ أيا من هذه المشاريع الموعودة سابقا وبخاصة الوعود التي يتفق عليها الجميع. والتزاماّ منها بالنهج عينه، تقدّم في هذه الدورة برامج جمعت فيها سلسلة عموميات يصلح أن يستعان بها عند كلّ استحقاق.
نتناول في هذا المقال البرامج التي قدمتها أحزاب السلطة حاليا أو تقليديا (التيار الوطني الحر، حزب الله، حركة أمل، تيار المستقبل، القوات اللبنانية، الكتائب). وتجدر الإشارة إلى أن “الحزب التقدمي الاشتراكي” اكتفى بطرح ورقته السياسية كبرنامج وأن “تيار المردة” أعلمنا بأنهم وضعوا برنامجا، لكن لم يكن ممكنا إرساله لنا أو الاطلاع إليه.
نستعرض أولاً الأهمية التي أولتها الأحزاب للبرامج قبل استعراض المنهجية المعتمدة منها ومحتواها الحقوقي.
مدى اهتمام الأحزاب بالبرامج
ما سنناقشه هنا هو مدى اهتمام الأحزاب بإعلان برامجها. فكيف أعلنت عنها؟ هل نجدها بسهولة على مواقع الكترونية؟ هل تكرر الإعلان عنها في سياق التسويق لمرشحيها أم أنها مجرد وثيقة بإمكان من يرغب الاطلاع عليها؟
نسجل في هذا المضمار أن عدداً من الأحزاب أعلنت برامجها في احتفالات انتخابية.
فقد أطلقت “الكتائب” في 11 آذار 2018 برنامجها تحت عنوان “عنا الحل، مشروع 131” في حفل ضخم من نهر الكلب، معلنا أن المشروع جاء نتيجة مناقشات كثيرة خاضها الكتائبيون على مدى سنوات. كما أُعلن برنامج “التيار” في مهرجان إعلان مرشحي هذا الأخير في الفوروم دو بيروت في 24 آذار 2018. وتوّلى رئيس مجلس النواب نبيه بري في 19 شباط 2018 الإعلان عن برنامج “حركة أمل” و”لائحة التنمية والتحرير” بمؤتمر صحافي من عين التينة، المقر الرسمي لمجلس النواب متجاهلاً بذلك القوانين التي تمنع استعمال مقرّ عام للدعاية الانتخابية. برنامج “حزب الله” تلاه أمينه العام السيّد حسن نصرالله في إطلالة تلفزيونية في 22 آذار 2018. قرأ نصرالله البرنامج كاملاً وتوقف عند بعض النقاط خاصة تلك المتعلقة بمكافحة الفساد والحد من الهدر. وخصص “المستقبل” القسم الأول من حفل إعلان مرشحيه في البيال في 11 آذار 2018 لإطلاق برنامجه الذي توالى على قراءة أقسامه عدد من المرشحين.
ويمكن الاطلاع على برامج “القوات” و”الكتائب” و”التيار” على مواقعهم الالكترونية. وقد نشرت صحيفة “المستقبل” برنامج هذا الأخير وموقع “المنار” برنامج “حزب الله”. فيما على الباحث اللجوء إلى “غوغل” لإيجاد برنامج “أمل” والورقة السياسية لـ “الاشتراكي”. أما برنامج “المردة” فيصعب جدا الحصول عليها رغم طلبها من الحزب نفسه. وقد علمنا أنه تمّ توزيع نسخ ورقية منه في قضاء زغرتا فقط، ما يدلّ على تركيز “المردة” على مناطق نفوذه فقط وعدم اكتراثه بمشاركة اللبنانيين به.
ختاما، تجدر الإشارة إلى تصريح رئيس “القوات اللبنانية” سمير جعجع في مهرجان اعلان مرشحي “القوات” بشأن البرامج. ومفاده أن الحلّ “لا يكمن في البرامج الإنتخابية وإنما بالنفوس والأشخاص المعنيين، فحلها سهل بمجرد الاقتراع لشخص نظيف يصبح كل شيء نظيف من دون لا نصوص ولا من ينصون[1]“. يظهر كأن جعجع يريد إقناع الرأي العام بنظرية “القوات” التي تفاخر بأداء وزرائها وتعتبره كافياً “للنهوض في الدولة”. وتوحي “القوات” في برنامجها أن وجود الشخص المناسب كفيل في حلّ المشاكل بغض النظر عن الحلول المطروحة. ومن هذا المنطلق، اكتفت “القوات” بعرض فيديو قصير عن أبرز العناوين التي ستعمل لتحقيقها في مجلس النواب خلال حفل إعلان مرشحيها في بلاتيا-حارة صخر في 14 آذار 2018.
المنهجية: الرؤية الغائبة؟ والبنود العامة والضبابية…
بمراجعة برامج الأحزاب، نلحظ أنها تتمثل في تنظيم قوائم طويلة، هي عبارة عن أفكار مبعثرة وغير مترابطة (غالبها كليشيهات) عما هو الصالح العام، من دون أن يسبقها عموما أي تمهيد لرؤيتها للدولة أو مستقبلها أو لتشخيص المشاكل التي يراد حلها.
وحدها “القوات” وضعت مقدمة طويلة أوضحت فيها رؤيتها للدولة اللبنانية تحت عنوان “أي لبنان يريد حزب القوات اللبنانية؟”. ويبدو أن الرؤية مقتبسة عن خطابات رئيس الحزب سمير جعجع، وهي تسرد “المرتكزات والمبادئ الدستورية والقانونية والحقوقية والسياسية”.
إلى ذلك، تكتفي بعض الأحزاب بمقدمات وجيزة تعكس ميزتها أكثر مما تعكس رؤيتها. المثال الأبرز على ذلك، مقدمة حزب الله حول دوره في حماية لبنان والدفاع عنه ضد العدويْن “الاسرائيلي” و”التكفيري[2]“.
وفيما جهدت بعض الأحزاب في تبويب بنود برامجها تحت عناوين عامة (“التيار الوطني الحر”، “الكتائب”، “حزب الله”، “القوات اللبنانية” و”المستقبل”)، فإن “حركة أمل” لم تبذل حتى أي جهد لتقسيم برنامجها إلى محاور، إنما اكتفت بـ 14 نقطة.
وعدا عن أن غالبية بنود البرامج تنتقص إلى الوضوح، فإنها تعج بعبارات من قبيل “العمل على”، “وضع صيغة”، “وضع خطط” ما يثبت غياب أي خطة، واضحة على الأقل.
وبشكل عام، بالإمكان القول إن البرامج هي مجموعة من الوعود أكثر مما تشكل استراتيجية لحلّ المشاكل. وعليه، لا تجد الأحزاب المرشحة حرجا في تجاهل المواضيع التي ليس لها أي مردود شعبي وإن نتج عنها إشكالات عدة.
ولا تتضمن هذه البرامج ترتيبا واضحا لأولوياتها. إنما بالامكان أن نستشف هذه الأولويات من طريقة ترتيب بنودها الانتخابية. هنا نلحظ أن غالبيتها (باستثناء “حزب الله” و”التيار الوطني الحر”) تخصص الفقرة الأولى للسياسة الخارجية، على نحو يسمح لها بإعلان تمايزها فيما بينها، بما يستعيد اهتمامات المحاور المتناقضة.
وفيما تضع الأحزاب عموما في المرتبة الثانية من برامجها عناوين عن الإصلاح المالي ومكافحة الفساد، فإن “التيار الوطني الحر” يضع على سلم أولوياته الصحة والبيئة والطاقة وغيرها من المسائل. وهذا التباين إنما يعكس توجهات البعض إلى إيلاء الأولوية لإصلاح المؤسسات، فيما يُظهر التيار الوطني الحر، بما كسبه من سلطة ونفوذ في تسيير هذه المؤسسات، أملا في الانتقال إلى تعزيز نتاجها.
وبشكل عام، تبقى الفئات الهشة وبخاصة الأجانب منهم خارج اهتمامات الأحزاب.
مضمون البرامج
هنا، سنحاول إبراز بعض أهم العناوين التي تضمنتها البرامج على صعيد مؤسسات الدولة والحقوق الأساسية.
سلطات الدولة ومؤسساتها ومواردها:
باستثناء “المستقبل” و”أمل”، تناولت الأحزاب كافة القضاء وإن من زوايا وتحت عناوين مختلفة.
فـ”القوات” تناولته ضمن “الحريات العامة والأجهزة الأمنية، فيما وضعه “حزب الله” ضمن “الاصلاحات السياسية”. أما “التيار” فتناوله تحت عنوان “أمن مستتب وقضاء عادل وفاعل ومكافحة عمليّة للفساد”.
وإذ بقي مطلب الإصلاح عاما ومجردا كـ “ضمان استقلالية القضاء وشفافيته” (القوات) و”ضرورة تمكين القضاء ليكون سلطة مستقلة” (حزب الله) و”وقف نهائي للتدخلات السياسية في عمل السلطة القضائية” (التيار)، ذهب “الكتائب” خطوة إلى الأمام معلنا وجوب تعديل “طريقة اختيار مجلس القضاء الأعلى وإجراء التشكيلات القضائية” لتحقيق استقلالية القضاء. وهي عبارات تبقى عامة أيضا، وإن بدرجة أقل.
وبخصوص المحاكم العسكرية والاستثنائية، تؤكد “القوات” و”الكتائب” على وجوب إلغائها، فيما تخلو البرامج الأخرى (بما فيها برنامج “المستقبل”) من أي ذكر لها. برنامج “التيار” ذهب أبعد من ذلك في اتجاه الإعلان عن نيته العمل لانشاء محكمة استثنائية جديدة هي “محكمة عليا للجرائم المالية”.
ينحصر هذا المطلب ببرامج الأحزاب “المسيحية”. تشدد هذه الأخيرة على إقرار قانون اللامركزية الإدارية وتضعها كبند أساسي في برامجها. تقترح “القوات” في البند الثالث و”الكتائب” تأسيس وزارة مستقلة للبلديات. وتطوّر “الكتائب” هذا الاقتراح عبر مطالبتها بـ”إلغاء الرقابة المسبقة وتفعيل الرقابة اللاحقة على السلطات المحلية عبر تعيين محاكم إدارية وفروع لديوان المحاسبة في المحافظات”. كما تتطرق إلى الصندوق البلدي المستقل فترى أن على مجلس الوزراء إقرار “جدول زمني مفصل يحدد التاريخ السنوي لتوزيع مستحقات البلديات من هذا الصندوق وعائدات الخلوي”. يطالب “التيار” بتطبيق “جباية محليّة للضرائب والحفاظ على المال العام” ويساند فكرة “ترتيب الأراضي وتنميتها بشكل مستدام”.
تتطرق الأحزاب إلى مكافحة الفساد في بنود عديدة وضمن فقرات مختلفة، مما يشكلّ إقرارا منها على حجم الفساد المستشري في جميع القطاعات. لكنها مرة أخرى لا تطرح استراتيجية واضحة وقابلة للتطبيق للحد من هذه الآفة.
وتتعدد طرق مكافحة الفساد وفق البرامج:
فمنها ما هو اجتماعي سياسي. وهذا ما يطرحه “التيار” من خلال “تحجيم النظام الطائفي والإقطاعي وتفكيك النظام الإعلامي الذي يحميه” و”الحدّ من نفوذ رجال المال في ممارسة السلطة السياسية”.
ومنها ما هو مؤسساتي. وفي هذا الصدد، تتفق البرامج عموما على ضرورة إقرار قانون الحكومة الالكترونية. كما تشدد “القوات” و”الكتائب” و”التيار” على أهمية إنشاء “الهيئة المستقلة لمكافحة الفساد”. ويطالب كلّ من “حزب الله” و”المستقبل” و”الكتائب” بإقرار قانون الصفقات العمومية. أما “المستقبل” فيطرح “توحيد الصناديق الضامنة في القطاع العام” بهدف تقليص الإنفاق غير المجدي وترشيده. كما طالبت حركة “أمل” مع “الكتائب” و”حزب الله” بـ “تفعيل دور أجهزة الرقابة ومنحها المزيد من الاستقلالية”. إلا أنه من اللافت أن أيا من البرامج لم يربط مكافحة الفساد باستقلالية القضاء أو تعزيزه. كما كان من اللافت أن “حركة أمل” طالبت بالرقابة على تطبيق القوانين بغية “مقاومة الفساد وتجفيف مظاهره”.
ومنها ما هو وضع حدّ لعدد من الممارسات، مثل دعوة “المستقبل” لشراء مبانٍ لإدارات الدولة بدل إيجارها، بالإضافة إلى تقليص المساهمات للجمعيات الوهمية”. وهو يطالب بتفعيل الجباية ومحاربة الهدر والتهرب الجمركي والضريبي.
على الرغم من استمرار التعديات على الأملاك العامة لاسيما البحرية والنهرية منها، فقد تجاهلت معظم الأحزاب هذه المسألة. فلا تذكر “القوات” و”التيار” و”المستقبل” و”أمل” التعديات على الأملاك العامة ولا حتى من باب تطبيق القانون الصادر في تشرين الأول 2017. وفيما طالب “حزب الله” السلطات “بتطبيق القوانين التي تحمي الأملاك العامة”، طالبت “الكتائب” بوقف “إعطاء أي تراخيص بناء واستثمار جديدة” للأملاك العامة، من دون أي إشارة للرخص السابقة والتعديات المنتشرة على طول الساحل اللبناني.
“لبنان بلد نفطي”، شعار أطلقته وزارة الطاقة والمياه وبدعم من الحكومة بعد البت بمناقصات الشركات التي أوكلت إليها مهمة التنقيب عن النفط والغاز على طول الشاطئ اللبناني. وتراهن كافة الأحزاب على هذا القطاع للنهوض بالاقتصاد اللبناني، على حد قولها.
وعلى الرغم من ذلك، لا يذكر “المستقبل” و”القوات” و”التيار” قطاع النفط والغاز في برامجهم، مع أن “التيار” يعتمد في حملته شعار “لبنان القوي بنفطه”. تعد “أمل” بتخصيص “جهد كبير” لمتابعة هذا الموضوع وتتفق مع “الكتائب” على ضرورة “إنشاء الصندوق السيادي وشركة البترول الوطنية وقانون النفط البري”. لكن تشير “الكتائب” إلى أن يتمّ ذلك بعد ثبوت وجود البترول. فيما يطالب “حزب الله” بـ”تكوين البنية التشريعية والمؤسساتية للموارد البترولية” لضمان الشفافية في عمليات الاستكشاف والانتاج و”تحقيق الرقابة عليها”، من دون الإشارة إلى طبيعة هذه البنية. وتشدد “الكتائب” أيضاً على الشفافية في إدارة هذا الملف عبر الالتزام “بالأطر الدولية والمحلية لتحسين الشفافية والتعاون مع منظمات المجتمع المدني المتخصصة بالقطاع”.
الحقوق الأساسية الاقتصادية والاجتماعية
باستثناء حركة أمل التي لم تشر قط إلى الحق بالصحة، تناولت الأحزاب هذا الحق بطرق مختلفة، بقيت هي أيضا عامة ومجردة. ومن أهم ما يخرج عن هذه البرامج الأمور الآتية:
- غياب أي ذكر للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي على الرغم من المشاكل التي تعاني منها هذه المؤسسة التي تؤمّن التغطية الصحية لأكثر من نصف اللبنانيين.
- على صعيد ضمان الصحة للجميع، أيّدت “القوات” و”حزب الله” مطلب “التغطية الصحية الشاملة”، علما أن “القوات” ذكرت بأن لديها مشروع قانون في هذا الخصوص تعمل اللجان النيابية على مناقشته. في موازاة ذلك، أعلن “المستقبل” ضمن سياساته الاجتماعية لمساعدة ذوي الدخل المتوسط والفقراء نيته باعتماد البطاقة الصحية لمن لا تشملهم تغطية صحية أخرى، شأنه بذلك شأن “الكتائب”. كما ركزت جميع الأحزاب على ضرورة إقرار قانون ضمان الشيخوخة. وفي هذا الإطار، تعهدت “الكتائب” بإقرار قانون الضمان الصحي المجاني للذين تفوق أعمارهم 65 سنة.
- وحده حزب الله تناول تحت عنوان “سياساته التنموية” تحسين وضع المستشفيات الحكومية والعمل على خفض سعر الدواء “عبر الحد من الاحتكار”. بالمقابل، تميّزت “الكتائب” بالدعوة إلى تنظيم وتطوير علاقة المستشفيات الخاصة بالجهات الضامنة على كافة المستويات وبإنشاء هيئة ناظمة للقطاع الصحي وقطاع الدواء لضمان الجودة. أما “التيار” فتميّز بالحديث عن الصحة الوقائية وبربط موضوع المخدرات بالصحة.
تناولت كلّ الأحزاب الحقّ في التعليم ولو بدرجات متفاوتة ومن زوايا مختلفة، وهنا أيضا بأسلوب لا يتجاوز التعميم والشعارات.
فعلى الصعيد الجامعي، وحده “التيار” تحدث عن استقلالية الجامعة اللبنانية فيما تحدث “حزب الله” عن إعادة صلاحيات الجامعة، من دون أي تفصيل. وإذ خلت برامج “أمل” و”المستقبل” و”القوات” من أي ذكر للجامعة الوطنية، دعا “الكتائب” إلى تكريس تفريع الجامعة من خلال إنشاء مجمعات مناطقية للجامعة اللبنانية. كما تفرد بالدعوة إلى “وقف عمليات الترخيص لجامعات خاصة جديدة ضماناً لنوعية التعليم وتفعيل ومأسسة عمل المجلس الأعلى للتعليم العالي”.
كما لوحظ اهتمام لعدد من الأحزاب بالتعليم المهني والتقني (“الكتائب”، “المستقبل”، “التيار الوطني الحر”، “حزب الله”).
على الصعيد المدرسي، اتفق “حزب الله” و”المستقبل” و”الكتائب” على وجوب تحسين مستوى التعليم الرسمي، علما أن “الكتائب” دعت إلى “دمج وإعادة تجميع المدارس الرسمية في تجمعات نموذجية تؤمّن جودة التعليم”. وقد أشار “المستقبل” إلى وجوب تحديث المناهج.
واكتفت “القوات” ببند واحد في برنامجها عن التعليم نصّ على الدعوة إلى تأمين صيغة تساعد الأهل في دفع أقساط أولادهم في المدارس الخاصة.
أما حركة “أمل”، فقد اتصل البند الأوحد في برنامجها في هذا المجال ضمن إطار “إعمار لبنان الجديد”، على “تفعيل عمل المجلس الأعلى للتربية الذي يبيّن حاجات السوق لأجل التربية”.
تشير هذه الفقرة إلى الهوة الكبيرة بين الأحزاب الحاكمة والمواطنين. فقد خلت برامج “حزب الله” و”أمل” و”التيار” من أي ذكر لهذا البند. أما الأحزاب الأخرى (“القوات”، “الكتائب” و”المستقبل”) فقد ركزت على تسهيل تملك الشقق للشباب (“القوات”) ومتوسطي الحال (“المستقبل”)، تشجيعا لهم للبقاء في لبنان (“الكتائب”) من دون أي ذكر للإيجارات، بما فيها الإيجارات القديمة أو سوى ذلك من التدابير لتحقيق حق السكن، تبعا لتحريرها بموجب قانون الإيجارات الصادر في 2014.
تجمع الأحزاب التي تناولت هذه المسألة على أولوية تأمين فرص عمل للشباب للحد من الهجرة وعلى نحو يحميهم من اليد العاملة الأجنبية (“التيار” و”المستقبل” و”القوات”) وعلى تقديم حوافر تسمح للشركات بالاستمرار في العمل في ظلّ الأزمة الاقتصادية التي يعاني منها لبنان، ويحميها إزاء اليد العاملة الأجنبية. وإذ تخلو البرامج من تفاصيل حول هذه الحوافز والبرامج التي تنوي تقديمها لتأمين فرص العمل، يعتبر “المستقبل” أنه من الضروري “تحسين الخدمات العامة من خلال برنامج استثماري ضخم في البنى التحتية وتوفير برامج لتطوير المهارات التقنية والمهنية لليد العاملة وتحضيرها للانخراط في القطاعات المختلفة. كما يقترح “المستقبل” و”الكتائب” تقديم حوافز ضريبية للشركات الناشئة والصغيرة ومتوسطة الحجم.
وفيما يتفرد “الكتائب” بـالدعوة إلى “استحداث برنامج تأمين ضد البطالة لحماية الفرد وعائلته أثناء البطالة القسرية”، ركز “التيار” على “تدريب وإرشاد النقابات مما يعزز الثقافة العمالية ويدعم مشاركة قوة العمل مع قوة رأس المال”، فضلا عن طرحه تعديل قانون العمل وتطبيق كافة فروع قانون الضمان الاجتماعي”.
تتعهد “القوات” و”أمل” و”حزب الله” بوضع حلّ لأزمة النفايات. فيما يعلن “المستقبل” أنه مع “إنشاء المعامل الحرارية”، يركز “التيار” و”الكتائب” على الإدارة اللامركزية لها.
أما في ما يتعلق بـ”البيئة”، تجمع برامج الأحزاب عموما على ضرورة استكمال شبكات الصرف الصحي وتطوير شبكات المياه. تطرح “القوات” و”الكتائب” عن وجوب حماية لبنان من تلوّث الهواء والماء. وإذ يعلن “التيار” سعيه إلى خلق “بيئة نظيفة، فإنه يذكر بمبدأ أن “الملوّث يدفع”. بالمقابل، يتناول “حزب الله” و”أمل” وحدهما أزمة نهر الليطاني كأن هذا النهر يعنيهما فقط.
تتناول جميع الأحزاب هذه المسألة بطريقة متفاوتة أيضاً. ومرة أخرى لا تقدّم أي حلّ جدي لأزمة تكبّد الدولة اللبنانية خسارة ملياري دولار سنوياً، أي 4% من الناتج المحلي، حسب دراسة مصرف “بلوم”[3]. كما يلحظ أن أيا من الأحزاب لا يذكر تطبيق قانون السير الجديد.
أكثر البرامج توسعا في حل مشكلة السير، برنامج “التيار الوطني الحر”. وقد تناول هذا الأخير تأمين حافلات جديدة وإنشاء محطات خاصة بها، وإنجاز اوتوستراد ضبيه – العقيبة ووضع خطة “للتخفيف من المخانق وزحمة السير خصوصاً في بيروت الكبرى”. وفيما أن أحد شعارات “القوات” هو (“صار بدّا حل لعجقة السير”)، فإنها تناولت في برنامجها وجوب حلّ “أزمة السير على أوتوستراد جونيه” فقط! “أمل” و”المستقبل” تحدثا بشكل خاص عن تطوير شبكة الطرقات والأوتوسترادات. أما “الكتائب”، فقد دعت إلى فصل وزارة النقل عن الأشغال وإقرار وتطبيق سياسة شاملة لقطاع النقل البري.
وفيما يخلو برنامجا “القوات” و”أمل” من أي ذكر للنقل العام، تحدث “حزب الله” عن ضرورة وضع “استراتيجية شاملة للنقل العام لاسيما في العاصمة ومحيطها”. ودعا “الكتائب” إلى إنشاء خط للباصات بين الساحل والجبل.
وعلى صعيد تنويع وسائل النقل، تفردت “الكتائب” في الدعوة لاعتماد الترامواي في المدن الكبرى وإعادة تأهيل وتطوير سكك الحديد، خاصة في الخط الساحلي. أما “التيار” فتفرد بالدعوة لوضع عبّارات بحرية بين بيروت وطبرجا وبيروت والجية.
تتفق جميع الأحزاب في خطاباتها على ضرورة تأمين الكهرباء 24/24، وتذكر جميعها هذه المشكلة في برامجها باستثناء “القوات”، مع أنها تسأل المواطنين في أحد شعاراتها “بدك كهربا؟ عطيها للقوات”. وفيما دعا “المستقبل” إلى رفع تعرفة الكهرباء، وعد “التيار” بتخفيض الفاتورة الطاقاوية بعد تأمينها بشكل مستدام.
ويرى “المستقبل” أن الحلّ يكمن في بناء المزيد من المعامل، فيما تعد “أمل” بـ “تنفيذ وإنجاز الخطط الحديثة لإنتاج الكهرباء”. أما “حزب الله” فيرى أن معالجة الأزمة يتمّ عبر “معالجة مشاكل النقل والتوزيع والتنفيذ الفوري للبرامج والمشاريع المقرة سابقاً وتعيين مجلس إدارة كهرباء لبنان”.
واللافت أن “المستقبل” و”التيار” تفردا في الدعوة إلى اعتماد الطاقة البديلة والمتجددة.
الحقوق المدنية والسياسية
على الرغم من تباهي السلطة بلبنان “بلد الحريات”، لا يتطرق “المستقبل” و”أمل” و”حزب الله” إلى الحريات العامة. أما الأحزاب الأخرى فقد بقيت مقلة في هذا المجال. وقد تمثل العنوان الوحيد التفصيلي في برنامجي “الكتائب” و”التيار” في وجوب إلغاء الرقابة المسبقة على الأعمال الفنية و”تحرير الانتاج الثقافي من أشكال الرقابة كافة”. أما “القوات” فقد اكتفت بوعد اللبنانيين بالدفاع عن “الحريات العامة” من دون أي تفصيل.
باستثناء “المستقبل” الذي لا يتضمن برنامجه أي إشارة إلى المرأة، تشير برامج سائر الأحزاب إلى ضرورة تعزيز حقوق و”وضع” المرأة وإن بدرجات مختلفة.
“الكتائب” تبنت الخطاب الأقوى، بحيث التزمت بـ “إلغاء جميع أشكال التمييز ضد المرأة في قوانين الأحوال الشخصية والجنسية والعقوبات والعمل والضمان الاجتماعي وإقرار قانون الحماية من التحرش الجنسي”. أما “القوات” والتيار فقد التزما تباعا بـ”استكمال إقرار القوانين التي تزيل الاجحاف بحق المرأة اللبنانية” وإطلاق “ورشة تشريعية للمساواة وعدم التمييز”، من دون أن يدخل أي منهما في تفاصيل هذه القوانين. وفيما عدا الكتائب، لم يذكر أي من الأحزاب الأحوال الشخصية.
أما “حزب الله” فقد اكتفى بالوعد بـ “سن القوانين التي توّفر الحماية للمرأة”، من دون أي إشارة إلى المساواة أو إلغاء التمييز.
أما بخصوص الكوتا النسائية في التمثيل السياسي، فنجدها فقط في برنامجي “الكتائب” و”أمل”. وعد هذا الأخير بـ”تخصيص حصة للمرأة اللبنانية لتعزيز تمثيلها النيابي”.
مرة أخرى، يتبيّن حجم التباعد بين السلطة والمنظمات الحقوقية في ما يخص حقوق الفئات الهشة.
فوحده “حزب الكتائب” أفرد بنودا للمعوقين (تنفيذ قانون حقوق المعوقين) والمثليين (إلغاء المواد التي تجرّم المثلية الجنسية). أما “التيار” فاكتفى بمقاربة حقوق ذوي الاحتياجات الخاصة من خلال قطاع التعليم، معلنا إرادته بـ “إلحاقهم بالمدرسة والمعهد والجامعة” من دون أن يذكر أي خطة واضحة في هذا الخصوص.
ولا يوجد أي ذكر في البرامج للأطفال المودعين في دور الرعاية والذين يتجاوز عددهم الـ 23000 طفلا.
وفيما لم يذكر “المستقبل” و”أمل” و”حزب الله” و”التيار” المفقودين والمخفيين قسرا، اكتفت “القوات” و”الكتائب” بالمطالبة بالكشف عن مصير المعتقلين في السجون السورية فقط.
بخصوص الفئات الهشة من العمال الأجانب، وحده “حزب الله” يذكر عاملات المنازل من باب تأمين “العناية الخاصة” بهن. بالمقابل، لا يتطرق أي من الأحزاب إلى نظام الكفالة أو الإتجار بالبشر أو الوضع الهش للعمال الأجانب.
تذرعت الأحزاب اللبنانية بأزمة اللجوء السوري لتبرير فشلها في إدارة الاقتصاد وحماية المجتمع اللبناني. وفيما تتحمّل بدرجة أولى تداعيات هذه الأزمة، لم تقدّم أي طرح يمكن أن يساهم من التخفيف من وطأتها على اللبنانيين والسوريين معاً. وفيما لا مكان للاجئين في برامج “القوات” و”المستقبل” و”أمل”، تعلن الأحزاب الأخرى (“المستقبل” و”حزب الله” و”التيار”) تطلعاتها إلى إنهاء الملف بإعادة “النازحين” إلى المناطق الآمنة في سوريا. يتوّسع “التيار” في هذا البند باعتباره من أكثر المتشددين إزاء اللجوء السوريين إلى لبنان فيطالب بـ “ضبط وجود وإقامة العمال السوريين”. ومنعا لدمجهم وتمهيدا لعودتهم، يعلن “التيار” إرادته في “تعليم أولاد النازحين المنهج السوري”. يُشار أخيراً إلى أن “التيار” وضع بند “النزوح السوري” تحت خانة “تأمين حياة أفضل للمواطن”، بما يؤشر إلى قناعته بتحميل اللاجئين عبء فشل الدولة في تأمين أبسط حقوق المواطنين.
أما حزب “الكتائب” فقد ذهب في اتجاه المطالبة بتوزيع اللاجئين “على الدول العربية المحتاجة إلى يد عاملة”، وقد كرر المطلب نفسه بخصوص اللاجئين الفلسطينيين في لبنان الذين لم يذكروا إلا في هذا الإطار، وفي برنامج “حركة أمل” حيث تم تأكيد حقهم بالعودة.
يبدو واضحاً أن إدراج هذا القانون في البرامج مرتبط بشكل أساسي ببازار الوعود الانتخابية وبالسعي لكسب المزيد من الأصوات، ففيما يطالب “حزب الله” بإقرار قانون للعفو العام “مع مراعاة الضوابط التي تحدد من يستحق العفو”، يتعهد “المستقبل” بالعمل على إصدار عفو عام “يشمل الموقوفين الإسلاميين”.
- نشر هذا المقال في العدد | 54 | نيسان 2018، من مجلة المفكرة القانونية | لبنان |. لقراءة العدد اضغطوا على الرابط أدناه: عرسٌ على حطام الديمقراطية
نشر هذا المقال في العدد الخاص بالانتخابات، للاطلاع على العدد انقر/ي هنا https://bit.ly/2pInvRS
[1] جعجع خلال إعلان أسماء مرشحي القوات للانتخابات: إذا ما أردتم دولة نظيفة ونزيهة تحارب الفساد انتخبوا القوات في 6 أيار. الوكالة الوطنية للاعلام، 14 آذار 2018
[3] “نتيجة تهالك البنى التحتيّة بعد الحرب اللبنانيّة، وتدهور حالة شبكة الطرق، وغياب سياسات تنمية الطرق وصيانتها، ما ساهم في خلق مشكلة زحمة مروريّة مزمنة، والحدّ من الاستثمار والنمو الاقتصادي، كما أدّى إلى تراجع معدّلات السلامة على الطرق”.
https://al-akhbar.com/Community/236778