فيما كانت الأنظار شاخصة على الاستحقاق الرئاسي، متطلّعة إلى طي صفحة من تاريخ الجمهورية، المثقلة بمآسي العدوان الذي لم نرفعْ أنقاضه بعد، أبت حكومة ميقاتي الرحيل قبل أن تمعن في بيع البحر وتسمح بمزيد من القضم الممنهج لشاطئ العموم. هذه المرّة، الغنيمة المرجوة كانت شاطئ عكار وتحديدا منطقة ذوق بحنين، بحيث منحتْ حكومة ميقاتي في جلستها الأخيرة، المنعقدة بتاريخ 4 كانون الأول 2024، السادة مريم ووليد خالد دبوسي ترخيصا بإشغال واستثمار مساحة 53305 م2 من الأملاك العامة البحرية.
ولئن دأبت السلطات على منح امتياز إشغال الأملاك العامّة بمراسيم تُسمّى بمضمونها، فإنّ مرسوم ذوق بحنين صدر تحت عنوان: “تصديق تخطيط الطريق الساحلي الشمالي البحري”. بمعنى أنّ المرسوم يظهر للوهلة الأولى أنه مرسوم تخطيط طريق لنكتشف لاحقا أنه يحتوي على امتياز إشغال. وعند التدقيق أكثر، نكتشف أنّ الهدف من المرسوم هو امتياز الإشغال وأنّ المنفعة من تصديق التخطيط إنما تتمثّل في خدمة المشروع المنوي إقامته في المنطقة وأن الحكومة لم تجد حرجا في تسخير سلطان الدولة فضلا عن أملاكها العمومية لخدمة هذا المشروع. وليس أدلّ على ذلك من أنها ذهبت إلى استملاك عقارات خاصة لتنفيذ الطريق لهذه الغاية، بمعنى أنها لم تكتفِ بمنح هؤلاء حقّ الاستئثار بمساحاتٍ واسعة من الأملاك العمومية، إنما ذهبت في متن المرسوم نفسه إلى وضع اليد على أملاك خاصّة بهدف شقّ الطرق الضرورية لهذا الاستثمار.
وقبل المضيّ في تسجيل المعلومات المتوفّرة بشأن هذا المشروع والمخالفات القانونية الجسيمة التي انبنى عليها مرسوم التخطيط، تجدر الإشارة إلى أن هذا المرسوم وافقت عليه الحكومة مع مرسومين آخرين في جلستها المنعقدة في 4 كانون الأول 2024، وانتهت إلى منح امتياز إشغال مساحات عمومية واسعة على الشاطئ.
صورة جوية منشورة على موقع عكار أولًا
ماذا نعرف عن مشروع ذوق بحنين؟
بالعودة إلى نصّ المرسوم، يسجّل أنّه منح ترخيصًا لكلًا من مريم ووليد خالد دبوسي بإشغال واستثمار مساحة 53305 م2 من الأملاك العامة البحرية المتاخمة للعقار 829 من منطقة ذوق بحنين العقارية في محافظة عكار. وتحديدا، أجاز المرسوم لآل دبوسّي بردم مساحة 21849 م 2، واستخدام مسطّح مائي غير محصور تصل مساحته إلى 31000 م2، فضلا عن إنشاء ممر سفلي مساحته 456 م2، وإنشاءات بمساحة 719 م2، وكل ذلك من أجل تأمين ممرّ للعقار 829 وإنشاء قساطل لزوم خطّ بحريّ ومنطقة رسو للبواخر مع خدمات التحصيل والصيانة العائدة لها. ويلحظ أنّ الخرائط التي حُدّدت المُنشآت لم تُنشر في الجريدة الرسميّة، على نحو يحول دون معرفة ماهية هذه المنشآت وامتدادها. كما يُلحظ أنّ المرسوم لم يُحدّد الغاية من المشروع الذي رُخّص له بإنجازه. كما لم تنشر معه أي أسباب موجبة يفهم منها سبب منح الإشغال أو الغاية منه.
ويفهم من بقيّة بنود المرسوم أنّه استحدث تخطيطًا لطريق بحريّ يوصل بين البحر والطريق العامّ ويعبر من خلال العقار المملوك من المرخص لهم (آل الدبوسي). ومؤدى ذلك هو استملاك أجزاء من العقارات المملوكة من أفراد لغاية إنشاء طريق سيتمكّن المستثمر من استخدامها لوصل مشروعه بالطريق العامّ. ولكن هنا أيضا لا نجد أية معلومات عن طول الطريق ولا عن عدد العقارات التي سيتم استملاك أجزاء منها.
وبالتدقيق في هوية المستفيدين من المرسوم 14379، يتّضح أن الترخيص بالإشغال والاستثمار قد منح لكل من وليد خالد دبوسي، المعروف بإدارته للمشاريع الضخمة، في مجالات النفط والغاز والمنصات البحرية العائمة وبناء السفن وخطوط الأنابيب والبنية التحتية البحرية والطاقة المتجددة. كما منح لمريم دبوسي، التي شغلت مناصب عدة في google و Youtube، كما اختيرت في عام 2022، كأحد أعضاء برنامج youth fellowship، التابع لصندوق النقد الدولي. كما يتبدّى أنهما ابنا خالد دبوسي، أحد أبرز كبار المتعهدين والمقاولين في الشمال وصاحب محطات بنزين في طرابلس ومحيطها. وقد رصدت المفكّرة القانونية في تواصلها مع أهالي المنطقة اعتقادهم أن خالد دبوسي يتمتع بعلاقة قوية مع السلطة السياسية إلى درجة وصفه من قبل بعض هؤلاء على أنه “جهاد عرب الشمال” عليه. كما يسجل أن خالد دبوسي هو في الوقت نفسه شقيق توفيق دبوسي رئيس غرفة التجارة والصناعة والزراعة في طرابلس ولبنان الشمالي. وتربط المستفيدين من المرسوم علاقة قربى وصداقة قوية تعبر عنها محادثاتهم على التواصل الاجتماعي بهدى دبوسي (ابنة توفيق)، والتي اشتهر اسمها في مجال الغاز والتسليم التجاري وصفقات الحلول القائمة على الطبيعة وفق ما تناقلته الصحف إثر تبوّئها منصب رئيسة شركة “شل مارين”، إحدى أبرز شركات الطاقة العالمية.
وعليه، يبدو المشروع في ظاهره مشروعا لإنشاء ميناء لتفريغ حمولات الغاز والنفط مع إنشاء طريق عامة لوصل الميناء بالطريق العام، مرورا بعقار المستفيدين من المرسوم والعقارات التي سيتم استملاكها من أفراد عدة. إلا أنه في الوقت نفسه، يسجل أن استخدام الأملاك العمومية يبقى مفتوحا لاستخدام آخر في ظل عدم تحديد وجهة استخدامه كما ذكرنا أعلاه.
أوّل المنددين بهذا المرسوم كانوا صيّادو العبدة الذين ندّدوا بما وصفوّه بتوزيع الغنائم. وبعبارة ” صيادي العبدة خط أحمر: أوجز أحد الناشطين تنديده عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وأعرب عن هواجسهم من “الكارثة البيئية التي تكاد أن تحصل على بحر العبدة وكل شط عكار”، مستنكرا الكارثة التي ستهدد الثروة السمكية التي يعتاش منها آلاف من عائلات عكار. ويلفت الناشط العكاري، في صرخته الى أن :”نجيب ميقاتي بآخر جلسة.. قبل ما يفل مضي مرسوم … بردم 54 ألف متر من البحر لإقامة منصة لرسو البواخر وتفريغ الحمولات النفطية وتوزيعها على السوق اللبناني مع تمديد قساطل نفطية بهذه المنطقة” محذرا مما سينتج عنها من ترسبات نفطية “ستصل الى بور العبدة وتلوّث كل شاطئ عكار.” ومع إعلانه الوقوف بوجه هذه الصفقة: “ما رح نسمح بتلوّث البحر ولا بالمسّ بحياة الصيادين”. كما يردف الناشط في الفيديو المسجّل: “وين كتلة نواب عكار والمنية وينن؟”. ويأسف ابن عكار لحصّتها من مشاريع الدولة: “مركز العلوم والبحار بشخطة قلم انتقل على البترون رغم أهميته.. بس عكار ما بتجبولها إلا مشاريع الفساد ومشاريع التلوّث”. ويتساءل باستغراب: “اليوم الدولة بدها تفتح مداخل للسمسرات؟ بدل تطوير وتأهيل مصفاية طرابلس؟”.
وفي سياق موازٍ، أطلق الناشطون تحذيرات شديدة اللهجة، مستنكرين توقيت منح المرسوم، واصفين إياه بـ “محاولة تمرير صفقات مشبوهة تحت غطاء قانوني”، مما يهدد المال العام ويسلب الناس ملكها العام لحساب كبار المستثمرين.
كما حذّر الناشطون من عملية ردم البحر ومن: “الآثار البيئية السلبية الخطيرة التي قد تترتب على هذه الخطوة، والتي تشمل تدمير النظم البيئية البحرية.” كما شددت الاعتراضات على: “حق كل لبناني في الوصول إلى الشاطئ من دون أي عوائق، وأن منع المواطنين من الوصول إلى الشاطئ مخالف للقانون”.
كما سجّل بعض الأهالي مخاوفهم من أن يحرموا من ممتلكاتهم وما تبقى من شاطئ لبنان لصالح إنشاء منشأة نفطية أو ميناء لرسو البواخر وصيانتها. وهنا لفتت صفحة “عكار أولاً” أنه: “يبدو أننا أمام أمر قد دبّر بليل” وتشير إلى أنهم حتى الساعة لا يعلمون أرقام العقارات التي تدخل ضمن تصنيف المنطقة الصناعية، والأكثر خطورة وغرابة أن الصفحة تؤكّد أن أصحاب العقارات الخاصة لا يعلمون بذلك.
كما برزت موجة اعتراضات من شخصيات عامة وإعلاميين وجمعيات بيئية، أعربوا عن استنكارهم التفريط بالأملاك العامة البحرية، مندّدين بموافقة وزير البيئة ناصر ياسين” الوصي على حماية بيئة لبنان (وهو موقع على المرسوم)، وعلى تمرير 3 مشاريع ردم للبحر، تبلغ مساحتها حوالي 100 ألف متر مربع من الأملاك البحرية، في مناطق ذوق بحنين، وصور ورأسمسقا حيث منتجع بالما الذي سبق للمفكّرة أن أعدّت تحقيقا وثّقت به مخالفات المرسوم الجسيمة، والذي تم الطعن به لدى مجلس شورى الدولة.
المصدر: جمعية الأرض لبنان
المخالفات القانونية الواردة في هذا المرسوم
بمعزل عن النوايا التي دفعت لإصدار المرسوم، يبقى أنه انطوى على مخالفات جوهرية من شأنها أن تؤدي إلى إبطاله، وهي الآتية:
منح امتيازٍ بلا قانون
كما سبق بيانه، يستشفّ من المرسوم أنه منح المستفيدين منه (آل الدبوسي) حقّا في “إنشاء قساطل لزوم خطّ بحريّ ومنطقة رسوّ للبواخِر مع خدمات التحصيل والصيانة العائدة لها”، في موازاة استملاك أجزاء من عقارات خاصة لوصل هذه المنطقة بالطريق العام. وعليه، يتبدّى أنّ التّرخيص يتعدّى كونه ترخيصًا بإشغال أملاكٍ عموميّة بحريّة ليصل إلى كونه امتيازا بإنشاء ميناء واستثماره.
من هذه الزاوية، يتبدّى هذا المرسوم مخالفا للمادة 89 للدستور التي تنص صراحة على أنه “لا يجوز منح اي التزام او امتياز لاستغلال مورد من موارد ثروة البلاد الطبيعية أو مصلحة من ذات المنفعة العامة, أو أي احتكار إلا بموجب قانون وإلى زمن محدود.”
عدم صحّة المرتكزات القانونية
أمر ثانٍ يجدر التوقّف عنده وهي مرتكزات المرسوم (بناءاته). فقد وردتْ ضمنها إحالة إلى القانون رقم 64/2017 الرامي إلى معالجة الإشغال غير القانونيّ للأملاك العامّة البحريّة. ويستفاد من هذه الإحالة أن حقّ الإشغال يكتسب هنا ليس وفق شروط المرسوم رقم 4810/66 (نظام إشغال الأملاك العامة البحرية) بل وفق شروط القانون 64 الخاص بمعالجة التعديات على هذه الأملاك الحاصلة قبل 1994. ولعلّ الانعكاس الأهمّ لهذا الارتكاز هو إعفاء المستفيدين من المرسوم من تقديم إثباتات على أهمية المشروع المزمع القيام به، طالما أن قانون 64 يهدف إلى معالجة المخالفات الحاصلة خلال فترات الفوضى فلا تبقى خارج القانون، أكثر مما يهدف إلى التثبت من أهمية المشروع واستثنائية بما يبرر الخروج عن مبدئية الاستخدام العمومي للشاطئ، كل ذلك تحت رقابة المجلس الأعلى للتنظيم المدنيّ. وليس أدلّ على ذلك من أنه لا يمكن منح حق إشغال أملاك بحرية إلا بموجب إفادات تصدر عن الدوائر المختصة (المجلس الأعلى للتنظيم المدني) بشأن أهمية المشروع فيما أنه لم ترد ضمن بناءات المرسوم أيّة إشارة إلى استطلاع هذا المجلس رأيه.
والواقع أنّنا لا نجد أيّ أثرٍ لمخالفاتٍ أو تعدّياتٍ سابقة في هذه المنطقة في المستندات المتوفّرة. فلا نجد أثرًا لأيّ مُخالفات في سجلّات مسح الجيش لعام 1994-1996 ولا في سجلّات مسح الجيش اللبناني في 2023. هذا فضلًا عن أنّ المرسوم لا يرمي إلى معالجة مشروع تمّ بناؤه خلافا للقانون، بل إلى السماح بإنشاء مشروع.
صدور المرسوم بغياب موافقة المجلس الأعلى للتنظيم المدني أو استطلاع رأيه على الصفة العامة للمشروع كما على تخطيط الطريق البحري
لم تلحظ بناءات المرسوم أية إشارة لموافقة المجلس الأعلى للتنظيم المدنيّ أو حتّى استطلاع رأيه بشأن أهمية المشروع والإنشاءات المرخّص بها على نحو يبرر الخروج عن مبدأ الاستخدام العمومي للشاطئ. ويشكّل تجاوز هذا المجلس مخالفة جوهرية لأحكام المرسوم رقم 4810/66 (نظام إشغال الأملاك العامة البحرية)، وتحديدًا المادة الأولى منه التي نصّت صراحة على وجوب الاستحصال مسبقًا على إفادة من هذا المجلس تثبت أنّ المشروع المنويّ القيام به ذو صفة عامة وله مبررات سياحية أو صناعية.
ومن البدهي أن الاستحصال على هذه الإفادة هو شرط جوهري لصحّة المرسوم طالما أن الترخيص بإشغال أملاك بحرية هو أمر استثنائي يبقى وقفا على التقدير الإيجابي للمجلس الأعلى لأهمية المشروع وتاليا استثنائيّته.
وما يزيد من جسامة تجاوز المجلس الأعلى للتنظيم المدني هو احتواء المرسوم على تخطيط طريق بحري,
تجاوز المدّة الأقصى للترخيص
من البيّن أن المرسوم حدّد مدّة الترخيص بثلاث سنوات قابلة للتجديد ضمنا، وهي مدة تتجاوز الحد الأقصى للإشغال القانوني وهي سنة واحدة عملًا بالمادة 17 من القرار 144/س تاريخ 10 حزيران 1925. وبالواقع، تصطدم هذه المخالفة بمبدأ هشاشة إشغال الملك العام العمومي ضمانا للاستخدام الأفضل للأملاك العامة.
وما يزيد من جسامة هذه المخالفة هو نصّ المادة التاسعة من المرسوم، إذ نصت على أنه: “على صاحبة الترخيص أن تباشر في تنفيذ الأشغال في الأملاك العامة البحرية خلال 3 سنوات من صدور هذا المرسوم”. وهذا الأمر مستغرب جدا إذ يستشفّ منه أن الحكومة تنظر إلى المشروع على أنه مشروع طويل الأمد يتجاوز بكثير الثلاث سنوات المحددة فيه طالما أنه يسمح للمستثمر بدء الأشغال ولو بعد 3 سنوات.
ويتفاقم أثر هذه المخالفة مع نص المادة السابعة من هذا المرسوم، من خلال الحدّ من صلاحيات الإدارة بإلغاء مرسوم المعالجة، حيث اشترط وجوب إثبات توفّر مصلحة عامة لإلغاء الترخيص، مما يخالف أحكام المادة 18 من القرار 144/1925، التي تكفل حقّ الإدارة في إلغاء الترخيص متى رأت ذلك مناسبا، بحثا عن الاستخدام الأفضل للأملاك العامة، ومن دون أن يترتّب على ذلك أي تعويض.
السماح بالردم وبإنشاءًات حرّمها نظام إشغال الأملاك العمومية
أجاز المرسوم للمستفيدين منه ردم مساحة 21849 م2 فضلا عن إنشاء ممرّ سفليّ مساحته 456 م2 وإنشاءات بمساحة 719 م2 من دون تحديد طبيعة هذه الإنشاءات والغاية منها، وذلك خلافا للمادة الأولى من المرسوم 4810/66، التي نصّت على أنه: “لا يسمح بإنشاءات دائمة على الأملاك العامة البحرية سوى ما يعود منها للتجهيزات الرياضية والتنظيمية والملحقات التي يتوجّب إيجادها قريبة من الشاطئ على أن لا يتعدّى معدل الاستثمار السطحي لهذه التجهيزات 5% وأن لا يعلو البناء فوق مستوى الأملاك العامة البحرية أكثر من 6 أمتار مع عامل استثمار أقصى 0.75.”
خرق مبدأ الشفافية وقانون حق الوصول الى المعلومة
عند التدقيق في المرسوم المنشور، يتّضح أنّه أغفل تماما تحديد الأسباب الموجبة بما يتعارض مع نص المادة 11 من قانون حق الوصول للمعلومات، والتي فرضت على الإدارة، حرفيا: “أن تعلل القرارات الادارية غير التنظيمية، تحت طائلة الإبطال.. وأن يتضمّن الحيثيات القانونية والواقعية التي تشكّل مرتكز القرار..”.
وتتجلّى أهمية تعليل هذا المرسوم في ضرورة إثبات استثنائية المشروع وصفته العامة، فضلا عن ارتباطه بمنفعة عامة تبرر استملاك أجزاء من عقارات خاصة.
إغفال تحديد الرسوم السنوية
فضلا عما تقدم، يسجل أن المرسوم يخلّ بأحكام المادة 17 من الفصل الثالث، في إشغال الأملاك العمومية المؤقت، من القرار 144، والتي تفرض أن: “يعيّن في القرارات التي تمنح بموجبها الإجازات الرسوم الواجب أداؤها بسبب الإشغال المؤقت”.
فقد اكتفى المرسوم في المادة الثانية عشر منه، بتفويض هذا الأمر إلى لجنة داخل وزارة الأشغال العامّة. إذ جاء في المادة 12 من المرسوم حرفيا : “على المرخص لهم أن يدفعوا الى صناديق وزارة المالية، … بدلا سنويا بناء لتكليف يصدر عن المديرية العامة للنقل البري والبحري بناء للمرسوم 11258 تاريخ 18/4/2023 وتعديلاته”. وهذه المادة إنما تنسف مبدأ الشفافية، وتحرم الرأي العام كما السّلطات المعنية من إمكانية الرقابة على آليّة تحديده وقيمته.
منح وزارة الأشغال صلاحيات واسعة خلافا للقرار 144/1925
خلافا للمادة 16 من القرار 144، الناظم لإشغال الأملاك البحري، منح هذا المرسوم وزارة الأشغال العامة صلاحيّات واسعة، إذ أجاز لها تعديل الإنشاءات المرخّص بها أو زيادتها، عوض أن يستلزم الأمر صدور هذا النوع من الإجازات بمرسوم جمهوري موقّع من رئيس الجمهورية والحكومة. كما يتناقض تماما مع مبدأ موازاة الصيغ، إذ ما يُمنح بمرسوم لا يمكن تعديله إلا بمرسوم.
وما يعمّق هذا التجاوز هو نص المادة 13 من المرسوم، إذ جاء بحرفية نصّها: ” في حال الترخيص بإقامة إنشاءات على المساحات المرخص بها… تحدد الرسوم..”، ما يمسّ مباشرة بمبدأ الشفافية، ويمنح الوزارة صلاحيات واسعة مثل الترخيص بإقامة الإنشاءات، التي يفترض يلحظها صراحة وبشكل حاسم مرسوم الترخيص. كما يفترض أن تدرج تفاصيل هذه الإنشاءات في خرائط ترفق وتنشر مع المرسوم لتعزيز الرقابة واحترام الشفافية.
هذه هي أهم المخالفات التي شابت المرسوم والتي يؤمل أن يتسنى لمجلس شورى الدولة النظر فيها، تمهيدًا لإبطاله.
This website uses cookies so that we can provide you with the best user experience possible. Cookie information is stored in your browser and performs functions such as recognising you when you return to our website and helping our team to understand which sections of the website you find most interesting and useful.
Strictly Necessary Cookies
Strictly Necessary Cookie should be enabled at all times so that we can save your preferences for cookie settings.
If you disable this cookie, we will not be able to save your preferences. This means that every time you visit this website you will need to enable or disable cookies again.