انقطاعات المياه في تونس: خطَاب المؤامرة لا يروي العطش


2024-07-30    |   

انقطاعات المياه في تونس: خطَاب المؤامرة لا يروي العطش

“الماء موجود”، “نسبة امتلاء السدود ليسَت كارثية كما تُصوّر ذلك الأبواق المسعورة والمأجورة في الداخل والخارج”، “هذا ليس أول جفاف تعيشه البلاد ولم يسبق أن تم قطع المياه  بهذا الشكل”، “اهترَاء الشبكات ليس هو السبب في انقطاع المياه”، “الوضع اليوم ليس له من تفسير إلا التخريب ومحاولة تأجيج الأوضاع وتحميل المسؤولية لرئيس الجمهورية”، “هناك مركز عمليات إجرامي يُنسّق عمليات قطع الماء من منطقة إلى أخرى”، “تخريب متعمَّد”، “غُرفة عمليات لتعطيش المواطن والتنكيل به”، “شبكات تعمل في الخفاء”، “اعتداء مقصود ومدفوع الأجر”؛ هذَا تقريبا أهمّ ما جاء في كلام رئيس الجمهورية خلال تنقله إلى ولاية جندوبة (شمال غرب تونس) يوم 22 جويلية الجاري، وتفقّد سُدّ “بوهرتمة” وسدّ “بربرة”، قبل تنقّله فجر اليوم الموالي إلى ولاية القيروان (وسط تونس) لتفقّد سُدّ “نبهانة”، ثمّ ولاية نابل لتفقّد قنال وادي “مجردة”. وتأتي هذه الزيارات التفقدية تفاعلا مع أزمة انقطاع الماء الصالح للشراب التي استفحلَت في أغلب مناطق البلاد وتفاقمت مع ارتفاع درجات الحرارة منتصف شهر جويلية الجاري.  

 يُظهر الفيديو الذي نشرَته الصفحة الرسمية لرئاسة الجمهورية على فيسبوك الرئيس سعيّد مستاء خلال تجوّله بين سدود ولاية جندوبة، حاملا ملفًّا أحمر يحتوي على وثائق وإحصائيات يشير الرئيس إلى أنها تُثبت حقيقة افتعال أزمة انقطاع المياه. يتوجه بخطابه الغاضب إلى المسؤولين والموظفين الذين رافقوه خلال الجولة التفقدية، وعندما يُحاول أحدهم تنسيب بعض المعطيات أو إعطاء أرقام يقاطعه رئيس الجمهورية سريعا ويُعاوِد التأكيد على المؤامرات والتخريب الإجرامي. كما وَجّه انتقادات إلى جهات رسمية مختصة تنشر أرقاما مغلوطة على حد تعبيره. ولم تكن هذه المرة الأولى التي يَربط فيها الرئيس سعيّد أزمات توزيع المياه بـ”الأنشطة الإجرامية”. فقد أكَّدَ ذلك في عدة مناسبات سابقة آخرها اجتماعه بوزير الداخلية يوم 18 جويلية الجاري، عندما شدد على “ضرورة تتبع من يقف وراء قطع الماء والكهرباء في عديد المناطق لتأجيج الأوضاع” واعتبر “التعلّل بأن شبكة توزيع المياه مهترئة غير مقبول، إذ لماذا لم تهترأ نفس هذه الشبكة في عدد من الضواحي وتوقّف توزيع المياه في مناطق بعينها؟”. 

ويُذكر أن هذه الزيارات التفقدية التي قامَ بها الرئيس سعيّد للسدود جاءت بعد أيام قليلة من إعلانه الترشح رسميا لخوض الانتخابات الرئاسية المزمع تنظيمها يوم 6 أكتوبر 2024.

بعيدا عن “المتآمرين” و”المخربين”: وقائع وأرقام 

في صائفة 2023، نافست أزمات توزيع الخبز والحليب والسكر والبن أزمة توزيع المياه الصالحة للشراب، لكن هذه الأخيرة انفردت في الصائفة الحالية بصدارة المشاكل التي يعاني منها التونسيون. تشهَد أغلب مناطق البلاد منذ أسابيع انقطاعات متواترة للماء الصالح للشراب لمدة تتراوح بين بضع ساعات وعدة أيام. انقطاعات دون سابق إعلام وتوضيح للمدة، وبلا حملة اتصالية حقيقية تُفسّر للمواطنين الأسباب الحينية والظرفية العامة وحتى التفاصيل التقنية (الارتفاع والتضاريس والجاذبية، إلخ) التي تُبيّن لماذا ينقطع الماء في هذا الحي أو المدينة ولا ينقطع في منطقة مجاورة. وحتى عندما تعود المياه إلى مجاريها فإن الكثيرين يُصدَمون برائحتها الترابية النفاذة وأحيانا لونها الأصفر الذي لا يسرّ الناظرين.   

تقرير الحركات البيئية خلال السداسي الأول من سنة 2024 الصادر عن المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية رصدَ 172 تحركا اجتماعيا ذا طابع بيئي من بينها 111 احتجاجا يتعلق بالحق في الماء.  خلال نفس الفترة (التي لا تشمل شهر جويلية الذي يشهد موجات حرّ وتواترًا وامتدادًا كبيرين لحالات قطع المياه) تلقَّى المرصد التونسي للمياه عبر تطبيقته “واتش واتر” 1008 تبليغا من المواطنين بخصوص مختلف المشاكل المتعلقة بالنفاذ إلى الماء الصالح للشراب، وهي تتوزع كالآتي:  

-جانفي، 113 تبليغا: 98 انقطاعات، 09 تسربات، و06 حركات احتجاجية.  

-فيفري، 101 تبليغا: 69 انقطاعات، 09 تسربات، 13 تحركات احتجاجية، و10 مياه غير صالحة للشراب.  

-مارس، 149 تبليغا: 101 انقطاعات، 14 تسربات، 25 تحركات احتجاجية، و09 مياه غير صالحة للشراب.  

-أفريل، 139 تبليغا: 99 انقطاعات، 18 تسربات، 19 تحركات احتجاجية، و03 مياه غير صالحة للشراب. 

-ماي، 201 تبليغا: 158 انقطاعات، 20 تسربات، 18 تحركات احتجاجية، و05 مياه غير صالحة للشراب. 

-جوان، 305 تبليغا: 262 انقطاعات،18 تسربات، 19 تحركات اجتماعية، و06 مياه غير صالحة للشراب. 

ونتحدّث هنا فقط عن تبليغات من المواطنين إلى منظمة من المجتمع المدني، ويُرجّح أن تكون التبليغات التي تُوجّه مباشرة إلى الشركة الوطنية لاستغلال وتوزيع المياه أضعافا مضاعفة. أما عن الانتقادات والشكاوَى التي يَصدح بها المواطنون في مختلف مواقع التواصل الاجتماعي فهي لا تُحصَى ولا تعد، وتعترض كل مستعمل عدة مرات في اليوم الواحد. 

ووصلَت التشكيّات ذروتها مع موجة الحرّ التي عاشَتها البلاد منتصف شهر جويلية الجاري. ففي حين كان العَرق يسيل غزيرا شحّت الحنفيات في أغلب مناطق البلاد ليزيد غضب ملايين التونسيين الذين عجَز كثير منهم عن الحصول على حدّ أدنى من الماء الضروري للشرب، ونظافة المساكن، والملابس والأبدان. هذا الغضب هو الذي دفع رئيس الجمهورية إلى القيام بجولته على السدود للتأكيد على اهتمامه الشخصي بالموضوع. لكن تشخيص الرئيس للأزمة وأسبابها أصاب كثيرين، خاصة من المهتمين بالشأن المائي والمختصين فيه، بالإحباط واعتبروه إنكارا للوقائع. وفي هذا الصدد، أصدرَ “المرصد التونسي للمياه” بيانا في 22 جويلية الجاري عَبّرَ فيه عن “استيائه من الخطاب الرسمي للسلطة الذي يُكرّس سياسةً الهروب إلى الأمام معوّلاً على مخاطبة العواطف بدل العقول مستعملا نموذج التهمة الكيدية والتلفيقية وعدم اعترافه بعجز السلطة السياسية في تدبير أزمة ندرة الموارد المائية ومجابهة التحولات المناخية”.    

تحليل رئيس الجمهورية للأزمة المائية الراهنة يتجاهل الأرقام والمعطيات والتفسيرات التي تقدمها الجهات الرسمية المختصة، بل ويشكك فيها ويعتبر أن بعضها مغلوط، لذلك نذكر البعض منها:   

نشريات المعهد الوطني للرصد الجوي تُظهر تراجعا حادًّا في التّساقطات خلال السنوات الثلاثة الأخيرة، إذ بلغ إجمالي التساقطات 7362.2 مم في سنة 2023 وحوالي 4800 مم في سنة 2022 و5200 مم في سنة 2021، وهي أرقام بعيدة عن كميات سنوات 2011 (أكثر من 10000 مم) و2012 (حوالي 9000 مم) و2013 (حوالي 8600 مم). وحسب المصدر نفسه فإن سنوات 2023 و2022 و2021 تعدّ الأسخن في تونس منذ سنة 1950.   

ومن المفيد التذكير بأن الحكومة هي التي أعلنت -عبر مقرّر لوزارة الفلاحة والصيد البحري والموارد- في مارس 2023 عن فرض “نظام حصص ظرفي وتحجير وقتي لبعض استعمالات المياه” وبرّرَت هذه الإجراءات الاستثنائية بـ”تواتر سنوات الجفاف وضعف الإيرادات بالسدود مما انعكس سلبًا على مخزونها المائي الذي بلغ مستوى غير مسبوق”.    

كما أن التراجع المُفزع لمنسوب المياه المخزّنَة في السدود ليست إشاعات، بل هي حقائق تنشرها بشكل يومي جهات رسمية مثل المرصد الوطني للفلاحة الذي يتبع وزارة الفلاحة. وعلى سبيل الذكر بلغت نسبة امتلاء السدود في 22 جويلية الجاري -تاريخ الزيارة الرئاسية التفقدية للسدود- 27،1% وانخفضت في 24 جويلية إلى 26،9% وستستمرّ في التراجع مع استمرار ارتفاع الطلب وانحباس الأمطار.   

حتى الحديث عن اهتراء شبكة نقل المياه الصالحة للشراب ليس مجرّد تعلات واهية. فبحسب التقرير القطاعي للمياه لسنة 2021، الصادر عن وزارة الفلاحة والصيد البحري والموارد المائية، يبلغ طول شبكة الصوناد حوالي 57314  كيلومتر. خُمُس هذه الشبكة تجاوز عمره 46 عاما وقرابة نصفها تجاوز 29 عاما، وقد بلغت نسبة تسرّب المياه وضياعها خلال نقلها من السدود والمحطات إلى المستهلكين حوالي 32،5%  على المستوى الوطني خلال سنة 2021.  

السبب الرئيسيّ للأزمة المائية الصيفية الراهنة يبدو واضحا وضوح الشمس: اختلال التوازن بين العرض والطلب. تشهد البلاد دورة جفاف انطلقت منذ خمس سنوات مما أثر بشكل فادح على مخزونها من المياه في السدود. ومع حلول فصل الصيف الذي يشهد ذروة الطلب على الماء وذروَة تدفّق السيّاح والتونسيين المقيمين في الخارج على البلاد، وذروة تبخّر المياه السطحية، وذروة الأعطاب والتسرّبات في شبكات نقل المياه، تُواجه الشبكة الوطنية لتوزيع المياه ضغطا شديدا وعجزا متناميا في تقسيم المياه بين مختلف المناطق. ما جعل الأزمة تبدو أكثر حدة في موسمي الصيف الفائت والحالي، والانقطاعات العشوائية مجهولة المدة لم تعد تتركز في بعض المناطق الداخلية -التي يعاني بعضها هذه الأزمة بشكل مستدام منذ سنوات طويلة- بل صارت تشمل أغلب مناطق البلاد حتى المدن الساحلية في الشمال والوسط الشرقيين. 

“خلال السنوات الأولى بعد ثورة 2011، كانت الولايات الداخلية وعلى رأسها قفصة والقيروان والقصرين تتصدّر قائمة المناطق التي تأتينا منها تبليغات عن انقطاعات المياه والاحتجاجات الاجتماعية ذات الصلة، وذلك بسبب استنزاف الموارد المائية في الأنشطة الاستخراجية وسوء حالة الُبنَى التحتية المائية وتردّي أوضاع الجمعيات المائيّة. أما في السنوات الأخيرة، فقد صارت ولايات الساحل (سوسة والمنستير والمهدية) وصفاقس من بين الأكثر حضورًا في قائمة المناطق المتضررة بعد أن كانت تصلها المياه بشكل شبه مستقرّ من مياه سدود الشمال”، هكذا وضَّحَ للمفكرة القانونية علاء المرزوقي، المنسق العام للمرصد التونسي للمياه. وفي هذا السياق، ذَكّرَ المرزوقي بالمطلب الذي ينادي به مرصد المياه منذ مدة لتخفيف أضرار وأعباء الأزمة الراهنة، والمتمثل في “إعلان حالة الطوارئ المائية”؛ أي اتخاذ جملة من الإجراءات الحمائية لتقليص استعمال المياه في عدة قطاعات مع إعطاء الأولوية لحاجات السكان من الماء الصالح للشراب وصغار الفلاحين وصرف تعويضات للمتضررين من هذه الإجراءات وتقديم كل الدعم الضروري للشركة الوطنية لاستغلال وتوزيع المياه التي تُرِكَت بمفردها تُواجه الأزمات المتتالية بإمكانيات مالية متواضعة “مما يدفعها إلى التداين والاقتراض من الخارج لصيانة شبكاتها وتَوسِعتها” على حد تعبير علاء المرزوقي. 

لا حلول ناجعة من دون تشخيص حقيقي  

في سياق حديثه عن البعد المؤامرَاتي والتخريبي في مسألة تواتر انقطاعات المياه، حَاجَجَ الرئيس سعيّد بأن الجفاف الذي تعيشه البلاد حاليّا ليس الأول في تاريخها، وأشار إلى الجفاف الحادّ الذي عرفته البلاد في أربعينيات القرن الفائت (يقصد سنوات الجفاف ما بين 1945 و1947) وكيف أن الماء بقيَ متوفرًا للناس على الرغم من عدم وجود سدود وبُنَى تحتية مائية كبيرة مثل التي تمتلكها تونس اليوم، واعتبر أن زيادة تعداد السكان ما بين الحرب العالمية الثانية واليوم ليست كافية لتفسير الأزمة الحالية. هذا التحليل يبدو للوهلة الأولى مُقنعًا ويتضمّن عدة حقائق: تعيش تونس كلّ عقدين أو ثلاثة عقود دورات جفاف تختلف مدّتها وحدّتها، وكثيرا ما تعقُبها سيول وفيضانات. صحيح أنّ عدد سكان البلاد قد تضاعف ثلاث مرّات ما بين الاستقلال واليوم، لكن البلاد لديها اليوم 37 سُدّا و258 سُدّا جبليا و925 بحيرة جبلية (أرقام سنة 2022). لكن هذا التحليل يتجاهل حقائق أخرى تتفاوت أهميتها مثل التغيّر المناخي الذي يتسارع نسقه بشكل كبير في العقدين الأخيرين، وتغير نمط حياة جزء كبير من التونسيين مع هيمنة نمط العائلة النواة والاستقلال بالمسكن عن العائلة الموسعة والارتفاع الكبير في نسبة الربط  بالشبكة العمومية للمياه، وتطوّر عدد ونوع التجهيزات الصحية في المساكن، والانخفاض الكبير في أعداد خزّانَات المياه التقليدية الخاصة مثل “الماجل” و”الفسقية” والآبار السطحية. هذا فيما يخص الاستهلاك المنزلي، لكن الخلل الكبير ليس هنا، بل في المجالات الأخرى المُستنزفة للمياه، والتي تكاد تغيب كليا عن الخطاب الرسمي. يجب أن نذكر هنا بأن قرابة 80% من الموارد المائية المعبأة تذهب إلى قطاع الفلاحة، وأقل من 10% للقطاعات الإنتاجية الأخرى مثل الصناعة والخدمات وغيرها، والبقية تُوزّع كمياه صالحة للشراب.  

الخيارات الاقتصادية للدولة التونسية، خاصة منذ تبنّيها سياسات الانفتاح الاقتصادي في سبعينيات القرن الفائت ثم إجراءات “الإصلاح الهيكلي” وسط الثمانينات، وبعدها التوجهات النيوليبرالية مطلع القرن الحالي، هي المسؤول الأول والأكبر عن الإجهاد المائي الذي تُعاني منه البلاد. راهنت الدولة على جلب الاستثمارات الأجنبية والعملات الصعبة لتقليص عجز الميزان التجاري وتخلّف البنية الاقتصادية، فركزت على الفلاحة الموجهة للتصدير والأنشطة الاستخراجية والمنجمية والصناعات التحويلية والخفيفة والسياحة الجماهيرية كأسس للاقتصاد التونسي. وما زالت هذه الأسس قائمة، وما زالت الخضروات والفواكه المعدة للتصدير تنقل معها كميات من الماء الافتراضي إلى الخارج، وتتسع المساحات السقوية كل يوم أكثر. على سبيل المثال خلال الموسم الفلاحي الحالي بلغت مساحة غراسات الزيتون السقوية حوالي 100 ألف هكتارا، حيث احتلّ إقليم الوسط الغربي الذي يعاني من أزمات مزمنة في التزود بالمياه المرتبة الأولى في الإنتاج متفوقا عن الإقليمين التاريخيين لغراسات الزيتون (الوسط والجنوب الشرقيين) بفضل المساحات المَسقية. 

في الحوض المنجمي (ولاية قفصة)، يُعاني السكان من انقطاعات للمياه تدوم أحيانا أسابيع طويلة، وعلى بعد أمتار من بيوتهم يتدفّق الماء بقوة في مغاسل الفسفاط. في ولايات الساحل، بخاصة ولاية المنستير، حيث يتركز الجزء الأكبر من صناعة النسيج -أغلبها يتبع ماركات عالمية موجّهة للتصدير- تستهلك كل قطعة ملابس عشرات اللترات من الماء، في حين يُعانِي مئات آلاف السكان الأمرين لتخزين بضعة لترات من الماء. في الفنادق -التي لا تنقطع عنها المياه أبدا- لا تجفّ المغاطس والمسابح وبإمكان النزلاء الاستحمام عدة مرات في اليوم، لكن على بعد كيلومترات قليلة لا تجد عائلات صغار المزارعين ما يكفي من الماء الضروري لزراعة الكفاف. 

لا يُمكن الاستمرار في هذه الخيارات والسياسات المستنزفة للثروة المائية وغير العادلة وتوقع سيناريوهات أخرى غير العطش وسلعنَة المياه. وفي حين يبدو جليّا أن المشكلة تكمن في الأرض تبحث الدولة عن حلول في الجو والبحر. كشف وزير الفلاحة في 10 جويلية الجاري، خلال جلسة عامة برلمانية عن قرب الانطلاق في تجربة الاستمطار وتَلقيح السّحب. كما تم الإعلان في 20 جويلية عن بداية التشغيل التجريبي والتدريجي لمحطة تحلية المياه بولاية صفاقس. ويُذكر أن هذه المحطة ستُنتج حسب الأرقام الرسمية  100 ألف مترا مكعبا من المياه المحلّاة يوميا في مرحلة أولى قبل أن تتضاعف الكمية في أفق سنة 2035، وهي ثالث محطة تدخل حيز الاستغلال بعد محطتي جربة-مدنين في 2018 والزارات-قابس في 2024. وتعوّل الدولة بشكل واضح على تحلية المياه كحل للمستقبل على الرغم من الأضرار البيئية المحتملة، وتُراهن على “الطاقات البديلة” لتقليص تكلفة إنتاج المياه المحلاة.  

 خطاب المؤامرة والتقليل من دور الجفاف والتداعيات المُخيفة للتغيرات المناخية التي تشهدها تونس وكل العالم، وتجاهل مواطن الخلل في السياسات المائية القائمة منذ عقود؛ كل هذا لن يَسقي التونسيين من عطش -بخاصة أولئك الذين يعانون الظمأ المزمن- ولن يَأمنهم من خوف. ولا يمكن التعامل مع الإجهاد المائي بوصفه مجرد مناورات سياسية وممارسات إجرامية يراد بها إحراج رئيس الجمهورية وتقليص حظوظه بالفوز بعهدة رئاسية ثانية. ستُجرَى الانتخابات وستنتهي دورة الجفاف الحالية، لكن ستأتي دورات جفاف أخرى وستكون أكثر حدّة. فبحسب تقديرات وسيناريوهات وزارة البيئة والمعهد الوطني للرصد الجوي، من المتوقّع أن يرتفع المعدّل السنويّ لدرجة الحرارة في تونس ما بين 1،6 و1،9 درجة في أفق سنة 2050، وستكُون الأضرار أكبر في المناطق البعيدة عن السواحل، حيث يُتوقّع أن يرتفع المعدل السنوي ما بين درجتين ودرجتين ونصف. هذا الارتفاع يُمثل زيادة تعادل 8 إلى 10% مقارنة بالمعدل السنوي خلال الفترة الممتدة ما بين 1981 و2010، وسيَصحَبه تراجع في كمية التساقطات السنوية يتراوح ما بين 14 مم و22 مم حسب المناطق. 

انشر المقال

متوفر من خلال:

بيئة ومدينة ، مقالات ، تونس ، اقتصاد وصناعة وزراعة



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني