انتصار ثمين للقضاء التونسي في معركة استقلاله: المحكمة الادارية تدحض التأويلات المنحرفة لوزارة العدل


2013-11-22    |   

انتصار ثمين للقضاء التونسي في معركة استقلاله: المحكمة الادارية تدحض التأويلات المنحرفة لوزارة العدل

قضت المحكمة الادارية استعجاليا يوم 22 نوفمبر 2013 بايقاف تنفيذ الامرين عدد4451 لسنة 2013 المؤرخ في 07 نوفمبر 2013 والامر عدد 4452 عدد4451 لسنة 2013 المؤرخ في 07 نوفمبر 2013 اللذين تولت رئاسة الحكومة التونسية بمقتضاهما تعيين رئيس للمحكمة العقارية ومتفقدا عاما لوزارة العدل دون اللجوء للهيئة الوقتية للقضاء العدلي. ويقضي قرارها بإنهاء مفعول الأمرين الى حين بت قضاء المحكمة الادارية في أصل الدعويين المرفوعتين من اجل الغائهما لتجاوز السلطة في اتخاذهما. ورغم الطبيعة الاستعجالية لقراري رئيسة المحكمة الادارية والتي تتمثل في اتخاذ اجراء احترازي دون ان تصل الى البت في أصل المنازعة، فان قرار ايقاف التنفيذ واسانيد اتخاذه تكشف بوضوح عن معاينة القضاء الاداري لعيوب شكلية في اوامر السلطة التنفيذية ترجح عدم مشروعية قراراتها، وتلزم الاحكام القضائية التي صدرت السلطة التنفيذية بالتراجع عن تفعيل اوامرها وارجاع الحالة للوضعية التي سبقتها بما يعني عودة المتفقد العام ورئيس المحكمة العقارية لموقعيهما السابقين بصفة قانونية لا لبس فيها.

رفضت المحكمة الادارية مجاراة وزير العدل في محاولته ايجاد حاجة لتأويل فصول القانون عدد 13 لسنة 2013 المتعلق ببعث الهيئة الوقتية للقضاء العدلي بغاية ايجاد صلاحيات للسلطة التنفيذية للتدخل في التعيينات القضائية وأكدت المحكمة من خلال أحكامها أن نص القانون لا يقبل التأويل اعتبارا لوضوح صياغته في اسناد صلاحية الاشراف على القضاة في مسارهم المهني للهيئة دون سواها. وكان بالتالي قضاء المحكمة الادارية انتصارا للقضاء التونسي في مواجهته لمحاولات احياء قوانين الحقبة الاستبدادية بغاية استدامة تبعيته للسلطة التنفيذية.

ورد قرارا المحكمة الادارية في توقيت مميز على اعتبار تزامنهما مع حملة شرسة تعرض لها القضاء التونسي من قبل رموز السلطة الحاكمة والذين حاولوا ان يبرزوا للرأي العام القضاة الذين يطالبون بإلغاء اوامر التعيين كما لو كانوا يرفضون تطبيق القوانين السارية لاعتبارات سياسية ويسعون الى تعطيل عمل وزير العدل من خلال منعه من ممارسة صلاحياته. فبين قرارا المحكمة الادارية بشكل لا لبس فيه أن القضاة كانوا في تحركاتهم الاحتجاجية يوالون القانون ويدافعون عن مؤسسات الدولة ضد محاولات الالتفاف عليها وتوظيفها.

كما أتى قرارا المحكمة الادارية في توقيت تميز بتصعيد السلطة التنفيذية لحربها على هيئة القضاء العدلي من خلال اصدارها لقرارات تمديد لقضاة بلغوا السن القانوني للتقاعد لغاية استمرار اضطلاعهم بأعمالهم رغم ان هيئة القضاء العدلي وهياكل القضاة تمسكت برفض آلية التمديد لما تؤدي له من حالة من التبعية بين القضاة الممدد لهم والجهة التي تولت انتقاؤهم لتمتعهم بهذا الامتياز بشكل يتعارض مع قواعد استقلالية القضاء.

رفعت القرارات جزءا من الضيم عن قضاء بات يؤمن باستقلاليته ويسعى للقطع مع ماضي خضوعه للسلطة ليكون قادرا على القيام بدوره في تحقيق استحقاقات الثورة. غير أن تعدد جبهات المواجهة واستمرار السلطة السياسية في استغلال ترسانة القوانين التي ورثتها عن الحقبة الاستبدادية والتي تتعارض مع المبادئ الدولية لاستقلال القضاء تؤكد ان المعركة القضائية التي كسب القضاة جولتها الاولى لا يمكنها ان تختزل جبهات مواجهتهم لمحاولات تطويعهم.

 ويعول القضاة في استمرار دفاعهم عن استقلاليتهم على تنامي الوعي الاستقلالي في صفوفهم والذي أثبته التزامهم الجماعي بقرارات هياكلهم المهنية في تحركاتهم الاحتجاجية. كما يبدو نجاحهم في تجاوز الخلافات الداخلية وتوصلهم لاستيعاب تعددية هياكلهم مؤشرا يؤكد قدرتهم على التوصل الى فرض الشروط الموضوعية لاستقلالية القضاء كضامن لشفافية اعمالهم. رفعت قرارات المحكمة الادارية جزءا من ضيم لحق القضاء التونسي وكانت قراراتها في بعض ابعادها حافزا لهم على الاستمرار في الدفاع عن استقلاليتهم لغاية ايجاد وعي عام يرفض اي شكل من اشكال التدخل في اعمال القضاء ليكون هذا الوعي خير ضامن لاستقلالية القضاء يتجاوز مفعوله ما للنصوص القانونية والدستورية من أثر.

انشر المقال

متوفر من خلال:

مقالات ، تونس



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني