في نهاية العام 2023، أصدرت محكمتان إداريّتان في ألمانيا قرارين هامّين بالتأكيد على قانونيّة شعارات التضامن مع فلسطين. جاء القراران في المراجعتين اللتين تقدّم بهما مركز الدعم القانونيّ الأوروبي (ELCS) لإبطال قرارين صادرين عن الشرطة الألمانية بحظر التظاهرات والشعارات المؤيدة للفلسطينيين والتي تنتقد إسرائيل. وقد اعتبرالمركز الذي يصف نفسه بأنّه المنظمة “الأولى والوحيدة” التي تتدافع عن حركة التضامن مع فلسطين في أوروبا وتمكينها من خلال الوسائل القانونية، أنّ قراري محكمتيْ مونستر وكولونيا يشكلان انتصارًا لحركتِهم في ألمانيا.
وتشهد ألمانيا التي صرّحمستشارها أنّها تعتبر أمن إسرائيل مصلحة وطنية عليا، منذ السابع من أكتوبر، قمعًا متزايدًا ضد التحرّكات والفعاليّات الداعمة للقضية الفلسطينية والمناهضة لإسرائيل، وُصفبأنه غير مسبوق. وبالإضافة إلى إصدار قرارات بمنع التظاهر والمسيرات وحظر الشعارات واعتقال المئات، تمثّل القمع أيضا بضغوطٍ مارستها مؤسسات مختلفة وضمنا الثقافية مثل معرض فرانكفورت للكتاب الذي ألغى حفل تسليم جائزة الروائية الفلسطينية عدنية شلبي. وإلى جانب ذلك علت أصوات متطرّفة تدعو إلى رفض مقارنة الحرب الإسرائيلية المستمرّة لإبادة الفلسطينيين بمحرقة اليهود في أوروبا خلال الحرب العالمية الثانية، كما وإلى إقرار قانون يجعل من دعم إسرائيل شرطًا للحصول على الجنسية الألمانية، كلّ ذلك تحت مبررات مكافحة خطر “معاداة السامية” والتأثير على الانتظام العام. ولا يعتبر هذا القمع للحركة التضامنية مع فلسطين مستجدًّا في ألمانيا إذ سبق للبرلمان في أيار 2019 المصادقة على بيانغير ملزم يدين حركة مقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات معتبرًا أنها معاديةللسامية، لتعود محاكمألمانيّة عدّة لإبطال قرارات إدارية اتخذت على أساسه.
في هذا السياق من القمع المتزايد، جاء هذان القراران القضائيان ليشكّلا وجهةً عكس التيار، ويؤكّدان على أن عبارات مثل “فلسطين حرة” و”من النهر إلى البحر” و”إسرائيل مجرمة” ليست عبارات معادية للسامية أو مخالفة للقانون والانتظام العام، بل هي محمية بحق الحرية في التعبير. فوفقًا لقرارمحكمةكولونيا الصادر في 1/12/2023، فإنّ التجمعات المتضامنة مع الفلسطينيين لا تشكل تهديدًا للسلامة العامة، وإن شعار “أوقفوا الإبادة في غزة” ليس مخالفًا للقانون ولا يشكّل جرماً، وإنه موّجه ضدّ دولة إسرائيل وليس ضدّ السكان اليهود في ألمانيا. وقد استشهدت المحكمة بتقارير مقرّري الأمم المتحدّة الخاصّين المعنيين بحقوق الإنسان التي أشارت إلى وجود خطر بارتكاب إسرائيل إبادة جماعية ضدّ الشعب الفلسطيني.
وبدورها أعلنت محكمةمونسترالإدارية في 17/11/2023 أن شعار “من النهر إلى البحر” هو شعارٌ سياسيٌّ يستخدم في سياق الصراع الفلسطيني-الإسرائيل، وهو يخضع لعدّة تفسيرات منها أنّه دعوة لحريّة الفلسطينيين من الاحتلال الإسرائيلي وفقًا للقانون الدولي، وبالتالي لا يمكن تجريم هذا الشعار لأنه – بحسب المحكمة – وفقًا لجمهور غير منحاز ومدرِك، فإنه يوجّه بشكل موضوعيّ ضد دولة إسرائيل وليس ضد السكان اليهود في ألمانيا. كما أعلن القرار أنّه خلافًا لرأي الشرطة، فإنّ استخدام عبارة “إسرائيل قاتلة الأطفال” كشعار لا يؤدي إلى استنتاج ظروف ملموسة يمكن أن تشكل خطرًا على السلامة العامة وتبرّر منع التظاهرات.
ويشكّل هذان القراران محطّة هامّة في الحركة العالمية للتضامن مع فلسطين، والتي تُواجه حملات قمع متزايدة وغير عقلانية منذ 7 أكتوبر 2023 خصوصًا في أوروبا والولايات المتحدة، حيث تدينمؤسسات بارزة من مجلس النواب إلى عدد من مكاتب المحاماة الكبيرة وصولًا إلى عدد متزايد من الجامعات أشكال التعبير عن أبسط التطلعات لحريّة فلسطين وتحظرها بل تسعى إلى تجريمها، ومنها رفع شعار “من النهر إلى البحر”.
حركة القمع هذه لم تبدأ في 7 أكتوبر، ففي آب من العام 2023 أكّدتمحكمة هولندية أن شعار “من النهر إلى البحر، ستكون فلسطين حرة” يندرج ضمن إطار الحقّ في حرية التعبير ولا يعتبر جريمة ولا يعتبر شعارًا معاديًا للسامية، وذلك ردًّا على الدعوى التي تقدّم بها أحد الناشطين الصهاينة في العام 2021 ضد عضو في تحالف “صامدون” في هولندا” الذي أطلق الشعار خلال خطاب ألقاه في تجمع النكبة السنوي، واتّهم الناشط الصهيونيّ الشعار بأنه معادٍ للسامية، وهو ما رفضته المحكمة بعد سنتين ونصف من التجمّع.
وبذلك، يثبت يومًا بعد يوم زيف ادّعاءات الجهات المتطرّفة من دول الشمال السياسي والصهيونية بشأن تجريم الفاعلين في حركة التضامن العالمية مع فلسطين وشعاراتها، تحت ذريعة “معاداةالسامية“، الشعار الذي أمعنت هذه الجهات في تمييعه واستخدامه كشمّاعة لإسكات أي صوت منتقد لإسرائيل ومتضامن مع فلسطين والفلسطينيين، وبشكل من الأشكال أي صوت للدفاع عن القانون الدولي الإنساني والتنديد بالجريمة.
This website uses cookies so that we can provide you with the best user experience possible. Cookie information is stored in your browser and performs functions such as recognising you when you return to our website and helping our team to understand which sections of the website you find most interesting and useful.
Strictly Necessary Cookies
Strictly Necessary Cookie should be enabled at all times so that we can save your preferences for cookie settings.
If you disable this cookie, we will not be able to save your preferences. This means that every time you visit this website you will need to enable or disable cookies again.