انتداب المستشارين لتغطية النقص في المناطق: باب لعرقلة محاكم الاستئناف


2018-06-14    |   

انتداب المستشارين لتغطية النقص في المناطق: باب لعرقلة محاكم الاستئناف

رفع بعض المحامين في محافظة الجنوب-صيدا صوتاً ما يزال خافتاً ضد التعيينات القضائية الأخيرة التي كرست النقص في عدد القضاة في محاكم صيدا وصور وجزين. ويُسهم الأمر في تحميل بعض القضاة بمهام عدة، حيث يجلسون في أكثر من غرفة. وقد يصل أحياناً إلى جلوس قاض وحده في خمس غرف. وأبرز ما كرسته هذه التشكيلات وما أعقبها، هو قيام قضاة بمهام قاضي منفرد ومستشار في محكمة الاستئناف (43 انتداب)، ما يؤدي عمليا إلى إعاقة عمل محاكم الاستئناف. ويُلحظ أن هذه التشكيلات تضمنت انتداب 119 قاضياً لـ 125 مركزاً قضائياً، غير الانتدابات التي أقرت لاحقاً لتغطية النقص في المحاكم.

محامو صيدا شكوا بشكل خاص من البطء الشديد الذي تعانيه محكمة الاستئناف المدنية الناظرة في القضايا المالية والإيجارات التي تجلس غالباً نهار الخميس. والسبب الرئيسي عدم اكتمال الهيئة في كل مرة، بسبب انتداب القاضي إيهاب بعاصيري المستشار في محكمة الاستئناف المدني منذ حوالي شهرين إلى محكمة صور، ليشغل منصب قاضٍ منفرد جزائي بالانتداب. هذا الأمر يُلزم المحامين بانتظار الرئيسة الأولى لمحكمة الاستئناف رلى جدايل لتنتدب قاضيا لاكتمال الهيئة، لأكثر من ساعة، بحيث يُعرقل عمل المحامين وأحياناً يعطلها تماماً.

والحال أن القاضي بعاصيري موكل بمهام أخرى إلى جانب انتدابه كقاض منفرد جزائي في صور، فيجلس كقاض أصيل منفرد جزاء في جزين ومنفرد مدني بالانتداب في صيدا، بالإضافة إلى كونه مستشارا في محكمة الاستئناف المدنية في صيدا. وقد نقل أحد المحامين أن القاضي بعاصيري يجلس أيضاً في غرفة الأحوال الشخصية في صيدا.

إذاً، خمس مهام قضائية يقوم بها قاضٍ واحد، في حين أن جلسات المحاكمة تنعقد إجمالا في أربعة أيام في الأسبوع. ووفقاً لأحد المحامين، فإن تراكم المهام على عاتق قاض واحد، يحول دون تمكينه من العمل بشكل يضمن عدم التأخر في إصدار الأحكام. كما يمسي التضارب في أوقات الجلسات حائلاً دون حضوره في محكمة الاستئناف كمستشار. وذلك يعود لأولوية عمله كقاض منفرد جزائي في صور وجزين ومنفرد مدني في صيدا، حيث يُصعب انتداب قاض بديل. فيبقى على محكمة الاستئناف انتداب قاض بشكل مؤقت في غيابه. وعليه، تتأخر الجلسات بفعل تأخر الرئيسة الأولى للمحكمة عن انتداب قاض بديل، فضلا عن أنه قد يصعب إيجاد قاضٍ بديل في موعد المحاكمة.

هذا التأخر يعرقل أحياناً عمل المحامين الذين يضطرون إلى التنقل بين الإدارات والمراكز الأمنية يومياً. فإذا اضطر محام على الخروج بدلاً من انتظار اكتمال الهيئة، فيحدث أن تبدأ الجلسات في غيابه وقد تتم محاكمته في ملفه واعتباره غائباً. أيضاً، يحدث أن يتم تأجيل الجلسة، والحال أن الجلسات غالباً ما تؤجل إلى نحو ثلاثة إلى أربعة شهور، مما يؤدي إلى إطالة أمد الدعاوى.

ما يحصل في محكمة الاستئناف المدنية في صيدا، يُعد أحد الأمثلة على المعاناة التي يواجهها القضاء في كافة المحافظات، نتيجة تكليف غالبية مستشاري غرف محاكم الاستئناف مهام إضافية.

وقد اختلفت الآراء بين المحامين في صيدا، حيث وصف أحدهم الأمر بأن المحاكم شبه معطلة، وآخر رأى أن المحامين ما يزالون يصبرون على الوضع، لكن يُحتمل أن تتصاعد صرخاتهم في حال استمر الوضع على هذا المنوال حتى آخر السنة. كما سألت محامية أخرى عن إهمال محاكم الأطراف، وسبب التركيز بشكل أفضل على محاكم بيروت وضواحيها. وفي المقابل، اعتبر محامٍ آخر أن محكمة الاستئناف تعمل بشكل جيد، ولا يوجد أية عراقيل تستدعي التحرك. ويختصر الأمر بأن الموضوع هو فقط موضوع تأخر في انعقاد الجلسات. بيد أنه يؤكد أن محكمة الاستئناف المدنية تعطلت مرة واحدة فقط بسبب غياب مستشارة لدواعٍ صحية.

إذن، يُستنتج من تصريحات المحامين المشتكين أن سبب معاناتهم يعود بشكل أساسي إلى النقص بعدد القضاة أولاً، وارتفاع حجم الضغط على كل قاض ثانياً، وسوء توزيع القضاة ثالثاً. يعتبر أحد المحامين أن هناك قضاة أوكل إليهم مهام متعددة بينما آخرون موكلون بمهمة واحدة. ويعطي مثالاً عن قاضٍ يشغل منصب قاض منفرد جزائي في أكثر من محكمة حيث تكثر الملفات في هذه الغرف، بينما قاض آخر يترأس غرفة واحدة فقط ذات عدد قليل من الملفات، مثل قاضي الأحداث. ويضيف، “أول أمس كان رئيس محكمة استئناف الجزاء القاضي ماجد مزيحم ينظر في 62 ملفاً دفعة واحدة”، سائلاً، كيف سيتمكن القاضي من استيعاب هذا الكم من الملفات ويضمن سرعة العدالة؟

في السياق نفسه، يلفت هذا المحامي إلى مشكلة حدثت سابقاً في صيدا ومازال المحامون يتأثرون في مفاعيلها. إذ أن تعدد المهام التي كان يقوم بها القاضي نسيب إيليا، رئيس محكمة الاستئناف سابقاً، أسفرت عن تأخر صدور أحد الأحكام إلى عامين، فيما أن أحكاماً أخرى لم تصدر حتى الآن. كما تلفت محامية أخرى إلى أن إنتداب القاضي إيليا إلى جبل لبنان سابقاً ساهم في تعطيل محكمة الاستئناف لمرات عدة.

يُضاف إلى ذلك، بطء بعض القضاة في إصدار الأحكام، حيث تتأخر بعض الأحكام لشهور عديدة، وأحياناً تتخطى السنة. ويلفت محام إلى الفرق الذي أحدثته القاضية منى حنقير التي كانت تشغل منصب منفرد جزاء قبل تعيينها معاون مفوض لدى المحكمة العسكرية، وكانت الوحيدة التي تعمل بجهد ملحوظ، حيث أن مواعيد الجلسة بين الواحدة والأخرى لم يكن يتعدى الشهر. كما كانت تُصدر أحكامها في وتيرة زمنية سريعة دون تأجيل.

ومن جهة أخرى، هناك بعض القضاة يتعمدون التأخر بشكل مستمر عن جلساتهم، فتلفت محامية إلى أنه يُفترض على أحد القضاة في صيدا أن يبدأ جلساته عند الساعة الحادية عشراً صباحاً، إلا أنه لا يصل إلى قاعة المحكمة قبل الساعة الثانية عشرة والنصف.

انشر المقال

متوفر من خلال:

استقلال القضاء ، لبنان ، مقالات ، دولة القانون والمحاسبة ومكافحة الفساد



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني