إتخذت الهيئة الإدارية القطاعية للتعليم الثانوي التابعة للاتحاد العام التونسي للشغل بجلستها العامة يوم 11-01-2018 قرارا "بالإمتناع عن تسليم بطاقات أعداد السداسي الأول من السنة الدراسية 2018 إلى المصالح الإدارية للمعاهد بعد إنجاز الاختبارات وإصلاحها وإرجاعها للتلاميذ". ورد القرار النقابي في إطار محاولة الضغط على الحكومة لقبول مطالب الطرف النقابي، التي تنقسم لمطالب ذات أثر مالي وأخرى على علاقة بتصور الطرف النقابي لإصلاح التعليم العمومي.
تمثلت المطالب المالية في تصنيف مهنة التعليم الإعدادي والثانوي كمهنة شاقة وبالتالي تمتيع المنتسبين لها بحق التقاعد بمجرد بلوغهم سن الخامسة والخمسين والتفاوض من أجل زيادات خصوصية تحسن الوضع المالي للمدرسين. فيما اتجهت المطالب القطاعية للضغط من أجل مراجعة التوقيت المدرسي وسنّ تشريع "يجرم الاعتداءات على المؤسسات التربوية والمربين" وسنّ نظام أساسي خصوصي لقطاع مدرسي التعليم علاوة على منحهم منحا وزيادات خصوصية. وكان أن استجاب المدرسون إلى حدّ بعيد لدعوة نقابتهم التي لم يرفضها إلا ستة عشر ألفا وتسعمائة من جماعتهم البالغ عددها سبعين ألفا.
في الجهة المقابلة، اعتبرت الحكومة "التحرك الاحتجاجي" إضرابا مقنعا، وقدرت تبعا لذلك أنه غير قانوني، بما يبرر حسبها اشتراط أن تبادر النقابة لرفعه للدخول معها في مفاوضات؛ وهي مفاوضات متى تمت لا يجب التعويل على قدرتها على تحقيق المطالب المالية التي وصفت بالتعجيزية. فطلب الحطّ من سن التقاعد يتجاهل عجز الصناديق الاجتماعية وطلب سوى ذلك من امتيازات مالية يثقل موازنة الدولة العاجزة أصلا. وقد كشف النزال بين الحكومة والنقابة سريعا عن كون "قطاع التعليم" باختيارهما ساحة معركة أشمل ترى النقابة وجوب دخولها لمنع السلطة السياسية من تنفيذ برنامجها الإصلاحي ذي التوجهات الليبرالية والذي سينتهي إلى خصخصة مؤسسات القطاع العام وتغيير قواعد قوانين التقاعد. من جهتها، أصرت الحكومة على دخول ذات المعركة لتؤكد لأنصارها قدرتها وقوتها أولا ولتحد من نفوذ المنظمة النقابية التي استحالت إلى عدو لها بعد ان طالبت صراحة بإسقاطها.
كشف رد فعل الرأي العام سريعا عن رفضه لتحول التعليم إلى ساحة صراع سياسي بعناوين نقابية فتعددت التحركات المناوئة لما اعتبر تعسفا يهدد بسنة دراسية بيضاء وقد تمثلت تلك التحركات في:
حملات على صفحات التواصل الاجتماعي ضدّ ما ذكر أنه استعمال التلاميذ كرهائن في صراع سياسي مغلف بمطالب نقابية،
قضايا استعجالية موضوعها إلزام المؤسسات التربوية بتسليم التلاميذ وأوليائهم كشوفات أعدادهم المدرسية. وكان أن إستجاب القضاء لتلك الدعوات واعتبر في موقف لافت حجب الأعداد عنفا مسلطا على الأطفال،
تحركات احتجاجية في الشارع.
تعاطت الحكومة ببراغماتية مع رد فعل الرأي العام، فتولى أعضاؤها نقل نزالهم مع النقابة إلى ساحة الإعلام بخطاب حاول الكشف على الطابع التعجيزي للمطالب النقابية مقابل عزم الحكومة فرض ما تسميه هيبة الدولة وسلطة القانون. وقد وجد موقفها هذا دعما هاما من هيئة حماية المعطيات الشخصية التي سارع رئيسها شوقي قداس لإعلان أن حجب الأعداد جريمة تستحق عقابا جزائيا . بدت عند هذا الحد الحكومة بمظهر المدافع عن قضية مجتمعية عادلة في مواجهة نقابة متسلطة. في الجهة المقابلة، اختارت قيادة النقابة القطاعية توسيع قاعدة أعدائها بعدما اتهم كاتبها العام الإعلام بتأليب الرأي العام ضد المربين وعزمه مواجهة ما يعده مؤامرة على الحق النقابي بإعلان إضراب مفتوح عن العمل بداية من يوم 17-04-2018 يشمل المؤسسات التربوية الإعدادية الثانوية.
استشعرت قيادة الاتحاد العام التونسي للشغل المصطلح على تسميتها محليا بالمركزية النقابية خطورة التصعيد الحاصل على صورة المنظمة النقابية ومكانتها وما تنذر به من مأزق ولم تخفِ رفضها الصراع المدمر. وكان أن انتهى تدخلها لإصدار هيئتها الإدارية الوطنية مساء يوم 23-04-2018 قرارا يدعو المربين لاستئناف الدروس وإنهاء كل الأشكال الاحتجاجية. واجهت نقابة التعليم الثانوي قرار قيادتها بأن أعلنت هيئتها الإدارية المجتمعة على عجل في ذات الليلة مواصلة احتجاجاتها في تطور هام لأزمة تصر على ترك ذيول لها قبل أن تنفرج. وهنا نقل انشطار النقابة للعلن صراعا ليس بجديد بين نقابات قطاعية قوية تسعى لتحقيق مصالح مالية لمنظوريها من جهة وقيادة نقابية منزعجة من هذا الانفلات وتسعى لفرض رؤية لدور المنظمة النقابية قوامه حقها في المشاركة في رسم السياسات العامة للبلاد. كما أشر التطور الحاصل على كون لقاء رئيس الجمهورية باجي قايد السبسي مع الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل يوم واحدا قبله كان له دور حاسم في التطورات بما يؤكد مجددا انه وبعيدا عن النصوص الدستورية بات لمؤسسة الرئاسة في تونس دور هام في الأمور التنفيذية.
وينتظر تبعا لهذا التطور والمعادلات الجديدة التي يفرضها أن تبحث نقابة التعليم الثانوي عن مخارج تسمح لها بإذعان مشرف لقرار المركزية النقابية منعا لانفلات قدرتها على التأثير في قطاعها، بما سينهي الأزمة التي كشفت نهايتها على أن المجتمع الديمقراطي الذي يكرس الحقوق والحريات ومنها حق الإضراب له القدرة على إيجاد معدلات صلبة تمنع كل أشكال التعسف. يبدو هذا المخرج من الأزمة الطاحنة رسالة ايجابية تردّ على من باتوا يطالبون بالانقلاب على الديمقراطية بدعوى أنها سبب للانفلات.
إعتبر وزير التربية حاتم بن سالم أن حجب الأعداد لا علاقة له بأشكال النضال النقابي المشروعة وهي الإضراب والتظاهر، مضيفا أن مثل هذه الممارسات تخل بواجبات الأساتذة التي تشمل التدريس والتقييم، وتضرب المنظومة التعليمية في الصميم.
تعاني اغلب مؤسسات القطاع العام بتونس من عجز مالي كبير استدعى تلقيها سنويا دعما ماليا من الدولة لخلاص مزوديها ونسب من أجور أعوانها وترى الحكومة ان خصخصتها تحل الإشكال فيما تدعو النقابة للبحث لحلول لمشاكلها بعيدا عن الخصخصة التي يعدها أمينها العام خطا احمر ممنوع الحديث فيه
تعاني صناديق التقاعد التونسية من عجز مالي كبير نتيجة أهمية ما تتولى خلاصه من جريات تقاعد ومنافع مالية وعدم قدرها مواردها على تغطيتها وتصر الحكومة على أن الترفيع من سن التقاعد من 60 سنة الى 65 هو الحل للإشكال القائم وتقترح كحل وسط اعتماد 62 سنة كسن للتقاعد القانوني يمكن بعدها للعون العمومي مواصلة العمل لمدة ثلاث سنوات اختياريا وهو موقف رفضته النقابة ويبدو ان مطالبة نقابة التعليم الثانوي بمراجعة التقاعد ل55 سنة هدفه إنهاء الحديث عن التعديل بشكل نهائي
يراجع مقال:قاضي الأسرة يحكم برفع حجب الأعداد معركة الثانوي تأخذ منعرجا جديدا -محمد بوعود – منشور بموقع جريدة الصحافة –
قال شوقي قداس رئيس هيئة المعطيات الشخصية في تصريح لإذاعة ـ”الجوهرة أف أم”بتاريخ 28-03-2018 " أن مسألة حجب الأعداد تعتبر خرقا واضحا للقانون حيث ان الأعداد تصنف ضمن المعطيات الشخصية وان حجبها هو خرق لقاعدة أساسية موجودة في حق النفاذ للمعطيات الشخصية و ذكر أن هذا الخرق يؤدي إلى تعرض كل أستاذ يحجب الأعداد للعقاب الجزائي وبالسجن لمدة 8 أشهر بحسب قانون "2004. –وقد أثار هذا الموقف في حينه ردود فعل حقوقية أدانت ما فيه من توظيف للهيئة في الصراع السياسي ولكنه في المقابل وجد صدًا إعلاميًا كبيرا بما خدم لدى الرأي العام الحكومة في معركتها
This website uses cookies so that we can provide you with the best user experience possible. Cookie information is stored in your browser and performs functions such as recognising you when you return to our website and helping our team to understand which sections of the website you find most interesting and useful.
Strictly Necessary Cookies
Strictly Necessary Cookie should be enabled at all times so that we can save your preferences for cookie settings.
If you disable this cookie, we will not be able to save your preferences. This means that every time you visit this website you will need to enable or disable cookies again.