الهيئات الرقابية تحت نيران السياسة: صفقة الكهرباء نموذجاً


2017-08-17    |   

الهيئات الرقابية تحت نيران السياسة: صفقة الكهرباء نموذجاً

نشهد اليوم أطول اعتكاف للقضاة في تاريخ لبنان على خلفية إقرار المجلس النيابي قانونا بالحدّ من ضماناتهم المالية. وفيما تتعامل الحكومة حتى هذه اللحظة مع الاعتكاف بكثير من اللامبالاة والتعالي، فإنها ضاعفت من هشاشة القضاة واستتباعهم من خلال إتخاذ قرار بعزل رئيس مجلس شورى الدولة شكري صادر عن منصبه بقرار غير معلل. وفي موازاة ذلك، تولى عدد من الوزراء التهجم على هيئات رقابية أخرى في موقف ينمّ عن ضيق صدر من أي قيد قد تفرضه هذه الهيئات عليهم وسعي إلى التفلت من هذه الرقابة. آخر هذه المواقف هو التهجم الواضح والمباشر على المدير العام لإدارة المناقصات في هيئة التفتيش المركزي جان العلّية وعلى تقريره بشأن مناقصات الكهرباء، وذلك على خلفية دفاعه عن صلاحياته الرقابية واستقلاليته في ممارسة هذه الصلاحيات. وعليه، وفي سياق دفاعها عما بقي من هيئات مستقلة قضائية ورقابية، تنشر المفكرة القانونية تحقيقاً بشأن التعرض الحاصل حاليا ضد إدارة المناقصات، وتحديداً من زاوية مناقصتي الميكانيك والكهرباء (المحرر). 

خلافاً للاعتقاد السائد، تتمتع إدارة المناقصات وهي أحد أجهزة هيئة التفتيش المركزي، بالإستقلالية الكاملة فيما يتعلق بوظيفتها الرقابية. فعلى الرغم من ارتباط التفتيش المركزي إدارياً برئيس مجلس الوزراء، ليس لهذا الأخير أي صلاحيات توجيهية تسلسلية على هذه الإدارة بما يتعلق بعملها الرقابي.[1] فيمكن لرئيس مجلس الوزراء أن يطلب من هيئة التفتيش التحقيق في بعض أعمال الإدارة أو الكشف على إجراءات عملها من دون أن يكون له أو لغيره إمكانية التأثير على نتائج التحقيق. الأمر نفسه ينطبق على إدارة المناقصات داخل هذه الهيئة، طالما أن تحييد هذه الإدارة عن الهيئات السياسية هو خير ضمانة لحيادية المناقصات وشفافيتها وتاليا مصداقيتها فيما أن استتباعها أو التضييق على عملها يفتح الباب واسعا أمام التشكيك بمصداقية المناقصات المجراة. إلا أن هذه الاستقلالية المكرسة قانونا تشهد بشكل متزايد محاولات لضبطها وإبقائها تحت سقف المصالح السياسية، وذلك في مسعى إلى ضمان استمرار لعبة المحاصصة السياسية الطائفية بين أعيان السلطة الحاكمة. 

فعدا عن منح الصلاحية الرقابية لإجراء مناقصات لهيئات أخرى، مثل مجلس الجنوب ومجلس الإنماء والإعمار، (الأمر الذي شكل أساساً لسياسات المحاصصة والفساد في قطاع المناقصات)، تم توثيق العديد من الإجراءات المتخذة لتقييد عمل إدارة المناقصات، تكللت مؤخراً بتصريحات مسيئة بحق القيمين عليها من باب السعي إلى تحجيم هذه الإدارة ونزع المشروعية عن أعمالها[2]. وقد حصل هذا الأمر على خلفية تقرير وضعه مدير عام إدارة المناقصات جون العلّية بشأن مناقصة الكهرباء، شرح فيه على امتداد 48 صفحة، المخالفات الدستورية والقانونية التي تنطوي عليها.

نكران الاختصاص الشامل لهيئة إدارة المناقصات

يظهر في مناقصة الكهرباء إتجاه واضح من قبل وزير الطاقة والمياه سيزار أبو خليل لإنكار صلاحيات هيئة إدارة المناقصات. وقد إتخذ هذا الأمر عدة أوجه، إنطلاقاً من تجزئة صلاحياتها وصولاً إلى نقل هذه الصلاحيات إلى جهات سواها خلافاً للقانون. وفيما نجد أمثلة مشابهة في ملفات مناقصات أخرى كمناقصة الميكانيك مثلاً، فإن السعي إلى استبعاد إدارة المناقصات حصل تكراراً في سنة 2017 وبكتب واضحة تكاد تشكل نموذجاً فاقعاً في هذا المجال. ومن النافل القول أن الهدف من هذه التدابير هو بشكل خاص رغبة القوى السياسية المعنية بالتحكم بنتائج المناقصات.

فبتاريخ 21 تموز 2017، وأمام تصاعد حملة التشكيك بصفقة السفن التي كان يزمع سابقا إجراؤها من قبل المؤسسة العامة للكهرباء، طلب الوزير أبي خليل من مجلس الوزراء تقرير المناسب لفضّ العروض المالية، أكان عن طريق لجنة وزارية أو في إدارة المناقصات. وكان من اللافت أن الوزير ضمّن طلبه المثبت في القرار رقم 64 الصادر عن مجلس الوزراء، ثلاثة أمور معبّرة:

  • الأول، تأكيد على أن إدارة المناقصات غير صالحة (وهو أمر غير صحيح) على نحو يظهر أن اللجوء إليها يحصل ليس بفعل القانون إنما بإرادة الوزير الذي يمنح من تلقاء نفسه مزيداً من الشفافية.
     
  • الثاني، أن الوزير لم يجدْ حرجاً في تفضيل الخيار الثاني (أي اللجوء إلى اللجنة الوزارية). وهو بذلك عاد وأعلن عن تفضيل مرجع حكومي محكوم بحسابات السياسة على مرجع إداري يفترض أن يكون محايداً ومستقلا. وقد إستند الوزير في هذا الطلب على سابقة "المسار الإداري الذي سلكه إستدراج العروض المماثل سنة 2012 و2013 والذي انتهى بتأليف لجنة وزارية لدراسة العروض والتقارير والتفاوض مع الشركات".
     
  • الثالث، أن أبي خليل سعى إلى تجزئة عملية الإشراف على المناقصة، من خلال حصر المهمة المطلوبة بفض العروض المالية، على أساس أن "الاستشاري الدوليPoyry  قد أنهى تقريره التقني العائد لفض العروض الإدراية والتقنية وبات من الضروري الإنتقال إلى فض العروض المالية العائدة إلى الشركات المؤهلة".

وفيما لم يستجب مجلس الوزراء وقتها إلى طلب الوزير لناحية تأليف لجنة وزارية، مقرراً إحالة الملف الى إدارة المناقصات، فإنه بالمقابل استجاب لطلب تجزئة صلاحيات إدارة المناقصات. وعليه، عمد بناءً على طلب من أبي خليل، إلى تحديد صلاحية إدارة المناقصات بفض العروض المالية حصراً.  وهذا الأمر يعني أن المجلس اعتبر تقرير الإستشاري كافيا وأنه يجوز الإنتقال إلى مرحلة فض العروض المالية، وذلك خلافاً للقانون الذي لا يجعل الإستشاري بأي حال بديلا عن إدارة المناقصات وأيضا للمبدأ العام المتمثل بوحدة لجنة التقييم. وهذا المبدأ مكرس في نظام المناقصات (المرسوم التنظيمي رقم 2866/59) الذي يربط صلاحية البت بالعروض من كافة النواحي التقنية والإدارية والمالية بلجنة تلزيم تعتمدها إدارة المناقصات، على أن يعود لها الاستعانة برأي خبراء، وهو رأي يبقى إستشاريا.

وقد تسنى للمفكرة الإطلاع على نسختين للقرار 64 عينه. النسخة الأولى كلفت إدارة المناقصات ب "إعداد تقرير كامل عن إستدراج العروض المالية المتعلقة …" فيما النسخة الثانية الناتجة عن تصحيح الصياغة الأولى فقد حذفت عبارة "المالية" منها لتصبح مهمة إدارة المناقصات "إعداد تقرير كامل عن إستدراج العروض المتعلقة ….". والتحوير المذكور إنما يفضح وجود توجه لدى بعض أعضاء مجلس الوزراء وبوجه خاص لدى الأمانة العامة للمجلس، لمزيد من التضييق لدور إدارة المناقصات، بحيث ينحصر في فض العروض المالية من دون إعطائها أي سلطة تقديرية في مدى ملاءمة ذلك أو في التدقيق بسلامة ما سبقها من إجراءات. إلا أن هذه الجهات تراجعت عن مبتغاها بعدما انكشفت فعلتها لتصصح صياغة قرار مجلس الوزراء.

وبتاريخ 12 آب 2017، أعاد وزير الطاقة والمياه سيزار أبي خليل محاولته في إقصاء هيئة الرقابة عن عمله، بحيث طلب مجددا من مجلس الوزراء تأليف لجنة وزارية (وتاليا سياسية وغير محايدة) لفض العروض المالية. والصادم في الموضوع هو أن هذا الطلب ورد بعد استلامه تقرير مدير عام المناقصات جون العلّية[3]، والذي بين فيه كما هائلا من المخالفات التي انطوت عليها إجراءات استدراج العروض، وخلص فيه إلى وجوب الامتناع عن فض العروض المالية، طالبا من الوزير رفع التقرير لمجلس الوزراء لاتخاذ الموقف المناسب. وعليه، بدل أن يعمل الوزير أبي خليل على تصويب العمل على ضوء تقرير إدارة المناقصة ضمانا لحقوق الخزينة العامة، اعتبر هذا التقرير باطلا لتعارضه مع ما يراه مصلحة عامة في تفادي العتمة.

وبمراجعة الإجراءات المعتمدة في استدراج عروض/ مناقصات أخرى، نلحظ نفس الإتجاه لإقصاء إدارة المناقصات. ففي سياق مناقصة الميكانيك مثلاً، تم منح الجهة التي تمت المناقصة لمصلحتها، أي إدارة السير، صلاحيات هيئة إدارة المناقصات خلافا للقانون. فقد استلمت إدارة المناقصات دفتر الشروط الخاصة المتعلق بالصفقة، من قبل مكتب وزارة الداخلية، ليتبين لاحقاً أن تعديلات أدخلت على الدفتر من دون أن يعاد عرضه على مجلس الوزراء.[4] ومنح دفتر الشروط المعدل هيئة إدارة السير والآليات والمركبات صلاحيات عديدة تعود قانونا لإدارة المناقصات. ومنها مثلاً تأجيل تقديم العروض، فيما يفترض أن تقوم إدارة المناقصات بذلك. هذا بالإضافة إلى منح الهيئة نفسها سلطة قبول أو رفض أي عرض، وإرساء التلزيم المؤقت على العارض، فيما تعود هذه الصلاحية قانونا إلى لجنة التلزيم المشكلة من قبل هيئة ادارة المناقصات.

تغطية مخالفات بقرارات مجلس وزراء

فضلا عما تقدم، تظهر ممارسة أخرى لا تقلّ خطورة وقوامها استخدام سلطة مجلس الوزراء لتغطيّة مخالفات كبيرة في المناقصات. فممّا تقدم، يظهر أن القرار 64 نفسه عمد إلى تغطية مخالفة أساسية في إجراء المناقصة. ففيما بيّن الوزير أبي خليل في طلبه أن "الاستشاري الدولي أنجز العروض الفنية في 9 حزيران 2017 وطلب من ثلاث شركات تقديم إيضاحات ومستندات"، أغفل مجلس الوزراء الجملة الثانية ليقرّ "أن الاستشاري الدولي poyry قد أنهى تقريره التقني العائد لفض العروض الإدارية والتقنية وبات من الضروري الإنتقال الى فض العروض المالية العائدة إلى الشركات المؤهلة". وعليه، وجدت إدارة المناقصات نفسها في وضعية شديدة الغرابة بحيث يطلب منها فض العروض المالية، بموجب قرار يدعي أن الاستشاري أنجز أعماله، فيما أن القرار نفسه يحتوي على معلومات تثبت أن الاستشاري لم يستكمل عمله بعد وما يزال بانتظار مستندات من بعض الشركات المشاركة. 

والحال أن إختصار هذه الحيثية كان ضرورياً ليبرر مجلس الوزراء خلاصة قراره بتكليف إدارة المناقصات بفض العروض المالية بمعزل عن التقارير الإدراية والتقنية، بالتالي بغض النظر عن شرعية الإجراءات المعتمدة. وهو ما سيتضح أكثر من خلال إعلان الأمانة العامة لمجلس الوزراء عبر وسائل إعلامية أن إجراءات الصفقة مستمرة، وذلك على الرغم من إعلان مدير عام المناقصات رفضه فض العروض المالية، ضمن تقريره المرفوع الى أبي خليل.

فرض اللجان الإدارية والتقنية لفض العروض

إن كان إنكار الصلاحيات وإقصاء إدارة المناقصات يشكل الصورة الأكثر فجاجة لنية السلطة السياسية بإلغاء دور إدارة المناقصات، فإنها تسلك في محلات أخرى طرق تدخل أكثر تعقيدا وإنما بنفس الخطورة، وخصوصا في ما يتصل بكيفية تأليف اللجان الإدارية والتقنية. ولفهم هذا الأمر، يقتضي بداية مراجعة الدور المكرس قانوناً لهيئة إدارة المناقصات في تشكيل هذه اللجان لنقارنه من ثم بالممارسة المعتمدة حاليا.

فوفق القانون، يتمتع مدير عام إدارة المناقصات بصلاحية تسمية أعضاء "لجان التلزيم" التي تتعهد بمراقبة حسن إنطباق مسار المناقصة على القانون، على أن يختارهم من ضمن لوائح مصادق عليها من قبل التفتيش المركزي. كذا بالنسبة إلى "لجان الخبراء" التي تختص بالتدقيق التقني والفني.

إلا أن الوزير أبي خليل رأى هنا ايضا ضرورة في تعديل الأصول المعتمدة في هذا المضمار، بحيث عمد مسبقا إلى تشكيل لجنة التلزيم بقرار صادر عنه، بناءً على كتاب من مدير عام مؤسسة كهرباء لبنان. وتعيين اللجنة على هذا النحو مخالف للقانون طالما أن مجلس إدارة مؤسسة كهرباء لبنان يكون مختصا فقط في حالات استدراج العروض التي تنقص قيمتها عن 100 مليون ليرة لبنانية حصراً. أما فيما خلا هذه الحالة، فإن كل المناقصات أو استدراج العروض التي تفوق قيمتها الـ 100 مليون، فتكون الصلاحية شاملة لإدارة المناقصات، بما في ذلك تأليف اللجان الفنية ولجان التلزيم كما سبق بيانه.

وما فاقم هذه المخالفة هو قيام أمين عام مجلس الوزراء بإيفاد مندوب عنه إلى رئاسة مجلس الوزراء، شارك في اجتماعات اللجنة من دون أي سند قانوني. كذلك الأمر، وخارج أي نص قانوني، شارك مستشارون لوزير الطاقة والمياه في اللجنة. وهذا التدافع إلى المشاركة في عمل اللجنة من دون سند قانوني إنما هو تعبير فاضح عن رغبة هذه الوزارات في التأثير على آراء الأعضاء في هذه اللجنة.

ويلاحظ، في هذا الإطار أيضاً، حصول تدخلات مشابهة عند تشكيل لجان التلزيم واللجان الفنية في مناقصة الميكانيك. فهنا أيضا، أصدر مجلس الوزراء قرارا في 8 نيسان في العام 2014 كلف بموجبه إدارة المناقصات بإجراء المناقصة، على أن تضم لجنة إجراء المناقصة أعضاء تسميهم هيئة إدارة السير (هنا أيضا من دون سند قانوني).[5] وهذا الأمر يتناقض مع صلاحيات إدارة المناقصات، بل مع مبدأ فصل الوظائف، الذي يقتضي ألا يكون ضمن لجان الرقابة أي طرف تحصل لمصلحته المناقصة. ولم تتردد اللجنة الفنية التي عين بعض أعضائها بضغط من وزير الداخلية نفسه، حسبما نما إلى المفكرة من مصادر فضلت عدم ذكر اسمها، في تخطي حدود دورها الإستشاري الفني، لترفض عروضا كانت لجنة التلزيم (الإداري) قبلتها، ولأسباب إدارية (غير فنية). كل ذلك خلافاً لنظام المناقصات الذي يعطي الصلاحية النهائية لرفض أو قبول العروض إلى لجنة التلزيم المشكلة من قبل إدارة المناقصات وفق الأصول المحددة أعلاه وليس للجنة الفنية.

تهميش ملاحظات ادارة المناقصات

ممارسة أخرى تفضح التوجه نفسه في تهميش الهيئات الرقابية. وليس أدل على ذلك من كتاب أبي خليل الأخير المؤرخ في 12 آب 2017 جوابا على تقرير استغرق 48 صفحة لتعداد المخالفات الحاصلة في استدراج العروض في موضوع الكهرباء. وقد اعتبر أبي خليل في كتابه أن التقرير "ساقط شكلاً وأساساً ويقتضي الإهمال"، وأنه يعتبره "باطلاً"، من دون أن يتكبد عناء الرد على الحجج القانونية الواردة فيه. على العكس من ذلك، ذهب أبي خليل وخلافاً للمنظومة القانونية ذاتها، إلى وضع "قرار مجلس الوزراء" في مرتبة تتخطى القانون نفسه، وذلك في اتجاه مخالف لمبدأ تسلسل القوانين (المادة 2 من قانون أصول المحاكمات المدنية). فوفقاً للوزير "لا مساغ لأي تأويل أو إجتهاد أمام قرار مجلس الوزراء (…)".

ويسترسل الوزير من بعدها في فقرات متتالية تتحدث عن ضرورة السير بمناقصة الكهرباء إنفاذاً للخطة الإنقاذية لقطاع الكهرباء، ولتفادي إغراق المواطنين بالعتمة وتكبد أموال إضافية جراء نزاعات مرتبطة، مثل النزاع القاءم بين الدولة اللبنانية والشركة الأميركية الملتزمة معمل دير عمار أمام لجان تحكيمية. ولم ينس أبي خليل التذكير بأثر النزوح السوري. بعدها، انتقل أبي خليل إلى عنوان وحيد في كتابه: "في تطبيق قرار مجلس الوزراء رقم 64 بتاريخ 21/6/2017"ـ، معتبرا أن "مدير عام المناقصات إنفرد بوضع تقرير وبحث أمور عدة تخرج برمتها عن صلاحيته وعن حدود ما تم تكليفه به من قبل مجلس الوزراء بموجب القرار رقم 64 (فض العروض المالية)".

 وبالإضافة إلى "مخالفة القانون"، يعتبر أبي خليل أن "تصديه (أي علية) لقرارات مجلس الوزراء، الحالي والأسبق، وتقرير عدم انطباقها على التشريعات الدولية والمحلية وأيضاً الحكم بمخالفتها القوانين" أمور تفقد التقرير موضوعيته وتجرده من الحيادية. هذا ويدعي الكتاب أن التقرير يتضمن أضاليل مخالفة لقانون المناقصات من دون أن يعدد ولا واحدة من هذه "الأضاليل".

ومن المفيد في هذا المجال ذكر بعض هذه الملاحظات التي ارتأى وزير الطاقة والمياه إهمالها. فقد أوضح مدير عام إدارة المناقصات في تقريره "عدم إنطباق مسار استدراج العروض الإجرائي على ذلك المحدد في قانون المحاسبة العمومية ونظام المناقصات، كما على النظام المالي لمؤسسة كهرباء لبنان، ما يجعل الصفقة مشوبة بعيوب جوهرية في نظاميتها وتتصف باللانظامية". ومن المخالفات الأخرى التي تضمنها التقرير، إدخال تعديلات إلى دفتر الشروط الخاص بعد فض العروض التقنية، ما يخل بقواعد مشروعية التعديلات وبمبادئ المنافسة. فالعروض تقيم على أساس دفتر الشروط من دون أن يكون من الجائز تعديل دفتر الشروط على ضوء العروض. وعلى الرغم من ذلك، ينتهي التقرير إلى أنه حتى ولو سلم جدلاً بمشروعية الإجراءات، و"على الرغم من كل التعديلات والتوضيحات والتسهيلات التي أعطيت للعارضين خلال عملية التقييم وقبلها، بقيت كل العروض غير مطابقة باستثناء واحد منها، ما ينفي وجود منافسة أصلاً، أو يؤدي إلى حصول منافسة مجتزأة وغير متكافئة" وفقاً للتقرير. ويضيء التقرير في هذا السياق على مخالفة جوهرية لا يمكن للوزير تخطيها مفادها أن هذه التعديلات جاءت لتصب في مصلحة منافس واحد دون غيره، ما يحول العملية بكاملها إلى عقد بالتراضي مقنع. ويأتي في تقرير علية لهذه الناحية ما حرفيته: "في حال أخذ بالتعديلات اللاحقة غير المصدقة من قبل معالي الوزير، وغير المعلنة والمنشورة وفقاً لأحكام قانون (…) يبقى عرض وحيد مطابق".

قد يكون مدير عام إدارة المناقصات مخطئا بالكامل كما صرح الوزير أبي خليل. إلا أن التدقيق بظاهر المستندات المنشورة والمعلن عنها يثبت بشكل يرقى إلى اليقين أن الأول أتم عمله فبرر كلّ ما ادّعاه بالنصوص والمراجع وبكل شفافية، فيما بقي كلام الوزير عموميا ومسندا إلى مصطلح مبهم هو مصطلح "المصلحة العامة" وكأنه يكفي الإدلاء بهذا المصطلح لتغليب وجهة نظر الفريق الذي يحتكر النطق بهذه المصلحة وتاليا لتطيير كل النصوص الناظمة لعمل المؤسسات، بما فيها عمل الهيئات الرقابية. في حال استمرار منطق كهذا، يرجح أن تغرق دولة القانون والمؤسسات في عتمات الشعبوية. 

 


[1] – يعود هذا الإرتباط إلى مرحلة إنشاء التفتيش المركزي عام 1962، حين كانت وقتها صلاحيات السلطة التنفيذية بيد رئيس الجمهورية. أدى نقل هذه الصلاحيات إلى رئاسة مجلس الوزراء بموجب التعديلات الدستورية لعام 1992 من دون نقل إرتباط التفتيش المركزي إلى رئاسة الجمهورية، إلى خلق إشكالات في عمل هيئة التفتيش المركزي، ترجمت في الواقع حالة من الارتباط الاداري غير المشروع للتفتيش المركزي برئاسة مجلس الوزراء.
[2] –  على سبيل المثال ما جاء في حديث وزير الداخلية نهاد المشنوق في برنامج كلام الناس، خلال الحلقة التي عرضت بتاريخ 3 آب 2017 على شاشتي lbc  و ldc
[3] – التقرير الذي وصل الى وسائل إعلامية قامت بنشره، ينطوي على تفصيل دقيق لكل المخالفات القانونية والدستورية الفادحة التي تنطوي عليها الصفقة. يمكن مراجعة : محمد وهبة، "صفقة بواخر الكهرباء: إدارة المناقصات توثق الفضيحة"، الأخبار، مجتمع وإقتصاد، العدد 2226 الجمعة 28 تموز 2017.
[4] – يمكن مراجعة : محمد وهبة: "مناقصة الميكانيك: دفتر الشروط مزور"، مجتمع وإقتصاد، العدد 2788، 15 كانون الثاني 2016
[5] – إيلي الفرزلي: "مناقصة الميكانيك: ثلاث إشكاليات قانونية معلقة"، السفير، منشور على صفحة الحزب الشيوعي اللبناني، 25 آب 2016.

انشر المقال

متوفر من خلال:

لبنان ، مقالات ، دولة القانون والمحاسبة ومكافحة الفساد



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني