“النيابة العامّة العسكريّة تدّعي على المتظاهرين من دون قراءة ملفّاتها”.. البراءة مجدّداً لناشطي 17 تشرين


2020-11-02    |   

“النيابة العامّة العسكريّة تدّعي على المتظاهرين من دون قراءة ملفّاتها”.. البراءة مجدّداً لناشطي 17 تشرين
رسم عثمان سالمي

كانت الليلة الأولى لانتفاضة 17 تشرين حين نزل جورج أبو فاضل (36 سنة) أسوة بغيره من المواطنين إلى الشوارع للتظاهر غضباً من قرارات الحكومة المتعلّقة برفع الضرائب أمام تدهور حاد للأوضاع المعيشيّة. لم يكن هدف أبو فاضل سوى التعبير عن رأيه عبر مشاركته في التظاهرات التي انطلقت في كلّ المناطق اللبنانيّة، لكنّه رغم ذلك تعرّض للتوقيف ثم الادّعاء عليه أمام المحكمة العسكريّة بـ”تهمة معاملة قوى الأمن بالشدّة”. وبعد عام تقريباً أتى حكم البراءة الذي أصدرته المحكمة يوم الجمعة 30 تشرين الأوّل 2020 بعد جلسة محاكمة أبو فاضل ليكون دليلاً على أنّ “النيابات العامّة العسكرية لا تقرأ ملفّاتها قبل الادّعاء”، بحسب وكيل أبو فاضل المحامي أيمن رعد العضو في “لجنة المحامين للدفاع عن المتظاهرين”.

التظاهر السّلمي يعرّضك للتوقيف

يروي أبو فاضل لـ”المفكرة القانونية” عن تعرضّه للتوقيف ثلاثة مرّات بسبب مشاركته في التظاهرات. “المرّة الأولى تم إيقافي الساعة الثانيّة صباحاً في 18 تشرين الأول 2019 فور اندلاع الانتفاضة، “، يقول أبو فاضل. ويُضيف، “حينها تم اقتيادي إلى ثكنة الحلو ثم أفرج عنّي بعد 36 ساعة”.

يعود أبو فاضل إلى ذلك اليوم مؤكّداً أنّ توقيفه آنذاك لم يثنيه عن متابعة التظاهر إلى أن تعرّض للتوقيف مرّة ثانيّة: “خرجت من الثكنة وتوجّهت مباشرة إلى المنزل وعلمت بعدها أنّه تمّ قطع الطريق في بيت مري، فتوجّهت إلى الشارع من جديد وانضممت إلى المحتجين”، (علماً أنّ قطع الطرقات (مع إبقاء منافذ) هو أحد وسائل التجمّع السلمي على الطرقات العامة المحمي بموجب حق التظاهر). ويؤكد أبو فاضل، “كان الجيش اللبناني يُحاول فتح الطريق، وطلب منّا ألّا نحرق الإطارات، فوافقنا والتزمنا بالاتفاق”. يُتابع “ثم بدأ الجيش بفتح مسرب واحد، ثم فتح مسرباً آخر، فرأيت أنّ ذلك يعني فتح الطريق كلّياً ضد إرادة المحتجين” أي بمعنى آخر فضّ التظاهرة بالقوّة. أبو فاضل رأى أنّ فتح الطريق سيعني منعهم من استكمال تحركّهم، لذا “اعترضت على فتح الطريق لأنّ الهدف من إغلاقها كان التعبير عن غضبنا ورأيت أنّها محاولة لمنعنا من التعبير، فذهبت وجلست في الطريق أمام السيارات”، وفقاً لتعبيره.

أصرّ أبو فاضل على الجلوس في الطريق من دون الامتثال إلى طلبات عناصر الجيش اللبناني المتواجدين في الشارع، وما هي إلّا دقائق حتى “أتت مجموعة عناصر وحملوني ووضعوني في سيارة الجيش وتم اقتيادي إلى ثكنة في بكفيا، ثم تمّ نقلي إلى الشرطة العسكريّة في الفياضيّة، وهناك بقيت في الاحتجاز 5 ساعات”. عن ساعات الاحتجاز يقول أبو فاضل أنّه “تم التحقيق معي بالعموميات ولم يتم توجيه أي أسئلة هامة إليّ، حتى لم تتّصل الأسئلة بأيّ أمر له علاقة بمقاومة العناصر الأمنية أو معاملتهم بالشدّة أو الإساءة إليهم”. لا بل على العكس، يلفت أبو فاضل إلى أنّ “عناصر الجيش الّذين كانوا معي في الفياضيّة كانوا لطفاء”. أما المرة الثالثة، فكانت خلال تظاهرة 8 آب بعد انفجار مرفأ بيروت حيث تم انتشرت صورة لأبو فاضل يظهر فيها عناصر من الجيش يمسكونه من شعره.

ممثل النيابة العامّة العسكرية “يقرأ الملف” ويغيّر الوصف الجرمي

في 30 تشرين الأوّل 2020، مثل أبو فاضل أمام المحكمة العسكريّة برئاسة القاضي منير شحادة، وتم استجوابه بما يتعلّق بوقائع احتجازه الثاني في 19 تشرين الأوّل 2019. وإذ روى للمحكمة ما حصل معه، سأل في كلامه لـ”المفكرة” “أين هم العناصر الّذين تدّعي النيابة العامّة أنّي عاملتهم بالشدّة، لماذا لم يتمّ استدعاؤهم واستجوابهم أيضاً”. وأضاف منتقداً الادّعاء بحقه قائلاً:  “النيابة العامّة العسكريّة ادعت من دون أن تدقّق في الملف، ولو أنّها قرأت الملف لما كانت أتت بي إلى هنا اليوم”.

بعد الاستجواب، اعتبر ممثل النيابة العامّة القاضي رولان الشرتوني أنّ قضية أبو فاضل تنتطبق عليها تهمة “المقاومة السلبيّة” للقوى الأمنيّة، وتبيّن ذلك من قوله أنّه “يترك لرئاسة المحكمة القرار بشأن إعادة الملف للنيابة العامّة بهدف تصحيح الوصف الجرمي”. هذا الأمر اعترض عليه وكيل أبو فاضل المحامي أيمن رعد الذي أشار في مرافعته إلى أنّه “يرى أنّ النيابة العامّة لم تقرأ الملف بشكل دقيق”، طالباً البراءة لموكّله لعدم وجود أي جرم أو لكفاية الدليل. في المقابل، رفض القاضي شرتوني اتّهام النيابة العامّة بأنّها لا تقرأ الملفّات، معتبراً أنّ قضاة النيابة العامّة يشكّلون وحدة متكاملة، وطلب تأجيل الجلسة للاطّلاع على الملف. وتأجيل الجلسة يعني جلسة أخرى واحتجاز من الصباح إلى المساء للمدعى عليه أبو فاضل ولكن رئيس المحكمة العسكريّة القاضي شحادة منح القاضي شرتوني ساعتين للاطّلاع على الملف، وحين عاد للترافع من جديد بقي القاضي شرتوني على موقفه المتعلّق بـ “تغيير الوصف الجرمي”. وعلى غرار ما حصل مع متظاهرين آخرين، لا سيما الصحافي والناشط خلدون جابر حيث طلب ممثّل النيابة العامة القاضي هاني حجّار البراءة بعد اطلاعه على الملف، استندت النيابة العامّة في ادعائها بحق أبو فاضل إلى موجز المخابرات في حين أنّ محضر التحقيق لم يتّصل بتهمة معاملة قوى الأمن بالشدّة. وعلى أثر المحاكمة، أعلنت المحكمة العسكرية براءته، فيما شكّل حلقة جديدة من مسلسل هدر المال وإخضاع المدنيين من المتظاهرين وناشطي 17 تشرين لمحاكمات عسكرية.

مقالات ذات صلة:

ممثّل النيابة العامة العسكريّة يطلب البراءة للناشط خلدون جابر: حكم يفضح تلفيق الأجهزة الأمنيّة التّهم ضد المتظاهرين

دعاوى “معاملة قوى الأمن بالشدّة” ضد متظاهرين أمام المحكمة العسكريّة: هدر للمال العام

كيف استخدمت السّلطة سلاح التوقيفات لقمع حرّية التظاهر والاعتراض؟

انشر المقال

متوفر من خلال:

محاكمة عادلة وتعذيب ، قضاء ، لبنان ، حريات ، مقالات ، المرصد القضائي ، حراكات اجتماعية ، أطراف معنية ، انتفاضة 17 تشرين ، أجهزة أمنية ، احتجاز وتعذيب ، محاكم عسكرية ، أنواع القرار ، قرارات قضائية ، حرية التعبير ، حرية التجمّع والتنظيم



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني