“
مثل أمس الأحد أربعة ناشطين أمام مكتب مكافحة الجرائم المعلوماتية في بيروت، في دعوى تقدّم بها المدعو علي دبوق ضدهم بتهمة القدح والذم على شبكات الإعلام الاجتماعي. والمدعى عليهم هم نعمت بدر الدين ومحمد الحاج علي ويوسف عاصي وذكي شكر. وجاء الادعاء على خلفية منشورات تضمّنت صورة للمستدعي وهو يحمل عصا خشبية مرفقة بتعليقات تُدينه وتتهمه بأنه تعرّض بالضرب للمتظاهرين في النبطية أثناء فض تظاهرة أمام السراي بتاريخ 23 تشرين الأول. وكان المدّعى عليهم وناشطون آخرون تناقلوا معلومة تبيّن أنّها غير صحيحة، وهي أنّ المستدعي هو “عميل سابق في جيش لحد”، ولكن سرعان ما تراجعوا عنها، سواء بحذف المعلومة أو بكتابة توضيح عن الأمر، مع التمسّك بإدانة حادثة الاعتداء التي يؤكدون أن المستدعي شارك فيها.
ونفذ عشرات المواطنين وقفة تضامنية مع الناشطين الأربعة أمام ثكنة العقيد الشهيد جوزيف ضاهر، منذ لحظة دخول المدّعى عليهم الثكنة عند الحادية عشر صباحاً، حتى خرجوا عند حوالي الرابعة عصراً، شارك فيها أيضاً عدد من المحامين المتطوعين. وقبل الدخول إلى التحقيق لفت يوسف عاصي، أحد الذين تم استدعاؤهم إلى التحقيق، إلى أنّ من اعتدوا على المواطنين في ذلك اليوم، انهالوا على المتظاهرين بالضرب ووجّهوا اتهامات إليهم بأنهم “عملاء”. وأكدت نعمت بدر الدين من جهتها أنّها كتبت توضيحاً على صفحتها بأنّ المعلومة التي تُشير إلى أن دبوق “عميل” غير صحيحة، ولكنها في الوقت ذاته دانت عملية الاعتداء، ولفتت إلى أنّ المستدعي اتهمها بأنها عميلة للسفارات، وشتمها على وسائل التواصل الاجتماعي.
المحامون يتصدّون لمحاولة الدخول إلى هواتف المدّعى عليهم
وجرت العادة في هذا النوع من التحقيقات أن يتمّ إجبار المدعى عليه على حذف المنشورات التي كتبوها على فيسبوك وبأن يوقع على تعهد، إلا أنّ هذه المرة أصرّ المدعى عليهم على عدم توقيع أية تعهدات. واتخذ المحامون الذين انتظروا خروج المدّعى عليهم من التحقيق، موقفاً حاسماً بعدم السماح للمحققين بالحصول على الهواتف الخليوية التي تركها الناشطون خارجاً، لكي يقوموا بحذف المنشورات. ويؤكد المحامي مازن حطيط لـ”المفكرة” بأنّ “الدخول إلى الهواتف الخليوية هو أمر مرفوض كونه يحتاج إلى حكم قضائي، فلا يستقيم قانوناً أن يدخل المحققون إلى الهواتف الخليوية للمدعى عليهم وإجبارهم على حذف المنشورات، كما أنها ليست من صلاحية النيابة العامة أن تتخذ هكذا قرارات بل هي من صلاحيات قاضي الحكم”.
وعقب انتهاء التحقيق أصدرت لجنة المحامين للدفاع عن المتظاهرين بيانا أكدت فيه أنه بعد الاستماع إلى إفادات الناشطين رفضوا “التوقيع على تعهدات وتعديل مضمون منشوراتهم وفقاً لإشارة النيابة العامة الاستئنافية وأصرّوا على أنّهم لم يرتكبوا أيّ جرم بل عبّروا عن آرائهم بحرية”. وشدد البيان على أنّه “لا صلاحية للنيابة العامة بإلزامهم بتعديل مضمون المنشورات، كما أنه لا يمكن هتك خصوصياتهم وإلزامهم بتسليم هواتفهم. وعليه ترك الناشطون بسند إقامة، وحققت معركة الحريات نقطة لصالحها”.
وأوضح البيان أنّ “القانون يمنع الضابطة العدلية من الاطّلاع على مضمون الهواتف. كما وأن قرار تعديل أو إزالة أي منشور يفترض صدوره بموجب حكم نهائي مبرم من قضاء الحكم، وليس بإشارة من النيابة العامة التي ينحصر دورها بحفظ الشكوى أو الادعاء في حال تبيّن لها وجود جرم”.
يشار إلى أنّ ناشطين بينهم المدّعى عليهم الأربعة تناقلوا صورة المستدعي علي دبوق على فيسبوك وهو يحمل عصا واتّهموه بأنّه كان من بين المدنيين الذين شاركوا في الهجوم على المتظاهرين أمام سرايا النبطية مع أشخاص بلباس شرطة البلدية واعتدوا عليهم بالضّرب المبرح. وأدّى الهجوم إلى سقوط 20 جريحاً في صفوف المتظاهرين نقل العديد منهم إلى المستشفيات وقد أدخِل أحدهم العناية الفائقة لبضعة أيام مصاباً بكسور في رقبته وظهره.
نيابة النبطيّة تصرّ على الاستماع إلى متضررين
واستلمت النيابة العامة الاستئنافية في النبطية إخباراً تقدمت به مجموعة من المحامين بوجه رئيس بلدية النبطية التحتا أحمد كحيل وعناصر الشرطة التابعة لها و14 شخصاً آخرين من المعتدين تم التعرّف على هوياتهم. ويتعلّق موضوع الإخبار باقتراف جرائم منصوص عليها في قانون العقوبات اللبناني ضد المشاركين في تظاهرة النبطية، وهي جرائم تتمثل بمحاولة القتل والتحريض عليه، الضرب والإيذاء، التهديد بالقتل والإيذاء وإثارة النعرات والفتن العنصرية، وإساءة استعمال السلطة والتعدي على الحقوق المدنية وجمعيات الأشرار. وكان الإخبار اتّهم كحيل باتخاذ القرار بفض تظاهرة النبطية بالقوة. ولفت الإخبار إلى أنّ الاعتداء حصل من قبل عناصر شرطة البلدية ومعهم أشخاص بلباس مدني أمام عناصر من القوى الأمنية والأخيرين لم يتحركوا لحماية المتظاهرين.
ونقل بعض المحامين أنّ النائبة العامة الاستئنافية في النبطية القاضية غادة أبو علوان طلبت مؤخراً من المحامين أن يتقدم إلى مكتبها أشخاص متضررون من الحادثة ليقدموا شهاداتهم إذ أنّ الإخبار تقدّم به محامون فقط دون الأهالي الذين تعرضوا للضرب، وذلك يعود إلى خشيتهم من أن يتعرضوا لمضايقات من مناصري الأحزاب.
كما علم اليوم من مصادر النيابة العامة في النبطية أنها فتحت محضراً فوريّاً على حدة، وأنها أحالت ثلاثة معتدين إلى قاضي التحقيق بتهمة محاولة قتل. في حال صح ذلك، فإن النيابة العامة في النبطية تكون قد انتهجت نهجاً مختلفاً عن النيابات العامة في المناطق الأخرى: للتذكير، شهدت صور حالات من القمع من قبل أشخاص مناصرين لأحزاب، كما تعرّض المتظاهرون في رياض الصلح وجسر الرينغ لاعتداء من مناصري حركة أمل وحزب الله – كما تدلّ الأعلام التي حملوها والهتافات التي أطلقوها – مرتين الأولى في 23 تشرين الأول والثانية فجر 25 تشرين الثاني. وحتى الساعة لا يوجد أيّ ادعاء أو حتى تحقيق بحق أحد من هؤلاء الذين تم توثيق اعتداءاتهم بالصور والفيديو.
ولكن في المقابل حصلت حالات عدة من تسطير محاضر بحق ناشطين على خلفية شعار أو هتاف أو منشورات على وسائل التواصل الاجتماعي، بالإضافة إلى توقيفات عديدة جداً، ولم يوقف أحد من المعتدين إلّا في حالات نادرة بينها جريمة قتل علاء أبو فخر عند مثلث خلدة، وحادثة جل الديب التي أطلق فيها مسلّح النار باتّجاه المتظاهرين.
“