“النقابة تنتفض” تقتلع السلطة من نقابة المهندسين: هل يؤسّس الانتصار لاستعادة النقابات؟


2021-07-20    |   

“النقابة تنتفض” تقتلع السلطة من نقابة المهندسين: هل يؤسّس الانتصار لاستعادة النقابات؟
النقيب الجديد عارف ياسين متحدثاً بعد إعلان فوزه

اقتلع ائتلاف “النقابة تنتفض” أحزاب السلطة من جذورها داخل نقابة المهندسين، بفوز مرشحه المهندس عارف ياسين بمنصب نقيب المهندسين، وتسعة أعضاء لمجلس النقابة. هو انتصار، لا بل هو اكتساح لا بل هو استعادة النقابة من براثن السّلطة التي احتلّت النقابات المهنيّة منذ التسعينيّات بعد انتهاء الحرب الأهلية، وجرّدتها من دورها وفوّضت نشاطها لصالح المحاصصات السياسيّة والطائفيّة. انتصار شكّل حالة تفاعل معها كثُر من اللبنانيين الواقعين في عين العاصفة التي تضرب البلاد وتشتدّ يوماً بعد يوم أمام بلادة غير واقعية من مسؤولي هذا البلد، حالة جاءت عكس تيار أصحاب القوّة الّذين حين ضرب انفجار العاصمة بأكملها وقفوا أمامه يتفرّجون.

عند السادسة مساء الأحد 18 تموز 2021، أُغلقت صناديق الاقتراع في نقابة المهندسين، وبدأت عملية الفرز. سبق ذلك حالة من الإحباط في صفوف المهندسين الناشطين في الماكينات الانتخابية على اختلافها جرّاء العدد المنخفض للمقترعين الذي لم يتعدّ 8842 مهندساً ومهندسة. هو انخفاض بدا ظاهراً في خيم الماكينات الانتخابيّة لأحزاب السلطة التي أمكن ملاحظة الإقبال الخفيف عليها. ويأتي ذلك مع حملات افتراضية مجهولة الهوية عملت في الأيام السابقة على نشر أخبار كاذبة هدفها الإطاحة بالانتخابات، وكسر إرادة المهندسين وردعهم عن المشاركة في الانتخابات عبر التصويب على “النقابة تنتفض”.

 

النقيب الجديد: على عاتقنا أن نحمي نقابتنا ونحمي وطننا

وقبل أن يبدأ عارف ياسين خطاب فوزه الذي سيؤسّس للمستقبل، وبعفوية تامّة روى أمام الحشود التي وقفت للاستماع إليه، ما حصل معه صباح الأحد: “عند السابعة صباحاً وصلتني رسالة مع خمس وردات، ورد فيها: “انشالله اليوم موفّقة نقابة المهندسين وكلّنا موفّقين، يلّا عارف، لي بيربح بدنا نهنّيه..”. وتابع: “هالشخص اسمو باسم العويني، هذه الرسالة استبشرت فيها خيراً وأعطتني قوّة”. والعويني ليس سوى المرشّح المنافس المدعوم من تيّار المستقبل…

ومن ثم بدأ ياسين وبلهجة نقيب جديد خطابه مؤكّداً: “اليوم اتّسعت نقابة المهندسين لتصبح بحجم وطن، وطن يعاني وينزف والناس متروكة لمصيرها، إلّا ما رحم ربها، وكان القهر قدر اللبنانيين هذه الأيام، وأكثر ما يدمي القلب أنّ الّذين بيدهم مقاليد الأمور في البلد، كأنّ الأمر لا يعنيهم”. وتابع: “منذ 17 تشرين إلى اليوم والنقابة تعاني وهي في قلب العاصفة والبلد في قلب الكارثة، لذلك لم ننتظر أحداً أن يأتينا بحلول، فالذي أوصلنا إلى هذه الكارثة لا يمكن أن ينتج حلولاً”، مؤكّداً أنّه “على عاتقنا جميعاً ومسؤوليّتنا أن نحمي نقابتنا ونحمي وطننا”. وشدّد على ضرورة العمل “على معالجة الأخطاء دون خوف أو تردد”.

وتوقّف ياسين عن برنامج “النقابة تنتفض” الذي أكّد أنّه “لكلّ المهندسين، ولتطوير النقابة وليس هناك من مستحيل، مهما بدت الأمور صعبة، فالآمال الكبيرة تبدأ بحلم ويحوّلها العمل إلى حقيقة. بالنسبة لي اليوم بدأت المعركة الحقيقية الكبرى لتحقيق كل ما تحدثنا عنه ووعدنا به”.

وتابع قائلاً: “باسمي وباسم ائتلاف النقابة تنتفض، ندعوكم بقلوب وعقول منفتحة للعمل سوياً لتحقيق برنامجنا ونحن جاهزون للتعاون مع أيّ فكرة أو طرح، فيه مصلحة للنقابة وللمهندسين وللمجتمع وللوطن”. وتوجّه إلى كلّ المهندسين أنّه “بانتظار اقتراحاتكم وأفكاركم لنتشارك جميعاً في تطوير نقابتنا وحماية المهندسات والمهندسين خصوصاً في هذه الكارثة”.

 

“النقابة تنتفض” تنهي عرفاً طائفياً عمره سنوات

يحمل ائتلاف “النقابة تنتفض” شعارات إصلاحية متعدّدة، من بينها استعادة دور نقابة المهندسين الذي يجمع بين دور وطني وآخر أساسي داخلي يتّصل بشؤون المهندسين وعلاقتهم مع نقابتهم. ولم يخف الائتلاف أنّ المعركة التي خاضها، سياسيّة، انطلاقاً من الدور الوطني الذي يجيز لنقابة المهندسين أن تمثل المجتمع في مجالات متعدّدة، إضافة إلى دورها المرتبط بالعمل النقابي. فوازن الائتلاف في برنامجه بين حقوق المهندس من ناحية حقه في الاستشفاء والمعاش التقاعدي وفرص العمل وحماية المهنة وبين الدور الوطني السياسي الذي تؤدّيه نقابة المهندسين. ومنها الدور الأساسي الذي تؤديه في المجلس الأعلى للتنظيم المدني، حيث لها صفة الرأي الإلزامي في المشاريع التي تتّصل بالعمران في القرى والمدن وغيرها. ولها الدور الاستشاري الذي يعوّل عليه الكثير من المهندسين في لجان مختلفة كاللجان النيابيّة حيث تكون قادرة على إبداء الرأي بالتشريعات والقوانين، هذا عدا عن قدرة النقابة بخبراتها التي تتمتع بها بأنّ تقترح المشاريع التنموية وإبداء الرأي، كما تشكل قوّة ضغط في وجه أي مشاريع غير تنموية هدفها المحاصصات السياسيّة وتشكّل ضرراً على المجتمع بيئياً واقتصادياً.

وانطلاقاً من هذه الرؤية، تمكّنت “النقابة تنتفض” من كسر أعراف بالية قائمة على التحاصص المذهبي والسياسي لمنصب نقيب المهندسين، يعتمد على المداروة بين المسلم السنّي والمسيحي، هو عرف التزمت به الأحزاب بحيث كانت تلجأ في كلّ مرّة إلى قلب الموازين عند آخر لحظة وتعويم اسم المرشح الذي ينتمي للطائفة التي يكون دورها الفوز بالانتخابات، حيث يصوّت له حتى خصومه في السياسية للمحافظة على العرف.

أنصار النقابة تنتفض على إحدى شرفات النقابة

“بالأرقام”

وبأرقام غير مسبوقة صعد نقيب المهندسين الجديد ومعه أعضاء مجلس النقابة والمقاعد في لجنة إدارة الصندوق التقاعدي ولجنة مراقبة الصندوق. مقعدان وحيدان لم تحصل عليهما “النقابة تنتفض” وحصدهما تكتّل تيار المستقبل وحركة أمل، الأوّل ممثل الفرع السادس أي فرع المهندسين العاملين في القطاع العام. وهو المقعد الوحيد الذي لم يتمكّن الائتلاف من اختراقه إذ أنّه الفرع الذي يمثّل التوظيفات في الدولة التي تحصل على قاعدة المحاصصة الطائفية والمحسوبيات الحزبية. والمقعد الثاني هو واحد من مقعدين شاغرين في عضوية لجنة إدارة الصندوق التقاعدي وخرقته الأحزاب لأنّ “النقابة تنتفض” لم ترشح سوى شخصاً لأحد المقعدين.

بالأرقام، حاز المهندس عارف ياسين على 5789 صوتاً  بفارق 4270 صوتاً عن أقرب منافس له وهو المهندس باسم العويني الذي حاز على 1528 صوتاً فيما حاز المهندس عبدو سكرية على 1289 صوتاً. أمّا أعضاء مجلس النقابة وعددهم 10، فقد تمكّن الائتلاف من اكتساح تسعة مقاعد فيما حصد مرشح مدعوم من حركة أمل وتيار المستقبل مقعد ممثل الفرع السادس. ونتائج ممثلي الفروع الأوّل والثاني والسابع والسادس فهي على التوالي: جوزيف مشيلح (6166 صوتاً)، ديفينا أبو جودة (6447 صوتاً)، وعلي درويش (6607 أصوات) وهم مرشّحو الائتلاف، وسلمان صبح (1766 صوتاً) وهو مرشح حركة أمل وتيار المستقبل.

أما أعضاء الهيئة العامّة الفائزون فهم يوسف أبو كرم (5701 صوتاً)، شارل فاخوري (5726 صوتاً)، كميل هاشم (5662 صوتاً)، إبراهيم حجازي (5632 صوتاً)، ربيع حسن (5570 صوتاً)، يسار العنداري (5587 صوتاً) وجميعهم مرشّحو “النقابة تنتفض”. أما المقعدان الشاغران في لجنة إدارة الصندوق التقاعدي فذهب أحدهما لريمون الخوري (6119 صوتاً) مرشح الائتلاف وحسين نصرالله مرشح أمل/ المستقبل (1699 صوتاً). وبعضوية لجنة مراقبة الصندوق التقاعدي فاز مرشحو الائتلاف أحمد بساط (5109 أصوات)، وحسان كزما (5713 صوتاً) وسلمان الدبيسي (5712 صوتاً).

 

انتصار يليه عمل فعليّ

يقول المهندس يسار عنداري الفائز بمركز عضو في الهيئة العامّة عن لائحة “النقابة تنتفض” “أثبتنا أننا لا نستسلم، وأنّنا قادرون على الوصول إلى مواقع المسؤوليّة بهدف التغيير عبر برامج واضحة، وتوصّلنا إلى نتيجة تؤكّد أنّ هناك مهندسين يرغبون في تغيير واقعهم”. ويلفت عنداري إلى أنّ “النقابة تنتفض عملت بجهد للنجاح في الانتخابات، وقد اعتقدنا في بعض الأحيان بأنّنا سنتمكن من الوصول إلى نجاح جزئي، إنما النتائج كانت أبعد من التوقعات، نحن نجحنا في كلّ المواقع التي ترشّحنا فيها”. يُضيف،

حتى لو أنّ النتيجة لم تكن مضمونة بهذا الحجم، إلّا أنّ النقابة تنتفض لديها برنامج شامل قادر على أن يستجيب ويطوّر العمل النقابي على الصعيدين الداخل والخارجي”.

السيدة الوحيدة التي وصلت إلى مجلس نقابة المهندسين كانت أيضاً مرشحة “النقابة تنتفض” وهي المهندسة المعمارية ديفينا أبو جودة التي فازت برئاسة الفرع الثاني. تؤكّد في حديث مع “المفكرة” على أنّ “الهندسة هي مهنة ضرورية في كافة أقسامها، لكن المعماريين هم واجهة البلاد، فما أطمح إليه هو الحفاظ على وجه وهوية العمران في بلادنا، نحن بحاجة إلى الحفاظ على الأبنية التي تعرّف عن هويتنا الثقافية”. وتُضيف، “أقول لطلابي في الجامعة أنّنا لو عصبنا عينيّ شخص ما ورفعنا عنهما العصبة في باريس سيعرف تلقائياً أين هو، أمّا في لبنان فالهوية في مدننا ضائعة، الأبنية لا تشبه تاريخنا بسبب إهمال التراث وهدم الأبنية التراثية من دون رقابة”. من هذا المنطلق، تحمل السيّدة أبو جودة همّاً اجتماعياً واقتصادياً لتجد له معالجة من خلال نقابة المهندسين، فما تطمح إليه كعضوة في مجلس النقابة هو العمل “على تعديل القوانين المتعلّقة بالبناء والعمران على اختلافها كما الأبنية التراثية، ليكون هناك رأي ملزم لنقابة المهندسين إلى جانب المديرية العامة للآثار فيما يتعلّق بحماية الأبنية التراثية لتجنّب هدمها أو تفادي المحسوبيات في عملية إعطاء رخص الهدم”.

من جهة ثانية، توضح رئيسة الفرع الثاني في نقابة المهندسين أنّ ائتلاف “النقابة تنتفض” تمكّن عبر طرق ديمقراطية في اختيار المرشحين كما عبر جهد مضني على مدى عام ونصف العام من الخروج برؤية وبرنامج انتخابي اكتسب من خلالهما ثقة المهندسين حتى نجح الائتلاف في الوصول إلى نقابة المهندسين وإنهاء السيطرة الحزبية على النقابة والقائمة على التحاصص لا على البرنامج الانتخابي الذي يحسّن من العمل النقابي والأوضاع الخاصّة بالمهندسين كما بالمشاريع التنموية في البلاد”. السيّدة أبو جودة تؤكد أنّ المهندسين بأمسّ الحاجة إلى فهم الأمور الداخلية التي تحصل في نقابتهم وكيف تتخذ القرارات ومن حقهم الوصول إلى المعلومات عبر أطر واضحة وشفافة.

 

جاد ثابت في يومه الأخير كنقيب للمهندسين

في يومه الأخير في منصب نقيب المهندسين، يزدحم مكتب جاد ثابت بالمهندسين والموظفين، وفي الزحمة يفسح المجال لحديث سريع مع “المفكرة” حول ما ينتظر النقيب الجديد قبيل إعلان النتائج. يشرح ثابت بأنّ “المسؤولية كبيرة على النقيب وأعضاء مجلس النقابة الجديدة، فهم لا يستلمون النقابة في مرحلة عادية بل بوقت مفصلي في البلاد”. يعتبر ثابت أنّ الأمور الأكثر ضرورة للعمل عليها مباشرة بعد استلام النقيب الجديد هي تلك التي ترهق بال المهندس اليوم، كصندوق الاستشفاء والصندوق التقاعدي. ويلفت إلى أنّ “العقد الاستشفائي ينتهي في شباط 2022، وهذا يجعل النقابة في موقع مسؤولية للتخطيط لكيفية إدارة هذا الموضوع، نحن حتى اللحظة تمكّنا من الصمود انما مؤخراً بدأت المستشفيات ترفض تغطية الصندوق حسب العقد القديم وبدأوا يطالبون بأسعار جديدة والأمر نفسه بالنسبة للمختبرات”.

من جهة ثانية “من الضروري البحث في المعاش التقاعدي، نحن رفعناه من مليون و350 ألف ليرة (كانت في السابق 900 دولار) إلى مبلغ مليون و800 ألف ليرة يشكلان اليوم أقل من 100 دولار أميركي. ومن جهة ثالثة يجب البحث في مصير أموال نقابة المهندسين المحجوزة لدى المصارف والتي خسرت جزءاً كبير من قيمتها”.

كل هذه الأمور تعبّر عن موقع نقابة المهندسين في الأزمة الاقتصادية، فيلفت ثابت إلى أنّ “النقابة في مرحلة مصيريّة مثل البلد، حاولنا في العامين الماضيين أن نحافظ على النقابة ونحميها قدر الإمكان، واليوم المشاكل باتت أكبر، فلا بد من التفكير بسياسية مالية، وأن يتمّ البحث في موضوع تحسين رواتب موظفي النقابة كما البحث في سبيل لملء الشغور في بعض المناصب داخل النقابة من دون أن نفصل ذلك عن مشكلة أخرى وهي كيفية حساب الرواتب أمام عدم ثبات الوضع المالي في البلاد”.

يخرج ثابت ليترك نقابة المهندسين بعد أربع سنوات من العمل النقابي، وبين يديه كُتيّب صدر قبل عام يشمل كافة الإنجازات والمشاريع التي نفذتها نقابة المهندسين خلال ولايته والتي ترجم من خلالها البرنامج الانتخابي الذي حمله عند الاستحقاق الانتخابي عام 2017، حين ترشح لمنصب نقيب في حملة “نقابتي للمهندسة والمهندس” كمرشح مستقلّ عن أحزاب السلطة السياسيّة. ويتابع ثابت أنّ “لنقابة المهندسين دور في الضغط وإصدار المواقف، نحن ليس لدينا صفة تقريريّة، فقمنا بتنفيذ المؤتمرات الصحافيّة لنقف بوجه المشاريع المضرّة”. ويذكر منها موقف النقابة من مشروع فندق “إيدن باي” المخالف الذي قدّم بصدده تقريراً لرئاسة الجمهوريّة حول المخالفات التي ارتكبها والمزعج بالنسبة له أنّ المشروع استمر ولو كان بدون رخصة كون النقابة اعترضت عليه. ومن هنا يأسف ثابت لأنّ “القرار ليست بيد النقابة إنما القرار يؤخذ على على صعيد السياسات العامة ويرتبط بعملية سياسية كبرى على صعيد الوطن”. لذا، يعود ثابت ليؤكد أنّ الوقت الآتي هو لمعالجة المشاكل الأساسيّة التي تتعب المهندسين والمتصلة بالأمور الداخلية كالاستشفاء ومالية النقابة وهي أمور تستدعي الاستجابة لها بالشكل اليومي، وهذا ما يفرقها عن الدور الوطني الذي يمكن أخذ المواقف بشأنه لكن ليس كالمواضيع الخاصة التي يطرق المهندس باب نقيب المهندسين لأجلها بشكل يومي.

انشر المقال

متوفر من خلال:

فئات مهمشة ، عمل ونقابات ، لبنان ، قضايا ، مقالات ، بيئة ومدينة ، حراكات اجتماعية ، سياسات عامة ، بيئة وتنظيم مدني وسكن ، أطراف معنية ، حقوق العمال والنقابات ، أحزاب سياسية ، انتفاضة 17 تشرين ، نقابات ، حركات اجتماعية ، تشريعات وقوانين ، حرية التجمّع والتنظيم



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني