استعملت الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة والاصلاح السياسي والانتقال الديمقراطي المرسوم عدد 35 لسنة 2011 الذي صاغت نصه ليكون كأداة لتعزيز حق المرأة التونسية بالمشاركة في صناعة السياسة العامة. وعليه، فرضت في الفصل السابع عشر منه على القائمات المترشحة لانتخابات المجلس الوطني التأسيسي إعتماد "مبدأ التناصف بين النساء والرجال" والذي "يتم بترتيب المترشحين صلب القائمات على أساس التناوب بين النساء والرجال".
وقد أدى إعمال هذه التقنية التي اصطلح على تسميتها بالتناصف الأفقي إلى فوز 49 امرأة بعضوية المجلس الوطني التأسيسي[1] الذي يتكون من 217 نائبا. لتبين أولى تجارب الإصلاح أن احتكار "الذكور" لرئاسة القائمات الانتخابية حال دون تنقية المشهد السياسي من هيمنتهم.
دفعت التجربة النخبة الحقوقية لأن تطور تصوراتها، فطالبت بأن يعزز في مستقبل الانتخابات التناصف الأفقي بتناصف عمودي يقصد به تناوب بين النساء والرجال في رئاسة القائمات الانتخابية ذات اللون الواحد. لم يقبل نواب المجلس الوطني التأسيسي عند نظرهم في القانون الانتخابي[2] بهذا الطرح واكتفوا بما سبق واعتمد من تناصف أفقي[3]. وقد خففوا من نزعتهم المحافظة تلك بأن ضمنوا قانونهم الانتخابي أحكاما تدعم حضور الشباب في المشهد الانتخابي. وعليه، فرضوا على القائمات الانتخابية المكونة من أربعة أعضاء أو أكثر والتي ترغب في الحصول على الدفعة الثانية من التمويل العمومي لحملتها الانتخابية[4] بأن يكون من ضمن مرشحيها شابّ يقلّ سنه عن 35 سنة[5].
انتهت أول انتخابات تشريعية تجري وفق القانون الانتخابي الجديد بفوز 68 امرأة بعضوية المجلس التشريعي لتكون بذلك نسبتهن بالمجلس ما يقارب 31% في حين أن النساء كن نصف المقترعات.
وبدا جليا مرة أخرى أن هيكلة القائمات الانتخابية التي طغا عليها على مستوى الرئاسة الذكور كانت مصدر الخلل[6] الذي منع تحقيق التناصف في النتيجة الانتخابية الذي بات هدفا للحركة الحقوقية والنسوية. وفي موازاة هذا، لم تؤدِّ الانتخابات التشريعية إلى بروز قيادات سياسية شابة، بما أكد مجددا تهرم الطبقة السياسية التونسية وبما بيًن محدودية أثر جرعة الاصلاح.
انطلاقا من ذلك، فرض تقييم التجربة وتطور الخطاب الحقوقي صلب المجلس النيابي الأول أن يكون تنقيح القانون الانتخابي في بابه الخاص بالانتخابات السلطة المحلية[7] مناسبة لتطوير اعتماد التشريع الانتخابي كأداة للإصلاح السياسي باعتماد التناصف العمودي زيادة على التناصف الأفقي أولا بما يتصل بتمثيل النساء وبفرض تمييز إيجابي صارم لفائدة الشباب في القائمات الانتخابية ثانيا وبالاتجاه ثالثا نحو تدعيم حضور ذوي الاحتياجات الخصوصية في مشهد الحياة السياسية. وهي إصلاحات ستشهد أول اختبار لها في أول انتخابات بلدية تجري بعد الثورة في تونس خلال الأيام القادمة.
المرأة التناصف العمودي فعل واعد
دعم المشرع بمقتضى الفصل 49 تاسعا من القانون الانتخابي التناصف الأفقي الذي بات معتمدا في كل أصناف الانتخابات العامة بتناصف عمودي يخص الانتخابات البلدية والجهوية ويتعلق بال الحزبية والائتلافية[8] دون سواها[9]. كشف سريعا الإصلاح التشريعي أثره في أول انتخابات بلدية على مستوى الترشحات. فقد كانت نسبة النساء اللواتي ترأسن القائمات الحزبية والائتلافية تقارب 50%[10] من مجمل صنفها بينما ظلت في حدود 3،49% بالنسبة للقائمات المستقلة[11]. وينتظر تبعا لكون النظام الانتخابي يقوم على النسبية أولا ولهيمنة الأحزاب الكبرى على المشهد السياسي كما كشفت ذلك أهمية نسبة القائمات الحزبية ثانيا أن تفرز نتائج الانتخابات نسبة هامة من النساء رئيسات المجالس البلدية بموازاة ما يقارب التناصف العددي بين الجنسين في تركيبة تلك المجالس.
ويبدو هذا الاصلاح بنظر نتائجه المتوقعة هاما جدا وإن كان لا يمكنه أن يحجب ما كشفت عنه القائمات المستقلة من تواصل هيمنة الرجل على الساحة السياسية وهي هيمنة قد تكون السبب الرئيس في تقديم عدد هام من الأحزاب لمرشحيها تحت عنوان هذه القائمات في محاولة منها لإخفاء عجزها عن تقديم قيادات نسوية لقوائمها.
الشباب في مواجهة ساحة سياسية متهرمة: البلديات مدخل للتشبيب
قاد الشباب التونسي الحراك الثوري سنة 2011 وطور من بعدها مجتمعا مدنيا أثبت فاعلية فائقة في مسار البناء الديمقراطي. في مقابل ذلك، غيّبت اللعبة السياسية هذه الفئة العمرية من مشهد القرار السياسي. وفي محاولة لمعالجة هذه الظاهرة، فرض القانون الانتخابي فيما تعلق بالانتخابات البلدية والجهوية أن تضم كل قائمة انتخابية شابا من بين المرشحين الثلاثة الأوائل في ترتيب أعضائها وشابا عن كل ستة مرشحين فيها[12].
وقد أدى هذا الفرض التشريعي الذي سعى لفك غربة الشباب عن ثمار ثورته لأن بلغت نسبة الشباب المترشح للانتخابات البلدية 48% من جملة المترشحين[13] حال أن ذات الشباب يعد الفئة التي كشفت مبكرا عن عزوف انتخابي ترجم بنسبة ترسيم في سجلات الناخبين لم تتجاوز نسبة 33%[14]. واعتبارا لما تشكله البلديات من ورشة هامة لصناعة القيادات السياسية، فإنه يؤمل أن تكون الانتخابات البلدية في نتائجها البوابة لتغيير في مشهد سياسي تهرم رموزه.
ذوو الاحتياجات الخصوصية: دخول محتشم لساحة الفعل السياسي يجب أن يتدعم
ربط الفصل 49 من القانون الانتخابي في مادته 11 تحصيل القائمات المترشحة للانتخابات البلدية والجهوية على التمويل العمومي"بضمها من بين العشرة الأوائل فيها مترشحة أو مترشحا ذا إعاقة جسدية وحاملا لبطاقة إعاقة". وقد اعترضت عديد الجمعيات الحقوقية منها جمعيات الدفاع عن هذه الفئة المجتمعية على هذا الربط بعدما قدّرت أنه سيكون سببا في استغلال الساسة لذوي الاحتياجات الخصوصية دون أن يثمر تمثيلا سياسيا حقيقيا لهم. وتجد هذه المؤاخذات ما يؤيدها في الممارسة السياسية من دون أن تمنع من ملاحظة تطور في حضور ذوي الاحتياجات الخصوصية بقائمات المترشحين للانتخابات البلدية. ومن أهم مظاهر تطور هذه الظاهرة، أن ترأس ثمانية عشر من ذوي الاحتياجات الخصوصية قائمات انتخابية وأن عددهم بلغ 1812 من جملة 57020 مترشحا الذين يخوضون النزال الانتخابي البلدي. ويؤمل أن يؤدي هذا التطور في التقائه بالضغط الحقوقي لتنقيح تشريعي مستقبلي يفرض حضور ذوي الاحتياجات الخصوصية في القائمات الانتخابية، تصحيحا لما ظهر من عيوب في الممارسة السياسية.
[1] تم خلال عهدة المجلس الوطني اختيار الجمهورية ورؤساء الحكومة وعدد هام من الوزراء من بين أعضائه . فتم تعوض هؤلاء في عضوية المجلس بمن تلاهم في القائمات التي ترشحوا بإسمها وكن في أغلبيتهن من النساء . وبفضل هذا التعويض انتهى عدد عضوات المجلس الوطني التأسيسي إلى 67 بما شكلن معه واحد وثلاثين بالمائة من تركيبته.
[2] القانون الأساسي عدد 16 لسنة 2014 المؤرخ في 26 -05- 2014 المتعلق بالانتخابات والاستفتاء.
[3] نص الفصل 24 " تقدّم الترشحات على أساس مبدأ التناصف بين النساء والرجال وقاعدة التناوب بينهم داخل القائمة ولا تقبل القائمة التي لا تحترم هذا المبدأ إلا في حدود ما يحتّمه العدد الفردي للمقاعد المخصصة لبعض الدوائر".
[4] يتمثل التمويل العمومي فيما يصرف من موازنة للقائمات المترشحة لتغطية جانب من مصاريف حملتها الانتخابية .
[6] حسب إحصائيات الهيئة العليا المستقلة للانتخابات من بين 1327 قائمة مترشحة لم تترأس نساء منها إلا 148 قائمة
[7] بموجب القانون الأساسي عدد 7 لسنة 2017 مؤرخ في 14 -02- 2017 يتعلق بتنقيح وإتمام القانون الأساسي عدد 16 لسنة 2014 المؤرخ في 26 -05- 2014 المتعلق بالانتخابات والاستفتاء
[8] يعود تخصيص القائمات الحزبية والائتلافية بالتناصف العمودي لكونها تخص اكثر من بلدية فيما تكون القائمات المستقلة فردية بمعنى انها تخص ترشحا في بلدية واحدة
[9] تقدّم الترشحات لعضوية المجالس البلدية والجهوية على أساس مبدأ التناصف بين النساء والرجال وقاعدة التناوب بينهم داخل القائمة.ولا تقبل القائمات التي لا تحترم هذه القاعدة.كما تقدّم الترشحات لعضوية المجالس البلدية والجهوية على أساس مبدأ التناصف بين النساء والرجال في رئاسة القائمات الحزبية والائتلافية التي تترشح في أكثر من دائرة انتخابية.ولا تقبل قائمات الأحزاب أو الائتلافات التي لا تحترم هذه القاعدة في حدود عدد القائمات المخالفة ….
[10] حسب احصائيات الهيئة العليا المستقلة للانتخابات فعدد النساء اللواتي ترأسن قائمات حزبية بلغ 49.48 بالمائة أي قرابة النصف من 1055 قائمة حزبية و عدد النسوة اللواتي ترأسن قائمات إئتلافية 48.43 بالمائة من 159 قائمة
[11] تقدمت للانتخابات البلدية 860 قائمة مستقلة ترأست 30 منها إمرأة في حين ترأس الرجال بقيتها أي 830 قائمة .
[12] ينص الفصل 49 عاشرا " يتعيّن على كل قائمة مترشحة أن تضمّ من بين الثلاثة الأوائل فيها مترشحة أو مترشحا لا يزيد سنّه عن خمس وثلاثين سنة يوم تقديم مطلب الترشح.كما يتعيّن على كل قائمة مترشحة أن تضمّ من بين كل ستة مترشحين تباعا في بقية القائمة، مترشحة أو مترشحا لا يزيد سنّه عن خمس وثلاثين سنة يوم تقديم مطلب الترشح.وتسقط القائمة التي لا تحترم هذه الشروط.
[13] حسب إحصائيات هيئة الانتخابات بلغ عدد المترشحين الذين سنهم أقل من 23 4866 مترشح أي ما نسبته 8.53 بالمائة من عموم المترشحين وترشح 24774 شاب يتراوح أعمارهم بين 24 و 35 سنة اي ما يعادل 40.6 بالمائة من عموم المترشحين ، وترشح 13625 شاب يتراوح سنهم ما بين 36 و 45 سنة.
[14] يراجع مقال – ريم نفطي – عشيّة الانتخابات البلديّة: شبح العزوف الانتخابي وأمراض أخرى في جسم الديمقراطية – المفكرة القانونية العدد 10