“
بدا صباح النبطية اليوم بجرعة أمل تمثلت بخروج الشاب هادي نورالدين من المستشفى وذهابه إلى مكان الإعتصام اليومي المعتاد منذ اندلاع الحراك في المدينة قبل ذهابه إلى بيته. هادي الذي أصيب خلال قمع بلدية النبطية للمتظاهرين وكان في حالة حرجة، حضر إلى الإعتصام مثبت العنق بآلة حديدية نظرا لضربه على رأسه خلال الإعتداء على المعتصمين حيث أصيب 20 شخصا أخرين. وعلى وقع حضور هادي ومغزاه “مكمل معكم ونحن مكملين” بدأ ناشطات وناشطو النبطية تحضير نهارهم بانتظار قدوم الأخريات والأخرين. هنا تنهي ستات البيوت أشغالهن في منازلهن ومن ثم يذهبن إلى واجبهن اليوم في الساحة، وهنا ينضم إلى الحراك كل من يضطر للذهاب إلى عمله بعد عودته منه، وهنا هناك موعد مسائي لتظاهرة جولة تنتهي بقصد كفرمان لجمع الإعتصامين معا في سهرة مطلبية لا تنتهي قبل انتصاف الليل.
وكان اليوم التاسع للتظاهر في النبطية قد بدأ هادئا، المعتصمون توافدوا فرادى إلى موقع الإعتصام، الذي باتوا يسمونه “ساحة الثورة”، قرابة العاشرة صباحا، حيث لم يشهد هذا اليوم دعوات إلى التجمع مسبقا عند دوار كفررمان أو في كفرجوز، والسير بشبه مظاهرة إلى النبطية، كما في اليوم الثامن.
فقد تجاوزوا توجسهم من تكرار ما حصل من اعتداءات وضغوطات في اليومين الماضيين، بعد التطمينات والضمانات، التي حصلوا عليها من إمام النبطية الشيخ عبد الحسين صادق، خلال لقاء عقدوه في منزله، وحضره أعضاء من المجلس البلدي.
وكان قد تناقل أهل المدينة استياء الشيخ صادق من تصرف عناصر بلدية النبطية، واستعانتهم بأشخاص من خارج المدينة لقمع أهلهم وضربهم وإيذائهم، معتبرا أن ما حصل فتنة، ولذلك دعا إلى المصالحة بين المعتصمين والبلدية، ويبدو أن اللقاء أثمر توافقا على عدم المساس بسلامة المعتصمين وعدم تكرار ما حصل.
لكن الحذر اليوم كان سيد الموقف، فالجميع كان بانتظار خطاب الأمين العام ل”حزب الله” السيد حسن نصر الله، الذي يثقون به وبحكمته، لكن هذه الثقة لا تنسحب على جمهوره كما أعلنوا، ولذلك كانوا مرتابين من ردة فعل قد تكون خطرة.
وبالفعل وبينما كان السيد يلقي خطابه، بدأت المعلومات تصل عبر “وتساب” تشي بأن مسيرة ضخمة تتحضر في بلدة حاروف، وتتجه نحو النبطية.
وصلت السيارات التي ترفع أعلام “حزب الله” بالتزامن مع انتهاء خطاب السيد، وحاصرت مكان الاعتصام من الجهتين الشمالية والجنوبية، قسم منها دخل من جهة تمثال حسن كامل الصباح عند المدخل الشمالي للنبطية، وقسم منها تمركز من الجهة الجنوبية قرب مدخل السراي، وعلت الهتافات والأغاني الحزبية ودبت الفوضى، وحاول عدد من سائقي السيارات اختراق المنفذ الذي فتحته البلدية يوم أمس أمام مكان الاعتصام، لكن الجيش منعهم بالقوة.
كان الجيش اللبناني بعدما سرت الشائعات بإمكانية اختراق الحشود من قبل المسيرة الحزبية، قد استقدم تعزيزات وانتشر عناصره بكثافة لحماية المعتصمين، وضرب طوقا أمنيا حول مكان الاعتصام، فأغلق المسارب المؤدية إليه بالآليات العسكرية، ولوحظ انتشار كثيف لعناصر من قوى الأمن الداخلي، كما تم استدعاء سيارتي إسعاف للصليب الأحمر اللبناني، تحسبا لأي طارئ.
المعتصمون لم يتراجعوا، أكملوا هتافاتهم وأغنانيهم رغم توتر الجو، وتوافدت أعداد أخرى إلى المكان، في هذا الوقت جاء شخص ناحية الصوتيات، وتحدث إلى “الدي جاي” الذي سرعان ما سحب الكابلات ولملم أغراضه وانسحب من المكان. لكن المعتصمين قرروا المتابعة، وظلوا يغنون ويرقصون ويهتفون، إلى أن حل المساء، فاكتشفوا أن موظفي البلدية الذين حضروا نهارا إلى المكان، بحجة صيانة أعمدة الكهرباء في الشارع، كانوا قد أزالوا لمبات الكهرباء عن الأعمدة التي تضيء المكان، فأغرقوا المكان بالعتمة، وقد اتصل بالبلدية عدد من منظمي الاعتصام راجين منهم، إضاءة الشارع، مخافة أن يتسلل أحد ما إلى المكان، ويحدث ما لا تحمد عقباه، لكن البلدية لم تستجب للطلب، أما مسألة الصوتيات فقد ظلت عالقة حتى الساعة السابعة إلا ربعا تقريبا، حيث تمكن أحد المعتصمين من إحضار “دي جاي” آخر، في هذا التوقيت، وعادت واشتعلت الساحة بالأغاني والموسيقى رغم العتمة والتوتر.
عند السابعة والنصف، اختتم المعتصمون نهارهم الثوري، وانسحبوا، وقد توجه عدد غير قليل منهم إلى كفررمان، للمتابعة.
وقد زار عضو البلدية عباس وهبي مكان الاعتصام، مؤكدا مرة جديدة أنه يقف إلى جانب مطالب أهله المشروعة، في حين قدم عدد من المحامين من بيروت واجتمعوا مع محامين من النبطية، وسطروا إخبارا للنيابة العامة باسم الجرحى والمصابين والأهالي، بالاعتداء الذي حصل منذ يومين.
المعتصمون وضعوا علمي إسرائيل وأميركا، على أرض المسرب المقابل لمكان الاعتصام، ليمر فوقه المارة والسيارات، مؤكدين أنهم ليسوا عملاء سفارات أو مساومين في موضوع المقاومة.
اللافتات التي رفعت اليوم، كانت متنوعة المطالب: انتخابات نيابية مبكرة. بابا هاجر كرمال اتعلم بوطني. الزعماء وقحين مش مرضى نفسيين لإن المرض النفسي مش شتيمة. ما بدنا سلطة بدنا مصرياتنا. أولادي من رحمي منحهن الجنسية حق مش رحمة.
“