قبل إعلان الرئيس سعيّد، أول جويلية الفائت، عن موعد الانتخابات الرئاسية، كان جزء لا بأس به من المُعَارضَات التونسية يَعيش حالة من “اللاّيقين” بخصوص تنظيم الانتخابات من عدمِه. ويبدو أن الإعلان المتأخّر عن الانتخابات كان جزءًا من استراتيجيا السلطة، للحؤول دون انبثاق ديناميات انتخابية مُبكّرة تَسمَح للمعارضات بالتعبئة الانتخابية والسياسية. وإلى حدود أواخر شهر جوان، كانت مواقف المعارضة التونسيّة تتردّد بين مقاطعة صريحة على غرار موقف حزب العمال، أو مُشاركَة مشروطة على غرار جبهة الخلاص الوطني التي لَوَّحت بخيار عدم المشاركة في ظل “انعدام شروط التنافس”. في حين اختارت أحزاب معارضة إعلان المعركة الانتخابية بطريقة مختلفة، على غرار الحزب الجمهوري الذي رَشَّحَ للانتخابات الرئاسية أمِينَه العام عِصام الشابي القابع في السجن ضمن ما يُعرف بـ”قضية التآمر على أمن الدولة”، والحزب الدستوري الحرّ الذي رَشّحَ أمينته العامة عبير موسي التي تقبَع في السجن منذ أول أكتوبر 2023 بتهم مختلفة من بينها “محاولة تبديل هيئة الدولة”، وقد أصدرَت ضدها محكمة تونسية في أوت الفارط حكمًا بالسجن مدة عامين على معنى المرسوم 54، بسبب شكاية أثارتهَا ضدها هيئة الانتخابات.
في الأثناء، لم تَتطوّر مبادرة المناضل السياسي والحقوقي العياشي الهمامي[1]، التي أطلَقَهَا أواخر فيفري 2024، لتُصبِح إطارا سياسيا يُوحّد المعارضة السياسية ومكوّنات المجتمع المدني حول مُرشّح واحد بعد “صياغة أرضية الحد الأدنى الديمقراطي الاجتماعي المشترك”، مثلما أراد لها صاحبها. ورغم الدّور الذي لعِبَته مبادرة العياشي الهمامي في تحفيز النقاش حول الانتخابات، فإنّها لم تُفلِح في تَحقيق أي من أهدافِها المرتقبة، وسَادَت بسرعة داخل المعارضات نزعة “شخصَنَة” الترشّح للانتخابات من خلال البحث عن الشخصيّة “الأقدَر” على مقارعة الرئيس سعيّد انتخابيّا، من دون فتح النقاش حول السياق والبرنامج وخُطَط المواجهة ولغة الصراع السياسي والانتخابي، وفي غياب تامّ أيضا للمسألة الاجتماعية، التي ظلَّ نظام الرئيس سعيد يَستثمر فيهما بمفرده من مداخل مختلفة: “محاربة الفساد” و”السيادة الوطنية” و”التعويل على الموارد الذاتية”، إلخ.
وطيلة الأشهر القليلة التي سبِقَت الإعلان الرسمي عن إجراء الانتخابات، لم تَكُف السّلطة عن اتباع سياسة القمع والتخويف، عبر تواصل المحاكمات التي شمِلَت سياسيين وإعلاميين ونُشطَاء مُستقلّين في مواقع التواصل الاجتماعي، ومواطنين نشرُوا تدوينات ناقدة للسلطة السياسية. وقد سَاهمَ هذا المناخ في إرباك المعارضة التي وَجَدت نفسها عاجزة عن إيقاف نزيف المُحاكمَات والإغلاق المتواصل للفضاء العام وترهيب وسائل الإعلام الخاصة وتدجين الإعلام العمومي، رغم الوقفات الاحتجاجية التي كانت تنتظم من حين إلى آخر. وعندما فتَحَت هيئة الانتخابات باب الترشّح في 29 جويلية 2024، لم يَظهر أن لدى المعارضة، بخاصة جبهة الخلاص الوطني، مُرشّحين واضحين؛ وإنما جاءت معظم الترشحات بمبادرات فردية أو ذات إسناد حزبي ضيق، وكان من ضمن المترشحين شخصيات من خارج الفضاء المعارض الكلاسيكي (على غرار الإعلامي نزار الشعري ومُغني الراب كريم الغربي).
ولكن عندما أطلَقت السلطة يدها في استهداف حُقوق الترشح والمترشحين، وأبدت هيئة الانتخابات تعنّتًا في تنفيذ قرارات المحكمة الإدارية القاضية بإعادة مُرشّحين للسباق الانتخابي، وتَدخّلَ البرلمان الحالي -بإيعاز من نظام الرئيس- من أجل التلاعب بالقانون الانتخابي[2] بدأت تتشكَّل دينَاميّة احتجاجية داخل المعارضات، التي باتَ مُعظَمها يُندد بانتهاك حقوق الترشح والتلاعب بالقانون الانتخابي، ويدعو إلى تنفيذ قرارات المحكمة الإدارية. وقد أفرزت هذه الدينامية في جزء منها بروز ائتلاف حزبي وجمعياتي معارض جديد، أطلق على نفسه “الشبكة التونسية للدفاع عن الحقوق والحريات”. ورغم الهشاشة الحقوقية والسياسية التي بدا عليها خطاب الشبكة بحكم حداثة تكوينها وتمركزها حول تشكيلة حزبية وجمعياتية بعينها، إلا أنها أوجدتْ عشية الذهاب إلى صندوق الاقتراع حالة احتجاجية-انتخابية داخل الشارع، وشاركَت فيها مختلف المعارضات تقريبا.
الاحتجاج الانتخابي يُوَحّد خطاب المُقاطِعين والمُشارِكين
يُمكن القول إن المواقف النهائية التي أطلقَتهَا المُعارضة التونسية من الانتخابات الرئاسية تشكّلَت قبل أيام قليلة من الاقتراع العام الذي انتظمَ في 6 أكتوبر الفائت. ومن الضروري الملاحظة أنه لا يمكن الحديث بإطلاقية عن مقاطعة تامة للانتخابات، لأن المقاطعين شاركوا في المعركة الانتخابية من موقع احتجاجي ولكنهم دعوا في النهاية إلى مقاطعة صندوق الاقتراع. وبنفس القدر، لا يُمكن الحديث أيضا عن وجود مُشاركِين فاعلين في الانتخابات، لأن المُتحَمّسين للمشاركة آل بهم المطاف إلى اتخاذ مواقف مُشكِّكة في المسار الانتخابي ومآلاته وأصدروا بيانات فيها الكثير من التحفظات إزاء المواصلة في خيار المشاركة، على غرار حركة النهضة والحزب الجمهوري. كما برَزَت مواقف أخرى تُعلِن عدم الاعتراف المسبق بنتائج الانتخابات التي وصفتها باللاّشرعية، على غرار حزب التيار الديمقراطي. وقد عبّر الحزب الدستوري الحرّ أيضا عن عدم الاعتراف بالنتائج مهما كان مآلها محاولا إبراز “تمَايزه” داخل الفضاء المعارض بوصفه حزبا “غير مُعتَرِف” وليس “حزبا مقاطعا”. وعمومًا، من خلال بياناتها ومواقفها، يُمكن تصنيف مواقف المعارضات التونسية من الانتخابات الرئاسية -إجرائيا- كالتالي:
• جبهة حزبية دَعَت إلى مقاطعة الاقتراع وشاركت في المعركة الانتخابية: تضمّ أساسا خمسة أحزاب يَساريّة، وهي أحزاب العمّال، والتكتل، والاشتراكي، والمَسار، والقطب. وتُعتبر هذه الأحزاب من المكونات الأساسية للشبكة التونسية للحقوق والحريات. وبعضها دعا إلى مقاطعة الانتخابات[3] حتى قبل الإعلان عن موعدها على غرار حزب العمّال. واعتبرَت هذه الأحزاب أن الذهاب إلى صناديق الاقتراع يعد “تكريسًا للديكتاتورية”، ولكنها مَهّدت لهذا الموقف باحتجاج على الأوضاع السياسية والمؤسساتية التي تجري فيها الانتخابات، من بينها عدم استقلالية هيئة الانتخابات و”تصفية حق الترشح”، والدوس على قرارات المحكمة الإدارية، وتهميش الأحزاب والجمعيات، وتدجين الإعلام. وعموما شاركت هذه الأحزاب عبر الشبكة التونسية للدفاع عن الحقوق والحريات في معركة الضغط على السلطة وهيئة الانتخابات من أجل احترام حقوق الترشح، رغم أن بعضها كان يُشهر موقف المقاطعة منذ البداية، وبعضها الآخر تَشكّلَت لديه قناعة مقاطعة صندوق الاقتراع بعد تنقيح القانون الانتخابي من قبل مجلس نواب الشعب، أياما قليلة قبل موعد الانتخابات. وكان يأمل هذا الموقف “شبه المقاطع” عمليا في إضعاف نسب المشاركة في الانتخابات، ولكنّه لم يتحوّل إلى حالة سياسية وتعبوية ذات امتداد اجتماعي.
• موقف يُثمّن دينامية المشاركة ولكنه يُندّد بسلطويّة المسار الانتخابي: هذا الموقف اتخذته حركة النهضة[4] التي اعتبرَت الانتخابات الرئاسية فرصة وساندت بعض الشخصيات التي ترشّحت للانتخابات، مُحافظة في الوقت نفسه على مسافة نقدية من المسار الانتخابي الذي وصَفتهُ بانعدام النزاهة والشفافية، ومحَمّلَة السلطة مسؤولية “إفساد العملية الانتخابية”. ولم تَدعُ حركة النهضة إلى مشاركة صريحة أو مقاطعة صريحة، ولكن يَتّضح أن جزءًا لا بأس به من قاعدتها الانتخابية -التي ضَعفت بشكل ملفت للانتباه- أعطى أصوَاته للمرشح العياشي زمّال. ويبدو أن تقييم خياريْ المشاركة والمقاطعة برَزَ بوضوح أكبر في بيان الحزب الجمهوري[5]، الذي اعتبر أن المقاطعة -كقرار- تلوح مبدئية وصلبة ولكنها غير قادرة على إنتاج دينامية سياسية قادرة على الضغط على السلطة السياسية، في حين أن خيار المشاركة “قد سَمَح بخوض معركة ترشح دفعت النظام إلى ارتكاب تجاوزات وخروقات عديدة”. ولكن الحزب استنتج في النهاية أن خيار المشاركة “استنفد كل أغراضه” واصطدَم بعقلية الاحتكار وتصفية حقوق الترشح، وهو ما جعل الحزب يضع حدّا لخيار المشاركة عشية الذهاب لصناديق الاقتراع، مما يُقرّبه ضمنيا من موقف “المقاطعين”، من دون أن يدعو صراحة إلى المقاطعة، مُبديًا تفهّمه لخيار مواصلة المشاركة من قبل جزء من المعارضة.
• موقف يَدعو إلى عَدم الاعتراف المسبق بنتائج الانتخابات: هذا الموقف لا يعكس خيار المقاطعة، وإنما عبّرت عنه أحزاب شاركت في المعركة الانتخابية سواء بترشيح أحد قيادييها على غرار الحزب الدستوري الحرّ[6]، أو انضمّت إلى الديناميّة السياسيّة والمدنيّة المناهضة لهضم حقوق الترشّح على غرار حزب التيار الديمقراطي. وهنا يَختلف الحزبان في التعبير عن موقف عدم الاعتراف المُسبق بنتائج الانتخابات. إذ سعى الدستوري الحر -كعادته- إلى التعبير عن التمايز مع كل الفضاء المعارض (بخاصة الإسلاميين واليسار) ومع السلطة، مُشيرا إلى وجود صراع بين منظومة 25 جويلية والمنظومات التي سبقتها “ينأى بنفسه عنه”، كما لا يعتبر نفسه “مقاطعا” حتى لا يُحسَب على الجبهة اليسارية المقاطِعة. وبناء عليه أعلن الدستوري الحرّ عدم اعترافه أصلا بموعد 6 أكتوبر الانتخابي. في حين أن موقف التيار الديمقراطي تأسّس بعد تجربته في خوض معركة المشاركة الاحتجاجية على عدم توفر انتخابات حرة ونزيهة وشفافة. وهو ما جعله يستنتج أن “الانتخابات المزمع إجراؤها يوم 6 أكتوبر 2024 فاقدة لكلّ مصداقية ويعلن عدم اعترافه بشرعيتها والنتائج التي ستفرزها، والتي لن تكون معبّرة بأية حال من الأحوال عن إرادة الشعب التونسي”،[7] من دون أن يدعو صراحة إلى مقاطعتها.
التمزّق بين مِنوالين انتخابيين مُتنَاقِضَين: 2019 و2024
هذا التضخم الاحتجاجي في خطابات المعارضة، والتشتت، وعدم اتساق المواقف، لا يعكس فقط ضعف جاهزية سياسية وتنظيمية، وإنّما يدلّ أيضا على التحوّل الكبير في البراديغم الانتخابي الذي أدهَشَ المعارضة وأضعَفَ قدرتها السياسية بوصفها منافسا على السلطة. ففي الوقت الذي كانت تأمل فيه المعارضات في تنظيم انتخابات حرة ونزيهة تُحتَرَم فيها حقوق التنافس الانتخابي، ويكون فيها الصندوق آلية للتداول السلمي على السلطة، فَرضَ نظام الرئيس سعيّد بالقوة معايير وقواعد جديدة للّعبة الانتخابية، كان آخرها تنقيح القانون الانتخابي، وهذه المعايير تَختَلف عن آخر انتخابات ديمقراطية شهِدَتها تونس في 2019.
ففي الوقت الذي كان من المفروض فيه أن تستهلّ المعارضة سنة 2024 بتنظيم قدراتها الانتخابية والسياسية والاستعداد للقيام بحملاتها الانتخابية، واستغلال كل الفضاءات العامة المُتاحَة للدّفاع عن مُرشّحيها، وَجدَت نفسها في وضعية دفاعية، يُميّزها الاحتجاج من أجل فرض حقوق دنيا في أي انتخابات ديمقراطية: الحق في الترشح، الحق في النفاذ لوسائل الإعلام والفضاءات العامة، الحق في القيام بحملات انتخابية باعتبار أن معظم المترشّحين حُرِمَ من ذلك، الحق في التعبير والنشر، إلخ. هكذا فُرِضَ على المعارضات -بقوة السلطة- سياقٌ انتخابي تَحوّل معه الفضاء السياسيّ من ساحة تنافس انتخابي إلى ساحة للدفاع عن الحقوق الانتخابية. ومن هنا نشأ التمزّق الذي عاشته المعارضات بين تصورها الانتخابي الذي يحدده دستور 2014 والمحطّات الانتخابية التي نشأت عنه، وبين واقع انتخابيّ جديد حدّدَه الرئيس-الفرد. وفي الوقت الذي كانت تدعو فيه المعارضة الرئيس سعيد إلى الحفاظ على الصندوق كخيار ممكن ومتاح لتجديد نخب الحكم في تونس، كانت السجون والمحاكم التونسية تستقبل مرشحين منافسين على كرسي الرئاسة، ولم يُفلح معظمهم في إكمال مسار الترشح، إما بسبب وجوده في السجن، أو بسبب إلغاء ترشحه من قبل هيئة الانتخابات.
عموما دخلت المعارضات المسار الانتخابي بذهنية 2019، في الوقت الذي كانت فيه سلطة الرئيس سعيد تَفرض واقعا جديدا مُختلفا، يُشبه في سلطويّته انتخابات ما قبل الثورة، حتى أن بعض المعارضين القدامى الذي شاركوا في انتخابات نظام بن علي عبّروا عن اندهاشهم من الإفراط في العبث بمعايير الانتخابات[8]، مقارنة بحقب استبدادية سابقة كانت فيها معايير المنع والاحتكار مُسيَّجَة ومعروفة سلفًا.
ظلّت معظم المعارضات تُقيِّم الانتخابات الحالية من زاوية احترامها للإرث الانتخابي الذي دشنته الثورة. وهذا الانشداد للنموذج الانتخابي -الديمقراطي جَعلَ الصيغ السياسية القديمة “مشاركة” أو “مقاطعة” غير كافية للتعبير عن مواقف المعارضات، مثلما شهدته مرحلة ما قبل 2011 التي عادة ما انقسم فيها المشهد المعارض بين مقاطعة حاسمة ومشاركة حاسمة، حيث لجأت المعارضات في هذه الانتخابات إلى تنسيب مواقفها وخطاباتها بخصوص قضية المشاركة، ويمكن القول أن معظمها -إن لم نقل كلّها- شارك في المعركة الانتخابية من موقع احتجاجي، ولم تكن مشاركة قائمة على تنظيم حملة انتخابية والعمل وراء مرشح بعينه مثلما شهدته انتخابات 2019. بمعنى أن الوصول إلى السلطة لم تكن هي الأفق الانتخابي لمعظم المعارضات، باستثناء بعضها الذي عَلَّق آمالا كبيرة على إمكانية مرور المرشح العياشي زمال إلى الدور الثاني، وإمكانية فوزه بالانتخابات الرئاسية من داخل السجن. وعموما أبانت النتائج النهائية عن دور الغلق والمنع والاحتكار في صناعة “فوز انتخابي” مطلق للرئيس سعيد، بنِسب تسعينيّة، لا يُمكِن تحقيقها إلاّ في سياقات غير ديمقراطية.
ما بَعد 6 أكتوبر: المعارضة وتعطّل استئناف المعركة السياسية
كان الإعلان عن تجديد عُهدَة الرئيس سعيّد لخمس سنوات قادمة (من 2024 إلى 2029) كافيا ليُدخِل المعارضة في مرحلة جديدة، ما زال يُخيّم عليها إلى حد الآن الفتور والانتظاريّة، في الوقت الذي ما زالت ملاحقات الرأي قائمة وانتهاكات حقوق الصحافة والنشر والتعبير متواصلة. وفي الأثناء بدأ الرئيس عُهدته الجديدة باستئناف ما يُطلِق عليه “الحرب على الفساد”، وجاء خطاب تنصيبه أمام البرلمان مشحونا بشيطنة وتخوين خصومه. وعلى الأرجح، سيُواصل الرئيس في المرحلة المقبلة الاستثمار في فرجوية “الانتقام من الفاسدين”، مستخدما أيضا الأدوات العقابية للدولة لانتهاك الحقوق والحريات، وتضييق مِسَاحات العمل داخل الفضاءات السياسية والمدنية.
لذلك تُلقي هذه المرحلة بتعقيداتها السياسية والاجتماعية على وضع المعارضة التي يتهدّدها المنع والعقاب وضعف الفاعلية السياسية داخل المجتمع، في صورة استمرار الاختلال الفادح في ميزان القوى لصالح السلطة الحالية. وإلى حد الآن لم تَجترِح المعارضة إطارا للعمل السياسي والاجتماعي، يُرجّح الكفة لصالح قضية الديمقراطية والمواطنة في تونس ويَحدّ من تيارات الإقصاء والكراهية والإلغاء المتنامية داخل الدولة والمجتمع، ويُعِيد تشكيل فضاء سياسي عام يَحترم قيم التعدد والتداول والصراع الديمقراطي. كما أنها لا تَنظر إلى حد الآن بحِسّ بدائلي للمسألتين الاجتماعية والاقتصادية، التي عادة ما يأتي ذكرها في شكل شعاراتي أو يتمّ التعريج عليها لمامًا لإثبات “شعبوية النظام الحالي”. ولا يعود هذا الوَهَن الذي تبدو عليه المعارضة، فقط للضربات القاسية التي تلقتها من السلطة الحالية، وإنما أيضا إلى وضعها الداخلي الذي ما زالت تطغى عليه “الطفولية السياسية” وضعف حركة الفكر والسياسة داخلها، وإرثها الانقسامي والصّراعي القديم الذي يحتكم إلى الإقصاء وليس التنازع الديمقراطي، ويُمكن ملاحظة هذا في ضعف الالتزام لدى بعض المعارضات بقضية الحرية، ونزوعها إلى إقصاء من لا يشاركها التصور الفكري والسياسي، على غرار بعض التيارات التي تَنسب نفسها للحركة “التقدمية” و”الديمقراطية”.
[1] نُشِرَت هذه المبادرة في مقال بجريدة المغرب اليومية بتاريخ 27 فيفري 2024. تحت عنوان: العياشي الهمامي: وجهة نظر، هل ستكون الانتخابات الرئاسية القادمة موعدًا لإنقاذ البلاد؟
[2] انظر.ي في هذا العدد نفسه مقال المفكرة القانونية: تنقيح التشريع الانتخابي في زمن الانتخابات.
[3] أصدرت هذه الأحزاب بيانا مشتركا في 3 أكتوبر 2024 (قبل ثلاثة ايام من الانتخابات) عنوانه: بيان إلى الشعب التونسي، لا للمشاركة في المهزلة الانتخابية، الذهاب إلى صناديق الاقتراع هو تكريس للدكتاتورية.
[4] النهضة التونسية: لا يوجد أي مناخ ديمقراطي في الانتخابات، وكالة الأناضول، 03 أكتوبر 2024.
[5] أصدر الحزب الجمهوري بيانا في 3 أكتوبر 2024، شرح فيه موقفه من الانتخابات، عنوانه “انتخابات حرة لا مبايعة”.
[6] رئاسية 2024: الدستوري الحر يعلن عدم الانخراط في الانتخابات، وكالة تونس أفريقيا للأنباء، 03 أكتوبر 2024.
[7] التيار الديمقراطي يعلن عدم اعترافه بشرعية الانتخابات الرئاسية التونسية وبنتائجها، موقع الترا تونس، 03 أكتوبر 2024.
[8] كتب القيادي في حزب المسار جنيدي عبد الجواد تدوينة قال فيها بأنه شارك في انتخابات 1981 زمن بورقيبة وانتخابات أخرى في ظل نظام بن علي، تخللها الكثير من التزوير والتضييقات، ولكن هذه الانتخابات بالنسبة إليه تعتبر “مهزلة” وقال إنه لمن يشارك فيها.