عقب صدور الورقة البحثية التي أعدتها المفكرة القانونية حول تصريف الأعمال على شكل كتيّب متوفّر بنسخة مطبوعة ونسخة إلكترونية، ننشر تباعاً الأقسام الرئيسية التي تتألّف منها هذه الدراسة بشكل منفصل كي يتمكّن القارئ من الاطّلاع عليها بسهولة. فبعد نشر الدراسة الأساسية بعنوان: “تصريف الأعمال: من الموجب الدستوري إلى الاعتباطية السياسية” ننشر هنا الدراسة المكمّلة للدراسة الأساسية بعنوان: “الموافقات الاستثنائية في ظل حكومة حسان دياب المستقيلة” التي تقدّم عرضاً عاماً للقرارات التي صدرت عملاً بآلية الموافقات الاستثنائية بين آب 2020 وأيلول 2021 وبلغ مجموعها 557 موافقة. وتعمد هذه الدراسة إلى تقسيم تلك الموافقات على فئات بحيث يتمّ التمييز بين تلك التي تدخل فعلياً في تصريف الأعمال سواء كانت عادية أو طارئة، وتلك التي تخرج عن نطاق تصريف الأعمال. وننشر لاحقاً دراسة الخبيرة البلجيكية بعنوان “تقرير عن حكومة تصريف الأعمال في بلجيكا”.
بعد تشكيل حكومة الرئيس نجيب ميقاتي ونيلها الثقة، اتخذ مجلس الوزراء القرار رقم 12 تاريخ 29/9/2021 وافق بموجبه “على سبيل التسوية على 557 موافقة استثنائية صدرت خلال فترة تصريف الأعمال” في ظلّ الحكومة السابقة. ويعدّد القرار، في جدول مُرفَق به، هذه الموافقات الاستثنائية ويقسمها إلى الفئات التالية:
- التعبئة العامة: ثلاثة قرارات؛
- تكليف الجيش تنفيذ بعض المهمات : أربعة قرارات؛
- الإغلاق بسبب جائحة كورونا: خمسة قرارات؛
- مواضيع متفرِّقة: 26 قراراً؛
- شؤون مالية: 40 قراراً؛
- سلفات خزينة: 15 قراراً؛
- نقل اعتمادات: 249 قراراً؛
- اتفاقيات: 67 قراراً؛
- مشكلة النفايات: 12 قراراً؛
- تمديد عقود: سبعة قرارات؛
- شؤون وظيفية: 30 قراراً؛
- عقود إيجار: أربعة قرارات؛
- رسوّ وقدوم طائرات وبواخر: 10 قرارات؛
- تمديد العمل بآلية شراء المشتقّات النفطية: أربعة قرارات؛
- شؤون تربوية: سبعة قرارات؛
- اللجوء إلى التحكيم: ثمانية قرارات؛
- موضوع الإسمنت: ستة قرارات؛
- تمديد مهلة إعطاء حركة الاتصالات: ثلاثة قرارات؛
- رفع سرعة وحجم استهلاك اشتراكات زبائن الإنترنت: أربعة قرارات؛
- دعاوى قضائية: ثلاثة قرارات؛
- قبول هبات: 39 قراراً؛
- سفر ومشاركة في معارض في الخارج: 11 قراراً.
أوّلاً: الموافقات الاستثنائية من حيث الشكل
شملت الموافقات الاستثنائية المواضيع التي تحتاج إلى إقرارها موافقة مجلس الوزراء عليها، سواء كانت على شكل مراسيم أو قرارات إدارية. فبعض المراسيم التي يُصدرها رئيس الجمهورية تحتاج، وفقاً للدستور أو القوانين، إلى موافقة مجلس الوزراء، بينما تمنح أحياناً القوانين العادية مجلس الوزراء بصفته سلطة إدارية جماعية صلاحية اتخاذ قرارات نافذة ترتدي صيغة القرار الإداري بمجرد إقرارها بدون حاجتها إلى صدور مرسوم بها.
لذلك انقسمت الموافقات الاستثنائية بين تلك التي تحلّ محلّ موافقة مجلس الوزراء على المراسيم، وتلك التي تحلّ محلّ القرارات التي يتخذها مجلس الوزراء مباشَرة. وبالفعل يفرِّق الجدول المشار إليه أعلاه بين الموافقات الاستثنائية التي اقترنت بصدور مراسيم، فيشير إلى رقم كل مرسوم بعينه وتاريخه، وبين الموافقات التي لم تصدر لاحقاً على شكل مرسوم كونها لا تحتاج إلى هكذا إجراء أصلاً.
ويكمن الفرق أيضاً بين نوعَيْ الموافقات الاستثنائية في وسيلة نشرها. فبينما تُنشَر المراسيم التي تُتَّخذ بعد الحصول على الموافقة الاستثنائية لكلٍّ من رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة في الجريدة الرسمية، بعد توقيعها من قِبَل المراجع الدستورية المختصة، لا تُنشَر الموافقات الاستثنائية التي تحلّ محلّ القرارات التي يتخذها مجلس الوزراء مباشَرة، كونها في الأساس لا تُنشَر في الجريدة الرسمية، حتى لو وافق عليها مجلس الوزراء في ظل حكومة غير مستقيلة. وبما أنّ تلك القرارات تُدوَّن عادة في محضر مجلس الوزراء ما يثبت وجودها ويعطيها صيغتها القانونية، وبما أنّ الموافقات الاستثنائية استُحدِثت كي تحلّ محلّ موافقة مجلس الوزراء الذي يتعذّر عليه الانعقاد خلال تصريف الأعمال، وبما أنّه لا بد من وسيلة للإعلان عن تلك القرارات، استقرّت الممارسة على اتخاذ تلك القرارات بشكل مذكرات إدارية صادرة عن أمين عام مجلس الوزراء، يعلن بموجبها منح الموافقة الاستثنائية على القرار الذي كان يُفترَض أن يبتّ به مجلس الوزراء مباشَرة لو تمكّن من الانعقاد.
وفي إحصاء للموافقات الاستثنائية يتبيَّن أنّ ثلثَها تقريباً صدر على شكل مذكرات إدارية، بينما البقية اتخذت شكل المراسيم ونُشرَت في الجريدة الرسمية.
ثانياً: الموافقات الاستثنائية من حيث الموضوع
يسمح الجدول بتكوين صورة عامة عن طبيعة الموافقات الاستثنائية ويتيح لنا متابعة نشاط الحكومة، لا سيما على الصعيدَيْن الإداري والمالي. لكنّ هذه الصورة تبقى منقوصة كونها تختصّ فقط بالموافقات الاستثنائية التي صدرت فعلياً، بينما تلك التي حصل خلاف حولها لا وجود لها في الجدول المذكور. فكما رأينا سابقاً، يتطلّب فهم ظاهرة الموافقات الاستثنائية وضعها في سياقها السياسي من أجل تحديد الدوافع الفعلية التي تتحكَّم بمواقف كلٍّ من رئيسَيْ الجمهورية والحكومة.
عالَجْنا بإسهاب الخلاف الذي نشأ حول بعض تلك الموافقات الاستثنائية التي لم تصدر في الدراسة أعلاه، في دراسة قيد النشر تحت عنوان: “تصريف الأعمال: من الموجب الدستوري إلى الاعتباطية السياسية”. كما توسّعنا هناك في دراسة تلك الموافقات المتعلقة بحالة الطوارئ والتعبئة العامة. وبالتالي سنحصر هنا اهتمامنا بالموافقات الاستثنائية التي لم تُثِر جدلاً عاماً نظراً إلى طبيعتها التقنية، فغابت كلياً عن تغطية وسائل الإعلام التي قلّما تهتم بالمواضيع التي لا تكون موقع اختلاف بين أركان الطبقة السياسية الحاكمة.
من الملاحَظ أنّ غالبية الموافقات الاستثنائية تتعلق بشؤون مالية كنقل اعتمادات وإعطاء سلفات خزينة أو دفع تعويضات أو مستحقات معيَّنة. وتتسم هذه الموافقات بطابع إداري عادي يجعلها تدخل في تصريف الأعمال كونها لا تتعلق بسياسة الدولة العليا. ويمكن لنا استعراض بعضها وفقاً للتالي:
المراسيم بقبول هبات
عديدة هي الموافقات الاستثنائية التي حلّت محلّ موافقة مجلس الوزراء على مراسيم قبول هبات مالية أو عينية إلى مختلِف مؤسسات الدولة. والعديد من هذه الهبات مقدَّمة من أفراد أو جهات خاصة، بينما عدد مهم منها تقدِّمُه حكومات أجنبية. تهدف هذه الهبات بغالبيتها إلى ترميم أو تأهيل بعض المقارّ الرسمية أو منح عتاد وآليات من مختلِف الأنواع إلى الجيش اللبناني.
وتُعتبَر هذه الهبات داخلة في عداد تصريف الأعمال، إلا إذا كانت تنطوي على شروط تتطلّب اتخاذ قرار سياسي بشأنها، لا سيما في مجال العلاقات الدولية. والأمر نفسه ينسحب على اتفاقات التعاون بقبول هبات من الجهات المانحة الدولية، بخاصة عندما تكون هذه الهبات مخصصة للمشاريع الإنمائية.
تنفيذ الأحكام القضائية
صدرت مجموعة من المراسيم بناء على موافقات استثنائية من أجل نقل اعتمادات تنفيذاً لأحكام قضائية صادرة عن القضاءَيْن العدلي والإداري بدفع بدل إيجارات وتعويضات عن الضرر أو مستحقات مالية مختلفة. ولا شك أنّ هذه المراسيم تُعتبَر تصريفاً للأعمال كون الإدارة ملزَمة، وفقاً للمبدأ الدستوري بالفصل بين السلطات والنصوص القانونية، تنفيذ القرارات الصادرة عن المحاكم بخاصة تلك التي تتمتّع بقوة القضية المقضية.
مراسيم تطبيقية
مجموعة أخرى من الموافقات الاستثنائية تدخل ضمن فئة الأعمال العادية، هي التي تتعلق فقط بإعطاء الوقائع نتائجها القانونية الضرورية كالمراسيم المتعلقة بدفع التعويضات لوَرَثة أعضاء المجلس الدستوري المتوفّين، أو المرسوم باعتبار مدير عام المالية مستقيلاً حكماً لانقضاء شهرَيْن على تاريخ تقديمها بدون رفضها من قِبَل الإدارة.
مراسيم نقل اعتمادات
غالبية الموافقات الاستثنائية صدرت بخصوص مراسيم تتعلق بنقل اعتمادات من احتياطي الموازنة لدفع التعويضات المترتّبة على المصالحات التي تعقدها المؤسسات الرسمية مع الجهات الخاصة. وفي حين تختلف هذه المراسيم اختلافاً كبيراً لجهة قيمة المبالغ يُلاحَظ أنّ عدداً مهماً ينقل اعتمادات بمبالغ متواضعة جداً إن لم تكن زهيدة (أقل من مليون ليرة أحياناً) لدفع، مثلاً، تعويضات عن أضرار ناتجة عن حوادث سير أو مستحقات مالية لقاء خدمات طبية أو فنية. ولا شك أنّ هذه المراسيم، بسبب طبيعتها، تُعتبَر جزءاً من تصريف الأعمال لأنّها تتعلق بالحياة اليومية والإجراءات الروتينية العادية.
بعد سرد هذه الأمثلة عن الموافقات الاستثنائية المتعلقة بالأعمال العادية، تستوقفنا مجموعة أخرى من تلك الموافقات التي لا يمكن اعتبارها ضمن الأعمال الجارية اليومية، بل هي في حقيقتها أعمال تصرُّفية تتعلق بسياسة الدولة العليا، لكن يجوز اتخاذها من قِبَل حكومة مستقيلة بسبب الظروف الطارئة التي تعيشها البلاد، بخاصة أن فترة تصريف الأعمال امتدّت على شهور طويلة. ومن هذه الموافقات، بإمكاننا أن نذكر المواضيع التالية:
مواجهة جائحة كورونا
كل التدابير المتعلقة بمواجهة جائحة كورونا التي صدرت بشأنها موافقات استثنائية ليست من قبيل الأعمال الروتينية العادية. لكنّ اتخاذها كان ضرورياً نظراً إلى خطورة هذه الجائحة وانتشارها الواسع وتهديدها الأمن الصحي للمجتمع. من بين هذه الإجراءات نذكر إعفاء لقاحات فيروس كورونا والمستلزمات والمعدات الطبية على اختلافها المنحصر استعمالها بالوقاية من هذا الفيروس من الرسوم الجمركية ورسم الاستهلاك الداخلي. كذلك إعفاء المواطنين من كلفة الاتصال بالخطوط الساخنة الخاصة بمواجهة جائحة كورونا واعتماد نظام التعليم المدمج ما بين الحضوري وعن بعد في المدارس ورفع سرعة وحجم استهلاك اشتراكات زبائن الإنترنت من أجل تسهيل العمل عن بعد في مختلف القطاعات. والأمر نفسه ينسحب على سلفات الخزينة الممنوحة للهيئة العليا للإغاثة من أجل منح مساعدات إلى الأسر التي ترزح تحت أوضاع معيشية حادّة خلال فترات الإقفال العام أو الجزئي وبسبب تضرُّر مصالحهم جرّاء تفشّي كورونا.
تفجير المرفأ
موافقات استثنائية صدرت لمواجهات تداعيات انفجار مرفأ بيروت اتسمت بطابعها المالي، وذلك مثلاً لتأمين المبالغ الضرورية من أجل ترميم المقارّ الرسمية وإصلاح معمل الفرز في الكرنتينا، أو إعطاء سلفات خزينة من أجل دفع تعويضات إلى المتضرّرين. ولا شك أنّ هذه القرارات هي من الأعمال التصرُّفية الطارئة التي حتّمتها طبيعة الكارثة التي لحقت بالبلاد.
أزمة المحروقات
من أهم المواضيع التي تمّت معالجتها عبر اتباع وسيلة الموافقات الاستثنائية، تأمين التمويل اللازم لاستيراد المحروقات والمشتقّات النفطية لزوم تشغيل معامل الكهرباء. ولا شك أنّ عدم صدور موازنة عامة لسنة 2021 التي كان يُفترَض بها تخصيص الاعتمادات الضرورية لمؤسسة كهرباء لبنان، فاقم الخلل القانوني كون ذلك بات يحتاج إلى فتح اعتمادات من خارج الموازنة.
مشاريع قوانين وإبرام اتفاقيات
من المواضيع الأخرى التي تمّت معالجتها بموافقات استثنائية، إصدار مراسيم بمشاريع قوانين، منها مشروع قانون البطاقة التمويلية ومشروع القانون المتعلق بقرض البنك الدولي ومشروع قانون من أجل الموافقة على إبرام اتفاقية قرض مع البنك الأوروبي للتثمير ومشروع قانون لإبرام الاتفاق الأساسي مع برنامج الأغذية العالمي ومشروع قانون لإبرام الاتفاق مع العراق حول بيع مادة زيت الوقود. وبذلك، يكون رئيساً الجمهورية والوزراء استحوزاً على صلاحية الحكومة الدستورية بالمبادرة التشريعية وبطلب الإجازة لإبرام اتفاقيات دولية تتعلق غالبيَّتُها بتمويل مشاريع إنمائية واقتصادية، وفق ما تفرضه المادة 52 من الدستور. إنّ العلاقات الدولية واتفاقيات القروض التي ترتِّب أعباءً على خزينة الدولة لا تُعتبَر من قَبِيل تصريف الأعمال ولا هي تتسم مبدئياً بالعجلة كي تتخذها حكومة مستقيلة.
وفي النهاية يتبيَّن، وفقاً لنا، صدور موافقات استثنائية لا تدخل في تصريف الأعمال ولا هي تتّسم بالعجلة كي تتيح لحكومة مستقيلة اتخاذها. ومن بين هذه الموافقات إعطاء حركة الاتصالات كاملة للأجهزة الأمنية والعسكرية وتمديد المهلة الزمنية للعمل بهذا القرار أكثر من مرة. إنّ مراقبة الاتصالات بقرار إداري هو تدبير استثنائي يؤدي إلى الحد من حرية المواطنين ولا يمكن اتخاذه إلا من حكومة مسؤولة أمام مجلس النواب كونه قراراً سياسياً بامتياز لا يجب إطلاقاً التوسُّع فيه.
ومن الموافقات الاستثنائية التي لا تدخل في تصريف الأعمال ولا تتسم بالعجلة منح شركات ترابة معيَّنة (الترابة الوطنية، هولسيم وسبلين) إذناً مؤقَّتاً لاستخراج المواد اللازمة لصناعة الإسمنت، أو القرار بتمديد مهلة نقل وتصريف ستوكات الرمل والبحص والصخر في الكسارات والمقالع.
الخلاصة
يقودنا إنّ تحليل الموافقات الاستثنائية المبيَّنة في جدول قرار مجلس الوزراء تقودنا مجدداً إلى الاستنتاج نفسه الذي أشرنا إليه في متن الدراسة المشار إليها أعلاه حول المعيار المُتَّبع لتصريف الأعمال. فكما ظهر جلياً أنّ الممارسة في لبنان تنطلق من فرضية منع اجتماع الحكومة عند تصريفها للأعمال، بما يخرج كل القرارات التي يفرض الدستور أو القوانين العادية اتخاذها في مجلس الوزراء تلقائياً عن تصريف الأعمال.
إنّ هذا المعيار غير دقيق إطلاقاً لأنّ الموضوع القانوني نفسه قد يدخل في تصريف الأعمال أو يخرج عنه وفقاً لمحتواه أو الظروف المرافِقة له. فهل يُعقَل أن يتساوى نقل اعتماد بقيمة 228 ألف ليرة لعقد مصالحة مع طبيب لقاء خدمة ما مع نقل اعتماد بقيمة 13 مليار ليرة إلى موازنة الجيش؟ فالموضوع هو واحد من الناحية القانونية، أي نقل اعتمادات، لكنّ قيمة المبالغ المنقولة تختلف اختلافاً شاسعاً ما يعني أنّ القرار الأوّل يتعلق بالأعمال العادية والروتينية التي تخصّ الإدارة، بينما القرار الثاني هو أكثر من ذلك بكثير ويتطلّب قراراً سياسياً يُرتِّب أعباء مهمة على الخزينة العامة.
قيمة المبلغ قد تكون مهمة، لكنّ القرار يُعتبَر تصريفاً للأعمال بسبب طبيعته العادية أو الملحّة. فإعطاء سلفة خزينة مثلاً بقيمة 1.5 مليار ليرة لشراء مبيدات من أجل مكافحة الجراد الصحراوي هو عمل عادي يدخل في واجبات وزارة الزراعة المتوقَّعة. كذلك الأمر بالنسبة إلى منح سلفات خزينة للمديرية العامة للشؤون الجغرافية في الجيش من أجل طبع بيانات القيود العائلية والإفرادية والطوابع المالية، نظراً إلى انقطاعها المتكرّر لا سيما بعد ارتفاع تكلفة الطبع في المطابع الخاصة. ومن الموافقات الاستثنائية التي تبرّرها الضرورة، نقل اعتماد بقيمة مليار و350 مليون ليرة إلى موازنة وزارة التربية لتأمين المطبوعات اللازمة لإجراء الامتحانات الرسمية للعام 2021.
إنّ المعيار الشكلي المُتَّبع لتصريف الأعمال (اجتماع مجلس الوزراء) بات في الحقيقة يشكّل عائقاً أمام حُسْن عمل مؤسسات الدولة في ظلّ حكومة مستقيلة، يُستغَلّ لأهداف سياسية كما شرحناه سابقاً. فإذا كان القانون يفرض أحياناً موافقة مجلس الوزراء على بعض القرارات، هذا لا يعني أنّ هذه القرارات هي، لمجرَّد ذلك، خارجة عن نطاق تصريف الأعمال. فالجدول الذي درسناه يزخر بقرارات إدارية عادية كان من المتوجَّب على الحكومة الاجتماع من أجل إقراراها، بدل اللجوء إلى ظاهرة الموافقات الاستثنائية التي لا سند دستوري أو قانوني لها.
فبين وسيلتَيْن يجب اختيار الوسيلة الأقرب إلى الحفاظ على الدستور والقانون واستبعاد تلك التي تستحدث آلية لا وجود لها. والأقرب هو اجتماع مجلس الوزراء في ظلّ حكومة مستقيلة بينما الأبعد هو الموافقات الاستثنائية، وبالتالي يجب استبعادها والعودة إلى العمل المنتظِم للمؤسسات من أجل تصريف الأعمال العادية والملحّة تحت رقابة القضاء الإداري.
لقراءة “تصريف الأعمال: من الموجب الدستوري إلى الاعتباطية السياسية”