لم تخلُ الساحة أمام ثكنة الحلو في مار الياس طيلة نهار الأربعاء في 15 كانون الثاني، من المتظاهرين المطالبين بالإفراج عن 63 معتقلاً كانوا قد أوقفوا مساء الثلاثاء في شارع الحمرا بعد تظاهرات أمام مصرف لبنان وتكسير واجهات مصارف في الحمرا. ازداد عدد الناس أمام الثكنة وانضمّت إليهم مسيرة أتت من مصرف لبنان وسط عدد كبير من قوى مكافحة الشغب.
ليلاً وعند حوالي التاسعة والربع تقريباً، تصاعد التوتّر بين المتظاهرين وقوى مكافحة الشغب، وتحوّلت التظاهرة إلى مواجهات بين الجانبين تخللها رمي متبادل للأحجار واعتداءات عنيفة من قبل عناصر المكافحة على عشرات المتظاهرين وحتى الصحافيين أمام عدسات كاميرات الإعلام. ورمت العناصر الأمنية القنابل المسيلة للدموع مع تقدّمها باتّجاه شارع مار الياس الرئيسي وكورنيش المزرعة ولحق العناصر المتظاهرين إلى المنازل والمقاهي والمطاعم التي احتموا فيها ودخلت بعض العناصر الأمنيّة بلباس مدنيّ بين المتظاهرين واعتقلت عدداً منهم. واستمرّ العنف أيضاً خلال سَوق الموقوفين إلى داخل الثكنة وثمة العديد من الفيديوهات والصور التي توثّق ذلك.
إصابات بالجملة
تعرّض عدد كبير من المتظاهرين للضرب والسحل خلال ملاحقتهم من قبل عناصر مكافحة الشغب والبعض الآخر أصيب بالاختناق بسبب تنشّق الغاز المسيل الدموع. ووصلت إلى مستشفى رفيق الحريري الحكومي ومستشفى الجامعة الأميركيّة في بيروت عدد كبير من الحالات مساء الأربعاء، بينها الطالبة رفيف سوني التي فقدت ذاكرتها ونظرها مؤّقتاً نتيجة ضربة تلقّتها على رأسها من قبل العناصر الأمنية. وظلّت رفيف لساعات عديدة لا تتذكّر إلّا لحظة ضربها ولم تتعرّف سوى على والدها. ويقول من زاروها مساء الخميس إنها كانت لا تزال في حالة صدمة وتشتت واضحة وكانت تتكلّم وكأنها تهذي. وتؤكّد إحدى صديقات رفيف أنّ الطبيب شخّص إصابتها برضّة في الشبكيّة جرّاء تعرّضها للضرب على الوجه، وهي تتذكّر فقط أحداثاً من طفولتها البعيدة وضرب العناصر الأمنيين لها.
علي، شابّ آخر بات ليلته في المستشفى بعد أن تعرّض للضرب على رأسه ووجهه. أمّا سينتيا التي وصلت إلى مكان التجمّع قبل دقائق قليلة من بدء الهجوم، فأمسك بها أحد العناصر الذي تذكّرها من تظاهرة الثلاثاء أمام المصرف، ثمّ ضربها على رأسها فنزفت كثيراً وفي المستشفى تبيّن أنها مصابة بـ"شُعر" في رقبتها. ولم يسلم من ضرب العناصر الأمنيّة حتّى الأشخاص الذين حاولوا أن يساعدوا الجرحى أو الموقوفين، فتعرّضوا – ومن بينهم إعلاميّون وإعلاميّات – للضرب على أيدي قوى مكافحة الشغب.
وتكرّر تجمّع العناصر على المتظاهرين أو الموقوفين لضربهم جماعيّاً حتى بعد وصول الموقوفين إلى داخل الثكنة، وهو ما أكده العديد منهم في اتصالات مع "المفكرة". وكان الاعتقال والضرب عشوائيّين، حتّى أنّهما قد طالا مصوّرين وصحافيّين كانوا يوثّقون ما يحصل بينهم عصام عبدالله مصوّر وكالة "رويترز" الذي نقل إلى المستشفى بعد إصابة في الرأس. كما توجّه عدد من العناصر الأمنيّين إلى بناية مقابل الثكنة كان فيها المصوّرون والصحافيّون، وقام أحد العناصر من داخل ثكنة الحلو بتصويرهم وهم يوثقّون التجمّع أمام الثكنة والاعتداءات التي تحصل.
توقيف العشرات ومواكبة من لجنة المحامين
تم إحصاء 61 موقوفاً بينهم 3 قاصرين احتجز 39 منهم في ثكنة الحلو (خرج أحدهم بعد وقت قصير من توقيفه) ونقل الباقون إلى مخافر بيروت: 4 في ثكنة الرملة البيضا و7 في مخفر راس بيروت و11 في مينا الحصن، بحسب لجنة المحامين للدفاع عن المتظاهرين. وأخذت إفادات سريعة من الموقوفين بُعيد احتجازهم تضمّنت أسماءهم ومواليدهم ومهنهم وباتوا ليلتهم في الحجز.
ولم يغادر محامو لجنة الدفاع عن المتظاهرين محيط ثكنة الحلو طوال اليوم حتى بعد بدء المواجهات العنيفة واستمرارها. وبمجرّد عودة الهدوء إلى المكان بعيد منتصف الليل دخل وفد منهم إلى الثكنة لمقابلة الموقوفين وتحويل من يحتاج منهم إلى علاج طبي إلى المستشفيات وواصل المحامون جولاتهم على المخافر الأخرى حتى الرابعة فجراً للاطمئنان على الموقوفين الآخرين والتحقق من أوضاعهم.
في اليوم التالي أي يوم الخميس بدأ التحقيق رسمياً مع الموقوفين تباعاً وإطلاق سراحهم بسند إقامة ابتداءً من الساعة الحادية والنصف صباحاَ حتى ساعات المساء من دون حجز هواتفهم كبعض معتقلي ليلة الثلاثاء.
يقول بعض الذين أوقفوا في ثكنة الحلو لـ"المفكرة" إنّ المحقق دوّن في محضر التحقيق الذي وقّعوا عليه إشارة إلى أنّ الاعتداء بدأ من قبل المتظاهرين الذين رموا الحجارة على القوى الأمنيّة. فيما أشار موقوفون آخرون إلى أنّ المحضر تضمّن فقط إجاباتهم عن أسئلة تتعلق بتوقيت التوقيف ومكانه وما إذا كانوا شاركوا في التظاهرة أو في أعمال الشغب.
يروي علي (أحد الموقوفين الذين خرجوا من ثكنة الحلو صباح الخميس) لـ"المفكّرة" كيف سحبته العناصر الأمنيّة من شعره وجرّته إلى داخل الثكنة بالترافق مع توجيه الضربات إلى وجهه ورأسه. "يا ريتكن كنتوا بسوريا كنّا منفرجيكن شو منعمل فيكن" كانت أبرز العبارات التي سمعها موقوفو ليلة الأربعاء في ثكنة الحلو، بالإضافة إلى الشتائم التي كيلت لهم.
ويقول مروان الذي أوقف على طريق كورنيش المزرعة من قبل عناصر أمنيّة خرجت من الباب الخلفي للثكنة، إنّه تلقّى ضربات على رأسه من عصي عناصر مكافحة الشغب، وحين وقع أرضاً انهالوا عليه بالضرب. وخلال سوقه إلى داخل الثكنة، تعرّض لضربات ولكمات من كلّ عنصر يمرّ بجانبه. ويتابع أنّ العنصر الذي كان يقتاده قال له وهو يتلقّى الضربات من العناصر الآخرين: "عم بيسلّموا عليك الشباب". والمفارقة أنّ هذا "الترحيب" أدخل مروان إلى المستشفى مصاباً بجرح في رأسه حيث تمت معالجته وإعادته مجدّداً إلى الثكنة.