سيّارة الشهيد محمد ترمس إبن بلدة طلوسة بعد أن أطلق عليه الجنود الإسرائيليّون النار بشكل مباشر على طريق وادي السلوقي خلال محاولته الوصول إلى بلدته يوم 22 ك2 2025
مع اقتراب انتهاء مهلة الـ 60 يومًا المحدّدة في إعلان وقف الأعمال العدائية، أعلنت إسرائيل بشكل صريح عدم نيّتها الانسحاب من القرى الحدودية، ممّا يحوّل وجودها من تواجد مؤقّت إلى احتلال فعلي. خلال هذه المدّة، شهد الإعلان سلسلة من الخروقات الإسرائيلية المستمرّة، بدءًا من منع الناس من العودة إلى قراهم، وصولًا إلى استمرار النسف والتدمير الممنهجين للمناطق التي تقدّم إليها الجيش الإسرائيلي خلال المعارك أو من خلال استغلال الهدنة، فضلًا عن الخروقات الجوّية والتوغّلات البريّة وأعمال الخطف والقصف بمختلف أنواع الأسلحة.
بناءً على إعلان وقف الأعمال العدائية والقرار 1701، كان من المفترض أن يوقف الجيش الإسرائيلي كلّ عمليّاته العسكرية ضدّ لبنان فورًا، مع التزام بالانسحاب تدريجيًا إلى ما وراء الخط الأزرق خلال 60 يومًا. ولكن، استمرت “المفكرة” في رصد وتوثيق الانتهاكات التي تناقض هذا الالتزام، مستخدمة كافة الأدوات الصحافية المتاحة.
اليوم، ومع انتهاء الفترة الثالثة والأخيرة من هذه المهلة، ننشر تقريرًا يغطّي الهجمات الإسرائيلية من 6 إلى 25 كانون الثاني 2025، إذ تابعنا تسجيل الأحداث والخروقات بعد نشرنا لتقريرين أوّل وثانٍ يغطي الفترة السابقة حتى 5 كانون الثاني.
استندت منهجية “المفكّرة” لتوثيق الهجمات الإسرائيلية على إحصاء أوّلي للحالات المُبلّغ عنها في المصادر المفتوحة، ومقارنتها بقوائم استحصلت عليها “المفكّرة” من مصادر عسكرية لبنانية للتثبّت من صحّتها. كذلك، قمنا بتحديد سياق مفصّل لكلّ هجوم، من حيث مكانه وزمانه وأعداد ضحاياه، مستندين في ذلك إلى عمل ميدانيّ واتّصالات مع المعنيين وبيانات من مختلف الجهات الأمنية والرسميّة، بما في ذلك البيانات الصادرة عن اليونيفيل والجيش اللبناني ووزارة الصحة وأجهزة الدفاع المدني والبلديات.
ويشمل هذا التوثيق الهجمات البرّية والجوية والتي لديها كلفة مباشرة على المدنيين في المناطق المستهدفة، ولا يشمل كلّ الخروقات، من قبيل تحليق أعداد كبيرة من الطائرات التجسسّية جوًّا أو الخروقات البحرية، والتي “اقتربت بمجموعها من الـ 2000 من دون أن تتوفّر حصيلة رسميّة بعد” بحسب ما أوضح المصدر العسكريّ لـ”المفكّرة”. ومن هنا يأتي التمييز في التقرير التالي بين “خروقات و”هجمات”، وإن كانت تصنّف كلّها ضمن خانة الاعتداءات التي تنتهك السيادة اللبنانيّة وتخلّ بنص اتّفاق وقف الأعمال العدائيّة.
855 هجومًا إسرائيليًّا مباشرًا خلال الهدنة
في الأيام العشرين الأخيرة من المهلة المحدّدة في إعلان وقف الأعمال العدائية، وثّقت “المفكّرة” 358 هجومًا إسرائيليًّا، مقابل 209 هجمات في الفترة الثانية، و288 في الفترة الأولى. وبذلك، ترتفع حصيلة الهجمات الإسرائيليّة الموثّقة طوال فترة الهدنة إلى 855 هجومًا.
ووثّقت “المفكّرة” استشهاد 9 أشخاص خلال المرحلة الثالثة، 8 منهم في قصف جوّي، وشهيد واحد في إطلاق نار مباشر، ليرتفع العدد الكلّي لشهداء فترة الهدنة إلى 43 بينهم ثلاث أسر بنسائها وأطفالها وموظّفين رسميّين ومسعفين.
وأدّت غارة جويّة على قرية طيردبّا إلى استشهاد 5 وجرح 4 من أبناء القرية والقرى المجاورة يوم 10 كانون الثاني، كما قضى 3 شبّان من الجنسيّة التركيّة في استهداف سيّارتهم في منطقة جبل السدانة في أطراف شبعا، وتمكّنت فرق الإسعاف من انتشال جثامينهم يوم 20 من الشهر نفسه.
وعثر يوم 22 كانون الأوّل على المواطن محمد ترمس، ابن قرية طلّوسة، مستشهدًا بعد أن أطلق الجنود الإسرائيليّون النار على سيارته بالقرب من مسجد وادي السلوقي لجهة أطراف بلدة مجدل سلم، وهو في طريقه محاولًا الوصول إلى بلدته، بحسب شهادات أهله. وقال مصدر طبّي لـ “المفكّرة” إنّ ترمس قضى جرّاء إصابات مباشرة بالرصاص في مختلف أنحاء جسده.
ووثّقت “المفكّرة” 47 توغّلًا بريًّا إسرائيليًّا، تكرّر في وادي السلوقي، وشمل أطراف بنت جبيل للمرّة الأولى في 15 كانون الثاني، ليتكرّر على مدى الأيّام اللاحقة، كما شمل كفرشوبا يوم 25 كانون الثاني، رغم دخول الجيش اللبنانيّ وعودته إلى مراكزه فيها. وقد ترافق كلّ توغّل إسرائيّليّ مع أعمال إطلاق نار، وتبعته في حوادث متفرّقة أعمال تدمير واسعة النطاق ضدّ الأملاك الخاصّة والعامّة والبنية التحتيّة في القرى المستهدفة.
الهجمات بالقصف المدفعي والتمشيط الناري والرمايات، التي شملت 25 و38 حادثة على التوالي، أظهرت استمرار العمليات العسكرية الهجومية ضدّ القرى وتوسيع دائرة الخطر بشكل مستمرّ بما يهدّد سلامة السكّان والعائدين. وقد وصل القصف المدفعيّ إلى جوار مركز الدفاع المدني في قرية رميش، ما أدّى إلى تضرر عدد من سيارات الدفاع المدني وسيارة مدنية إضافة إلى تشظي منزل في حي الكروم.
ومن بين أخطر الهجمات كان اختطاف مواطنين ومقيمين في 6 حوادث متفرّقة، خلال الفترة الثالثة من وقف إطلاق النار، وصل عددهم إلى 30 معظمهم من المزارعين ورعاة الماشية.
كما تكرّرت حملات مداهمة المنازل وتخريب محتوياتها 14 مرة، فيما وثّق تدمير متعمّد لسيارات وآليات مدنية من خلال الدهس بالدبّابات أو عبر الجرّافات في 3 هجمات متفرّقة. إضافة إلى موجتين من الاتصالات التهديدية في اليوم الأخير من مهلة الانسحاب، ما يعكس استخدام تكتيكات الحرب النفسية ضدّ السكان.
عمليّات النسف تتضاعف
وظلّ النسف والتجريف الأكثر تكرارًا وتدميرًا بواقع 148 عملية تحوّلت خلالها قرى بأكملها إلى ركام، في محاولة لإعادة تشكيل الجغرافيا الحدودية بشكل دائم. وقد ارتفع هذا النمط من الهجمات خلال الفترة الثالثة وشمل 24 قرية، بعد أن وصل إلى 95 عمليّة في الفترة الثانية في 23 قرية حدوديّة، و45 عمليّة في الفترة الأولى من الهدنة.
وبلغ المجموع بذلك 282 عمليّة نسف وتجريف أكثر من نصفها في الأيام العشرين الأخيرة. كما وتصاعد الإحراق المتعمّد للمنازل، الذي شمل 33 حادثة موثّقة بين 5 و25 كانون الثاني، مقارنة بـ 7 في المرحلتين الأولى والثانية، بما يعكس إرادة بإحداث أكبر قدر من التدمير.
وتركّزت عمليّات النسف والتجريف في ميس الجبل وعيتا الشعب، لكنّها توزّعت على طول الحدود من الناقورة التي نفّذت فيها آخر عمليّات النسف والتجريف يوم انسحاب الجيش الإسرائيلي من داخل البلدة في 6 كانون الثاني، إلى كفرشوبا رغم عودة الجيش اللبناني إليها يوم 25 منه.
وتشمل عمليّات النسف والتجريف والإحراق أعدادًا كبيرة من المنازل والمباني السكنيّة والرسميّة والمؤسّسات التجاريّة والصناعيّة والزراعيّة، والاستراحات السياحيّة، وكذلك المساجد كما في شيحين ووادي السلوقي، ومقبرة قرية الضهيرة التي استكمل تدميرها بشكل شبه كامل.
ودمّرت جميع الاستراحات السياحيّة على ضفاف نهر الوزّاني في عمليّة نسف واحدة قبل يومين من انتهاء مهلة الانسحاب، كما هدمت الجرّافات الإسرائيليّة منشآت صناعية وقضت على ملعب الـ “ميني فوتبول” القديم في منطقه الدبش غربي ميس الجبل يوم 20 كانون الثاني.
ودمّرت منشآت صناعيّة وزراعيّة في ميس الجبل، وفي 22 كانون الثاني، توغّلت القوّات الإسرائيليّة في برج الملوك وأحرقت مستودع شركة (JNE)، وقد قدّر صاحب الشركة، وهو رئيس بلديّة برج الملوك إيلي سليمان، قيمة الخسائر بحوالي 400 ألف دولار أميركيّ.
وشملت عمليّات النسف والتجريف البلدات القديمة في القرى، واجتاحت أعمال تجريف الأشجار حرج يارون لأربعة أيّام متواصلة، وقضي على مساحات واسعة من كروم الزيتون المعمّر، واستمرّت أعمال تخريب الأراضي الزراعيّة حتى الساعات الأخيرة من اليوم الستين.
وفي اليوم الستين
خلال الأيام الستّين من الهدنة، لم تكتفِ القوّات الإسرائيلية بمنع الناس من العودة إلى منازلهم، بل لم تترك لهم ما يعودون إليه. التوثيق المنهجي الذي قامت به “المفكّرة” لهذه الهجمات يؤكد أنّها لم تكن حوادث عرضية بل جزءًا من استراتيجية ممنهجة تهدف إلى إعادة تشكيل الجغرافيا والديموغرافيا الحدودية بشكل دائم. لا تتعلّق هذه الاستراتيجية فقط بالسيطرة العسكرية، بل بالأثر الطويل الأمد على المجتمعات المحلّية التي تعرّضت للتهجير والدمار.
مع نهاية المهلة التي حدّدتها بنود إعلان وقف الأعمال العدائية، توّجت الهجمات بتهديد وجّهه متحدّث باسم الجيش الإسرائيليّ ضدّ عودة السكان، على ضوء الإعلان الصريح من قبل إسرائيل بعدم الانسحاب. لم تكن العودة أصلًا رهن هذا الانسحاب، بل كانت الهجمات هي ما يمنعها، إذ نصّ الإعلان المذكور بصراحة على عودة السكّان فور دخوله حيّز التنفيذ، عند الرابعة من فجر 27 تشرين الأوّل 2024.
يوم السبت 25 كانون الثاني، عادت الاتصّالات التهديديّدة التي تحذّر المواطنين من العودة إلى قراهم، من خلال موجتين استهدفتا النازحين من هذه القرى في قضاءي مرجعيون والنبطية. وطلب متحدّث بلغة عربية ركيكة من الأهالي عدم العودة إلى قراهم يوم الأحد وحذرهم من تعريض سلامتهم للخطر.
ووثّقت “المفكّرة” يوم السبت 19 واقعة توغّل برّي وقطع طرقات وتجريفها، وعُزلت بلدات مثل ميس الجبل وطلّوسة وبني حيان بعد أن جرفت وأغلقت الطرقات الرئيسة والفرعية المؤدّية إليها، على وقع إعلان الأهالي نيّتهم التوجّه إلى قراهم صباح الأحد رغم التهديدات.
وقد نفّذت عمليّة نسف منازل في كفرشوبا التي عاد إليها بعض أهلها بعد عودة الجيش، أمس السبت أيضًا، كما تعرّضت الخيام لهذا النوع من الهجمات خلال الفترة الثالثة رغم عودة الجيش إليها. ترسم هذه الأعمال العدوانيّة صورة عن النوايا الإسرائيليّة ضدّ القرى وأهلها في المرحلة المقبلة، فيما ثبّتت القوّات الإسرائيليّة نقاط تمركز لها في مناطق عدّة على طول الحدود، وأكملت بناء موقع عسكري محصّن في تلة العويضة الإستراتيجية بين بلدتي الطيبة والعديسة. ومع انتهاء المهلة، يبدأ فصل جديد في قصّة الجنوب، وقراه الحدوديّة.
This website uses cookies so that we can provide you with the best user experience possible. Cookie information is stored in your browser and performs functions such as recognising you when you return to our website and helping our team to understand which sections of the website you find most interesting and useful.
Strictly Necessary Cookies
Strictly Necessary Cookie should be enabled at all times so that we can save your preferences for cookie settings.
If you disable this cookie, we will not be able to save your preferences. This means that every time you visit this website you will need to enable or disable cookies again.