المليون مغترب الذين لم نصل إليهم


2025-06-05    |   

المليون مغترب الذين لم نصل إليهم
رسم رائد شرف

نشر موقع “جبلنا ماغازين” (Jabalna Magazine)، في 7 تموز 2024، إعلان المؤسسة المارونية للانتشار عن “تكثيف جهودها وحملاتها خلال الأشهر المقبلة لتسجيل اللبنانيين المقيمين في الانتشار والمتحدّرين، وعن فتح مكاتب جديدة لها في البيرو وتشيلي وبوليفيا، ومواصلة التنسيق مع البعثات الدبلوماسية في الخارج ومساندتها في مهامها وكذلك مع الأبرشيات والمؤسسات والنوادي والجمعيات الاغترابية”. ويضيف خبر الموقع، الذي يُعرّف عن نفسه بشعار “صدى صوت الانتشار اللبنانيين” ( the echoing voice of the Lebanese Diaspora)، أنه وبعد الاطلاع على “دراسة أعدّتها المؤسسة عن الذّكور المسجّلين على لوائح الشطب والذين تتجاوز أعمارهم 62 عامًا وقيودهم ما زالت جامدة أو دون إضافات جديدة (زيجات أو ولادات)، قرر المجتمعون في المؤسسة المارونية للانتشار إطلاق حملة مكثّفة في البلدات اللبنانيّة بالتنسيق مع نوّاب كلّ منطقة ورؤساء البلديّات والكهنة والمخاتير لإحصاء المهاجرين والمتحدّرين منهم، بحيث تقوم المؤسسة تباعًا بتزويد مكاتبها في الانتشار بالمعلومات المتوفّرة للتواصل مع أصحاب العلاقة وحثهم على تسجيل الوقوعات الشخصية”.

تتصدّر خبر “جبلنا ماغازين” صورة ثلاث فتيات مغتربات يرتدين قمصانًا بيضاء يزيّنها العلم اللبناني الذي رُسم أيضًا على وجوههنّ المبتسمة، مع العلم أنّ قانون استعادة الجنسية الرقم 41 الذي صدر في 24 تشرين الثاني 2015، يستثني المتحدّرين من سيّدة لبنانية، ويحصرها بالمتحدّرين من ذكور وذرّيتهم منذ 1920-1921. كما أنّ غالبية “صقور” المؤسسة المارونية التي استعانت بالفتيات في حملاتها الترويجية في الخارج لجمع طلبات استعادة الجنسية للمتحدرين، يتصدّرون، تاريخيًا، رأس المتصدّين لتشريع حق المرأة اللبنانية في منح جنسيتها لأسرتها من باب عدم الإخلال بالتوازن الديموغرافي في البلاد، وهي الشمّاعة التي يعلّق عليها حرمان اللبنانيات من منح جنسيتهنّ لأسرهن.  

يتزامن تكثيف المؤسسة المارونية للانتشار جهودها التي تعلن عنها، مع اقتراب انتهاء مفاعيل القانون 41/2015 الخاص باستعادة الجنسية للمتحدّرين من أصل لبناني، حيث تُسقط الفقرة “ط” منه، الحق في طلب استعادة الجنسية “إذا لم يتقدّم أصحاب العلاقة بطلباتهم خلال عشر سنوات من تاريخ نفاذ القانون”. ولهذه الغاية، بادرت إلى إعداد اقتراح قانون لتعديل قانون استعادة الجنسية، بما يحرّر القانون من طابعه المؤقت. وقد وثق المرصد البرلماني تقديم اقتراحي قانون في هذا الخصوص: الأول اقتراح قانون تقدّم به النواب نعمة افرام ونديم الجميل وميشال معوض وميشال ضاهر ومارك ضو وأشرف ريفي وبيار بو عاصي وشوقيّ الدكاش وآلان عون. والثاني قدمه عشرة نواب من كتلة لبنان القوي في 9 نيسان 2025، بهدف توسيع شروط استعادة الجنسيّة. كما يلحظ أن المؤسسة استأنفت الرحلة الصيفيّة السنوية للشبّان والشابّات المتحدّرين من أصول لبنانية من مختلف أنحاء العالم إلى لبنان تحت شعار “الأكاديمية المارونية” Back to the Roots Back to Lebanon. وكانت هذه الرحلات قد توقفت منذ العام 2019 بسبب الأزمة الاقتصادية التي أصابت لبنان، وما أعقبها من أحداث وآخرها العدوان الإسرائيلي على لبنان. 

وفي الاتجاه نفسه، تمنّت الجامعة اللبنانية الثقافية في العالم في بيان أصدرته الجمعة 31 أيار الماضي إثر انتهاء أعمال مجلسها العالمي في تشيلي، وحصلت المفكرة عليه، “على الكتل النيابية إسقاط المهلة الزمنية لتقديم طلبات استرداد الجنسية، والتي تنتهي هذه السنة حسب القانون الحالي. لأنّ الأزمات التي مرّت بها الأجهزة المعنيّة في السّنوات العشر الماضية لم تمكّن المعنيّين من إعداد ملفّاتهم أو من متابعتها”.  

جردة 10 سنوات من تطبيق القانون من دون تقييم علنيّ

يأتي سعي النوّاب لتمديد قانون استعادة الجنسية من دون أيّ تقييم علنيّ للعوائق التي حالت دون تحقيق القانون غاياته رغم المساعي التي بذلتها وتبذلها المؤسّسة المارونيّة للانتشار في نحو 30 بلداً من بلدان الاغتراب اللبنانيّ، وكذلك المجلس الاغترابيّ اللبنانيّ للأعمال والجامعة الثقافيّة اللبنانية في العالم والأحزاب السياسية المسيحية كالتيار الوطني الحر والقوات اللبنانية وحزب الكتائب اللبنانية بالتنسيق التامّ مع البطريركية المارونية والعديد من السفارات. وتتأتّى أهمية تقييم نتائج السنوات المنصرمة من كونها بقيت بعيدة عن انتظارات واضعيه، كما أكد ممثلو أكثر من جهة تواصلنا معهم. يقول رئيس لجنة العلاقات العامة في المجلس الاغترابي اللبناني للأعمال دكتور دال الحتي للمفكرة “كان الأمل يرجع مليون ماروني، بس ما ظبطت”. 

وفي هذا الإطار، حصلت المفكّرة على التقرير الذي رفعته اللجنة المختصّة بالنظر في ملفات الجنسيّة اللبنانية إلى وزير الداخلية في تاريخ 23 كانون الثاني 2025. وقد جاء فيه أن مجموع الطلبات المقدمة منذ بدء العمل في القانون بلغ 2108 طلبًا ورد ضمن 1633 ملفًا. ويفهم من التقرير أن اللجنة حسمت 1486 ملفا قبلت منها 1293 طلبا أي بنسبة قبول وصلت إلى 87%، في حين يكشف التقرير أنه ما يزال هناك 83 ملفًا عالقا في التحقيق لدى الأمن العام و65 طلبًا تمّ إصدار قراراتٍ إعداديّة بشأنها ما برحت بانتظار تنفيذها من قبل سفارات مختلفة (ونلحظ أن ثمة خطأ في ملف واحد عند احتساب الملفات لم نتمكن من اكتشاف سببه). كما يبين التقرير أنه تمّ إصدار 627 مرسوم استعادة الجنسية منذ تاريخ 14 كانون الأول 2017 (المراسيم الأولى) ولغاية 12 أيلول 2023. في حين ما يزال 666 مشروع مرسوم قيد الإعداد. وقد تبيّن لنا من مراجعة الجريدة الرسمية أن 522 مرسومًا منها شملت 952 شخصًا تمّ نشرها، في حين لم يتمّ نشر 105 منها وهي المراسيم الصادرة في تواريخ 12 آب 2022 و11 و12 أيلول 2023. ولدى استطلاع مصادر رئاسة الحكومة، أخذنا علمًا أنها توقفت عن نشر هذا النوع من المراسيم على أساس أن القانون لا يفرض على الحكومة نشر المراسيم الفردية.  

كما علمت المفكرة أنّ مجلس وزراء تصريف الأعمال كان قد أقرّ 91 مرسوماً باستعادة الجنسية اللبنانية، بناء على القانون 41/2015، في جلسته المنعقدة في 7 أيلول 2023، ولم يوقعها رئيس الحكومة أنذاك نجيب ميقاتي. وأفادت مصادر رئاسة حكومة الرئيس نواف سلام المفكرة أنه تمت إعادة المراسيم الـ 91، التي لم يوقعها الرئيس ميقاتي إلى وزير الداخلية أحمد حجار الذي تعود له صلاحية القرار في التوقيع عليها من جديد وإحالتها إلى مجلس الوزراء لإقرارها، ومن ثم تحمل تواقيع وزير الداخلية ورئيس الحكومة ورئيس الجمهورية تمهيدًا لنشرها في الجريدة الرسمية.  

وإذ يشير تقرير اللجنة المختصة إلى وجود 666 مشروع مرسوم تعود لقرارات القبول الصادرة عنها خلال الفترة الممتدة من أيلول 2021 ولغاية كانون الثاني 2025، يتأكد أن هنالك 575 مشروع مرسوم ما يزال عالقا إلى جانب ال 91 مشروع مرسوم لدى وزارة الداخلية.

91 مرسوما رفض ميقاتي توقيعها

تربط بعض المصادر تمَنّع رئيس الحكومة السابق نجيببب ميقاتي عن توقيع المراسيم الـ 91 لاستعادة أصحابها الجنسية اللبنانية بالتشنج وحدّة الردود التي أعقبتْ حديث رئيس حكومة تصريف الأعمال، في حلقة تلفزيونية في 21 شباط 2023، عن تقرير سُلِّم إلى البطريركية المارونية، واطّلع عليه (ميقاتي) شخصياً، يشير إلى أن نسبة المسيحيين في لبنان أضحت 19.4%، مع تشكيكه خلال المقابلة عينها بصحة هذا التقرير. إذ، وعلى الفور، أصدر المكتب الإعلامي في بكركي بياناً ينفي فيه إصدار البطريركية المارونية “أي تقرير يتضمّن أيّ إحصاء لنسبة المسيحيين في لبنان، وبالتالي لم تسلّم أيّ مرجع داخلي أو خارجي أي تقرير أو إحصاء من هذا النوع”.

إلا أن مصادر مطّلعة نفتْ ربط هذا السّجال الذي مضى على حصوله عامّين ونصف العامّ بعدم توقيع الرئيس ميقاتي على الـ 91 مرسومًا التي أقرّها مجلس الوزراء في أيلول 2023، عازيةْ الأمر إلى ما أسمتْه “ازدواجية التعاطي مع صلاحيات رئيس حكومة تصريف الأعمال آنذاك”. وعليه، وفق المصادر، “قرر الرئيس ميقاتي ترك توقيع هذه المراسيم الـ 91 إلى حين انتخاب رئيس جديد للجمهورية وعندها يمارس رئيس الجمهورية المُنتخب صلاحياته في توقيعها”، مشيرة إلى وجود شبهات خلل فيها. 

أي دور للسفارات والقناصل؟

يقول أحد السفراء اللبنانيين في بلد اغترابيّ للمفكرة أنه لدى إقرار القانون في 2015 كان هناك جوٌ ونشاط متميّز في وزارة الخارجية بالنسبة لتشجيع المتحدرين، ومنها تأسيس وزير الخارجية في تلك المرحلة جبران باسيل جمعية “lebanese diaspora energy” التي أتت بمئات المتحدرين إلى لبنان ونظمت لهم أنشطة ولقاءات تهمّهم ونشرت عبرهم روحية القانون وإمكانية استعادة الجنسية “وهي المرحلة التي شهدنا فيها إقبالًا على تقديم طلبات الاستعادة، وقد خفتت هذه الأنشطة بعد خروج باسيل من الخارجية، حيث كان الأشدّ حماسة للمتحدرين أكثر بكثير من الاغتراب “الحديث” غير المنقطع”. ويرى هذا السفير أن الفراغ الرئاسي في مركز رئاسة الجمهورية أثّر كثيرًا على تقدّم الملفات وخصوصا في مرحلة توقيع المراسيم وبالتالي نفاذها، مشيرا إلى أن لدى سفارته ملفات نالت موافقة اللجنة المختصة ولكنها عالقة منذ انتهاء ولاية الرئيس السابق ميشال عون. ويضاف الفراغ الرئاسي إلى أزمة كورونا والأزمة الإقتصادية وتأثيرها على الكوادر الوظيفية في السفارات “بعض السفارات ع الحديدة”، ومن بعدها مرور عام ونصف تقريبا على الأوضاع المضطربة في المنطقة والتي تخللها حرب عدوانية شديدة القسوة على لبنان “وهذا كله لا يشجع بعض المتحدرين على الإهتمام باستعادة الجنسية اللبنانية”. وبعدما يشير السفير اللبناني إلى الدور المهم الذي لعبته المؤسسة المارونية للانتشار بين المتحدرين ومع السفارات في ملفات استعادة الجنسية، يؤكد أن غالبية المتحدرين يرغبون باستعادة جنسيتهم، وأن لبعضهم مصلحة بذلك لأن البلدان التي يعيشون فيها تفتقد إلى الاستقرار. 

وفي الإطار عينه، يرى سفير لبناني في إحدى دول الاغتراب القديم أن 95 إلى 99% من المتحدرين المنقطعين عن بلدهم الأم لبنان هم من المسيحيين، نظرًا لاختلاف طبيعة الهجرة بين الفئات اللبنانية وتاريخها، مشيرًا إلى أن نحو 99% من مراسيم استعادة الجنسية التي صدرت بملفات أرسلتها سفارته إلى لبنان هم من المسيحيين “وهذا طبيعي وليس له علاقة بالطائفية”، وفق ما يقول “فالغالبية من المعنيين بالقانون هم من الطائفة المسيحية بحكم الواقع”. ويرى السفير نفسه أن هناك دولًا كثيرة لا تكلف نفسها عناء إصدار قوانين خاصة باستعادة الجنسية “إذ مجرد أن يبرز أيّ متحدر مستندات تثبت حيازة أبيه أو أمه أو جده وحتى جد جده أو جدته جنسية البلد الأم، يحصل تلقائيا على حقه باستعادة جنسية أسلافه، ولكن الوضع في لبنان مختلف إذ يتم تسييس وتطييف كل شيء، وهذا يتناقض مع حقّ كلّ متحدر بجنسية بلده الأم”. ويلفت السفير ذاته النظر إلى أهمية تضمين القانون حق الذرية المتحدرة من امرأة لبنانية استعادة جنسيتها، ليس لرفع أعداد المُستعيدين، لأنها ستزيد كثيرًا،  بل لتكريس حق هؤلاء والمرأة نفسها بالجنسية”.   

لكن جهات عدة تتهم بعض السفراء اللبنانيين والقناصل في الخارج بعدم القيام بواجباتهم بالتواصل مع المتحدرين من أصل لبناني وإعلامهم بالقانون وتسهيل تقديمهم طلبات استعادة الجنسية، لا بل تشجيعهم على ذلك “إما لأسباب طائفية” أو “لأن إمكانية التقديم أونلاين قد حرمهم من بعض المكتسبات التي كان يمكن أن يحصلوا عليها في حال حُصر التقديم بالسفارات وحدها”، كما يقولون. 

في المقابل، يتحدّث البعض الآخر عن رشاوى ودفع أموال مقابل بعض الطلبات وتقاضي مبالغ مالية من أشخاص يستحقون الجنسية لتسريع حصولهم عليها، ومن آخرين يحملون جنسيات عربية لمنحهم جنسية لبنانية لا يستحقونها. ويضيف هؤلاء بيروقراطية الأداء الرسمي المعروفة، وكذلك الأزمة التي أثرت على أداء موظفي دوائر الدولة والاهتراء الذي ضرب مؤسساتها كافة، مع الإشارة إلى تحمّس فئة لبنانية دون أخرى لاستعادة المتحدرين جنسياتهم اللبنانية، ومعهم مرجعيّات وازنة.   

من جهته يعطي أمين عام الجامعة الثقافية اللبنانية في العالم جورج أبي رعد مثلًا عن تجربة المتحدرين من أصل لبناني في إحدى دول الاغتراب في أميركا اللاتينية، ويقول “فدّم المتحدّرون في هذه الدولة 1868 ملف استعادة الجنسية، حوّل منها 1012 ملفا إلى لبنان ولكن لغاية اليوم لا نعرف مصيرها وما عدد الملفات التي قُبلت أم لا والسفير لا يعطينا أي معلومات عنها”. ويشير إلى أن بعض السفراء لا يرسلون الطلبات المقدمة عندهم “وبينيموها”، ليؤكد أن العائق الأول هو عدم تعاون بعض القناصل والسفراء وإهمالهم تطبيق القانون وتسهيل أمور المتحدرين. 

وتكمن الصعوبة الثانية، وفق أبي رعد، في عدم تزويد المتحدرين بأي معلومات بعد تقديمهم ملفاتهم “ما بيعودوا يعرفوا عنها شي ولا بيتابعو معهم”. وهذا يؤثر على حماسة الآخرين، يعني بس يعرف المتحدّرون ما يحصل مع المتقدمين بيفقدوا الحماس لتقديم طلباتهم”.

وتشكل صعوبة تأمين المستندات المطلوبة لاستعادة الجنسية عائقا ثالثا “عم يسافروا من مدينة لمدينة أحيانا ويتكلفو وقت ومصاري ومش عم يقدرو يأمنّو مستنداتهم، ومع تأخر الملفات وعدم متابعتها يفضلون الامتناع عن تقديم طلباتهم”.  

كنائس اللبنانيين في الاغتراب 

يعتبر رئيس لجنة العلاقات العامة في المجلس الاغترابي اللبناني للأعمال دكتور دال الحتي أن هدف قانون استعادة الجنسية “ديني سياسي بالاتفاق مع بكركي”، ويشير في حديث مع المفكرة إلى أن “معظم المهجّرين الأساسيين من 1840 ولغاية اليوم هم من المسيحيين، وكذلك من هُجّروا بـ 1914 وبـ 1920 وبحرب 1975 وكل موجات الهجرة التي تلتها”. ويقدّر المجلس، وفق د. الحتي ” أعداد المغتربين اللبنانيين بنحو 12 إلى 14 مليون لبناني، معظمهم من المسيحيين، يتوزعون على البرازيل التي استقبلت العدد الأكبر وأميركا اللاتينية ثم أميركا الشمالية وخصوصا نيويورك وبوسطن وبعدها كندا واستراليا وطبعا أفريقيا”.

ويضع د. الحتي اليوم طلب تمديد القانون 41/2015 “لأسباب دينية طائفية”، ليقول أنها أحد أسباب عدم نجاح تطبيق القانون “لأنه في سفرا من طوائف أخرى لا يشجعون المغتربين على تقديم الطلبات، وما بيهمهم الموضوع، ولا يتواصلون مع المغتربين وأنا مسؤول عما أقول”. ويؤكد د. حتّي أنّ هناك قرارات بقبول طلبات استعادة الجنسية “نايمة في جوارير وزارة الداخلية” (وهو أمرٌ يؤكّده تقرير لجنة استعادة الجنسية المذكور أعلاه بحيث أشارت أن مشاريع المراسيم يبلغ عددها 666 وهو عدد يفوق عدد المراسيم الصادرة الذي هو 627).

ويرى أن معارضي القانون “لا يناسبهم تتغير الديموغرافية لكي لا تتغير نتائج الانتخابات في حال قدوم المغتربين، حيث أن المغتربين الذين اقترعوا في انتخابات 2022 غيروا في الانتخابات وزاد الخوف منهم، باختصار عنا تركيبة سياسية قاسية ممانعة للموضوع”.  

وعلى الرغم من أنّ المسؤولية تقع على السفراء في دول الاغتراب، كما يرى، د. الحتي، “إلا أن المؤسسة المارونية هي لـ راحت عند الناس، وراحت ع كنائس اللبنانيين بالاغتراب وعملت شغل السفارات فعليًا، وجابت حوالي 35 ألف إسم وهودي متحدرين من أصل لبناني يعود من 100 إلى 120 سنة”. ويقول أنه منذ العام 2015 إلى أواخر العام 2023 ومن نحو 3 آلاف طلب وصلوا إلى لبنان (حسب تقرير لجنة استعادة الجنسية بلغ عدد الطلبات 2108 فقط)، لم تصدر قرارات استعادة الجنسية سوى بـ 1870 طلبا مقبولًا من اللجنة المعنية، فقط لا غير، 80% من بينهم موارنة وهي نسبة تتطابق مع نسبة الموارنة من المغتربين”. بالمقابل، يقدّر عدد المتحدرين الذين استعادوا جنسياتهم من المسلمين ب “نحو 50 طلبًا من أصل 1870، بينما قدموا 200 طلب”.

ويشير د. الحتي أيضاً إلى عدم رغبة بعض المتحدرين بالعودة إلى لبنان وعدم اكتراثه باستعادة جنسيته “نحن بيت الحتي عددنا 6 آلاف شخص بينهم 5 آلاف مغترب، منقلهم تعوا، ما بدهم”. ويتوقف أيضاً عند المتغيرات التي طرأت على حال المتحدرين “في ناس غيروا ديانتهم، وبالقانون ملزم يجي ع سجله وسجله طائفي إجباري، وفي ناس رفضت فكرة الانتماء الطائفي وبالقانون بدو يرجع بلبنان ماروني وبعضهم غيّر دينه للزواج وما بيقدر يرجع ع دينه”.

من جهته، يشير العضو في لجنة الإغتراب في التيار الوطني الحرّ طارق صادق إلى أن طلبات استعادة الجنسية “أكثر بعشرات المرات مما بتّت فيه اللجنة المعنية ووافقت عليه “بسبب نقص هذه الطلبات لمستندات معينة، كون ليس كل المتحدرين يمتلكون إثباتات عن لبنانية الجد الأكبر أو جد الجد أو جد الأب وغيره، وهناك من هاجروا ولم يسجلوا نهائيا، وهناك من غيّر اسمه”. وتوافق كلام صادق عن جهود المؤسسة المارونية للانتشار مع كلام د. الحتي “المؤسسة جمعت نحو 35 ألف طلب ولكن النتيجة لم تكن بحجم الأمل بسبب نقص المستندات التي تثبت الرابط العائلي، ولذا يكون من المفيد البحث في تسهيل استعادة المتحدرين جنسياتهم والتخفيف من القيود من دون أن نسمح بنيل الجنسية غير مستحقيها”.

وإذ صرح رئيس لجنة الاغتراب في حزب القوات اللبنانية النائب السابق عماد واكيم للمفكرة أنّ القوات لم تكن متفائلة بمفاعيل القانون “لأن المتحدرين صاروا بعاد ولأن السلطة ما بدها تسهّل لهم العودة لأن هناك بعض المشاريع السياسية تراهن على اضمحلال المسيحيين في لبنان”. فإنه أكد أيضا على التزام القوات التنسيق مع المؤسسة المارونية وكذلك مع المجلس الماروني والكنيسة المارونية لكي لا يأخذ الموضوع طابعًا حزبيًا”.  

ويرى أن وزارة الخارجية والمغتربين لم تُسهّل مهمة استعادة الجنسية “والدليل الصعوبات التي وضعتها في طريق اقتراع المغتربين وعدم احتساب أصوات بعضهم، إضافة إلى عدم تسهيل حصولهم على جوازات السفر والهويات وحتى استرجاع أملاكهم في لبنان”. ويشير إلى أن القوات اليوم تعمل على إنشاء خلية تتواصل مع المتحدرين المنقطعين لطمأنتهم أننا سنساعدهم في حل أمورهم في استعادة عقاراتهم مثلا، لأن العالم اليوم قائم على البيزنس والمصالح، وغيره من الخدمات لتشجيعهم على استعادة جنسياتهم”.

مستعيدو الجنسية: مطبخ لبناني وعادات لبنانية بلا لغة ولا زيارات

من منزلها في ولاية ريو دو جانيرو البرازيلية، كانت السيدة سيدينيا رابحة تعدّ وجبة أسرتها المفضلة “الكبة اللبنانية” على أنغام أغنية للسيدة فيروز، فيما تُعبر المرأة السبعينية عن سرورها الكبير باستعادة جنسيتها اللبنانية “أخطّط لزيارة لبنان السنة المقبلة”، كما تؤكد للمفكرة.

هاجر جدّ سيدينيا بمعية جدتها لأبيها من لبنان إلى البرازيل “حوالي العام 1890″، كما تخمّن. أنجبا تسعة أبناء لم يسجّلا أي منهم في القيود اللبنانية، وإن حرصا على توريثهم “كل شي لبناني”، من الأكل اللبناني، إلى الدبكة، إلى الموسيقى والأغاني وكذلك العادات والتقاليد لجهة الترابط العائلي، والمواظبة على العلاقة مع الكنيسة، والأهم “عدم التفريق بين الطوائف”. وتولّى الأبناء التسعة توريث أبنائهم وبناتهم كل موروثاتهم اللبنانية. وعليه، ورثت سيدينيا أسرار المطبخ اللبناني “بمأكولاته الشهية” من أمها، وهي برتغالية “لكن جدتي لأبي علّمتها جميع الوجبات اللبنانية وأنا تعلمت منها ومن جدتي حين كنت صغيرة”. ومعارف سيدينيا بالمطبخ لا تقتصر على الأكل المالح “بعمل كنافة ومعمول ومفتقة بيرويتة وكل الحلويات اللبنانية الأخرى”، وغالبًا ما تصدح في منزلها الموسيقى اللبنانية وخصوصا أغاني السيدة فيروز “بفهم معظمها”، تمكنت بعد دراستها اللغة العربية لمدة عامين من القراءة والكتابة بالفصحى “بس ما بقدر إحكي”. ولا تفوّت سيدينيا مناسبة دينية في الكنائس المارونية أو الأرثوذكسية والكاثوليكية، طائفتها. تقود سيارتها لثلاث ساعات لكي تشارك في القداديس واللقاءات التي تجمع الجالية اللبنانية في الريو.

تروي سيدينيا عن تجربة سهلة لاستعادتها جنسية جدها. فور إقرار القانون اتصل بها رئيس الرابطة اللبنانية في ريو دو جانيرو في حينه روجيه حنا باسيل واصطحبها إلى قنصلية لبنان في الولاية حيث قدّمت طلبها “ساعدوني بالقنصلية على جمع المستندات المطلوبة وسلّموني جواز سفري اللبناني بعد عام تقريبا من دون أي معوقات”، تؤكد بلغتها البرتغالية البرازيلية التي يتكلمها نحو 200 مليون شخص في البرازيل، إثر الاستعمار البرتغالي للبلاد والذي استمر نحو 400 سنة. 

نشاط قنصلية لبنان في الريو مع القنصليّن زياد عيتاني واليخاندرو بيطار، شقيق قاضي التحقيق في قضية تفحير مرفأ بيروت طارق بيطار، أثمر عن إنجاز 250 ملفا للجالية اللبنانية في الريو نال 235 من بينهم الجنسية اللبنانية، فيما حصل 15 ملفًا على موافقة اللجنة المختصة بانتظار صدور مراسيم استعادة الجنسية “والمراسيم تأخرت بسبب الفراغ الرئاسي في منصب رئاسة الجمهورية” وفق ما يؤكد مصدر مقرّب من القنصلية في ريو دو جانيرو للمفكرة، مشيرًا إلى رغبة عدد كبير من المتحدرين من أصول لبنانية استعادة جنسياتهم. 

بداية، استعادت سيدينيا حقّ والدها بالجنسية. “كان حلمه استعادة جنسيته، رغم أنه لم يزر لبنان في حياته، وقد استعدّتها له بعد عامين من وفاته”، ومن جنسية والدها، استعادت جنسيتها. ولكن صدمة سيدينيا كانت كبيرة حين علمت أنه لا يمكنها منح جنسيتها لولديّها من زوجها البرتغالي “قالوا لي في القنصلية أن حق استعادة الجنسية محصور بالمتحدّرين من لبنانيين ذكور حصرًا”. وولدا سيدينيا طبيبان يبلغان 45 و42 عامًا من العمر ” يحبّان لبنان مثلي ويرغبان باستعادة جنسيتهما، وهي حق لهما مني كلبّنانية اليوم، وأنا طالما كنت لبنانية روحيًا ولكن من دون جنسية قبل استعادتها”. وتقارن سيدينيا بين البرازيل ولبنان “هنا في البرازيل يُعتبر حق المرأة بمنح جنسيتها لأسرتها أقوى من حق الرجل، إنهم يعرفون قيمة المرأة وآمل أن يستدرك لبنان هذا الظلم بحق النساء”. الظلم عينه لحق بذرية عمات سيدينيا “لقد توفي جميع أعمامي وعماتي، لكن أبناء عماتي من الذكور والإناث لم يتمكنوا من استعادة جنسيتهم، بينما فعلت أنا لأني متحدرة من رجل”.   

ترك جدّ سيدينيا أملاكًا كبيرة في منطقة الرملة البيضاء في لبنان من حيث تحدّر: “يقولون لي أن هناك شارعا في بيروت باسم جدتنا، أحبّ أن أذهب إلى هناك وأراه وأرى بلادي التي أحبها من الصور والأخبار”. ولكنها أملاك ذهبت أدراج الرياح بعدما نظّمت العائلة وكالة عامة لأحد أقاربها فقام بتسجيل كل الأملاك باسمه.  

اقترعت سيدينيا في انتخابات 2022 لقوى التغيير لأن “صديقتي طلبت مني ذلك”. وصديقة سيدينيا خسرت جنى عمرها في لبنان “هي لبنانية لم تخسر جنسيتها كونها كانت تعيش في لبنان قبل أن تتزوج من متحدر وجاءت قبل 23 سنة إلى البرازيل، وترغب بالعودة للعيش فيه”. كانت صديقة سيدينيا تخطّط للانتقال إلى لبنان ولذلك فتحت حسابا في أحد المصارف اللبنانية لكي ترسل ولديّها للدراسة في جامعات لبنانية تمهيدًا لعدوة العائلة واستقرارها نهائيا. جاءت الأزمة وخسرت صديقتها كل مالها “قالت لي انتخبي قوى التغيير بركي منغيّر الطاقم السياسي ل سرقنا وهجّرنا، وأنا فعلت ما قالته لي، لربما البلد بيتحسّن”.

انشر المقال

متوفر من خلال:

تحقيقات ، الجنسية ، لبنان ، مقالات



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني