المكّي مرشّحًا للرئاسيات بحكم القضاء: قراءة أولى في حدث فارق


2024-08-28    |   

المكّي مرشّحًا للرئاسيات بحكم القضاء: قراءة أولى في حدث فارق
من وكالة إرم نيوز

بتاريخ 27-08-2024، أصدرت الجلسة العامة القضائية للمحكمة الإدارية قرارا نهائيا وباتا (مُبرمًا) ينقض الحكم الابتدائي الصادر عن الدائرة الاستئنافية بالمحكمة الإدارية القاضي برفض طعن المترشح للانتخابات الرئاسية عبد اللطيف المكي في قرار هيئة الانتخابات المؤرخ في 11-08-2024 القاضي باستبعاده من القائمة الأولية للمترشحين للانتخابات الرئاسية المقرر إجراء دورها الأول يوم 06 أكتوبر 2024. ويعدّ هذا القرار أول قرار قضائيّ يلغي مقررا لهيئة الانتخابات برفض ترشّحٍ للانتخابات الرئاسية. وإذ يكتسي هذا القرار أهمية فائقة لكونه يعكس اتجاها مناقضا لاتجاه هيئة الانتخابات في التضييق على الحقّ في الترشّح للانتخابات الرئاسية بما يفرض السؤال حول أثره على المناخ الانتخابي.

ترشيد إجراءات احتساب التزكيات: هل هي القطيعة مع الشكلانية؟

يلزم الفصل 41 من القانون الانتخابي كلّ من يترشح للانتخابات الرئاسية بأن يقدم ضمن وثائق ملف ترشحه تزكية من “عشرة نواب من مجلس نواب الشعب، أو من أربعين من رؤساء مجالس الجماعات المحلية المنتخبة أو من عشرة آلاف من الناخبين المرسمين والموزعين على الأقل على عشرة دوائر انتخابية على ألا يقلّ عددهم عن خمسمائة ناخب بكل دائرة منها.” تنفيذا لهذا الشرط، أدلى المكّي لهيئة الانتخابات ب 14532 تزكية شعبية. فحصتها الأخيرة في مغيبه وأسقطت منها 1651 بدعوى مخالفتها لمقتضيات دليل التزكيات الذي صدر عنها وطلبت منه خلال فترة الإمهال تصحيح الخلل فيما تعلق بتوفير 500 تزكية في كل واحدة من 10 دوائر انتخابية. تاليا وخلال الأجل المحدد له والمقدر ب 48 ساعة، قدم المكي 2690 تزكية إضافية. فحصتها الهيئة في غيابه وانتهت لتعليل رفضها ترشحه فيما تعلق بهذا الشرط بنقص في عدد 2 من الدوائر التي يجب عليه تقديم 500 مزكٍّ فيها زيادة على رفض طلبه لعدم تقديم بطاقة سوابقه العدلية (وهي البطاقة المعروفة ببطاقة عدد 3).

طعن الفريق القانوني للمرشح في قرار الرفض امام الدائرة الاستئنافية للمحكمة الإدارية التي تنتصب كمحكمة ابتدائية في مادة النزاع الانتخابي ونعى عليه المسّ بحقه الدستوري في الترشح من خلال فرض شرط الإدلاء بالبطاقة عدد 3 في حين أن الإدارة امتنعت دون مسوّغ قانوني عن تمكينه منها في سياق يؤكد توظيف هذه الأخيرة للتدخل في المسار الانتخابي.  أما  فيما تعلق باحتساب التزكيات، فقد تمسّك بأنّ الهيئة لم تحتسب عددا من التزكيات رغم أنها صحيحة طالبا إعادة اجراء الحساب. وفي 17-08-2024، صدر الحكم الابتدائي، واستجاب في منطوقه للدفع المتعلق بالبطاقة عدد 3 مؤكدا عدم جواز فرض هذا الشرط ورفض الآخر المتعلّق بالتزكيات. وقد علّلت المحكمة رفضها بكونها كلّفت قاضيا مقرّرا بالتوجّه إلى مقرّ هيئة الانتخابات، وقد تولى على العين مراجعة التزكيات في دائرتين هما الأقرب لتحقيق النصاب القانوني وتأكد له أن قرار الهيئة استند إلى سبب صحيح. لم تطعن هيئة الانتخابات في الحكم في الشق المتصل بالبطاقة عدد 3 مما أكساه طابعا نهائيا. أما محامو المكي فاستأنفوا الحكم لجهة اعتباره التزكيات غير كافية متمسكين بضرورة إعادة احتساب التزكيات في حضور ممثل عن موكلهم يضمن حقه في المواجهة وبعدم جواز إسقاط تزكيات لأخطاء في معطيات غير جوهرية لا يمكن أن تمنع التعريف بالمزكّي.

في سياق تقريرها للقضية، قررت الجلسة العامة للمحكمة الإدارية تكليف 8 من أعضائها ال27 بإعادة احتساب التزكيّات المرفوضة والخاصّة بالدائرتين الانتخابيتين من ولاية القيروان وقفصة الجنوبية بحضور ممثلين عن المستأنف. وصرحت باستكمال المترشح للنصاب القانوني للتزكيات بعد احتسابها لتزكيات سبق إسقاطها.

وعليه، ضمنت أعلى هيئة قضائية بالمحكمة الإدارية للمرشح المكي حقه في المواجهة بمناسبة النزاع الانتخابي. واعتمدت تزكيات خلت من تنصيصات قدّرت أنها لم تكن جوهرية وأخرى تسربت إليها أخطاء لم يكن من شأنها الحؤول دون التعريف بالمزكي، فخالفت بذلك هيئة الانتخابات وقضاء الدرجة الأولى اللذين غرقا في الشكليات بما أضر بالمناخ الانتخابي وقيّد الحقّ في الترشح للانتخابات للمعارضين.

وفي سياق تقييم قضائها، يبدو من المتحتّم انتظار ما سيكون من أحكام منها في بقية النزاعات الانتخابية التي تتعهد بها لنتبين إن كان من شأن اتجاهها الجديد المنتصر للتنافسية في الانتخابات وتاليا للديمقراطية أن يشكل لبنة لبناء فقه قضائي مبدئي ومستقر.

في المقابل، يقر حكم الإدارية الباتّ المكي مرشحا للانتخابات الرئاسية ويفرض على هيئة الانتخابات الاعتراف له بهذه الصفة وهي مسألة تستدعي السؤال عن دور القضاء الجزائي في الموضوع.

بعد الإدارية، أي دور للقاضي الجزائي في الانتخابات؟

بعد إعلان المكي نيته الترشح للاستحقاق الانتخابي الرئاسي وتحديدا بتاريخ 12-07-2024، حجّر عميد قضاة التحقيق بالمحكمة الابتدائية بتونس عليه “السفر ومنعه من الظهور الجسدي الفعلي أو الافتراضي عبر وسائل الإعلام السمعية والمرئية ووسائل التواصل الاجتماعي أو الادلاء بتصريحات عبر وسائل الإعلام المكتوبة ومنعه من مغادرة حدود معتمدية الوردية باعتبارها منطقة الإقامة حسب التقسيم الإداري المعتمد الا بترخيص خاص للمتابعة الصحية وبموجب إذن خاص”. لاحقا وبتاريخ 05-08-2024 وعلى خلفية اتهام وجه له في قضية تتعلق بالتزكيات الانتخابية، أصدرت الدائرة الجناحية الصيفية حكما ابتدائيا يقضي بسجنه مدة ثمانية أشهر وحرمانه من الترشّح للانتخابات مدى الحياة، وذلك بعد محاكمة سريعة لم تتلقّ فيها الهيئة الحكمية المرافعات وادّعى المحامون الحاضرون فيها أن المحكمة لم تصرف القضية عقبها للمداولة وإنما للنظر في طلبات إفراج عن متهمين موقوفين وتحديد تاريخ لها. لكنها وفي غفلة من الجميع أصدرت فيها أحكامها. ويطرح الحكم الجناحي وعقوبته التكميلية خصوصا السؤال حول أثره على ترشّح المكي. كما أن الإجراءات الاحترازية التي اتخذت في حقّ المرشّح تطرح بدورها السّؤال حول أثرها على حملته الانتخابية.

وعلى مستوى أول يكشف النظر في القانون الانتخابي وتحديدا في القسم الخاص بالانتخابات الرئاسية منه عن كون المشرع لم يخوّل لغير قضاء النزاعات الانتخابية النظر في قائمة المترشحين للانتخابات التي تصدرها هيئة الانتخابات ونصّ صراحة على كون القرارات التي تصدرها الجلسة العامة للمحكمة الإدارية في الموضوع تنفذ على المسودة وهي باتة. ويستخلص من ذلك أن الحكم الجزائيّ وعلى فرض إقراره استئنافيا وصيرورته نهائيا لا يمكنه بحال أن يكون مطيّة للتدخل في قائمة المترشحين للانتخابات الرئاسية، لكونه يتعلق بأهلية الترشح للاستحقاق الرئاسي وهي مسألة بتّت فيها الجهة القضائية المختصة بحكم باتّ لا يمكن مراجعته بعدها. وتبدو هذه الملاحظة الإجرائية هامّة لكونها تشمل أيضا المرشح لذات الانتخابات العياشي الزمال الذي وبمجرد قبول ترشّحه للاستحقاق الرئاسي، أثيرت في حقه قضايا جزائية من أجل تهم تتعلق بتزكياته.

أما على مستوى ثانٍ، فإن استعمال القضاء الجزائي لتقييد حقّ مترشح للرئاسية في إدارة حملته الانتخابية هو ممّا يضر بنزاهة الانتخابات ويطرح السؤال حول مدى حياد المرافق العامة في ادارتها. ويكون من المهم في هذا الإطار التّذكير بأنّ المرشّح للانتخابات الرئاسية سنة 2019 قيس سعيد كان وفي ملابسات مشابهة نسبيّا قد رفض إجراء حملته الانتخابية وبرّر ذلك بتضامنه مع خصمه الذي كان مودعا حينها بالسجن وبرفضه المبدئي  لخرق قاعدة تكافؤ الفرص.

انشر المقال

متوفر من خلال:

قضاء ، محاكم إدارية ، محاكم جزائية ، مقالات ، تونس ، دستور وانتخابات



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني