“المفكّرة” توثّق الاعتداءات ضدّ الأهالي والصحافيّين في الأحد الثاني للعودة 


2025-02-03    |   

“المفكّرة” توثّق الاعتداءات ضدّ الأهالي والصحافيّين في الأحد الثاني للعودة 
أثر رصاصة القنّاص الإسرائيليّ على معدّات فريق الميادين (مصدر الصورة: الصحافيّ حسين السيّد)

واصلت القوّات الإسرائيليّة اليوم الأحد، اعتداءاتها على المدنيين العائدين إلى قراهم الحدودية المحتلّة، وأخذت الهجمات ضدّ التحرّكات الشعبيّة المتواصلة لليوم الثامن على التوالي بعدًا ترهيبيًّا، فيما جدّد متحدّث باسم الجيش الإسرائيليّ تهديده الجنوبيّين منذ الصباح، في حال عودتهم، مكرّرًا التهديدات المستمرّة بوتيرة شبه يوميّة. 

وقد رصدت “المفكّرة” اعتداءات بإطلاق نار مباشر من الرشّاشات والدبّابات ضدّ أهالي القرى الحدوديّة في يارون وحولا، وكذلك استُهدف العائدون إلى يارون بمسيّرات ألقت قنابل صوتيّة على محيط تجمّعهم في ساحة القرية، فيما اعتدى جيش الاحتلال على الصحافيّين مجدّدًا، واستهدف فريق قناة الميادين مرّتين بإطلاق نار مباشر على كاميراتهم، وبإلقاء قنبلة صوتيّة في هجوم ثالث.

كما شملت الانتهاكات المسجّلة اليوم عمليّة خطف صيّادين اثنين في بحر الناقورة التي عاد إليها أهلها قبل أسبوع. واستُهدفت قرى بعمليّات نسف على مرأى من أهلها المعتصمين عند مداخلها.

وقد دخلت تحرّكات الأهالي أسبوعها الثاني اليوم الأحد، مع تصاعد الدعوات لتكثيف المشاركة في المقاومة الشعبية السلمية. وشهدت بلدات عدّة كان اليوم أبرزها يارون وحولا وميس الجبل حيث تمركز الأهالي عند مداخلها، فيما تجاوز أهالي كفركلا المعتصمين منذ أسبوع، السياج الشائك الموضوع أمامهم على طريق كفركلا لناحية دير ميماس، للمرة الأوّلى، ووصلوا إلى حدود تمركز القوّات الإسرائيليّة في بلدتهم. 

وفي عيترون، حيث استمرّت التحرّكات خلال الأيّام الماضية، استقبل الأهالي الانسحاب الإسرائيلي بالدخول الجماعي إلى القرية اليوم، ودخل معهم أهالي قريتي بليدا ومحيبيب، محاولين الوصول إلى بلدتيهما المحتلّتين عبر عيترون. 

لافتة جرفتها القوّات الإسرائيليّة قبل انسحابها

الرصاص المباشر ضدّ المدنيّين العزّل

كان أهل حولا على موعد جديد مع قريتهم، متمركزين على أطرافها، في الحي الغربي، وحيّ المرج، معتصمين حتّى دخولها. وقد غصّت الطرقات الضيّقة بالعائدين، واحتضنت كروم الزيتون أهلها. وحضّرت السيدات الطعام على طاولات جلبها الأهالي ووضعوها على جوانب الطرقات، فيما اختارت كلّ أسرة زيتونة وجلست تحتها. وعلى الإسفلت، حضر الناس بأعلامهم وهتافاتهم. بدوره اتّخذ الجيش اللبنانيّ إجراءات معزّزة فاصلًا بين المعتصمين والقوّات الإسرائيليّة بحاجزين اثنين، قبل الساتر الترابيّ الذي وضعه الجيش الإسرائيليّ عند المدخل الشماليّ للقرية.

والمناطق التي تمركز فيها الأهالي اليوم، هي تلك التي كانت تحت الاحتلال يوم الأحد الماضي، ومن بين زيتونها، أطلق الجنود الإسرائيليّون وابل رصاصهم على العائدين، ما أدّى إلى سقوط ثلاثة شهداء يومها و24 جريحًا، بحسب وزارة الصحّة اللبنانيّة، واختطاف 6 أشخاص، بحسب توثيق “المفكّرة”.

وقد قابلت القوّات الإسرائيليّة تحرّكات الأهالي السلميّة في حولا بمحاولة ترهيبهم: “كان بيننا وبين الدبّابات الإسرائيليّة 100 متر فقط، لكنّنا حافظنا على سلميّتنا، وبقينا خلف الجيش اللبنانيّ. لعلّ المشهد لم يعجبهم، فنشروا القنّاصة وبدأوا بتحريك دبابّة ميركافا باتّجاهنا من أجل تخويفنا، ولكنّنا أصرّينا على البقاء”، يقول زياد قطيش، ابن القرية.

وخلال كلّ هذا الوقت، كانت المسيّرات الإسرائيليّة تملأ السماء، وتقترب من رؤوس الأهالي الذين بدوا وكأنّهم لا يعبأون بها. وانتشر قنّاصة إسرائيليّون في البيوت القريبة، وقد أمكن رؤيتهم. ولمّا تجاوز عدد من الشبّان إجراءات الجيش اللبنانيّ عصرًا، متجاوزين الحاجز الأوّل، ثمّ الثاني، من دون أن يعترضهم الجنود اللبنانيّون، اقتربوا من الساتر الترابيّ الذي يفصلهم عن بلدتهم المحتلّة، ففتح الجنود الإسرائيليّون النار من دبّابة ميركافا. 

وتمكّن عدد من الشبّان من زرع الأعلام على الساتر، وتجاوزه بعضهم، وردّدوا هتافات تؤكّد حقهم في العودة إلى قريتهم، وتمسّكهم بحركة المقاومة الشعبيّة حتّى تحريرها، قبل أن يتراجعوا. 

وفي يارون، حيث تشابه المشهد الجماهيريّ، صعّدت القوّات الإسرائيليّة من هجماتها، وقال الأهالي في شهادات جمعتها “المفكّرة”، إنّ الرصاص الإسرائيليّ حاصرهم مرّات عدّة منذ الصباح. رغم ذلك، استمرّ الأهالي المعتصمون بتحرّكهم، واحتشد معهم الآتون من بيروت ومناطق الجنوب، لينضمّوا إلى أولئك الذين يواصلون اعتصامهم عند المدخل الشماليّ للبلدة منذ الأحد الماضي. 

وقد تكرّرت حالات إطلاق النار على الأهالي في يارون، واستُهدف المعتصمون بقنابل صوتيّة تحملها مسيّرات، في رسالة ترهيبيّة. “وفي إحدى الحالات، نجا شابّ بأعجوبة بعد استهدافه بقنبلة صوتيّة من مسيّرة، لحظة وصوله إلى الساتر الترابيّ”، بحسب شهادة حسين جعفر، وهو ما وثّقته مشاهد شاركها بعض الأهالي وتحقّقت منها “المفكّرة”.

من مشاهد العودة اليوم

الاعتداء على الصحافيّين

 وفي يارون، استُهدف الصحافيّون بإطلاق نار غير مباشر، قبل أن يُستهدف فريق قناة “الميادين” بشكل مباشر مرّتين. وبحسب شهادات جمعتها “المفكّرة”، فقد تمّ إطلاق النار على منزل قرب نقطة تجمّع الصحافيّين فور وصولهم إلى المدخل الشماليّ لبلدة يارون. 

على إثر إطلاق النار الأوّل، قرّر الصحافيون البقاء من أجل التغطية، وثبّت فريق “الميادين” الكاميرا خلف الساتر الترابي من أجل البث المباشر. 

يقول الصحافيّ حسين السيّد، مراسل القناة في شهادته لـ “المفكّرة”: “وضعنا الكاميرا مقابل الجنود الإسرائيليين، خلف الساتر الترابي، ثم تراجعنا. أي أنّنا لم نقف بجانب الكاميرا مباشرة، بل تركناها تبثّ صورة مباشرة”. 

 لكن سرعان ما تعرّضت الكاميرا لإطلاق نار مباشر، حيث استهدفتها خمس رصاصات وأصابت إحداها قاعدة حاملها الثلاثي (tripod)، بحسب شهادة السيّد وصور توثّقت منها “المفكّرة”. وقد نجح الفريق الإعلاميّ بسحب الكاميرا باستخدام الشريط الذي يصلها بعربة البث المباشر.

ويشرح المصوّر الصحافيّ حسن سكينة: “كنت بصدد تجهيز الكاميرا، حيث قمت بتثبيتها في نقطة معتمدة من قبلنا خلال الأيام الماضية، فوق ركام محل تجاريّ وقرب خزّان مياه على الطريق. ولمّا نزلت لأتابع عملي، بدأ القناص بإطلاق النار، فأصاب الحامل الثلاثي للكاميرا”. ويتابع سكينة: “خشيت من استهدافي في حال اقتربت من الكاميرا، فنظرًا لأني قد وصلتها بكابل، بدأت بجذبها نحوي”. 

وخلال مجمل الهجمات، كان فريق الصحافيّين خلف عناصر الجيش اللبنانيّ، ووثّق العناصر هذا الاعتداء، بحسب شهادة السيّد وتأكيد مصدر في الجيش. 

وبعد ساعات من الاعتداء على الكاميرا، وخلال مقابلة ميدانية كان يجريها السيّد مع أحد الأشخاص، استهدفت مسيّرة الموقع بقنبلة صوتية. ويقول السيّد في شهادته: “ألقت المسيّرة قنبلة صوتية بين الشخص الذي أُجري معه القابلة وبيني، ثم أكملت طريقها، وقد تدحرجت القنبلة قليلًا قبل أن تنفجر”. 

وقد تعرّض السيّد لاعتداءات سابقة خلال فترة 15 شهرًا من العدوان. ففي يوم 12 نيسان 2024، أُطلق النار عليه بشكل مباشر خلال مواكبته سيّارة إسعاف على طريق العديسة في مهمّة صحافيّة، وأطلق الجنود الإسرائيليّون النار على السيّارة بشكل مباشر حينها، وأصابت الرصاصات خزّان الوقود. وقبل ذلك، كان السيّد من بين المراسلين المستهدفين بقصف إسرائيليّ على إعلاميين كانوا في جولة صحافية في يارون أيضًا، يوم 13 تشرين الثاني 2023. 

وقد استشهد هادي، شقيق حسين وزميله في القناة، وتحديدًا في فريق السوشيال ميديا، يوم 23 أيلول 2024، ذلك إثر غارة على طريق نزوحه خلال العدوان الجوّي الأكبر ضدّ لبنان. 

ويصف سكينة الاعتداءات اليوم في يارون ضدّ الصحافيّين والأهالي بأنّها غير مسبوقة: “نحن نتواجد مع أهالي يارون في هذا المكان بشكل يوميّ، وهناك خيمة اعتصام مفتوح، لكن الجنود استشرسوا اليوم ضدّنا”، ويلفت إلى أنّ “مكان الاعتصام هو المدخل الرئيسي إلى يارون، لهذا يصرّ الأهالي على البقاء فيه، وكذلك نصرّ نحن على إكمال التغطية والتوثيق”. 

بدوره يقول السيّد، وهو ابن بلدة عيترون الحدوديّة، في شهادته: “أنا مستمرّ في التغطية. لقد فهمت اليوم أنّ قوّات الاحتلال الإسرائيليّة لم تكن تريد أن ننقل صورة عودة الناس إلى يارون، وتحديدًا في ظلّ الدعوات الواسعة للمشاركة، لكنّنا بقينا في يارون، وأكملنا تغطيتنا، وسنعود غدًا إليها”. 

شعار كتبه العائدون اليوم على جدار منزل

خروقات متواصلة لاتفاق وقف الأعمال العدائيّة

إلى هذا،  واصلت القوّات الإسرائيليّة اعتداءاتها على القرى الحدودية وأهلها، بشكل منفصل عن مسيرات العودة، فنفّذت فجر اليوم الأحد عملية نسف ضخمة في كفركلا، استتبعتها بعمليّة نسف أخرى بين بلدتي بليدا وميس الجبل، على مرأى من الأهالي المعتصمين، وفي ظلّ استمرار احتلالها لهذه القرى ومنع عودة أهلها إليها. 

وقالت إيمان إبراهيم، ابنة بليدا، في شهادتها لـ “المفكّرة”: “وصلنا اليوم إلى عيترون، وفرحنا مع أهلها بعودتهم، لكنّ التحرّكات الإسرائيليّة عند منطقة ‘الكيلو 9’ (في الطريق إلى بليدا) منعتنا من إكمال طريقنا”، بدورها قالت زينب جابر ابنة محيبيب: “وصلنا إلى عيترون، وكنا مجموعة كبيرة من الأهالي، لكنّ استمرار الاحتلال منعنا من بلوغ قريتنا، ورغم ذلك، فإنّنا سنستمرّ في تحرّكاتنا حتّى تحريرها”.

من عودة الأهالي إلى عيترون اليوم

وفي بحر الناقورة، حيث اكتملت العودة قبل أسبوع، خطفت القوّات الإسرائيليّة صباح اليوم الأحد الصيّاد محمد جهير مع شقيقه، قبل أن تطلق سراح الأخير، وتنقل محمّد إلى الأراضي المحتلّة. وقال صيّاد من أقارب محمّد لـ”المفكّرة” إنّ التواصل مع الشقيقين انقطع باكرًا، خلال رحلة صيد قرب رأس الناقورة. وقال إنّ محمد كان يستعجل عودته إلى البحر، شأنه شأن صيّادي الناقورة الذين عادوا إلى بلدتهم المدمّرة بعد أن انسحب الاحتلال منها. 

وخلال الأيام الماضية، واصلت قوّات الاحتلال الإسرائيلية إحراق المنازل في عيترون ورب ثلاثين والعديسة، وقصفت آليات انتشال جثامين الشهداء في الطيبة.

وتتابع “المفكّرة” الهجمات الإسرائيلية ضدّ القرى وأهلها في تقارير متتابعة، توثّق الانتهاكات المستمرّة لاتّفاق وقف الأعمال العدائيّة والقرار 1701. ورغم أنّ التهديدات الإسرائيلية تستبق الاعتداءات ضدّ مسيرات العودة وأعمال الخطف والتدمير تحت ذريعة تمديد مهلة الانسحاب، فإنّ هذه التهديدات تعدّ اعترافًا واضحًا بنيّة إسرائيل في ارتكاب جرائم مستمرّة وإدامة التهجير القسري لأهالي القرى الحدودية. علاوة على ذلك، تُعتبر الاعتداءات التي تجري ضدّ مسيرات العودة السلمية والناس العُزّل، وكذلك أعمال النسف والخطف والقصف خارج نطاق المسيرات، انتهاكات جسيمة لا مبرر قانونيًا لها، بغضّ النظر عن أيّ محاولات لتبريرها بتمديد الانسحاب تستند إلى إعلان يناقض في نصّه الممارسات الإسرائيلية. 

يشار هنا إلى أن “المفكّرة” قد رأت في بيان أنّ استمرار الخروقات، بخاصّة في ظلّ غياب موافقة مجلس الوزراء على تمديد مهلة الانسحاب، يؤدّي إلى توصيف التواجد الإسرائيلي في لبنان على أنّه “احتلال غير قانوني” وفقًا لمفهوم القانون الدولي، مع كلّ ما ينتج عن ذلك من مفاعيل قانونية، فضلًا عن كونه يشكّل انتهاكًا صارخًا للقرار 1701 ولسيادة الدولة اللبنانية. 

انشر المقال

متوفر من خلال:

لبنان ، مقالات ، العدوان الإسرائيلي 2024



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني