“المفكرة” تنشر اقتراح العفو العام الأوّل تبعًا لسقوط النظام السوري: 3 اقتراحات نيابية في مطبخ هيئة العلماء المسلمين


2024-12-20    |   

“المفكرة” تنشر اقتراح العفو العام الأوّل تبعًا لسقوط النظام السوري: 3 اقتراحات نيابية في مطبخ هيئة العلماء المسلمين
تصوير داليا خميسي

على وقع الأحداث الأخيرة في سوريا وسقوط النظام السوري وسيطرة هيئة تحرير الشام على القسم الأكبر من البلاد فجر الثامن من كانون الأول الجاري (2024) ثم تشكيلها حكومة انتقالية واستلام السلطة، وتزامنًا مع الاحتفالات بهذا الحدث التي عمّت مناطق لبنانيّة عدّة، تصدّر الحديث عن قانون العفو العام النقاشات في لبنان. ومعه تهافت نوّاب من عكار وطرابلس وبيروت على العمل على الموضوع. وحفل اليوم الجمعة بوضع هؤلاء اللمسات الأخيرة على ثلاثة اقتراحات قوانين عفو عام، ستُقدم تباعًا إلى المجلس النيابي بدءًا من يوم الإثنين المقبل 23 كانون الأول 2024. وتتناغم روحية هذه الاقتراحات، وفق المعلومات التي جمعناها عن مضامينها، واقتراح نواب تكتل “الاعتدال الوطني” الذي حصلت عليه المفكرة القانونية، مع الجو السائد بعد التغيير السياسي الحاصل في سوريا، بحيث تفتح باب العفو على مصراعيه لعدد كبير من السجناء الإسلاميين من محكومين حضوريا أو غيابيا وموقوفين، فضلا عن أنها تتفق على تخفيض ثلث مدة أحكام من لا يشملهم العفو العام من بينهم للحكم عليهم بجرائم مستثناة منه مثل جرائم قتل عسكريين ومدنيين.

وعلمت “المفكرة”، أنّه، إضافة إلى اقتراح قانون العفو الذي أعلن تكتّل “الاعتدال الوطني” يوم الثلاثاء الماضي (17 كانون الأول) نيّته تقديمه أمس الخميس إلى المجلس النيابي (أرجئ موعد التقديم إلى الإثنين المقبل)، يعكف النائب أشرف ريفي على إنهاء نسخته الخاصة من اقتراح قانون مماثل، فيما ينكّب النائبان محمد الحوت ونبيل بدر ونواب آخرون على اقتراح خاص بالموضوع عينه. كل هذا بدا مرتبطًا بسلسلة متكاملة من الأفعال وردود الأفعال والاستجابة لمزاج الشارع وتفاعله مع المتغيرات المستجدة. 

البداية مع الموقوفين الإسلاميين في سجن رومية. فقد دشّن هؤلاء إطلاق مسار المطالبة بتشريع قانون عفو عام في لبنان في اليوم الثاني لسقوط نظام الأسد، عبر وقفة نظّموها من السجن، مطالبين بإطلاق سراحهم. وفي بيان قرأوه الإثنين، 9 كانون الأول الجاري من سجنهم، اعتبر هؤلاء أنّ “ملفاتهم جميعًا متعلّقة بالثورة السورية منذ انطلاقتها، لذلك فإنّ هذه الملفات والأحكام كانت نتيجة للواقع السوري، وبما أنه تغيّر، وبما أنّ من كان في السجون السورية قد خرج فمن باب أولى أن نخرج نحن أيضًا من سجننا”.

في اليوم التالي لبيان الموقوفين، أي الثلاثاء 10 كانون الأول، توافد العشرات من أهالي الإسلاميين، المحكومون منهم والموقوفون، إلى مدخل سجن رومية المركزي، يطالبون بإصدار قانون عفو عام، والإفراج عن جميع السجناء الإسلاميين وعلى رأسهم الشيخ أحمد الأسير. واعتبر الوافدون إلى رومية، من شمال لبنان وجنوبه، (صيدا)، والبقاع أنّ أسباب محاكمة الإسلاميين قد “انتفت بعد سقوط نظام الأسد”، بعدما ردوا وجود الإسلاميين في السجن إلى “دعمهم الثورة السورية”.

وبعد 4 أيام من نشاط أهالي الإسلاميين عند مدخل سجن رومية، أي في 14 كانون الأول، انتشر فيديو للشيخ أمين الكردي، أمين الفتوى في بيروت في دار إفتاء الجمهورية، تحت عنوان “الشيخ أمين الكردي يدعو السلطات اللبنانية لحل قضية سجن رومية” للإفراج عن المعتقلين الإسلاميين في السجون اللبنانية فورًا. وقال الشيخ الكردي في الفيديو: “كلمتان لا بد من قولهما، من موقعي أولًا كأمين الفتوى في الجمهورية اللبنانية وباسم العلماء جميعًا، أوجّه ليس طلبًا وليس تمنّيًا إنما أوجّه أولًا تحذيرًا لكلّ أركان السلطة اللبنانية لحلّ قضية المسجونين في سجن رومية. لا أطلب منهم. أحذّرهم. كل واحد مسؤول عن هذا الملف من سياسيين، من قضائيين أو في قيادة الجيش أو في المحكمة العسكرية: لن نرضى بالظلم بعد اليوم. لن نقبل أبدًا أن تكون بعض العقول المغسولة أو المدّربة من الجهاز الأمني الأسدي البعثي تتحكم بالشباب المسلم في سجن رومية. مرة وحيدة أقولها وإنّ غدًا لناظره قريب. والسلام عليكم ورحمة الله”.

ويوم الإثنين، 16 كانون الأوّل، اجتمع رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي مع وزيريْ الداخلية والبلديات القاضي بسام مولوي والعدل هنري خوري في السرايا للبحث في موضوع السجون. وأعطى رئيس الحكومة توجيهاته بالإسراع في تكليف قاضٍ من النيابة العامة التمييزية وضابط من قوى الأمن الداخلي وممثل عن الصليب الأحمر للكشف على السجون ومتابعة ما يلزم إلى حين توصل مجلس النواب إلى ما يراه مناسبًا في موضوع العفو العام. وقال وزير العدل بعد الاجتماع :”جرى بحث في أوضاع الموقوفين والسجون في لبنان، إضافة إلى موضوع المعتقلين في سوريا، وهناك نوع من الإجراءات ستتخذ في هذا الخصوص”. وعن السجناء غير المحكومين قال: “هذا الموضوع قيد المعالجة وهناك متابعة حثيثة لهذا الملف ونأمل أن تتم معالجته”.

في اليوم التالي، أي الثلاثاء الماضي في 17 كانون الأوّل، أعلن نوّاب تكتل “الاعتدال الوطني” أنّهم سيتقدّمون باقتراح قانون للعفو العام إلى مجلس النوّاب وأنّ التكتّل سيعقد مؤتمرًا صحافيًا في المجلس لشرح مضمونه. ودعا النوّاب، في بيان بعد اجتماعهم الدوري، رئيس مجلس النوّاب نبيه بري إلى تحديد جلسة تشريعية عاجلة للتصويت على اقتراح القانون. كما دعوا الكتل النيابية إلى “دراسته والعمل معًا من أجل إقراره، بما يخدم المصلحة العامّة”. وأكد عضو التكتل النائب وليد البعريني لـ “المفكرة” أنّ الاقتراح ليس حصرًا للمحكومين والموقوفين الإسلاميين “وإنّما يسعى لشمل جميع فئات السجناء والمطلوبين، إذ آن الأوان لفتح صفحة جديدة تزامنًا مع التطوّرات السريعة التي شهدناها مؤخرًا”. ويضمّ تكتّل “الاعتدال الوطني” الذي تشكّل في حزيران 2022، إثر آخر انتخابات نيابية في حينه، النوّاب وليد البعريني ومحمد سليمان وسجيع عطية وأحمد الخير وعبد العزيز الصمد وأحمد رستم، فيما علمت “المفكرة” أنّ أحد القانونيين من مكتب النائب السابق هادي حبيش يشارك في إعداد اقتراح القانون.

وفي اليوم عينه لإعلان نوّاب تكتل “الاعتدال الوطني” عن اقتراح القانون، أصدّرت هيئة علماء المسلمين ولجنة أهالي الموقوفين بيانًا نشرته على صفحتها على فايس بوك تطالبان فيه نواب التكتل “عدم تقديم اقتراح القانون المذكور وذلك لحين الاطّلاع عليه ليبنى على الشيء مقتضاه”، كونهم، أي النواب، “لم يطلعوا الهيئة واللجنة على نص الاقتراح المذكور”. وعليه، عقد نواب “تكتل الاعتدال” اجتماعًا مطوّلًا مع الهيئة واللجنة يوم الأربعاء الماضي، وتم تأجيل تقديم اقتراح القانون إلى مجلس النوّاب الذي كان محددًا يوم أمس الخميس. وأكد النائب البعريني لـ “المفكرة” أنّ التكتّل سيقدّم اقتراحه إلى المجلس النيابي “يوم الإثنين المقبل، في 23 كانون الأوّل الجاري”.  

بدوره، أدلى أمين عام تيار المستقبل أحمد الحريري بدلوه بما يخصّ قانون العفو العام في تغريدة على حسابه على منصة X قائلًا “تعاطينا مع العفو كملف وطني، وان كنّا لا نُخفي أن أكثر ما يعنينا هو ملف الموقوفين الإسلاميّين الذين يقرّ حتى الأخصام بوجود ظلم يلحق بالأغلبية الكبرى منهم”. وذكّر باقتراحات قوانين عدة أنجزها نوّاب تيار المستقبل وفريق عمل الرئيس سعد الحريري عندما كان رئيسًا للحكومة، “ولكن كل الاقتراحات والمشاريع تمّ تعطيلها بعد أن وصلت إلى جلسة للتصويت عليها من قبل الهيئة العامة لمجلس النوّاب، وللأسف كان التعطيل تحت عناوين مذهبية وعنصرية، سواء ممّن يدّعون اليوم الحرص على الطائفة السنّية أو مِن أولئك الذين يهلوسون بشعبية لهم في صفوفها”.

تكتّم حول مضامين الإقتراحات و”النقاش في المجلس النيابي”

حاولت “المفكرة” أن تتّبع مسار الاقتراحات الثلاثة الخاصّة بقانون العفو العام وسط تعتيم شديد حول مضامينها، إذ أبدى معدّوها حرصًا كبيرًا على عدم تسرّبها. وهذا ما أكدت عليه مصادر في قوى سياسية مصرحة لـ “المفكرة” أنّه لم يتمّ إطلاعها على أيّة مسودة لأيّ اقتراح قانون. واكتفت مصادر القوّات اللبنانية وحزب الله والتيار الوطني الحر بالتأكيد على انتظار جلاء مضامين الاقتراحات لدى تقديمها في المجلس النيابي. في المقابل، بدا تأثير هيئة علماء المسلمين ولجنة الموقوفين وضغط الشارع اللبناني المعني بالإسلاميين من موقوفين ومحكومين في السجون اللبنانية وخصوصًا في سجن رومية الذي يحوي غالبيتهم، واضحًا، وكذلك موقف أمين الفتوى في دار الإفتاء.

وتعليقًا على دعوة نوّاب تكتّل “الاعتدال الوطني” رئيس مجلس النوّاب نبيه بري إلى “تحديد جلسة تشريعية عاجلة للتصويت على اقتراح القانون”، أكد أمين عام مجلس النوّاب عدنان ضاهر لـ “المفكرة” أنّ مجلس النوّاب قدّ حدّد جلسة في 9 كانون الثاني 2025 مخصّصة لانتخاب رئيس الجمهورية “وقد دعينا إليها سفراء، وهي الجلسة الوحيدة التي ستُعقد في هذه الفترة”. وفي حال انتخاب رئيس للبلاد “من الطبيعي سيكون له رأي في موضوع قانون العفو العام”.  

إضافات على العفو العام: 

استبدال العقوبات وتخفيض مدة التوقيف الاحتياطي وتعديل مرور الزمن 

علمت “المفكرة” أنّ الاقتراحات الخاصة بقانون العفو العام التي يُعمل عليها حاليًا تتميز عن غيرها من الإقتراحات التي سبق وتم إعدادها أو قًدمت إلى المجلس النيابي على مدى الثماني سنوات الأخيرة منذ 2016 لغاية اليوم، بتخفيض عقوبة الإعدام والمؤبد إلى 15 سنة، وهو ما ينص عليه اقتراح كتلة “الاعتدال الوطني” الذي حصلت المفكرة على نسخة منه. فيما لم يًشر في أيّ من الاقتراحات السابقة إلى استبدال هاتيْن العقوبتيْن بأقل من 25 عامًا للمحكومين بالإعدام و20 عامًا للمؤبد. وعلمت المفكرة أن لمسات هيئة علماء المسلمين واضحة في هذا التخفيض وحريصة على اعتماده في الاقتراحات الثلاثة، من دون إسقاط محاولاتها توحيد المساعي لجمعها في اقتراح واحد يعكس رؤية موحّدة لما تسميه الشارع السني. ومن شأن هذا الأمر أن يؤدي في حال إقراره إلى الإفراج عن جميع الإسلاميين الذين صدرت أحكام بحقهم وهم ما يزالون موقوفين منذ 15 سنة، وهي حال العديد من عناصر فتح الإسلام.  

وفي الاتجاه نفسه، أي بهدف ضمان الإفراج عن الغالبية الكبرى للموقوفين الإسلاميين وبخاصة البارزين منهم، يشمل اقتراح القانون العفو وجوب إخلاء سبيل أيّ مدعى عليه تجاوزت مدة توقيفه 12 سنة سجنية (أي عمليا 9 سنوات طالما أن السنة السجنية تعادل تسعة أشهر) حكما، في حال لم تكتمل محاكمته بعد، على أن تستمر محاكمته وفقاً للأصول القانونية وهو في حال إفراج. ومن شأن هذه المنحة أن تؤدي في حال إقرارها إلى الإفراج عن الشيخ أحمد الأسير الموقوف منذ آب 2015 والذي أكمل تاليا 12 سنة سجنية (9 سنوات سنة مدنية) في آب 2024. ويلحظ أن الشيخ الأسير ما يزال موضوع محاكمة في ملفين بعدما نقضت محكمة التمييز العسكرية 3 أحكام الصادرة بحقه فيها عن المحكمة العسكرية الدائمة، وفصلت في واحدة منها (قضية بحنين) فقط حيث خفضت عقوبة السجن من 20 إلى 14 سنة (وهي عقوبة ستخفّض بحدود الثلث) مما سيؤدي إلى اعتباره قضى مدة سجنه كاملة.

وإستثنائياً أيضًا، وخلافاً لأي نص آخر، وفق ما تنص الفقرة 12 “يصبح مرور الزمن على عقوبة الإعدام المقضي بها 15 سنة، وعقوبة المؤبد 10 سنوات، وسائر العقوبات الجنائية 5 سنوات، وذلك في كل الجرائم المرتكبة قبل نفاذ هذا القانون، وهو ما يفتح باب إلغاء الأحكام الغيابية الصادرة في أيار 2010 بحق 12 عنصرًا من فتح الإسلام غيابيًا بالسجن لمدة 15 عاما بينهم زعيم الحركة شاكر العبسي الذي خرج من مخيم نهر البارد في اليوم الأخير من المعارك في سبتمبر 2007، وهو منذ ذلك الوقت متوار عن الأنظار. أما المحكومين الـ 19 الآخرين فقد تراوحت الأحكام الصادرة في حقهم بين السجن لمدة سنة والسجن لمدة خمس سنوات. وأخلي سبيل عشرة منهم في 2010 بسبب انتهاء مدة عقوبتهم خلال فترة التوقيف.

تاريخ من المحاصصة الطائفية  

ويذكر أنّ الحديث عن العفو العام في الفترة الممتدة من 2018 حتى 2021 كان اتصل بثلاث فئات أساسية في لبنان، وهي: الموقوفون الإسلاميون (الذين يحركون الملف اليوم) وسجناء تهم المخدرات وكذلك اللبنانيين الذين فرّوا إلى إسرائيل بعد تحرير الشريط الحدودي في العام 2000، من عملاء ومتعاملين مع إسرائيل وعائلاتهم من نساء وأطفال. وهي الفئات التي أخذت المطالبة بشملها بالعفو العام طابعًا طائفيًا وتمت مقاربتها بمنطق المحاصصة غالبا بمعزل عن مقتضيات العدالة والمصلحة العامة. وقد أكّد نواب عدة لـ “المفكرة” أنّ اقتراحات القوانين المعدّة اليوم تحرص هي أيضا على شمل هذه الفئات، وأن معدّيها يقدمونها بهذه الطريقة تأكيدًا على عدم حصر العفو العام بفئة واحدة، أي الإسلاميين، الذين حرّكوا الملف اليوم. ويتوزع المعنيون في هذه الفئات، على محكومين وموقوفين ومطلوبين ممن هم على خلاف مع القانون، والفئة الأخيرة، أي الجرائم المختلفة، تفوق الفئتين الأخريين عددًا.

ويصنّف السجناء الإسلاميون فئات أيضًا، من بينهم عناصر حركة فتح الإسلام الذين خاضوا حرب نهر البارد، ومجموعة الشيخ أحمد الأسير، المعروفة بمجموعة أحداث عبرا (صيدا)، وأولئك المتهمين أيضًا بالاعتداء على الجيش وقتل بعض عناصره، كما المتهمين بتفجيرات الضاحية الجنوبية والهرمل، وتشكيل خلايا إرهابية، والانتماء إلى تنظيمات مصنفة إرهابية ك تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) وجبهة النصرة.. ومن بين هؤلاء، أي الإسلاميين المحكومين، 120 محكومًا بعقوبتي الإعدام والمؤبد. وفي حال إقرار قانون عفو عام كما هو مقدم وفق الإقتراحات الحالية الأخيرة، فإن محكومي فتح الإسلام سيستفيدون من العفو ويخرجون من السجن كونه مضى أكثر من 15 سنة على حكمهم سواء بالإعدام أو المؤبد، وهذا ما بدا الدافع لاقتراح تنزيل هاتين العقوبتين إلى 15 سنة.   

وتعمل اقتراحات القانون على شمل العشرات من اللبنانيين المطلوبين بتهم مساندة الثورة السورية أو القتال معها ممن يعيشون في تركيا وغيرها اليوم، على قاعدة أن الثورة صارت السلطة والدولة اليوم في سوريا، وأن الدولة اللبنانية لا يمكنها الإستمرار بملاحقتهم بهذه التهم، كونهم غير متهمين بالاعتداء على الجيش وعناصره. وعلى هامش قانون العفو العام، علمت المفكرة أن هيئة علماء المسلمين شددت على ضرورة مطالبة الدولة اللبنانية بعائلات اللبنانيين الذين قاتلوا مع مجموعات إسلامية متطرفة ومن بينها داعش وقد قًتل هؤلاء في سوريا وبقي نساؤهم وأطفالهم في مخيمي الهول والروج في محافظة الحكسة مع قوات سوريا الديمقراطية (قسد). وأكد الحاج أبو عبد الرحمن ، ابن طرابلس، للمفكرة وجود ابنته مع ثلاث طفلات هن بناتها في مخيم الهول “في حال يرثى لها بعد إصابتهن في القصف”، مؤكدًا وجود نساء وأطفال العائلات اللبنانية الست العالقة هناك بحال مذرية، وأن المسؤولين عن المخيم قالوا للنساء، ربات الأسر، أن “دولتكم لا تطالب بكم مع أطفالكم”. ويناشد أبو عبد الرحمن السلطة اللبنانية (الحكومة والأمن العام) تسهيل عودة هؤلاء والمطالبة بهم “شو خصّهن؟ طفالى مع أمهاتهن؟”. 

وفي ما يخص المتهمين والمحكومين بجرائم ترتبط بالمخدرات من تجار ومروّجين فتقتصر الإفادة من العفو على من لم يكرر فعلته لأكثر من مرتين فقط، مع العلم أن الغالبية الساحقة من بينهم لديها أكثر من مذكرة توقيف وحكم بالجرم نفسه، مما يخفّض نسبة مستحقي الإفادة من القانون.

وبالنسبة إلى جرائم القتل، تشترط اقتراحات القوانين إسقاط الحق الشخصي للإفادة من العفو، وإلا لا يسقط الحكم ويعفى المحكوم، ولا تسقط التهمة ويعفى المطلوب، بل يمضي المحكوم عقوبته السجنية وفق تخفيض السنة السجنية، ويحاكم المطلوب وفق التهمة ويستفيد من تخفيض السنة السجنية فقط، وذلك حرصًا على حقوق أولياء الدم.

وقد علمت المفكرة أن الاقتراحات قيد الإعداد لا تتضمن أي استثناء بما يتصل بالعفو العام عن العملاء والمبعدين إلى فلسطين المحتلة بعد التحرير، ولا حتى أي إشارة لهذه الفئة (هذا ما يتأكد بمراجعة اقتراح الاعتدال)، مما يعني أن الإفادة تشمل الجميع بما فيهم العملاء، ومن بينهم كبار المرتكبين الذين غادر بعضهم إسرائيل إلى أوروبا وأميركا وغيرها من الدول الغربية.  

وبالنسبة للسجناء السوريين من محكومين وموقوفين، تقترح مسودات اقتراح القانون تسليمهم إلى بلادهم، حيث تطالب السلطة الجديدة في سوريا بهم، وهم يطالبون بتسليمهم إلى سلطة بلادهم أيضًا. وينسحب هذا الأمر على المسجونين بالجرائم كافة من تهم إرهاب إلى قتل وسرقات وغيرها، ويتخطى عديدهم الـ 3000 سجينًا وموقوفًا.

خريطة السجناء والمطلوبين المعنيين بالعفو

يبلغ عدد السجناء في لبنان، بين محكومين وموقوفين ما بين 11000 و12000 سجين في تقدير أوّلي استعرضه بعض المشاركين في نقاشات إعداد مسودات اقتراحات القوانين الخاصة بالعفو العام، وقد ارتفعت نسبة الاكتظاظ في السجون اللبنانية من 200 إلى 300%، مع نقل نزلاء سجون لبنانية موجودة في الجنوب وبعلبك وتقع في دائرة العدوان الإسرائيلي خلال الحرب الأخيرة. ويبلغ عدد نزلاء سجن روميه على سبيل المثال لا الحصر، وهو أكبر سجن في لبنان، 3800 سجين بين محكوم وموقوف، بينما لا يتسع في الواقع لأكثر من 1050 سجينًا. يتوزع هؤلاء على 350 سجينًا إسلاميًا بينهم 170 سوريًا و180 لبنانيًا وفلسطينيًا، ونسبة كبيرة من بين نحو 4500 سجين بتهم تتعلق بالمخدرات موزعين على السجون اللبنانية كافة، فيما حًكم أو أًوقف البقية في جرائم قتل وسلب وغيرها. ويبلغ عدد السجناء السوريين من بين هؤلاء نحو 2800 سجين، وهؤلاء غير السجناء السوريين الإسلاميين، فيما قدر نسبتهم وزير الداخلية في حكومة تصريف الأعمال بسام المولوي بـ 35% من السجناء. 

وخارج السجون، هناك أيضًا 11000 وثيقة اتصال أمنية في شمال لبنان يُحسب غالبيتهم على الإسلاميين، إضافة إلى مطلوبين بجرائم أخرى وعددهم كبير أيضًا. ويدور الحديث عن المطلوبين في البقاع وخصوصًا في بعلبك الهرمل حول 48000 بلاغ بحث وتحر ووثيقة اتصال أمنية ومذكرة توقيف، غالبيتهم الساحقة من المطلوبين بتهم تتعلق بجرائم الإتجار بالمخدرات وترويجها وحتى زراعتها وتعاطيها. وتقدر مصادر معنية بمنطقة بعلبك الهرمل عدد هؤلاء بنحو 6500 إلى 7000 مطلوب للعدالة كحد أقصى “بينهم من زرع دونم حشيشة الكيف وبينهم من هو مطلوب بإطلاق نار”، معتبرة أن رقم 48000 مذكرة توقيف وبلاغ بحث وتحري ليس دقيقًا، كما أن هناك مطلوبين كثر صدر بحق كل منهم عشرات المذكرات “مرة سحبنا النشرة لأحد المطلوبين ووجدنا التهم الموجهة إليه تملأ ثلاث صفحات”.

وما زال هناك نحو 3000 لبنانيًا في إسرائيل من بينهم عملاء للجيش الإسرائيلي خلال احتلاله لبنان وارتكبوا جرائم بحق أبناء شعبهم، ومَن قاتلوا مع جيش لحد بدعم إسرائيلي، إضافة إلى عوائلهم الذين غادروا معهم من نساء وأطفال ويصّنف هؤلاء لبنانيين مبعدين عن وطنهم الأم، لا ذنب لهم في ما ارتكبه ذووهم. يذكر أن المجلس النيابي كان قد أقرّ القانون الرقم 194 الصادر في 2011 تحت عنوان “معالجة أوضاع المواطنين اللبنانيين الذين لجأوا إلى إسرائيل” حيث جاء في فيه “تأمين محاكمات عادلة لأعضاء ميليشيا لحد” من جهة، والسماح بعودة عائلاتهم من زوجات وأزواج وأبناء قُصّر ممن لم ينضووا عسكريا وأمنيا في التعامل. ويسمح لهم بالعودة وفق آليات تطبيقية تحدد بمراسيم تتخذ في مجلس الوزراء بناء لاقتراح وزير العدل وذلك خلال مهلة سنة من تاريخ صدور المراسيم التطبيقية”. وهو ما لم يحصل حتى اليوم. 

للاطّلاع على اقتراح قانون العفو الذي أعلن تكتل “الاعتدال الوطني” نيّته تقديمه إلى المجلس النيابي

انشر المقال



متوفر من خلال:

المرصد البرلماني ، تشريعات وقوانين ، إقتراح قانون ، لبنان ، مقالات ، سوريا ، محاكمة عادلة



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني