في إطار نزاعات الترشح للانتخابات الرئاسية، انتهت الجلسة العامة القضائيّة للمحكمة الإدارية إلى نقض 3 قرارات لهيئة الانتخابات وتاليا إلى التصريح بأحقية الطاعنين الثلاثة بها بالترشح. الطاعون الثلاثة هم عبد اللطيف المكي ومنذر الزنايدي وعماد الدايمي وقد قبلت طعونهم بموجب الأحكام عدد 24003579 بتاريخ 27 اوت 2024 وعدد 24003591 بتاريخ 29 اوت2024 وعدد 24003592 بتاريخ 30 اوت 2024. وبذلك، فسخت الجلسة العامة أحكاما اتصلت بهؤلاء المرشحين الثلاثة وكانت صدرت عن الدوائر الاستئنافية للمحكمة في الطور الأول.
تاليا وبتاريخ 02-09-2024، أصدرت هيئة الانتخابات القائمة النهائية للمترشحين للانتخابات الرئاسية التي ستجرى في 06 أكتوبر 2024، بما يشكل انتهاكا واضحا منها للأحكام الصادرة عن الجلسة العامة للمحكمة الإدارية. وقد برّر رئيسها ذلك ”بتعذّر الاطّلاع على نسخ الأحكام لعدم إعلام الهيئة بها طبق القانون في أجل 48 ساعة من تاريخ التصريح بها من طرف كتابة المحكمة الإدارية وذلك تطبيقا لصريح منطوق الفقرة الأخيرة من الفصل 47 من القانون الانتخابي ورغم مراسلة المحكمة رسميا ومطالبتها بموافاة الهيئة بتلك الأحكام في الآجال القانونية”. وقد سارعت المحكمة الإدارية إلى دحض هذه الحجج في البلاغ الذي أصدرته في تاريخ 03-09-2024 مؤكدة فيه أنها “تولّت تِباعًا وبمجرّد التّصريح بالأحكام تبليغ شهادة في منطوقها حِينيًّا إلى طرفي النّزاع تطبيقًا لأحكام الفصل 24 من قرار الهيئة عدد 18 لسنة 2014 المؤرّخ في 4 أوت 2014 المتعلّق بقواعد وإجراءات الترشّح للانتخابات الرئاسيّة التي تقتضي أن تتولّى الهيئة تنفيذ القرارات الصّادرة عن الجلسة العامّة القضائيّة للمحكمة الإداريّة شرط توصّلها بالقرار أو بشهادة في منطوقه”.
وقد لعبت التدخّلات الإعلامية لرئيسة اتّحاد القضاة الإداريين رفقة المباركي والبيان الذي صدر عن جمعية القضاة التونسيين وقبل ذلك وبموازاته المواقف الرسمية للمحكمة الإدارية دورا مركزيا في إحراج هيئة الانتخابات والتي يبدو أنها ونتيجة لذلك أصدرت بلاغا يوم 02-09-2024 ذكرت فيه أنه “بعد اطلاعها على نسخ الأحكام الصادرة عن المحكمة الإدارية والتي تم إعلامها بها خارج الآجال القانونية .. وبعد مصادقة مجلسها على القائمة النهائية للمترشحين للانتخابات الرئاسية، فقد ثبت قطعا أن تلك الأحكام لم تقضِ بصفة واضحة وصريحة بإدراج المترشحين الطاعنين في القائمة النهائية للمترشحين بل كانت أحكاما موقوفة على شرط تثبت الهيئة من تمتع المترشحين المرفوضين بجميع حقوقهم المدنية والسياسية في غياب وجود البطاقة عدد 3 المشترطة في القرار الترتيبي للهيئة. وعليه فان ذلك يؤكد تعذر تنفيذ تلك الأحكام حتى ولو تمّ إعلام الهيئة بها في الآجال القانونية.” بما يستفاد منه أنها اعتبرت الأحكام القضائية الباتة مجرّد قرارات معلقة على شرط تمهيدا للإعلان بعدم تنفيذها.
وبعيدا على ما يبدو ظاهريّا اختلافا في قراءة النصوص وتطبيقها، يكون من المهمّ التنبّه إلى أن أحكام المحكمة الإدارية التي رُفض تنفيذها علاوة على كونها حمت حقوقا فردية لمترشحين للانتخابات، فسّرت القوانين والإجراءات بما يحقق تعددية الترشحات في الانتخابات الرئاسية والتنافسية في سياق حماية القضاء للديموقراطية. وهو ما أجهضته هيئة الانتخابات باستعمال سلطة الأمر الواقع والقراءة الملتوية للقوانين.
انتصار قضائي لقيم الديموقراطية: دور سياسي يقرأ
رفضت هيئة الانتخابات ومن بعدها القاضي الابتدائي الإداري (الدوائر الاستئنافية) ملف ترشّح منذر الزنايدي لعدم إدلائه بالنصاب المطلوب من التزكيات الشعبيّة ولم تعتمد التزكيات النيابية التي أدلى بها بدعوى أنها قدمت خارج الأجل القانوني. ولم تقبل ترشّح عبد اللطيف المكّي بدعوى أنه ولئن توصل لتقديم أكثر من 10 آلاف تزكية شعبية، فإنه لم يجمع 500 تزكية في اثنتين من الدوائر ال 10 الانتخابية. كما ردت الهيئة ترشح الدايمي لذات السبب ورفض القاضي الابتدائي الإداري النظر في طعنه شكلا بدعوى أنه قدم عريضة طعنه على صيغة PDF لا WORD بما يمنع القضاة من نسخها في تلخيص حكمهم.
في إثر هذا الموقف الشكلاني، اقتصر عدد من قبلت ملفات ترشحاتهم على رئيس الجمهورية قيس سعيد ومرشحين آخرين هما زهير المغزاوي والعياشي الزمال. وبعد ذلك أثيرت اتهامات ضد هذا الأخير بتدليس التزكيات بما أشر عن الاتجاه لإقصائه لاحقا عبر بوابة الملاحقات الجزائية. وتعددت بالتالي دلائل التوجه لانتخابات غير تنافسية تذكر بالاستحقاقات الرئاسية قبل الثورة ولا تشبه في شيء ما كان من انتخابات تعددية بعدها.
خلافا لهذا التوجه، قبلت الجلسة العامة القضائية للمحكمة الإدارية التزكيات النيابية التي قدمها الزنايدي، وقد علّلت ذلك بأنّ المشرع لم يمنع تغيير المرشح صيغة تزكياته خلال فترة التصحيح وأن الأصل في الأمور الإباحة. كما أعادت احتساب تزكيات المكي التي لم تتعلق بها اخلالات جوهرية بعدما أكدت على أن التزكيات شكلية كل الهدف منها التأكيد من جدية المزكي ولا يجب ألا تعتمد متى تحقق منها ذلك. واستندت لتقديم محامية الدايمي نسخة إلكترونية كما يجب قانونا لتقبل طعنه وتنظر في توفر شروط الترشح فيه
وقد اجتهدت الجلسة العامة في أحكامها لتحمي الحقّ في الترشح في الانتخابات الرئاسية وتصدت في هذا للتعقيدات الشكلية التي فرضتها هيئة الانتخابات للحدّ من هذا الحقّ. وآل جهدها إلى تعزيز فرص إقامة انتخابات تنافسية وتعددية بما يحمي قيمة المجتمع الديموقراطي مكرسة بذلك دور القضاء في حماية الديموقراطية. وهو ما لم تقبل به فيما يبدو هيئة الانتخابات التي عطلت الأحكام لتؤسس لفكرة عمل مؤسسات الدولة خارج القانون ودون استناد له.
سلطة الأمر الواقع لهيئة الانتخابات: الخروج الكامل عن القانون
لم تجد هيئة الانتخابات حرجا في حديثها عن حقها في تقييم الأحكام القضائية وتخير ما تقبل تنفيذها منها وما ترفضه. وهي بهذا كشفت عن نزوع لحكم من خارج القانون وبعيدا عن ضوابطه بما يفرض التساؤل عن نزاهة الأداء واستقلاليته.
للاطلاع على حكم الجلسة العامة القضائية للمحكمة الادارية المتعلق بالمترشح عبد اللطيف المكي
للاطلاع على الجلسة العامة القضائية للمحكمة الادارية فيما تعلق بالمترشح للرئاسية منذر الزنايدي
للاطلاع على الجلسة العامة القضائية للمحكمة الادارية فيما تعلق بالمترشح للرئاسية عماد الدايمي