“
بمناسبة إحياء اليوم العالمي لحرية الصحافة، أصدرت النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين في 3 مارس 2019 تقريرها السنوي الراصد لواقع حرية الصحافة في تونس بين الفترة الممتدة من 1 ماي 2018 إلى 30 أفريل 2019 بالأرقام والأمثلة وعبر رسومات بيانية توضيحية.
وكانت “المفكرة” عقدت قبل صدور هذا التقرير لقاء مع نقيب الصحفيين الأستاذ ناجي البغوري بتاريخ 25 أفريل 2019 حول الدور البارز والمهم الذي تلعبه النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين من ناحية مساهمتها في تحسين أوضاع القطاع الإعلامي والعاملين فيه وفي كونها جسما فاعلا في التحالفات والنشاطات المتعلقة بالحريات الفردية والعامة ومسار العدالة الانتقالية.
“المفكرة” تحاور نقيب الصحفيين التونسيين، ناجي البغوري
المفكرة القانونية: كيف ترى واقع حرية التعبير وحرية العمل الصحافي بعد ثماني سنوات من الثورة؟
ناجي البغوري: في الواقع، ما تؤكده المنظمات الدولية، على غرار تصنيف مراسلون بلا حدود الأخير، لجهة أن تونس من أفضل البلدان العربية في مجال الصحافة، بشكل عام، وحرية التعبير بشكل خاص، هو حقيقي. اليوم تونس تملك قانون نفاذ إلى المعلومة هو الأبرز في العالم العربي ومن أفضل القوانين عالميا. إضافة إلى المشهد الإعلامي المتعدد والتعددي، والعمل الإعلامي الذي يتمتع بدرجة كبيرة من الاستقلالية. ولكن ما أستطيع أن أؤكده في المقابل أن هذه الحرية هي حرية غير صلبة وغير مؤسسة. فليس في تونس اليوم ضمات حقيقية لحرية الصحافة والتعبير.
سأعطي أمثلة تشمل ثلاثة مستويات.
- من الناحية التشريعية، تحاول السلطة، وتحديدا السلطة التنفيذية، بمناسبة أو غير مناسبة ضرب حرية الصحافة. فقد أصدرت الحكومة منشورا يتعارض مع قانون النفاذ إلى المعلومة صراحة، هو أقل قيمة من أي قانون، وقد منعت بموجبه إعطاء معلومات للصحفيين من قبل الإدارات الحكومية إلا بإذن مسبق. هذا بالإضافة إلى التخلف المتعمد من قبل العديد من المؤسسات الرسمية عن نشر أنشطتها وميزانيتها ومناقصاتها ومناظراتها، إلخ على مواقعها الرسمية كما ينص قانون النفاذ للمعلومة بهدف إنارة الرأي العام وضمانا للشفافية التي يتم على أساسها المحاسبة والمساءلة.
كما أن أغلب ما هو منظم لمهنة الصحافة بقي على شكل مراسيم. أهمها مرسوم عدد 115 لسنة 2011 المتعلق بحرية الصحافة والطباعة والنشر. هذا يخالف ما ينص عليه الدستور بكون كل القوانين المتعلقة بالحريات يجب أن تصدر على شكل قوانين أساسية. نحن اليوم كنقابة نخوض معركة حقيقية مع الحكومة من أجل قانون أساسي يتعلق بمهنة الصحافة. ناهيك عن تصدينا لمشاريع قوانين تضرب بعرض الحائط حرية الصحافة، كما قانون مشروع قانون زجر الاعتداءات على الأمنيين والعسكريين الذي ما فتأت الحكومة تطرحه بعد كل حادثة إرهابية.
- أما على مستوى التنظيمي، الإعلام العمومي ما زال غير مستقل. فمجالس الإدارة فيه ما زالت مكونة من السلطة التنفيذية. ما نقترحه ونناضل من أجله في القوانين القادمة أن يتم الترشح لهذه المؤسسات عبر البرلمان على أن يقدم كل مترشح برنامجه. كما نقترح أن يكون هناك سياسة عمومية للإعلام لا تحددها الحكومة بل يقع نقاشها في البرلمان بمشاركة المنظمات الحقوقية والناشطين والنقابات معنية.
- أما على المستوى الثالث، فالأوضاع الاجتماعية والاقتصادية الهشة للعاملين في القطاع الإعلامي تؤثر سلبا على القدرة على العمل وتسبب الزبائنية وعدم الاستقلالية وعدم الجدية والمسؤولية في العمل.
المفكرة: ماذا عن المؤسسات الإعلامية الخاصة؟
البغوري: الإشكالية الكبرى هي أن مصادر تمويل مؤسسات الإعلام الخاص غير معروفة. للأسف، هناك إعلام سمعي وبصري مرتبط بشبهات فساد وبأطراف لها علاقات بلوبيات تهريب وجماعات تخرق القانون. لا أعتقد أنه يمكن لنا أن نضمن حرية الإعلام في ظل وجود مؤسسات تمويلها مشبوه. كما أشير هنا إلى سلطة الإعلانات والإشهار الخاصة التي أصبحت سلطة حقيقية. اليوم لا يمكن أن ننتقد المشهرين بسبب حجمهم المادي الكبير الذي له تأثير سياسي أحيانا. باعتقادي، لا يمكن إنجاز منتوج إعلامي ديمقراطي إذا لم يكن هناك تشريعات تحريرية أخلاقية واضحة. فعلى كل مؤسسة، عامة وخاصة، أن يكون لديها عقد معنوي أخلاقي مع الجمهور وأن تتمتع بشفافية كبيرة تسمح ببناء ثقة مع المواطن.
المفكرة القانونية: ما موقفكم من مسألة التعددية النقابية التي تطرح نفسها بشكل كبير اليوم في تونس؟
البغوري: باعتقادي، حان الوقت للخروج من فكرة النقابة الواحدة والحزب الواحد. التعددية وحرية التنظيم مكفولة بالقانون والدستور. للأسف، ما زالت الثقافة التقليدية البالية التي لا تقبل التعددية النقابية موجودة إلى اليوم. فكيف لنا أن نؤسس ديمقراطية تعددية في ظل رفض التعددية النقابية؟
الإشكالية تكمن ليس فقط في كون الحكومة ومؤسساتها ترفض التعددية الحزبية بل أيضا النقابات الكبرى، أقصد هنا الاتحاد العام التونسي للشغل تحديدا. فهو يرفض مسألة التعددية حيث مازال يسمى نفسه ب “المركزية النقابية” ويعتبر نفسه وصيا ومحتكرا للعمل النقابي والاجتماعي. هذا غير صحي بل ومخالف للواقع. أعتقد أنه يجب أن يكون هنا ميثاق أخلاقي وتعاوني وتكاملي مع النقابات جميعا دون استثناء. نحن في مجال الاعلام، نتمنى التعاون مع النقابات التى تشمل العمل الإعلامي كله بداية مع الصحافي، مرورا بالمصور الصحفي إلى التقني والسائق والعامل.
المفكرة: يأخذنا ذلك للحديث عن دور النقابة في الدفاع عن الحريات والحقوق، حيث نرى أن النقابة كانت وما زالت عضوا فاعلا في العديد من الائتلافات الحقوقية.
البغوري: تماما. النقابة هدفها النهوض بتونس وبحرية الصحافة. ونؤمن أننا لا نستطيع القيام بذلك من دون التعاون مع كل الفاعلين على الساحة. لذلك نتشارك ونتضامن وننخرط مع منظمات المجتمع المدني في تحالفاتهم ونشاطاتهم وائتلافاتهم. حرية الصحافة ترتبط بشكل وثيق بكل الحريات من دون استثناء. أذكر أن النقابة كانت أول منظمة تعلن عن مناصرتها لتقرير لجنة المساواة والحريات الفردية التي أطلقها الباجي قايد السبسي في 13 أوت 2017. قمنا بعد صدور تقرير اللجنة في جوان 2018 بالعديد من الدورات التدريبية والنشاطات لتوعية العاملين في القطاع الإعلامي على أهمية مساهمتهم في تعزيز النقاش والحوار بين الفئات الاجتماعية والثقافية والعمرية حول الحريات الفردية والمساواة للتأسيس لمجتمع ديمقراطي واعٍ. يجب تحقيق مناخ عام ديمقراطي أساسه الحريات لتسهيل عمل الصحافي وتحفيزه على العمل أيضا. ولكن للأسف، كان هناك سياق سياسي جرف إليه التقرير فلم يعطِ ذلك الفرصة لمزيد من النقاش حول التقرير ومحتوياته. كنا نتمنى تحويل النقاش من الدورات التدريبية التي قمنا بها إلى وسائل الإعلام لفتح فضاءات لحوار سياسي مجتمعي جامع. للأسف هذا لم يحصل.
المفكرة: النقابة عضو رئيسي في الائتلاف المدافع عن مسار العدالة الانتقالية، هل يمكن أن تحدثنا أكثر عن رأيك في مسار العدالة الانتقالية في تونس؟
البغوري: من أبرز تعثرات مسار الانتقال الديمقراطي في تونس هو تعثر مسار العدالة الانتقالية. أعتقد أن هذا الأخير فشل فشلا ذريعا. شارك في هذا الفشل كل حكومات ما بعد الثورة. أحمّل الحكومات المسؤولية كما أحمّل هيئة الحقيقة والكرامة ورئيستها سهام بن سدرين التي أثارت مناخا من التوتر داخل الهيئة في بداية عملها واستمر هذا التوتر ليشمل كل المسار. للأسف، تونس ضيعت فرصة أساسية من أجل الحسم مع إرث الاستبداد. نحن كنقابة كنا رافضين لمشروع المصالحة الاقتصادية والإدارية في 2017 واليوم نحن رافضون لمشروع قانون استكمال مسار العدالة الانتقالية المقترح من قبل وزارة العلاقات مع الهيئات الدستورية. ونحن بصدد العمل مع العديد من المنظمات الحقوقية لاقتراح تصور يستكمل مسار العدالة الانتقالية.
ملخص عن تقرير النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين
استهلّت النقابة تقريرها بالتعبير عن مخاوفها الجدية من تراجع منسوب الحريات في تونس في الفترة القادمة. حيث نص التقرير في مقدمته عن أن “أشهر فيفري ومارس وأفريل (2019) كانت الأخطر على الصحفيين عبر ارتفاع ملحوظ لعدد الاعتداءات الخطيرة عليهم تزامنا مع ارتفاع وتيرة التحركات الاجتماعية واقتراب المواعيد الانتخابية”. حيث سجلت خلال هذه الفترة 51 اعتداء من أصل 139 خلال سنة كاملة أي بنسبة 37٪.
أنواع الاعتداءات التي رصدتها النقابة عديدة، تتراوح بين تتبع إلى اعتداء لفظي وجسدي. ناهيك عن حالات التحريض والتهديد العديدة. كما تم رصد 64 حالة تم فيها إنكار حق الصحافيين في النفاذ إلى المعلومة.
أما عن المعتدين على الصحفيين، فوجدت النقابة أن الأطراف الرسمية هي الأكثر انخراطا في الاعتداء على الصحفيين. فقد سجلت 73 حالة اعتداء من قبل أطراف رسمية من أصل 139، مع تصدر الموظفين العموميين هذه الاعتداءات (34 من أصل 73 حالة اعتداء). أما عن الأطراف غير الرسمية، فرصدت النقابة تزايدا كبيرا في أعداد المواطنين المعتدين على صحفيين (21 حالة اعتداء من قبل مواطنين).
من جهة أخرى، بينت النقابة في تقريرها عن مخاوف جدية من محاولات توظيف القضاء لضرب حرية الصحافة. حيث تم رصد 12 حالة تمت فيها إحالة صحفيين خارج إطار المرسوم 115 المتعلق بحرية الصحافة إلى جهات قضائية، أي بمعدل إحالة واحدة كل شهر.
كما رصدت النقابة حالات رقابة مسبقة على محتويات إعلامية من قبل قضاة التحقيق لإلغاء بعض الحصص التلفزية قبل نشرها. كما أشارت النقابة في تقريرها أنه بالرغم من ارتفاع نسبة تتبع المعتدين خلال السنة المنقضية إلى 25٪، إلا أن الشكايات التي قدمت خلال هذه الفترة لم يتم البت فيها قضائيا وإدانة المعتدين على الصحفيين حتى اليوم.
كان للتشريعات التي تضرب بعرض الحائط حرية الصحافة وتعرض العاملين في هذا القطاع للانتهاكات حصة كبيرة في تقرير النقابة، حيث تطرق التقرير إلى موقف النقابة وتوصياتها حول مشروع قانون حماية الأمنيين والقانون الأساسي المنظم لحالة الطوارئ.
أخيرا، ركز التقرير على رصد للحالة الاجتماعية والاقتصادية الهشة للصحافيين والعاملين في القطاع الإعلامي في تونس. حيث أشار إلى أنه تم خلال فترة السنة صرف أكثر من 150 صحفي من وسائل إعلامية مختلفة وأكثر من 400 حالة عدم خلاص أجور في وقتها القانوني. الأمر الذين اعتبرته النقابة “تهديدا للمهنة ومسببا لحالات التشغيل الهش للصحافيين والصيغ التعاقدية غير القانونية والطرد التعسفي”.
كان للاتفاقية الإطارية المشتركة التي سبق وذكرناها حصة كبيرة في تقرير النقابة. كونها تشمل كافة نقاط الضعف التى يعاني منها قطاع الإعلام في تونس مع اقتراحات جدية لمعالجتها. فمن المتوقع أن تشكل هذه الاتفاقية نقلة نوعية لواقع الصحافة في البلاد. فهي من جهة تنظم العمل في القطاع من ناحية المصاريف المتعلقة بالنشاط المهني للصحفيين ومدة العمل والساعات الإضافية، إلخ. كما ترفع الحد الأدنى للأجور إلى 1400 دينار تونسي في كل المؤسسات.
للاطلاع على التقرير السنوي للنقابة الوطنية للصحفيين التونسيين اضغط هنا
“