دخل رئيس الحكومة إلى جلسة مجلس الوزراء، في 28 شباط الماضي، معلناً أن عدداً من الوزراء أرسلوا إليه ملاحظاتهم على مشروع إعادة هيكلة المصارف (معالجة أوضاع المصارف وإعادة تنظيمها)، على أن يتلقّى ملاحظات الآخرين تباعاً، ويضيف إليها ملاحظاته الشخصية. بهذه الكلمات القليلة، مهدّ ميقاتي لتأجيل مناقشة مشروع القانون إلى الجلسة التي تعقبها (لكن وزع أول أمس جدول أعمال الجلسة المقبلة متضمناً 27 بنداً ليس بند مناقشة المشروع من ضمنها). إلا أن أحداً لم يشكّ أن المشروع سقط نهائياً، بعد حملة شرسة قادتها جمعية المصارف، وأفضت عملياً، وللمرة الثانية، إلى وقف النقاش في مسألة إعادة الهيكلة قبل أن يبدأ حتى. وكان سبق أن أسقطت جمعية المصارف اقتراح مشروع القانون المُتعلّـق بإصلاح وضـع المصـارف في لبنـان وإعادة تنظيمها الذي نوقش في 29 تشرين الثاني 2023 في مجلـس الـوزراء مـن دون أن يظهر له أثر من بعدها. كما كانت أسقطت الخطة الإصلاحية المالية لحكومة حسان دياب في 2020 والذي كان حدّ من خسائر المودعين لو تم إقراره آنذاك.
المصارف تحاصر مشروع الهيكلة قضائياً وإعلامياً وسياسياً
هذا السياق في رفض أي نصّ يضع المصارف أمام مسؤولياتها ولا يحمّل الدولة مسؤولية الفجوة المالية في مصرف لبنان، لم يكن يتيماً. في الفترة نفسها، أي في بداية 2023، خطا حاكم مصرف لبنان السابق رياض سلامة خطوة على الطريق نفسها. إذ قرّر احتساب كل عمليات شراء العملات الأجنبية المنفّذة لصالح الخزينة منذ العام 2007 والبالغة قيمتها 16.5 مليار دولار كديون مستحقة على الدولة للمصرف المركزي. وفي وقت لاحق، وقُبيل نهاية ولايته بشهر واحد، رفع قيمة بند “إعـادة التقييـم” المُـدرج ضمن موجودات المصرف من صفر إلى 42 مليار دولار. علماً أن هذه الموجودات ليست سوى خسائر المصرف، التي اعتبرها دينا مستحقا على الدولة أيضاً.
تجدر الإشارة هنا إلى أن الفجوة في مصرف لبنان تُقدّر ب 68 مليار دولار، في حين أن التقديرات تشير إلى أن الديون المستحقّة على الدولة لا تزيد عن 13 مليار دولار (7 مليار دولار قيمة اليوروبوندز و93 ألف مليار ليرة أو ما يعادل 1.1 مليار دولار قيمة الدين بالليرة، إضافة إلى 5 مليار دولار دين بالدولار).
لكن حتى مع افتراض تحميل الدولة المسؤولية عن كل الخسائر المُحققة في مصرف لبنان والمصارف، فإنها لن تكفي لردم الفجوة المالية. يقول نائب رئيس الحكومة سعادة الشامي أن تضخيم مسؤولية الدولة لا يغني عن تحميل الآخرين المسؤولية، إذ أن أملاك الدولة كلها تُقدّر بالحد الأقصى ب20 مليار دولار ومع افتراض أن استثمارها يعطي عائدات تصل إلى 5% سنوياً، أي مليار دولار سنوياً، فإنها تحتاج إلى 70 سنة لتغطية الفجوة، من دون احتساب الفترة التأسيسية التي سيحتاجها الاستثمار قبل أن يبدأ بتحقيق الأرباح.
بالتوازي، رفع 11 مصرفاً مذكّرة ربط نزاع إلى وزارة المالية يطالبون فيها الدولة اللبنانية بدفع ما تعتبره “ديون والتزامات مُترتبة على الدولة تجاه المصرف المركزي، وتتجاوز قيمتها 67 مليار دولار”. وذلك لكي يتمكّن المصرف المركزي من سـداد التزاماته للمصارف، التي يُزعـم أنها ستعيد بدورها الودائع إلى المودعين. هذا الطلب تصفه منظمة “كلنا إرادة” بأنه ليس سوى محاولة لإنقاذ مساهمي المصارف، مذكّرة أنه يوجد إجماع من صندوق النقد الدولي والاقتصاديين والحكومة على رفض هذه المقاربة لكونها غير مُمكنة من الناحية التقنية، ومُكلفة على المجتمع، وتتناقض مع أحدث الممارسات العالمية في ما يتعلّــق بإعادة الهيكلة.
إلى جانب كل ما سبق، جاء قرار مجلس شورى الدولة (6 شباط 2024)، الذي صدر، يوم تسريب نص مسودة مشروع القرار، معتبراً أن الودائع محميّة بموجب الدستور، بوصفها ملكية فردية لا يمكن شطبها أو تخفيض قيمتها، ليُكمل السيبة التي رفعتها جمعية المصارف في وجه مشروع إعادة الهيكلة. إذ قبل المجلس الطعن المُقدّم من الجمعية، وأبطل بند “إلغاء جزء كبير من التزامات مصرف لبنان بالعملات الأجنبية تجاه المصارف”، الذي وافق عليه مجلس الوزراء كجزء من استراتيجية النهوض بالقطاع المالي. وكانت هذه الاستراتيجية أقرتها الحكومة الحالية في الجلسة الأخيرة لها قبل تحوّلها إلى تصريف الأعمال (20 أيار 2022). وهي خطة انطلقت من خطة “لازار” التي أقرّتها الحكومة السابقة وأحبطتْها لجنة المال والموازنة، مع تعديلات تتلاءم مع المؤشرات التي تدهورت أكثر ومع التبدّلات التي طالت أرقام المالية العامة والقطاع المصرفي، نتيجة تعطيل عملية الإصلاح.
أما الضربة القاضية للمشروع فكانت في تبرؤ حاكم مصرف لبنان بالإنابة من المشروع بالرغم من أنه كان ثمرة تعاون الحكومة والمصرف ولجنة الرقابة على المصارف. كما كان دور المصرف أساسياً في صياغته، بحسب نائب رئيس الحكومة سعادة الشامي، الذي أوضح أن القانون صيغ من قبل مصرف لبنان متضمّناً المبادئ الأساسية لخطة التعافي الحكومية، وبعد أن أدخل تعديلات مهمّة وجيّدة وضرورية على مشروع القانون السابق. ومن الاُفكار التي طوّرها مصرف لبنان على سبيل المثال كان تحديد الودائع المشروعة وغير المشروعة وفكرة الفصل بين الودائع المؤهلة وغير المؤهلة، التي أتت أساساً في إطار تعاميم مصرف لبنان. كما عدّل المصرف فكرة تحويل الودائع إلى أسهم في المصارف، وكذلك اقتراح السندات الصفرية، وخاصة بالنسبة للمساهمة مناصفة بين مصرف لبنان والمصارف… كما أدخل المصرف تعديلات مثل إعطاء دور أكبر لموضوع المحاسبة للذين استفادوا من الأزمة والذين استطاعوا تهريب أموالهم إلى الخارج.
هكذا سرعان ما تمكّنت جمعية المصارف من تطويق المشروع، قضائياً وسياسياً واقتصاياً واجتماعياً وإعلامياً، بعد أن انضمّتْ إليها الهيئات الاقتصادية وعدد من جمعيات المودعين وجهات إعلامية عديدة إضافة إلى وزراء ونواب، فصار الجميع يتحدّث بلسان واحد لسان تحميل الدولة مسؤولية خسائر مصرف لبنان.
الشامي: المودع تعاقد مع المصرف لا مع الدولة
أمام هذا الواقع، وجد الشامي نفسه وحيداً في معركة مواجهة سردية المصارف، فأرسل كتاباً إلى مجلس الوزراء طالباً إدراجه في الجلسة التي كان يفترض عقدها في 23 شباط الماضي. وقد أكّد الشامي في الكتاب الذي حصلت “المفكرة القانونية” على نسخة منه “على ضرورة دعوة حاكم مصرف لبنان أو من ينوب عنه لحضور الجلسة وشرح القانون والردّ على استفسارات الوزراء، كونه أعدّ من المصرف”.
وردّ الشامي على مسألة تحميل الدولة مسؤولية ردم الفجوة الموجودة في القطاع المصرفي والمقدرة بـ 70 مليار دولار، كما ورد في “مذكّرة ربط النزاع” التي تبنّتها مصارف عدة، بالرغم من إدراكها أن لا قدرة للدولة على ذلك في الوقت الحاضر، معتبراً أن ذلك يصبّ في إطار حرف الأنظار عن المسؤوليات الفعلية وعن حقيقة أن المودع تعاقد مع المصرف ولو كان يدرك أن وديعته مع الدولة لكان أحجم عن إيداع ماله في المصارف. وهو إذ أكّد أن هذا لا يعني أن ليس هناك مسؤولية عن الانهيار على الحكومات المتعاقبة، فقد ذكّر أن المشروع حمّل الدولة 2.5 مليار دولار مع إمكانية زيادة هذا المبلغ إذا تحسّنت المؤشّرات المالية (اعتبرت جمعية المصارف المبلغ ضئيلا جداً بالمقارنة مع العجز في ميزانية مصرف لبنان التي تشير المادة 113 من قانون النقد والتسليف أنه ينبغي على الدولة تسديده، بالرغم من أن هذا المبلغ يشكل “مساهمة كبيرة جداً بالمقارنة مع الناتج الوطني الإجمالي”، كما تعتبر “كلنا إرادة”).
يركزّ الشامي في كتابه على تفريغ حجة اللجوء إلى المادة 113 من قانون النقد والتسليف لتحميل الدولة مسؤولية الديون المتراكمة المترتبة على المصرف المركزي، والتي تشير إلى أنه “إذا كانت نتيجة سنة من السنين عجزاً في مصرف لبنان تغطي الخسارة من الاحتياطي العام وعند عدم وجود هذا الاحتياطي تغطي الخسارة بدفعة موازية من الخزينة”. ولكن لا يمكن اعتماد هذه المادة لتغطية خسائر جسيمة على مرّ السنين ناتجة عن اعتماد مصرف لبنان أساليب محاسبية “خلاقة” لتغطية خساراته نتجت عن سياسات غير مألوفة وبهلوانيات مالية. وقال: صحيح أنه كان لزاماً على المصارف إيداع نسبة من الأموال التي ائتمنوا عليها من قبل المودعين في مصرف لبنان كاحتياطي إلزامي، وكذلك احتجز مصرف لبنان بعض الدفعات بين المصارف في الفترة الأخيرة. ولكن تخطّت هذه الإيداعات هذه المبالغ بكثير، فهل يُعقل أن تدّعي المصارف الآن أن كل ما أصابها هو ناتج فقط عن سوء إدارة الدولة وتحميلها كل المسؤولية؟
أمام هذا الواقع كان عدم انعقاد جلسة مناقشة المشروع في 23 شباط بحجة عدم اكتمال النصاب الإشارة الأولى إلى تطيير المشروع. وعندما عرض على جلسة 28 شباط كانت طبخة تطييره قد نضجت ولم يحتجْ إعلان ذلك لأكثر من ثلاث دقائق. وبدا جلياً حينها أن تأجيل البتّ به هو عملياً سحب له من التداول، بدليل عدم إرسال أي ملاحظات جديدة من قبل وزراء آخرين، أضف إلى أن رئيس الحكومة كان يمكنه، لو أراد، فتح النقاش بشأنه، بغضّ النظر عن عدم إرسال كل الوزراء ملاحظاتهم على المشروع، هذا على افتراض أنه يؤيده.
في الملف الموزّع على الوزراء، يتبيّن أن الوزراء الذين قدّموا ملاحظاتهم على المشروع هم وزراء: التربية عبّاس الحلبي، الاقتصاد أمين سلام، السياحة وليد نصّار، والمهجّرين عصام شرف الدين، إضافة إلى ملاحظات قدّمتها المديرية العامة لرئاسة الجمهورية.
وباستثناء ملاحظات رئاسة الجمهورية التي جاءت تقنية بحت، لم تكن كل الملاحظات التي وصلت إلى ميقاتي بعيدة عن الجو الذي أثير من قبل جمعية المصارف وأتباعها، الذين ملؤوا الشاشات قُبيل الجلسة، محذّرين من خطورة المشروع، ومعتبرين أنه مشروع إفلاس للمصارف. لا بل أكثر من ذلك كانت بعض الملاحظات متطابقة مع ملاحظات الجمعية.
وزير التربية: على الدولة تحمّل مسؤولية الأزمة التي سببتها
في الجملة الأولى من ملاحظاته، يتحدث الحلبي عن غياب مسؤولية الدولة عن تحمّل “الفجوة المالية التي يواجهها مصرف لبنان”، ليخلص إلى أنها “بذلك تتنصّل من مسؤولياتها”. وهو إذ يعتبر أنه من الممكن توزيع المسؤوليات بين المصارف ومصرف لبنان والدولة، إلا أنه يعتبر أن ما هو مطروح لا يقارب فجوة مصرف لبنان من حيث مسؤوليّة الدولة عنها والتي سبّبتها هي نتيجة الاقتراض من أموال المودعين وسوء استعمالها.
كما يلفت النظر إلى ضرورة الأخذ بما تضمّنه قرار مجلس شورى الدولة الصادر في 6/2/2024، لناحية “عدم تبرير إلغاء الديون أو شطب الودائع من قبل أي مرجع تنظيمي أو تشريعي ما لم تقابله أحكام أو خطة لتعويض الدائنين أو أصحاب المال عن الدين أو المال المنزوعة ملكيته”، ما سيُشكّل تعرّضاً صارخاً لحق الملكية المكرّس دستورياً.
وبعد الإسهاب في عرض ملاحظاته التفصيلية، ومنها ما يتعلق بمسألة تصنيف الودائع، يعتبر الحلبي أن “الهدف من المشروع هو حماية الودائع وليس التمييز بينها وتبديد جزء كبير منها وتحميل المودعين الخسارة الأكبر”، ثم يعود في الفقرة الخاصة بالحلول المقترحة ليشير إلى أن “الحلّ الأمثل لأزمة النظام المصرفي يكون من خلال تحمّل الدولة مسؤوليتها تجاه مصرف لبنان والمودعين والدائنين لإعادة جدولة ديون اليوروبوندز”.
وزير الاقتصاد: لحماية الودائع مثل الذهب
أما سلام، الذي كان عضواً في لجنة التفاوض مع صندوق النقد الدولي، ما يفترض بالتالي أن يكون موافقاً على الاتفاق، فيسجّل اعتراضه وتحفظّه على مشروع القانون، معتبراً أنه تعتريه مخالفات دستورية وقانونية، إضافة إلى خلوّه من أي ارتباط بخطة اقتصادية كاملة. وهو يعتبر أنه لا يحفظ أموال المودعين، ولا يوزّع الخسائر بإنصاف ويضرب الثقة بالقطاع المالي والاقتصادي والنمو والقوة الشرائية المطلوبة لإنعاش الاقتصاد.
بالنسبة إليه، يُشكّل الشقّ المتعلق بحل أزمة الودائع “كارثة الكوارث”، لأن لا تحديد للمسؤوليات في الانهيار الاقتصادي ولا توزيع منصف للخسائر بين الدولة ومصرف لبنان والمصارف. وكما الحلبي، كذلك سلام يرى وجود حاجة لقانون يحمي الودائع شبيه بقانون حماية الذهب. كما يعتبر أن المسؤولية في إعادة تكوين الودائع تقع على الدولة أولاً (50%)، ثم مصرف لبنان والمصارف (25% لكل منهما). ويذهب إلى افتراض أن تحمّل الدولة لمسؤولياتها يجعلها المثال الصالح لشعبها ببدء المساهمة في تكوين الودائع، وبذلك تساهم في إعادة هيكلة ورسملة مصرفها المركزي على مدة متوسطة المدى، من خلال الفقرة 113 من قانون النقد والتسليف. واعتبر أن إعادة رسملة مصرف لبنان ب2.5 مليار دولار هي هرطقة بحقّ مسؤولية الدولة في الأزمة لأن هذا المبلغ لا يشكل أكثر من 5% تقريباً مما يجب أن تكونه الدولة للمصرف المركزي، عبر إعادة هيكلة وتطوير أصولها من خلال شركة مستقلة لإدارة الأصول دون بيعها حيث يستعمل مردود هذه الأصول لإعادة رسملة المصرف.
وزير السياحة: على الدولة إعادة رسملة المصرف المركزي
في ملاحظات وزير السياحة لا اختلاف أيضاً عن سابقيه، فيرى أن على المشروع أن يعترف بالمخاطر النظامية للأزمة اللبنانية لأن المصارف اضطرّت إلى إيداع القسم الأكبر من الودائع في مصرف لبنان تنفيذاً لتعميم ولتعليمات هذا الأخير، ولأن الدولة أهدرت القسم الأكبر من الاحتياطي حتى بعد اندلاع الأزمة تمويلاً لعمليات التهريب. كما على المشروع أن يلتزم بالمادة 113 من قانون النقد والتسليف التي تلزم الدولة بإعادة رسملة مصرف لبنان وتغطية خسائره. وعلى المشروع أن يعترف بالتزامات مصرف لبنان والدولة اللبنانية تجاه المصارف، وبالتالي تجاه المودعين، فلمصرف لبنان التزامات تجاه المصارف لا تقل عن 80 مليار دولار، يقول نصّار، الذي يدعو إلى وضع مشروع إنقاذ مالي اقتصادي مبني على مبدأ خلق قيمة مضافة لبعض أصول الدولة على أن تحدد هذه الأصول وكيفية خلق القيمة المضافة والمدة الزمنية لذلك بوضوح، والاستفادة من جزء من هذه القيمة المضافة التي لم تكن موجودة أصلاً لتمويل صندوق استعادة الودائع. وبعد عرضه عدداً من الاقتراحات يخلص إلى أن الحل المنطقي والعملي هو إعادة درس هذا المشروع من قبل لجنة مؤلّفة من أطراف الأزمة أي الحكومة اللبنانية، مصرف لبنان وجمعية المصارف والهيئات الاقتصادية، من أجل اقتراح الحلول المنطقية والموازنة والقابلة للتحقيق والعمل على خطة اقتصادية شاملة تعمد إلى خلق قيمة مصارف لبعض أصول الدولة والاستفادة منها لإيفاء جزء من حقوق المودعين.
وزير المهجرين: مخالفات دستورية تعتري المشروع
وزير المهجّرين بدوره سجّل تحفظه واعتراضه على مشروع القانون، بسبب “العديد من المخالفات الدستورية والقانونية التي تحول دون مشروعيته وانتظامه القانوني، مرفقاً كتابه بملاحظات لكل من المحامي باسكال ضاهر والدكتور عماد عكّوش على المشروع واقتراح الحلول المُقدّم من قبلهما، متبنياً ملاحظات الأول. وقد تطرّق ضاهر في ملاحظاته إلى مسألة التفرقة بين الحسابات، معتبراً أن ذلك أمر غير دستوري، لا سيما أن هيئات الرقابة يقع على عاتقها واجب التدقيق الدائم بكل أمر مشبوه يتصل بحركة المال، بغية ضبط الأموال غير المشروعة مهما بلغت قيمتها. وعليه يقول إن “اعتماد هذا المشروع الرقم 500 ألف دولار لتبرير الحساب الخاص بالمودع أو 300 ألف دولار لتبرير الحساب الخاص بالموظف العمومي يعني السماح بتراكم الأموال غير المشروعة ضمن السقف المحدد بما يناقض القوانين ذات الصلة. كما رأى أن اعتماد التفرقة في الحسابات المصرفية بين مشروع وغير مشروع ومؤهل وغير مؤهل وفريش سيؤدي إلى عدم انتظام داخل كل مؤسسة مصرفية لا سيما أنه سيعدد الميزانيات لكل فئة”.
المصارف تنفذ هيركات منذ 4 سنوات وتعترض على الهيركات القانوني
في المقابل، لم يتبرأ الشامي من دوره كما فعل مصرف لبنان، لكنه أشار إلى أن دوره كان محصوراً بضمان مراعاة القانون للمبادئ الأساسية، كأن لا تستعمل أملاك الدولة، وأن يتم الحرص على استدامة قدرتها على تسديد الديون. علماً أن المصرف هو من حدد كيفية التمييز بين الأموال المشروعة وغير المشروعة، معتبراً أنه من الطبيعي أن يُسأل المودع عن مصدر أمواله (ما فوق 500 ألف دولار).
يجزم الشامي أن الودائع لم تشطب، لكن في المقابل لا بد أن يدرك الجميع أن الوضع يزداد سوءاً، وإذا لم نفعل شيئاً اليوم فإن الأموال لن تبقى إلى الأبد. وهذا لا يعني أن المشروع مُنزل، فمن الممكن والمرحّب به أن يُخضع للتحسين، لكنه يخشى في المقابل من المماطلة المستمرة والتي تعني “ضياع المزيد من الأموال كما حصل مع تطيير الخطة التي أقرّتها الحكومة السابقة”،
القلة الباقية في مواجهة لوبي المصارف، وفي مقدّمتها الشامي، تعتبر أن شعار الحفاظ على الودائع أو رفض الهيركات هو عنوان غير واقعي يعني عملياً تطيير هذه الودائع والاستمرار في تنفيذ هيركات غير قانوني على كل الودائع. فأن تحصل على 150 دولاراً شهريا من وديعتك هو هيركات وأن لا تتمكن من الحصول على وديعتك عندما تشاء هو هيركات، وأن يتحسب الدولار ب15 ألف ليرة هو هيركات. لذلك المطلوب من المصارف ليس وقف الهيركات بل أن لا يطال رساميل المصارف والمساهمين.
مرفق: الملاحظات الكاملة المقدمة من الوزراء الأربعة، إضافة إلى ملاحظات رئاسة الجمهورية، وكتاب نائب رئيس الحكومة.