تنشر “المفكرة القانونية” بياناً صادراً عن القاضي سامر يونس ردّاً على الاتهامات التي طالته على خلفية اقتراح تسميته عضواً في مجلس القضاء الأعلى هذا نصّه:
“ما أبعدَ العيبَ والنُّقصانَ عن شرفي …”. عندما عجزوا عن إيجاد مَذلّةٍ أو مَذمّةٍ، راحوا يبحثون في رقم سجلّي عن اسمٍ لجريمتهم، ولكنّهم، كعادتهم، خابوا، إذ فاتَهُم أنّ تنّورينَ هي حاميةٌ وليست محمِيّةً، أنّها حرّةٌ وليست حوريّةً، وأنّ المُتَحدِّرَ من جبالها، لَهُوَ، كصخرِها عَصيٌّ، وكمائِها نقيٌّ، فلا تُلوّثُه وحولُ شائعاتٍ، ولا تتسرّبُ إليه سمومٌ لن يأكُلَها إلّا طبّاخوها. فالانتماء إلى تنّورين هو، أبداً، دليل حرّيّة وتحرّر، ولن يكون، يوماً، قرينة على تبعيّة أو ارتهان!
وعليه، وردّاً على ما تناولني به بعض وسائل إعلام وبعض مواقع إخباريّة من افتراء وإساءة تتجاوز حدود نشرة الأخبار أو الخبر المزعوم أو المقال الكاذب، فإنّي أبدي الآتي:
أوّلاً – لقد دأبت نشرة الأخبار في محطّة “أم تي في”، على التّعرّض إليّ، مستندةً، في افترائها، إلى “مصدرٍ قضائيٍّ رفيع” تستقي منه معلوماتها الكاذبة، حتّى تتّهمني، زوراً وبهتاناً، ومن دون أن تكلّف نفسها عناء التّقصّي الموضوعيّ، بأنّي قريب من التّيّار الوطنيّ الحرّ، ومقرَّب، علناً وجهاراً، من رئيسه جبران باسيل. والّلافت، هنا، أنّ هذا “المصدر القضائيّ الرّفيع” نفسَه، إنّما هو ذاتُه الّذي تستقي منه هذه النّشرة افتراءاتها، على الدّوام، منذ 12 آب 2020 حيث وقفت المراسلة الإعلاميّة أمام قصر العدل في بيروت، لتنطق بإسم هذا “المصدر القضائيّ الرّفيع”، محاولة التّطاولَ على تاريخي الّذي لا مكانَ فيه لمُمتَهِني الصّغائر ومُحترفي الكبائر. فلكأنّ نشرةَ الأخبارِ، هذه، أو مراسلَتها تلك، إنّما هي لهذا “المصدرِ القضائيّ الرّفيعِ” رافعةٌ، وبإسمه ناطقةٌ، وعنه وكيلةٌ أصيلة !
ثانياً – لمّا كانت نشرة الأخبار في محطّة “أم تي في”، تستند، في افترائها المتمادي هذا، إلى “مصدرٍ قضائيٍّ رفيع” يحترف محاولة اغتيالي معنويّاً، فإنّي أدعوها، كما وأدعوه، هو، إلى كشفِ اسمِه، حتّى نواجهَ هذا المصدرَ “الشّبح” بأكاذيبِه وأضاليلِه وأحابيلِه. فالضّدُّ يُظهِرُ حُسنَهُ، أو سوءَهُ، الضّدُّ. ولكأنّ إخفاءَ حروفِ الإسمِ يُخفي معالمَ الجريمة !
ثالثاً – إنّي أتساءل، هنا، ما إذا كان أحدٌ، في القضاءِ وخارجَه، مهتمّاً بكشف ومحاسبة هذا “المصدر القضائيّ الرّفيع”، الضّليعِ والخبيرِ في محاولةِ اغتيالِ قضاةٍ، عيبُهم أنّهم وُلِدُوا أحراراً، ويَظَلّون أسياداً في زمنِ السّكوتِ والسّقوط.
رابعاً – أجمعَ بعضُ الوسائل الإعلاميّة والمواقع الإخباريّة، أو كاد يُجمع، في افترائه، على أنّ ثمَّةَ مَن أحالني إلى التّفتيش القضائيّ لخرقي موجبَ التّحفّظ، إثرَ إصداري ذلك البيان المُدَوّي ليلَ 12 آب 2020. لهؤلاءِ الغيارى على موجب التّحفّظ، أقول: أنا الأحرصُ على تحفّظٍ لا يُخفي تجَبُّناً أو تهرُّباً أو هروباً. كما أنا أُطَمئِن هؤلاء المُحِبّين إلى أنّه ليس هنالك أيُّ قرارٍ، لا ماضياً، ولا حاضراً، بإحالتي إلى التّفتيش القضائيّ، لأنّ القانون، في نصّه، كما في روحه، يكرّس حقّ الرّدّ، قمعاً للافتراءات وصدّاً للاعتداءات وحفظاً للكرامات. هذا، علماً بأنّ تاريخي القضائيّ إنّما هو كفيلٌ بإحالتي، فقط، إلى مجلسِ الشّرفِ والأشراف.
خامساً – أجمعَ بعضُ الوسائل الإعلاميّة، والمواقع الإخباريّة، أو كاد يُجمع، في افترائه، على أنّ سببَ استبعادي عن مهامّ المحقّق العدليّ، كما وعن مجلس القضاء، إنّما هو قُربٌ مزعومٌ من السّيّد جبران باسيل. كما أجمعَ هذا البعضُ من الوسائل والمواقع، في الوقت عينه، على أنّ سببَ استبعادي عن تولّي منصب المحقّق العدليّ وعن “الجلوس” إلى “طاولة” مجلس القضاء، هو “طبعي الحادّ والمشاكس، وجرأتي المفرطة، وعدم انضباطي، وعدم إلمامي بأساليب المسايرة والتّمييع”. فكيف أكون تابعاً لهذا، أو قريباً من ذاك، ما دمتُ “مشاكساً” و”صعبَ المراس” و”حادَّ الطّباع” ومفتقراً إلى فضيلةِ “الانضباط”، وجاهلاً “أساليبَ المسايرةِ والتّمييع” الّتي يحترفها القريبون والمقرّبون ؟! وأنا أتساءل، هنا، ما إذا كانت تلك الخصائلُ والفضائلُ هي صفاتٍ من شأنها أن تؤهّلَني إلى أيّ موقع، بدلاً من أن تؤدّي إلى إقصائي عنه، وذلك، طبعاً، في دولة القانون والمؤسّسات؟! ولعلّ حروبَ الإلغاء الّتي تُشَنُّ عليّ، في كلّ مرّةٍ، بهدف استبعادي عن أيّ منصبٍ أو موقع، لهي أبلغُ، لا بل أبشعُ دليلٍ على أنّ الجميع يرفضني، لأنّي لا أناسبُ أحداً، ولا أسايرُ أحداً، ولا أهادنُ أحداً، ولا أتملّقُ أحداً، ولا أراعي أحداً. وفي كلّ حال، أنا ما اعتدت الجلوس إلّا إلى “طاولة” مبادئي، كما وما عرفت الوقوف إلّا إلى جانب قناعاتي.
سادساً – إنّ طبعي يرفضُ وينبذُ ويأبى كلّ تبعيّةٍ. فشعوري بالسّيادة على نفسٍ وعلى قرار، إنّما هو الّذي يمنعني من القرب أو التّقرّب من أيّ شخصٍ سياسيّ أو من أيّة جهةٍ حزبيّة. ولو كنت، فعلاً، قريباً أو مقرّباً من هذا أو ذاك، لرأيتموني، اليوم، أتبوّأ من المناصب أسماها ومن المواقع أرفعها، في هذا الزّمن المُسمَّى “برتقاليّاً”، حيث تمَّ تعييني في “الفيحاء” وإخراجي من بيروت، إذ كنت ضيفاً ثقيلاً على نيابتها العامّة.
سابعاً – هذا هو ردّي، وهذا هو جوابي، اليومَ وغداً وفي كلّ غد، على كلّ متطاولٍ أو متطاولة. لم أشَأهُ، هنا، ردّاً يتناول كلَّ محطةٍ أو موقعٍ أو نشرةٍ أو مقالٍ على حدة، فلا يَطّلِعُ عليه أو يقرأه إلّا مَن يفكُّ رموزَ رابطٍ إلكترونيّ، إنّما أرَدتُه ردّاً شاملاً يوازي شموليّةَ أذى يحاول القاتلون إلحاقه بي، ولكنّهم خابوا وما تابوا. فالموازاةُ في الصّيَغِ تفرِض في الرّدّ شموليّةً في المضمونِ والمكانِ والمدى، حتّى يطردَ خساسةَ اعتداءٍ وجبانةَ افتراء”.
وكانت المفكرة نشرت أمس مقالة شرحت فيها خلفيات هذه الاتهامات وضررها ومخاطرها، أهم ما جاء فيه أنّ “ما يميّز يونس ليس فقط استقلاليته، إنّما أنّه أحد القضاة القلة الذين لم يجدوا حرجاً في خوض معارك من أجل العدالة ولو في مواجهة عدد من كبار القضاة وأصحاب النفوذ كما حصل في ملحمة “البيت الأبيض” الشهيرة. ومن هذه الزاوية، بدا اقتراح اسمه ليس مجرد اقتراح إسم بل حدث على صعيد المواصفات المرجوة لدى أعضاء مجلس القضاء الأعلى وتاليا على الدور المأمول من هذه المؤسسة.
وما يزيد من أهمية هذا الاقتراح هو توقيته في ظل التطوّر الذي سُجّل في الأسبوع المنصرم على الصعيد التشريعي، وتمثّل في إعلان رئيس لجنة الإدارة والعدل جورج عدوان إنهاء دراسة اقتراح قانون استقلالية القضاء العدلي وشفافيته.
وتبعا لذلك، نجد أنفسنا أمام تحدّ هامّ. فهل ستبقى الأزمة هنا أيضا مرتعا لمعارك ونقاشات عقيمة تهيمن على الرأي العام وتحجب مجمل الاعتبارات الأخرى وتاليا مجرد مناسبة لإعادة إنتاج نظام المحاصصة ومعه نظام الزعامات؟ أم أنّ بإمكان مضمون الاقتراح وتزامنه مع تطور الملف التشريعي والحراكات داخل القضاء وحوله أن تمهّد لتحويل الأزمة إلى مناسبة إصلاحية تُخرجنا من دائرة المعارك العقيمة لتُدخلنا في المعركة الأم التي تتصل باستقلال القضاء؟”
ننشر هذا البيان طالبين تعميمه انتصاراً للقضاء المستقل والنزيه.
بيان القاضي يونس مرفق في ما يلي كوثيقة PDF: حق الرد-القاضي سامر يونس